فصل: فصل فيما يوجب القود وما لا يوجبه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


كتاب الأشربة

هي جمع شراب ‏(‏والشراب‏)‏ لغة‏:‏ كل مائع يشرب واصطلاحا ‏(‏ما يسكر والمحرم منها أربعة‏)‏ أنواع‏.‏ ‏(‏الأول‏:‏ الخمر وهي النيء‏)‏ بكسر النون فتشديد الياء ‏(‏من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف‏)‏ أي رمى ‏(‏بالزبد‏)‏ أي الرغوة ولم يشترطا قذفه وبه قالت الثلاثة وبه أخذ أبو حفص الكبير، وهو الأظهر كما في الشرنبلالية عن المواهب ويأتي ما يفيده وقد تطلق الخمر على غير ما ذكر مجازا‏.‏ ثم شرع في أحكامها العشرة فقال ‏(‏وحرم قليلها وكثيرها‏)‏ بالإجماع ‏(‏لعينها‏)‏ أي لذاتها وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الخمر والميسر‏}‏ الآية عشر دلائل على حرمتها مبسوطة في المجتبى وغيره ‏(‏وهي نجسة نجاسة مغلظة كالبول ويكفر مستحلها وسقط تقومها‏)‏ في حق المسلم ‏(‏لا ماليتها‏)‏ في الأصح

‏(‏وحرم الانتفاع بها‏)‏ ولو لسقي دواب أو لطين أو نظر للتلهي، أو دواء أو دهن أو طعام أو غير ذلك إلا لتخليل أو لخوف عطش بقدر الضرورة فلو زاد فسكر حد مجتبى

‏(‏ولا يجوز بيعها‏)‏ لحديث مسلم‏:‏ «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» ‏(‏ويحد شاربها وإن لم يسكر منها و‏)‏ يحد ‏(‏شارب غيرها إن سكر ولا يؤثر فيها الطبخ‏)‏ إلا أنه لا يحد فيه ما لم يسكر منه لاختصاص الحد بالنيء ذكره الزيلعي، واستظهره المصنف وضعف ما في القنية والمجتبى ثم نقل عن ابن وهبان أنه لا يلتفت لما قاله صاحب القنية مخالفا للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره ا هـ وفيه كلام لابن الشحنة

‏(‏ولا يجوز بها التداوي‏)‏ على المعتمد قاله المصنف‏.‏ قلت‏:‏ ولو باحتقان أو إقطار في إحليل نهاية ‏(‏ولا يجوز تحليلها ولو بطرح شيء فيها‏)‏ خلافا للشافعي‏.‏

‏(‏و‏)‏ الثاني ‏(‏الطلاء‏)‏ بالكسر ‏(‏وهو العصير يطبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه‏)‏ ويصير مسكرا وصوب المصنف أن هذا يسمى الباذق، وأما الطلاء فما ذكره بقوله ‏(‏وقيل ما طبخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه‏)‏ وصار مسكرا ‏(‏وهو الصواب‏)‏ كما جرى عليه صاحب المحيط وغيره، يعني في التسمية لا في الحكم، لأن حل هذا المثلث المسمى بالطلاء على ما في المحيط ثابت لشرب كبار الصحابة رضي الله عنهم كما في الشرنبلالية‏.‏ قال‏:‏ وسمي بالطلاء لقول عمر رضي الله عنه‏:‏ ما أشبه هذا الطلاء البعير وهو القطران الذي يطلى به البعير الجربان ‏(‏ونجاسته‏)‏ أي الطلاء على التفسير الأول كذا قاله المصنف ‏(‏كالخمر‏)‏ به يفتى

‏(‏و‏)‏ الثالث ‏(‏السكر‏)‏ بفتحتين ‏(‏وهو النيء من ماء الرطب‏)‏ إذا اشتد وقذف بالزبد

‏(‏و‏)‏ الرابع ‏(‏نقيع الزبيب، وهو النيء من ماء الزبيب‏)‏ بشرط أن يقذف بالزبد بعد الغليان ‏(‏والكل‏)‏ أي الثلاثة المذكورة ‏(‏حرام إذا غلى واشتد‏)‏ وإلا اتفاقا، وإن قذف حرم اتفاقا، وظاهر كلامه فبقية المتون أنه اختار هاهنا قولهما قاله البرجندي، نعم قال القهستاني‏:‏ وترك القيد هنا لأنه اعتمد على السابق ا هـ فتنبه؛ ولم يبين حكم نجاسة السكر والنقيع؛ ومفاد كلامه أنها خفيفة وهو مختار السرخسي، واختار في الهداية أنها غليظة ‏(‏وحرمتها دون حرمة الخمر فلا يكفر مستحلها‏)‏ لأن حرمتها بالاجتهاد‏.‏

