فصل: سنة اثنين وثمانين وستمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة إحدى وثمانين وستمائة:

في مستهل صفر: قبض على الأمير بدر الدين بيسري الشمسي، والأمير كشتغدي الشمسي. فأغلق باب زويلة وعامة الأسواق، وارتجت القاهرة حتى نودي: من أغلق دكانه شنق، ففتحت الأسواق.
وفي ربيع الأول: وصلت رسل الأشكري ورسل ألفونس بهدية.
وفي حادي عشر ربيع الآخر: استقر في الوزارة نجم الدين حمزة بن محمد الأصفوني.
وفي آخر جمادى الآخرة: استعفي قاضي القضاة وجيه الدين عبد الوهاب بن حسن البهنسي من قضاء القاهرة والوجه البحري، وذكر أنه يضعف عن الجمع بين قضاء المدينتين مصر والقاهرة والوجهين القبلي والبحري، فأعفي من قضاء القاهرة والوجه البحري. وفوض السلطان ذلك في أول رجب لشهاب الدين محمد الخوي، وكان يلي أولا قضاء الغربية من أعمال مصر، فنقل منها إلى قضاء القاهرة، وانفرد للبهنسي قضاء مصر والوجه القبلي.
وفي شعبان: حلف الشريف أبو نمي أمير مكة للسلطان وولده بالطاعة لهما، وأنه التزم تعليق الكسوة الواصلة من مصر على الكعبة في كل موسم، وأنه لا يعلق عليها كسوة غيرها، وأن يقدم علم الملك المنصور على كل علم في كل موسم، وألا يتقدمه علم غيره، وأن يسبل زيارة البيت الحرام أيام مواسم الحج وغيرها للزائرين والطائفين والبادين والعاكفين والآمين، وأن يحرس الحاج ويؤمنهم في سربهم، وأن يستمر بإفراد الخطبة والسكة بالاسم الشريف المنصوري، وأن يفعل الخدمة في فعل المخلص الولي للسلطان، ويمتثل مراسمه امتثال النائب للمستنيب.
وفيه وصلت رسل الملك أحمد أغا سلطان بن هولاكو، وهم الشيخ مطب الدين محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي قاضي سيواس، والأمير بهاء الدين أتابك السلطان مسعود صاحب الروم، والصاحب شمس الدين محمد بن الصاحب شرف الدين بن التيتي، وزير ماردين. وكانوا عند قدومهم إلى البيرة قد سار إليهم الأمير حسام الدين لاجين الرومي والأمير سيف الدين كبك الحاجبان، وقد أمرا أن يبالغا في الاحتراز على الرسل وإخفائهم عن كل أحد. واحترزا عليهم حتى لم يشاهدهم أحد، وسارا بهم في الليل حتى قدموا قلعة الجبل بكتاب الملك أحمد: وفيه أنه مسلم، وأنه أمر ببناء المساجد والمدارس والأوقاف، وأمر بتجهيز الحجاج.
وسال اجتماع الكلمة وإخماد الفتنة والحرب، وأنه ظفر بجاسوس وعادة مثله أن يقتل فجهزه إلى الأبواب السلطانية، وقال إنه لا حاجة إلى الجواسيس ولا غيرهم بعد الاتفاق واجتماع الكلمة، وبالغ في استجلاب خاطر السلطان. وتاريخ الكتاب في جمادى الأولى، وأنه كتب بواسط.
فأجيب بتهنئته بالإسلام، والرضي بالصلح، وأعيدت الرسل وقد أكرموا من غير أن يعلم الناس بدخولهم ولا خروجهم. وساروا سراً كما قدموا سراً ليلة السبت ثاني رمضان صحبة الحاجبين، فوصلوا إلى حلب في سادس شوال وعبروا إلى بلادهم.
وفي رمضان: وصل الأمير شمس الدين سنقر الغتمي ورفقته، الذين خرجوا إلى بيت بركة في الرسالة.
وفيه قبض على الأمير بدر الدين بكتوت الشمسي وعلاء الدين أقطوان الساقي، وشهاب الدين قرطاي، واعتقلوا.
