فصل: الآية (72)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 الآية 72

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله ‏{‏إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله‏}‏ قال‏:‏ إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل‏.‏ منهم المؤمن والمهاجر المباين لقومه في الهجرة، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم، وفي قوله ‏{‏والذين آووا ونصروا‏}‏ وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض، وفي قوله ‏{‏والذين آمنوا ولم يهاجروا‏}‏ قال‏:‏ كانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر، فبؤأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال الله ‏{‏ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق‏}‏ وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، ولا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذي لا ميثاق لهم، ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك‏:‏ إن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا ولم يهاجروا، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا لقوله ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم‏}‏ ‏(‏الأنفال الآية 75‏)‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء، وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وبين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع‏.‏ وقال لسائر أصحابه‏:‏ تآخوا وهذا أخي - يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه - قال‏:‏ فأقام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال، وكان مما شدد الله به عقد نبيه صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى ‏{‏إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا‏}‏ إلى قوله ‏{‏لهم مغفرة ورزق كريم‏}‏ فأحكم الله تعالى بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، يتوارث الذين تآخوا دون من كان مقيما بمكة من ذوي الأرحام والقرابات، فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله، ثم أنزل الله الآية الآخرى فنسخت ما كان قبلها فقال ‏{‏والذين أمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام‏}‏ والقرابات ورجع كل رجل إلى نسبه ورحمه، وانقطعت تلك الوراثة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض‏}‏ يعني في الميراث، جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام ‏{‏والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء‏}‏ ما لكم من ميراثهم شيء ‏{‏حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين‏}‏ يعني إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدو لهم فعليهم أن ينصروهم ‏{‏إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق‏}‏ فكانوا يعملون على ذلك حتى أنزل الله تعالى هذه الآية ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏ فنسخت التي قبلها وصارت المواريث لذوي الأرحام‏.‏

وأخرج أبو عبيدة وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا‏}‏ قال‏:‏ كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر، فنسختها هذه الآية ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ‏{‏والذين آمنوا ولم يهاجروا‏}‏ قال‏:‏ كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا المهاجر يرث الأعرابي حتى فتحت مكة ودخل الناس في الدين أفواجا، فأنزل الله ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا‏}‏ قال‏:‏ نزلت هذه الآية فتوارثت المسلمون بالهجرة، فكان لا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر المسلم شيئا حتى نسخ ذلك بعد في سورة الأحزاب ‏(‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين‏)‏ فخلط الله بعضهم ببعض وصارت المواريث بالملل‏.‏

وأخرج أحمد ومسلم عن بريدة رضي الله عنه قال ‏"‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا، وقال‏:‏ اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‏.‏ ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن آتوا فأقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله ثم قاتلهم‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد وابو داود والنسائي والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق‏}‏ قال‏:‏ نهى المسلمون عن أهل ميثاقهم فوالله لأخوك المسلم أعظم عليك حرمة وحقا والله أعلم‏.‏

 الآيات 73 - 74

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق أبي مالك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رجل من المسلمين لنورثن ذوي القربى منا من المشركين، فنزلت ‏{‏والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير‏}‏‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏والذين كفروا بعضهم أولياء بعض‏}‏ قال‏:‏ نزلت في مواريث مشركي أهل العرب‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏والذين كفروا بعضهم أولياء بعض‏}‏ يعني في المواريث ‏{‏إلا تفعلوه‏}‏ يقول‏:‏ إن لا تأخذوا في المواريث بما أمرتكم به‏.‏

وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافرا، ولا كافر مسلما، ثم قرأ ‏{‏والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير‏}‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏إذا جاءكم من ترضون أمانته وخلقه فأنكحوه كائنا ما كان، فإن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير‏"‏‏.‏

 الآية 75

أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‏"‏ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم توفي على أربعة منازل‏.‏ مؤمن مهاجر، والأنصار، وأعرابي مؤمن لم يهاجر، إن استنصره النبي نصره، وإن تركه فهو إذن له، وإن استنصر النبي صلى الله عليه وسلم كان حقا عليه أن ينصره، وذلك ‏(‏استنصروكم في الدين فعليكم النصر‏)‏ ‏(‏الأنفال الآية 72‏)‏، والرابعة التابعين بإحسان‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه‏.‏ مثله‏.‏

وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن الزبير بن العوام قال‏:‏ أنزل الله فينا خاصة معشر قريش والأنصار ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض‏}‏ وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة، قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم وتوارثنا، فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد، وآخى عمر رضي الله عنه فلانا، وآخى عثمان رضي الله عنه رجلا من بني زريق بن سعد الزرقي‏.‏ قال الزبير‏:‏ وواخيت أنا كعب بن مالك، ووارثونا ووارثناهم فلما كان يوم أحد قيل لي، قتل أخوك كعب بن مالك فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما نرى، فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة، فرجعنا إلى مواريثنا‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن الزبير أنه كتب إلى شريح القاضي‏:‏ إنما نزلت هذه الآية أن الرجل كان يعاقد الرجل يقول‏:‏ ترثني وأرثك، فنزلت ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏ فلما نزلت ترك ذلك‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما‏.‏ أنه قيل له‏:‏ إن ابن مسعود رضي الله عنه لا يورث الموالي دون الأرحام، ويقول‏:‏ إن ذوي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏.‏ فقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ هيهات هيهات‏.‏ أين ذهب، إنما كان المهاجرون يتوارثون دون الأعراب، فنزلت ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏ يعني أنه يورث المولى‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏ قال‏:‏ نسخت هذه الآية ما كان قبلها من مواريث العقد والحلف والمواريث بالهجرة، وصارت لذوي الأرحام قال‏:‏ والابن أولى من الأخ، والأخ أولى من الأخت، والأخت أولى من ابن الأخ، وابن الأخ أولى من العم، والعم أولى من ابن العم، وابن العم أولى من الخال، وليس للخال ولا العمة ولا الخالة من الميراث نصيب في قول زيد، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطي ثلثي المال للعمة والثلث للخالة إذا لم يكن له وارث، وكان علي وابن مسعود يردان ما فضل من الميراث على ذوي الأرحام على قدر سهمانهم غير الزوج والمرأة‏.‏

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال‏:‏ كان لا يرث الأعرابي المهاجر حتى أنزل الله ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ توارثت المسلمون لما قدموا المدينة بالهجرة، ثم نسخ ذلك فقال ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏‏.‏

وأخرج الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنما قال‏:‏ آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية ‏{‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏}‏ فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب‏.‏