‏(‏والحلال منها‏)‏ أربعة أنواع‏:‏ الأول ‏(‏نبيذ التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخة‏)‏ يحل شربه ‏(‏وإن اشتد‏)‏ وهذا ‏(‏إذا شرب‏)‏ منه ‏(‏بلا لهو وطرب‏)‏ فلو شرب للهو فقليله وكثيره حرام ‏(‏وما لم يسكر‏)‏ فلو شرب ما يغلب على ظنه أنه مسكر فيحرم، لأن السكر حرام في كل شراب‏.‏ ‏(‏و‏)‏ الثاني ‏(‏الخليطان‏)‏ من الزبيب والتمر إذا طبخ أدنى طبخة، وإن اشتد يحل بلا لهو‏.‏ ‏(‏و‏)‏ الثالث ‏(‏نبيذ العسل والتين والبر والشعير والذرة‏)‏ يحل سواء ‏(‏طبخ أو لا‏)‏ بلا لهو وطرب‏.‏ ‏(‏و‏)‏ الرابع ‏(‏المثلث‏)‏ العنبي وإن اشتد، وهو ما طبخ من ماء العنب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه إذا قصد به استمراء الطعام والتداوي والتقوي على طاعة الله تعالى، ولو للهو لا يحل إجماعا حقائق‏.‏

‏(‏وصح بيع غير الخمر‏)‏ مما مر، ومفاده صحة بيع الحشيشة والأفيون‏.‏ قلت‏:‏ وقد سئل ابن نجيم عن بيع الحشيشة هل يجوز‏؟‏ فكتب لا يجوز، فيحمل على أن مراده بعدم الجواز عدم الحل‏.‏ قال المصنف ‏(‏وتضمن‏)‏ هذه الأشربة ‏(‏بالقيمة لا بالمثل‏)‏ لمنعنا عن تملك عينه وإن جاز فعله، بخلاف الصليب حيث تضمن قيمته صليبا لأنه مال متقوم في حقه وقد أمرنا بتركهم وما يدينون زيلعي‏.‏ ‏(‏وحرمها محمد‏)‏ أي الأشربة المتخذة من العسل والتين ونحوهما قاله المصنف ‏(‏مطلقا‏)‏ قليلها وكثيرها ‏(‏وبه يفتى‏)‏ ذكره الزيلعي وغيره؛ واختاره شارح الوهبانية، وذكر أنه مروي عن الكل ونظمه فقال‏:‏ وفي عصرنا فاختير حد وأوقعوا طلاقا لمن من مسكر الحب يسكر وعن كلهم يروى وأفتى محمد بتحريم ما قد قل وهو المحرر قلت‏:‏ وفي طلاق البزازية‏:‏ وقال محمد ما أسكر كثيره فقليله حرام، وهو نجس أيضا، ولو سكر منها المختار في زماننا أنه يحد‏.‏ زاد في الملتقى‏:‏ وقوع طلاق من سكر منها تابع للحرمة، والكل حرام عند محمد وبه يفتى، والخلاف إنما هو عند قصد التقوي‏.‏ أما عند قصد التلهي فحرام إجماعا ا هـ، وتمامه فيما علقته عليه‏.‏ زاد في القهستاني‏:‏ أن لبن الإبل إذا اشتد لم يحل عند محمد خلافا لهما، والسكر منه حرام بلا خلاف، والحد والطلاق على الخلاف، وكذا لبن الرماك‏:‏ أي الفرسة إذا اشتد لم يحل، وصحح في الهداية حله‏.‏ وفي الخزانة أنه يكره تحريما عند عامة المشايخ على قوله‏.‏

‏(‏وحل الانتباذ‏)‏ اتخاذ النبيذ ‏(‏في الدباء‏)‏ جمع دباءة وهو القرع ‏(‏والحنتم‏)‏ جرة خضراء ‏(‏والمزفت‏)‏ المطلي بالزفت‏:‏ أي القير ‏(‏والنقير‏)‏ الخشبة المنقورة، وما ورد من النهي نسخ‏.‏