وفيه استقر الأمير شمس الدين قراسنقر الجوكندار المنصوري في نيابة السلطة بحلب، عوضاً عن علم الدين سنجر الباشقردي، وعمر جامعها وقلعتها وكانا قد خربهما التتار. وفيه قدم الشيخ على الإوبراني، وكان قد أسلم وخدم الفقراء، وسلك طريق الله وظهرت على يده كرامات، وتبعه جماعة من أولاد المغل، فسار بهم إلى الشام ومصر، ومثل بحضرة السلطان من قلعة الجبل في ثامن عشر ذي القعدة، ومعه إخوته الأقوش وعمر وطوخي وجوبان، وجماعة غيرهم. فأحسن السلطان إليه وإلى من معه، ورتب بعضهم في حملة الخاصكية، ثم نقل إلى الإمرايات منهم الأقوش وتمر وعمر وهم إخوة.
ثم ظهر من الشيخ على ما أوجب أن يسجن، فسجن هو والأقوش، ومات تمر وعمر في الخدمة.
وفي حادي عشريه: وقعت نار بدمشق أقامت ثلاثة أيام، فاحترق فيها شيء كثير، منها سوق الكتبيين، واحترق لشمس الدين إبراهيم الجزري الكتبي خمسة عشر ألف مجلد سوي الكراريس.
وفي يوم عرفة: قبض بدمشق على الأمير عز الدين أيبك كرجي أمير علم، والأمير ناصر الدين محمد بن عز الدين أيدمر النائب بدمشق، وعلى زين الدين بن الشيخ على، واعتقلوا، وفيه تزوج السلطان الملك المنصور قلاوون بخوند أشلون ابنة الأمير سكناي ابن قراجين بن جنغان نوبن القادم إلى القاهرة في الدولة الظاهرية، وهي أم الملك الناصر محمد.
وتزوج الملك الصالح على ابن السلطان بخوند منكبك ابنة الأمير سيف الدين نوكيه، وكانت تحت الأمير زين الدين كتبغا المنصوري، فرآها الملك الصالح يوم حضرت مع نساء الأمراء مهم أشلون يوم زفت إلى السلطان، ففتنه حسنها حتى كاد يهلك، فمازال السلطان بطرنطاي النائب حتى ألزم كتبغا بطلاقها فطلقها.
وأفرج السلطان عن أبيها نوكيه من سجن الإسكندرية، وأحضر إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة، وعقد العقد على خمسة آلاف عينا عجل منها ألف دينار.
وفيها بلغ السلطان أن ملك الكرج توماسوطا بن كلياري خرج من بلاده، ومعه رفيق له اسمه طيبغا بن انكواد يريد زيارة القدس سرا، فحفظت عليه الطرقات من كل جهة، فلم يصل إلى موضع منذ خرج من بلده إلى أن قدم القدس إلا ويصل خبره وهيئة حاله إلى السلطان. فقبض عليه بالقدس، وأحضر إلى قلعة الجبل هو ورفيقه واعتقلا.
وانتهت زيادة النيل في هذه السنة إلى سبعة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا. وخرج من القاهرة بالمحمل الأمير ناصر الدين ألطنبغا الخوارزمي، ومعه كسوة الكعبة، وسار بالسبيل حسام الدين مظفر أستادار الفارقاني. وحج الأمير علاء الدين البندقداري في ركب كبير.
وفيها ولي نجم الدين أبو حفص عمر بن العفيف أبي المظفر خصر بن منصور الشيباني قضاة الشافعية بحلب، عوضاً عن تاج الدين أبي المعالي عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن بن علوي السنجاري.
وفيها في آخر شوال خلع متملك تونس أبو إسحاق إبراهيم بن يحيي بن عبد الواحد بن أبي حفص، وكانت مدته ثلاث سنين وسبعة أشهر. وقام من بعده الدعي أحمد بن مرزوق بن عمار المسبلي الخياط، وزعم أنه الواثق أبو زكريا يحيي بن المستنصر.
وفيها أقيم في الملك تكدار بن هولاكو، بعد موت أخيه أبغا بن هولاكو في المحرم، فاظهر أنه أسلم وتسمي أحمد سلطان. ترك أبغا ولدين هما أرغون وكيختو.