‏(‏وكره شرب دردي الخمر‏)‏ أي عكره ‏(‏والامتشاط‏)‏ بالدردي لأن فيه أجزاء الخمر، وقليله ككثيره كما مر ‏(‏و‏)‏ لكن ‏(‏لا يحد شاربه‏)‏ عندنا ‏(‏بلا سكر‏)‏ وبه يحد إجماعا‏.‏

‏(‏ويحرم أكل البنج والحشيشة‏)‏ هي ورق القتب ‏(‏والأفيون‏)‏ لأنه مفسد للعقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ‏(‏لكن دون حرمة الخمر، فإن أكل شيئا من ذلك لا حد عليه وإن سكر‏)‏ منه ‏(‏بل يعزر بما دون الحد‏)‏ كذا في الجوهرة، وكذا تحرم جوزة الطيب لكن دون حرمة الحشيشة قاله المصنف‏.‏ ونقل عن الجامع وغيره أن من قال بحل البنج والحشيشة فهو زنديق مبتدع؛ بل قال نجم الدين الزاهدي‏:‏ إنه يكفر ويباح قتله‏.‏ قلت‏:‏ ونقل شيخنا النجم الغزي الشافعي في شرحه على منظومة أبيه البدر المتعلقة بالكبائر والصغائر عن ابن حجر المكي أنه صرح بتحريم جوزه الطيب بإجماع الأئمة الأربعة وأنها مسكرة‏.‏ ثم قال شيخنا النجم‏:‏ والتتن الذي حدث وكان حدوثه بدمشق في سنة خمسة عشر بعد الألف يدعي شاربه أنه لا يسكر وإن سلم له فإنه مفتر وهو حرام لحديث أحمد عن أم سلمة قالت‏:‏ «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر» قال‏:‏ وليس من الكبائر تناوله المرة والمرتين، ومع نهي ولي الأمر عنه حرم قطعا، على أن استعماله ربما أضر بالبدن، نعم الإصرار عليه كبيرة كسائر الصغائر ا هـ بحروفه‏.‏ وفي الأشباه في قاعدة‏:‏ الأصل الإباحة أو التوقف، ويظهر أثره فيما أشكل حاله كالحيوان المشكل أمره والنبات المجهول سمته ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ فيفهم منه حكم النبات الذي شاع في زماننا المسمى بالتتن فتنبه، وقد كرهه شيخنا العمادي في هديته إلحاقا له بالثوم والبصل بالأولى فتدبر، وممن جزم بحرمة الحشيشة شارح الوهبانية في الحظر، ونظمه فقال‏:‏ وأفتوا بتحريم الحشيش وحرقه وتطليق محتش لزجر وقرروا لبائعه التأديب والفسق أثبتوا وزندقة للمستحل وحرروا‏.‏

كتاب الصيد

لعل مناسبته أن كلا منهما مما يورث السرور ‏(‏هو مباح‏)‏ بخمسة عشر شرطا مبسوطة في العناية، وسنقرره في أثناء المسائل ‏(‏إلا‏)‏ لمحرم في غير المحرم أو ‏(‏للتلهي‏)‏ كما هو ظاهر ‏(‏أو حرفة‏)‏ على ما في الأشباه‏.‏ قال المصنف‏:‏ وإنما زدته تبعا له، وإلا فالتحقيق عندي إباحة اتخاذه حرفة لأنه نوع من الاكتساب، وكل أنواع الكسب في الإباحة سواء على المذهب الصحيح كما في البزازية وغيرها‏.‏

‏(‏نصب شبكة للصيد ملك ما تعقل بها، بخلاف ما إذا نصبها للجفاف‏)‏ فإنه لا يملك ما تعقل بها ‏(‏وإن وجد‏)‏ المقلش أو غيره ‏(‏خاتما أو دينارا مضروبا‏)‏ بضرب أهل الإسلام ‏(‏لا‏)‏ يملكه ويجب تعريفه‏.‏ اعلم أن أسباب الملك ثلاثة‏:‏ ناقل كبيع وهبة وخلافة كإرث وأصالة، وهو الاستيلاء حقيقة بوضع اليد أو حكما بالتهيئة كنصب الصيد لا لجفاف على المباح الخالي عن مالك، فلو استولى في مفازة على حطب غيره لم يملكه ولم يحل للمقلش ما يجده بلا تعريف، وتمام التفريع في المطولات‏.‏