.ومات في هذه السنة من الأعيان:

شمس الدين أبو العباس أحمد بن بهاء الدين أبي بكر بن خلكان البرمكي الإربلي الشافعي، المؤرخ قاضي دمشق في رجب.
وتوفي قاضي المالكية بدمشق زين الدين أبو محمد عبد الكريم بن على بن عمر الزواوي المالكي، بعد ما عزل نفسه، عن اثنتين وتسعين سنة بدمشق.
وتوفي برهان الدين أبو الثناء محمود بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر بن عيسي المراغي الفقيه الشافعي، وقد أناف على خمس وسبعين سنة بدمشق.
ومات الصاحب علاء الدين عطا ملك ابن الصاحب بهاء الدين محمد بن محمد الجويني مدبر دول العراق، بناحية أران. وله فضل وشعر جيد.
وتوفي المسند برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيي بن علوي بن الدرجي القرشي الدمشقي الحنفي، عن اثنتين وثمانين سنة.
ومات الأمير حسام الدين بشار الرومي وهو أحد من قدم في الأيام الظاهرية بيبرس من بلاد الروم بعد ما بلغ مائة وعشرين سنة، وناب وحج وترك الإمرة وعوض عنها براتب أجري عليه.
وتوفي زين الدين إدريس خطب الجامع الأزهر.
وتوفي السديد عبد الله الماعز. وقد باشر ديوان المرتجع في الأيام الظاهرية، فنقله المنصور قلاوون إلى ديوانه.
ومات أيضاً منكوتمر بن طوغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكزخان، ملك التتر ببلاد الشمال. وملك بعده أخوه تدان منكو، وجلس على كرسي الملك. بمدينة صراي.

.سنة اثنين وثمانين وستمائة:

في المحرم: وصل الملك المنصور صاحب حماة، فركب السلطان إلى لقائه، وأنزله بمناظر الكبش وأقيم بواجبه.
وفيه استخرجت الجوالي من الذمة، وكانت العادة أن تستخرج في شهر رمضان، فأخر استخراجها إلى المحرم رفقا بهم، وحضر الصاحب نجم الدين الأصفوني بدار العدل تحت القلعة لاستخراجها.
وفيه رسم أن تكون جوالي الذمة بالقدس وبلد الخليل، وبيت لحم وبيت جمالا، مرصدة لعمارة بركة في بلد الخليل.
وفي سادسه: توجه السلطان، إلى بر الجيزة، وسار إلى البحيرة لحفر الخليج المعروف بالطبرية، ومعه صاحب حماة.
وأقام الأمير علم الدين سنجر الشجاعي بالقلعة، ومعه الأمير قراسنقر الجركندار، وعلاء الدين أيدغدي السلاح دار، وعز الدين أيبك الخازندار، ورتب مع الأمير علم الدين الخياط وإلى القاهرة عدة من أصحاب الأمراء، يطوفون كل ليلة من بعد العصر حول القلعة وفي ظواهر القاهرة. ونودي على الأجناد في القاهرة بالخروج لحفر الخليج، ووقع العمل فيه فكان طوله ستة آلاف وخمسمائة قصبة في عرض ثلاث قصبات وعمق أربع قصبات بالقصبة الحاكمية، وفرغ من عمله في عشرة أيام. فحصل بسببه نفع كبير، وروي منه ما لم يكن قبل ذلك يروي. وفيه وصل من الشروق تسعة عشر وافدا بأولادهم.
وفي رابع عشره: وصلت رسل صاحب بلاد سيلان من أرض الهند واسمه أبو أنكيه بكتابه. وهو صحيفة ذهب عرض ثلاثة أصابع في طول نصف ذراع بداخلها شيء أخضر يشبه الخوص، مكتوب فيه بقلم لم يوجد في القاهرة من يحسن قراءته، فسئل الرسل عنه فقالوا إنه يتضمن السلام والمحبة وإنه ترك صحبة صاحب اليمن وتعلق بمحبة السلطان، ويريد أن يتوجه إليه رسول، وذكر أن عنده أشياء عدها من الجواهر والفيلة والتحف ونحوها، وأنه عبأ تقدمة إلى أبواب السلطان، وأن في مملكة سيلان سبعا وعشرين قلعة، وبها معادن الجواهر والياقوت، وأن خزائنه ملآنة من الجواهر.
وفي رابع صفر: عاد المنصور صاحب حماة بلده، وخرج السلطان معه لوداعه.
وفي خامس ربيع الأول: جرت الهدنة بين السلطان وبين الفرنج بعكا مدة عشر سنين، أولها خامس المحرم من هذه السنة.
وفي عاشره: ولي الصاحب برهان الدين السنجاري تدريس المدرسة بجوار الشافعي من القرافة.
وفي مات الصاحب نجم الدين حمزة الأصفوني، وولي شرف الدين أبو طالب بن النابلسي نظر الوجه القبلي، ونقل القاضي عز الدين بن شكر من نظر ديوان الجيش إلى نظر الوجه البحري، وخلع عليهما. وبقي الأمير علم الدين سنجر الشجاعي مدير المماليك، وهما بين يديه يصرفان المهمات.
وفيها خرجت تجريدة من قلعة كركر إلى حصار قلعة قطيبا إحدى قلاع أمد، فأخذوها من أيدي التتار، وأقيم فيها الرجال وعملت بها الأسلحة والغلال، فصارت من حصون الإسلام المنيعة.
وأخذت أيضاً قلعة كختا من النصارى بسؤال أهلها، فتسلمها أمراء السلطان. بمدينة حلب، وشحنت بالأسلحة وغيرها، وصارت مسلطة على الأرمن.
وفي جمادى الأولى: خرج أرغون بن أبغا على عمه تكدار المسمى أحمد سلطان بخراسان، فسار إليه وقتله وهزمه ثم أسره، فقامت الخواتين مع أرغون، وسألن الملك تكدار أحمد في الإفراج عنه وتوليته خراسان، فلم يرض بذلك.
وكانت المغل قد تغيرت على تكدار، لكونه دخل في دين الإسلام وإلزامه لهم بالإسلام، فثاروا وأخرجوا أرغون من الاعتقال، وطرقوا ألناق نائب تكدار ليقتلوه ففر منهم فأدركوه وقتلوا تكدار أيضاً، وأقاموا أرغون بن أبغا ملكا. فولي أرغون وزارته سعد الدولة اليهودي، وولي ولديه خرابندا وقازان خراسان، وعمل أتبكهما الأمير نوروز.
ومات الأشكري متملك قسطنطنية واسمه ميخائيل، وملك بعده ابنه الدوقش.
وفي النصف من جمادى الأولى: توجه السلطان من قلعة الجبل إلى بلاد الشام، فنزل غزة في سابع جمادى الآخرة، وقبض على غرس الدين بن شاور متولي رملة ولد، وولي عوضه الأمير علم الدين سنجر الصالحي، وعزل عماد الدين بن أبي القاسم عن القدس، بنجم الدين السونجي.
ودخل السلطان دمشق يوم الجمعة ثامن شهر رجب، فرسم أن كل من استخدم ترد جامكيته على ما كانت عليه في الدولة الظاهرية وتستعاد منه الزيادة، فاستخرج من ذلك مال كبير.
وفي يوم الجمعة حادي عشري رجب: عوق قاضي القضاة عز الدين محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري المعروف بابن الصائغ، ثم صرف عن القضاء بدمشق، وطولب بثمانية آلاف دينار أودعها عنده الطواشي ريحان الخليفتي وأوصاه عيلها، وطولب بعدة ودائع أخرى، فقام في حقه الأمير حسام الدين لاجين نائب الشام والأمير حسام الدين طرنطاي نائب مصر، ومازالا حتى أفرج عنه في ثامن عشري شعبان، ولزم داره.
واستقر عوضه في قضاء دمشق بهاء الدين يوسف بن محيي الدين يحيي بن محمد بن على بن محمد بن على الزكي.
وفيه استقر شرف الدين بن مزهر في نظر الشام ثالثاً للناظرين.