‏(‏ويحل الصيد بكل ذي ناب ومخلب‏)‏ تقدما في الذبائح ‏(‏من كلب وباز ونحوهما بشرط قابلية التعليم و‏)‏ بشرط ‏(‏كونه ليس بنجس العين‏)‏‏.‏ ثم فرع على ما مهد من الأصل بقوله ‏(‏فلا يجوز الصيد بدب وأسد‏)‏ لعدم قابليتهما التعليم فإنهما لا يعملان للغير، الأسد لعلو همته، والدب لخساسته‏.‏ وألحق بعضهم بالدب الحدأة لخساستها ‏(‏ولا بخنزير‏)‏ لنجاسة عينه، وعليه فلا يجوز بالكلب على القول بنجاسة عينه، وإلا أن يقال إن النص ورد فيه فتنبه‏.‏

وبه يندفع قول القهستاني‏:‏ إن الكلب نجس العين عند بعضهم، والخنزير ليس بنجس العين عند أبي حنيفة على ما في التجريد وغيره فتأمل ‏(‏بشرط علمهما‏)‏ علم ذي ناب ومخلب ‏(‏وذا بترك الأكل‏)‏ أما الشرب من دم الصيد فلا يضر قهستاني ويأتي ‏(‏ثلاثا في الكلب‏)‏ ونحوه ‏(‏وبالرجوع إذا دعوته في البازي‏)‏ ونحوه ‏(‏و‏)‏ بشرط ‏(‏جرحهما في أي موضع منه‏)‏ على الظاهر وبه يفتى، وعن الثاني يحل بلا جرح، وبه قال الشافعي ‏(‏و‏)‏ بشرط ‏(‏إرسال مسلم أو كتابي‏)‏‏.‏

‏(‏و‏)‏ بشرط ‏(‏التسمية عند الإرسال‏)‏ ولو حكما، فالشرط عدم تركها عمدا ‏(‏على حيوان ممتنع‏)‏ أي قادر على الامتناع بقوائمه أو بجناحيه ‏(‏متوحش‏)‏ فالذي وقع في الشبكة أو سقط في البئر أو استأنس لا يتحقق فيه الحكم المذكور ولذا قال ‏(‏يؤكل‏)‏ لأن الكلام في صيد الأكل وإن حل صيد غيره كما سيجيء، أو أعم لحل الانتفاع بالجلد مثلا كما يأتي فتأمل‏.‏

‏(‏و‏)‏ بشرط ‏(‏أن لا يشرك الكلب المعلم كلب لا يحل صيده ككلب‏)‏ غير معلم وكلب ‏(‏مجوسي‏)‏ أو لم يرسل أو لم يسم عليه ‏(‏و‏)‏ بشرط أن ‏(‏لا تطول وقفته بعد إرساله‏)‏ ليكون الاصطياد مضافا للإرسال ‏(‏بخلاف ما إذا كمن‏)‏ واستخفى ‏(‏كالفهد‏)‏ أي كما يكمن الفهد على وجه الحيلة لا للاستراحة‏.‏ وللفهد خصال حسنة ينبغي لكل عاقل العمل بها كما بسطه المصنف، فإن أكل منه البازي أكل لأن تعليمه ليس بترك أكله‏.‏

‏(‏وإن أكل الكلب‏)‏ ونحوه ‏(‏لا‏)‏ يؤكل مطلقا عندنا ‏(‏كأكله منه‏)‏ أي كما لا يؤكل الصيد الذي أكل الكلب منه ‏(‏بعد تركه‏)‏ للأكل ‏(‏ثلاث مرات‏)‏ لأنه علامة الجهل ‏(‏وكذا‏)‏ لا يأكل ‏(‏ما صاد بعده حتى يتعلم‏)‏ ثانيا بترك الأكل ثلاثا ‏(‏أو‏)‏ ما صاده ‏(‏قبله لو بقي في ملكه‏)‏ فإن ما أتلفه من الصيد لا تظهر فيه الحرمة اتفاقا لفوات المحل، وفيه إشكال ذكره القهستاني ‏(‏كصقر فر من صاحبه فمكث حينا ثم رجع إليه فأرسله‏)‏ فصاد لم يؤكل لتركه ما صار به معلما فيكون كالكلب إذا أكل‏.‏