واستقر قراسنقر نائباً بحلب، عوضاً عن سنجر الباشقردي وقيل بل كان ذلك في سنة إحدى وثمانين كما تقدم، وأنعم على الباشقردي بإقطاع بدر الدين الأزدمر. بمصر. واستقر بدر الدين بكتوت السعدي نائبا بحمص.
وفي ثاني رمضان: خرج السلطان من دمشق، ودخل قلعة الجبل يوم الخميس رابع عشريه، وخرج المحمل على العادة.
وفي هذه السنة: غارت العساكر على بلاد الأرمن، ووصلوا إلى مدينة أياس وقتلوا ونهبوا وحرقوا، واقتتلوا مع الأرمن عند باب إسكندرونة وهزموهم إلى تل حمدون، وعادوا سالمين ظافرين بالغنائم.
وفيها كانت وقعة ببلاد بيروت مع فرج قبرس حين قصدهم بلاد الساحل، قتل فيها عدة من الفرنج، وأسر منهم زيادة على ثمانين رجلا، وأخذت منهم غنائم كثيرة.
وفيها وصلت رسل تدان منكو بن طوغان بن باطو بن دوشي بن جنكزخان ملك القبجاق، بكتاب خطه بالقلم المغلي: يتضمن أنه أسلم، ويريد أن ينعت نعتا من نعوت أهل الإسلام، ويجهز له علم خليفتي وعلم سلطاني يقاتل بهما. أعداء الدين. فجهزت الرسل إلى الحجاز، ثم عادوا وساروا إلى بلادهم. بما سألوا فيه.
وفيها اشتريت الدار القطية بخط بين القصرين من القاهرة، من خالص مال السلطان، وعوض سكانها عنها قصر الزمرد برحبة باب العيد، في ثامن عشري شهر ربيع الأول.
وقام الأمير علم الدين سنجر الشجاعي في عمارتها مارستاناً وقبة ومدرسة باسم السلطان الملك المنصور قلاوون، فأظهر من الاهتمام في العمارة ما لم يسمع. بمثله. وفيها قدم الشيخ عبد الرحمن في الرسالة من الملك أحمد أغا سلطان إلى البيرة، وعلى رأسه الجتر كما هي عادته في بلاد التتر، فتلقاه الأمير جمال الدين أقش الفارسي أحد أمراء حلب، ومنعه من حمل الجتر والسلاح، وعدل به عن الطريق المسلوك إلى أن أدخله حلب ثم إلى دمشق، فوصلها ليلة الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة، من غير أن يمكن أحداً من الاجتماع به ولا من رؤيته. ولما وصل إلى دمشق أنزل بقلعتها، فأقام بقاعة رضوان من القلعة إلى أن وصل السلطان إلى دمشق في سنة ثلاث وثمانين. وأجري عليه في كل يوم ألف درهم، ومأكل وحلوي وفاكهة بألف أخرى.
وفيها استدعى تاج الدين السنهوري من دمشق، واستقر في نظر الدواوين بديار مصر، عوضاً عن عز الدين إبراهيم بن مقلد بن أحمد بن شكر، رفيقاً لشرف الدين بن النابلسي.
وتزوج الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان باردكين ابنة الأمير سيف الدين نوكيه، أخت زوجة أخيه الملك الصالح على.
وفيها ولي مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن مكي قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن نجم الدين أبي حفص عمر بن نصر بن منصور الأنصاري البيساني، مدة يسيرة ثم عزل.
وفي أوائل هذه السنة: تحرك سعر الغلة حتى بلغ الأردب القمح خمسة وثلاثين درهما، فكرة السلطان ذلك وتوجه بالعسكر إلى الشام تخفيفاً عن الناس، فلم ينحط السعر، فجمع الأمراء وأراد أن يكتب بفتح أهراء مصر أدخله حلب ثم إلى دمشق، فوصلها ليلة الثلاثاء وبيع الغلة منها بسعر خمسة وعشرين درهما الأردب، فقال له الأيدمري: قلوب الناس متعلقة. بما في الأهراء، فإنها خزانة المسلمين، كلما نظروا إليها ملآنة شبعت نفوسهم، وما يؤمن ارتفاع السعر أيضاً. والرأي أن الأمراء بأسرهم يكتبون بفتح شونهم وبيع القمح بخمسة وعشرين درهما الأردب، فإذا وقع البيع منها دفعة واحدة مع بقاء الأهراء ملآنة رجي انحطاط السعر، والأمراء لا يضرهم إذا نقصت شونهم نصف ما فيها. فأعجب السلطان ذلك، وكتب الأمراء بفتح شونهم ففتحت، وبيع القمح منها بخمسة وعشرين درهما الأردب، فانحط السعر إلى عشرين ثم إلى ثمانية عشر، واستمر كذلك حتى قدم الجديد من المغل.
وفيها قتل متملك الروم غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قلج أرسلان بن كيخسرو بن كيقباد، وأقيم بعده مسعود بن عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان بيغو بن سلجوق، وهو آخر من سمي بالسلطان من السلجوقية ببلاد الروم، وقد افتقر وانكشف حاله ومات قريب سنة ثمان عشرة وسبعمائة.
وفيها كانت وفاة الشيخ الإمام عماد الدين بن الفضل محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة الله الشيرازي، ببستانه بالمزة في يوم الإثنين سابع عشر صفر، وصلي عليه بعد صلاة العصر بجامع الجبل، ودفن بتربة فيها قبر أخيه علاء الدين، رحمهما الله تعالي. وكان شيخ الكتابة أتقن الخط المنسوب، وبلغ فيه مبلغا عظيما حتى أتقن قلم المحقق، وكتبه أجود من شيخ الصناعة ابن البواب.
وفيها توفي الصاحب مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم بن أبي القاسم بن أبي طالب بن كسيرات الموصلي، وكانت وفاته في سابع عشري رمضان بداره بجبل الصالحية، وكان رحمه الله تعالى كثير المروءة واسع الصدر، كثير الهيبة والوقار جميل الصورة حسن المنظر والشكل، كثير التعصب لمن يقصده محافظا على مودة أصدقائه وقضاء حوائجهم، كثير التفقد لهم. وأصله من الموصل من بيت الوزارة، كان والده وزير الملك المنصور عماد الدين زنكي ابن الملك العادل نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، ثم باشر نظر الخزانة للملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ، ثم نقله إلى نظر الجزيرة العمرية لما فتحها، ووصل إلى الشام صحبة الملك المجاهد سيف الدين إسحاق لما وصل في الدولة الظاهرية، وسكن دمشق وولي نظر البر بها، ثم نقل إلى نظر نابلس، ثم أعيد إلى دمشق فباشر نظر الزكاة بها، ثم انتقل إلى صحابة الديوان بالشام إلى أن ملك سنقر الأشقر دمشق، فاستوزره كما تقدم، وبطل بعد ذلك عن المباشرة، وسكن داره التي أنشأها بجبل قاسيون جوار البيمارستان، فكان بها إلى أن مات.
قال شمس الدين الجزري: قلت له يوما وقد أضرت به البطالة: يا مولانا لو ذكرت أحدا من أصحابك الأمراء حتى يذكر بك السلطان أو نائب السلطنة، فكاتب في أمرك، فإن لك خدما وتفضلاً على الناس، فنظر إلي وأنشد:
لذ خمولي وحلا مره ** وصانني عن كل مخلوق

نفسي معشوقي ولي غيرة ** تمنعني عن بذل معشوقي

وفيها في يوم الخميس عاشر شهر رمضان: توفي الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن الملك الناصر صلاح الدين دواد ابن الملك المعظم شرف الدين عيسي ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب، وكانت وفاته بدمشق، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة، ودفن بالتربة المعظمية. وكان رحمه الله تعالى قد جمع بين الرياسة والفضيلة والعقل الوافر والخصال الجميلة، وكان مجانبا الناس محبوب الصورة، رحمه الله تعالي.
وفيها في سادس عشري شعبان: توفي القاضي عز الدين إبراهيم بن الصاحب الوزير الأعز فخر الدين أبي الفوارس مقدام ابن القاضي كمال الدين أبي السعادات أحمد بن شكر. وكان قد ولي نظر الجيوش بالديار المصرية في شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة، كما تقدم. رحمه الله تعالي.
وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة العابد الزاهد شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام أبي عمر عمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر القدسي شيخ الحنابلة بالشام. وكان قد ولي قضاء القضاة على كره منه سنة أربع وستين وستمائة كما تقدم، ثم ترك الحكم وتوفر على العبادة والتدريس وأشغال الطلبة والتصنيف. ويقال إنه قطب بالشام، واستدل على ذلك. يمراء توافقت عليها جماعة تعرفه في سنة. سبع وسبعين وستمائة أنه قطب، وكان أوحد زمانه. وكانت وفاته في يوم الإثنين سلخ ربيع الآخر منها، ودفن بقاسيون بتربة والده قدس الله روحه. ومولده في السابع والعشرين من المحرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ولما مات رثاه المولي الفاضل شهاب الدين محمود كاتب الإنشاء بقصيدة أولها:
ما للوجوه ومد علاه ظلام ** أعراه خطب أم عداه مرام؟

أم قد أصيب بشمسه فغدا وقد ** لبست عليه حدادها الأيام

وجاء منها:
لكم الكرامات الجليلات التي ** لا تستطيع جحودها الأقوام

وهي قصيدة تزيد على ستين بيتا. ورثاه جماعة رحمه الله تعالي.
وفيها توفي الأمير علاء الدين كندغدي المشرقي الظاهري المعروف بأمير مجلس، كان من أعيان الأمير بالديار المصرية، وظهر قبل وفاته. بمدة يسيرة أنه باق على الرق، فاشتراه السلطان الملك المنصور بجملة وأعتقه وقربه لديه، وكان شجاعا بطلا مقداما. وكانت وفاته بالقاهرة في يوم الجمعة مستهل صفر، ودفن. بمقابر بباب النصر، رحمه الله تعالي.
وفيها توفي الأمير شهاب الدين أحمد بن حجي بن يزيد البرمكي أمير آل مرا، وكانت وفاته ببصري. وكانت غراته تنتهي إلى أقصي نجد والحجاز، وأكثرهم يؤدون إليه أتاوة في كل سنة، فمن قطعها منهم أغار عليه، وكان يدعي إنه من نسل جعفر البرمكي من العباسة أخت الرشيد، ويقول إنه تزوجها ورزق منها أولاداً، ولما جري على البرامكة ما جري هرب أولاده منها إلى البادية، فأخذهم جده، والله أعلم. وكان يقول للقاضي شمس الدين ابن خلكان أنت ابن عمي وكان بينهما مهاداة، وانتفع ابن خلكان به وباعتنائه عند السلطان.
وفيها في سابع عشري المحرم: كانت وفاة شمس الدين عيسي بن الصاحب برهان الخضري السنجاري، كان ينوب عن والده في الوزارة الأولى في سنة ثمان وسبعين وستمائة، وولي نظر الأحباس ونظر خانقاه سعيد السعداء، ثم ولي بعد ذلك تدريس المدرسة الصلاحية المعروفة بزين التجار، ثم قبض عليه مع والده بعد انفصاله من الوزارة الثانية كما تقدم. فلما أفرج عنه سكن المدرسة المعزية. بمصر، وكان بها إلى أن توفي، وكان حسن الصورة والشكل، رحمه الله تعالي.
وفيها في سادس شوال. توفيت زوجة السلطان الملك المنصور والدة ولده الملك الصالح علاء الدين على، رحمهما الله تعالي.
وفيها في يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى: توفي الشيخ ظهير الدين جعفر بن يحيي بت جعفر القرشي التزمنتي الشافعي، مدرس المدرسة القطبية بالقاهرة، وأحد المعيدين. بمدرسة الشافعي. رحمه الله تعالي.
وفيها في يوم السبت ثاني عشري رجب: توفي الأمير علم الدين سنجر أمير جاندار أغاي أحد الأمراء بالديار المصرية، وكانت وفاته بدمشق لما كان السلطان بها، ودفن بظاهرها عند قباب التركمان. بميدان الحصا، رحمه الله تعالى.