‏(‏ولو أخذ‏)‏ الصياد ‏(‏الصيد من الكلب وقطع منه بضعة وألقاها إليه فأكلها أو خطف الكلب منه وأكله أكل ما بقي؛ كما لو شرب الكلب من دمه‏)‏ لأنه من غاية علمه‏.‏

‏(‏ولو نهش الصيد فقطع منه بضعة فأكلها ثم أدركه فقتله ولم يأكل منه لا يؤكل‏)‏ لأكله حالة الاصطياد‏.‏ ‏(‏ولو ألقى ما نهشه واتبع الصيد فقتله ولم يأكل منه حتى أخذه صاحبه ثم أكل ما ألقى حل‏)‏ لأنه حينئذ لو أكل من نفس الصيد لم يضر كما مر‏.‏

‏(‏وإذا أدرك‏)‏ المرسل أو الرامي ‏(‏الصيد حيا‏)‏ بحياة فوق ما في المذبوح ‏(‏ذكاه‏)‏ وجوبا ‏(‏وشرط لحله بالرمي التسمية‏)‏ ولو حكما كما مر ‏(‏و‏)‏ شرط ‏(‏الجرح‏)‏ ليتحقق معنى الذكاة ‏(‏و‏)‏ شرط ‏(‏أن لا يقعد عن طلبه لو غاب‏)‏ الصيد ‏(‏متحاملا بسهمه‏)‏ فما دام في طلبه يحل، وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لا لاحتمال موته بسبب آخر‏:‏ وشرط في الخانية لحله أن لا يتوارى عن بصره، وفيه كلام مبسوط في الزيلعي وغيره‏.‏ ‏(‏فإن أدركه الرامي أو المرسل حيا ذكاه‏)‏ وجوبا فلو تركها حرم وسيجيء ‏(‏والحياة المعتبرة هنا ما‏)‏ يكون ‏(‏فوق ذكاة المذبوح‏)‏ بأن يعيش يوما، وروي أكثره مجمع‏.‏ أما مقدارها وهو ما لا يتوهم بقاؤه كما في الملتقى يعتبر هاهنا، حتى لو وقع في ماء لم يحرم‏.‏

‏(‏و‏)‏ المعتبر ‏(‏في المتردية وأخواتها‏)‏ كنطيحة وموقوذة وما أكل السبع ‏(‏والمريضة‏)‏ مطلق ‏(‏الحياة وإن قلت‏)‏ كما أشرنا إليه ‏(‏وعليه الفتوى‏)‏ وتقدم في الذبائح ‏(‏فإن تركها‏)‏ أي الذكاة ‏(‏عمدا‏)‏ مع القدرة عليها ‏(‏فمات‏)‏ حرم، وكذا يحرم لو عجز عن التذكية في ظاهر الرواية‏.‏ وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يحل وهو قول الشافعي، قال المصنف‏:‏ وفي متني ومتن الوقاية إشارة إلى حله، والظاهر ما سمعته ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ووجه الظاهر أن العجز عن التذكية في مثل هذا لا يحل الحرام‏.‏

‏(‏أو أرسل مجوسي كلبا فزجره مسلم فانزجر أو قتله معراض بعرضه‏)‏ وهو سهم لا ريش له، سمي به لإصابته بعرضه؛ ولو لرأسه حدة فأصاب بحده حل ‏(‏أو بندقة ثقيلة ذات حدة‏)‏ لقتلها بالثقل لا بالحد، ولو كانت خفيفة بها حدة حل؛ لقتلها بالجرح، ولو لم يجرحه لا يؤكل مطلقا‏.‏ وشرط في الجرح الإدماء، وقيل لا‏.‏ ملتقى، وتمامه فيما علقته عليه ‏(‏أو رمى صيدا فوقع في ماء‏)‏ لاحتمال قتله بالماء فتحرم، ولو الطير مائيا فوقع فيه، فإن انغمس جرحه فيه حرم وإلا حل ملتقى ‏(‏أو وقع على سطح أو جبل فتردى منه إلى الأرض حرم‏)‏ في المسائل كلها، لأن الاحتراز عن مثل هذا ممكن ‏(‏فإن وقع على الأرض ابتداء‏)‏ إذ الاحتراز عنه غير ممكن فيحل

‏(‏أو أرسل مسلم كلبه فزجره‏)‏ أي أغراه بصياحه ‏(‏مجوسي فانزجر‏)‏ إذ الزجر دون الإرسال والفعل يرفع بما هو فوقه أو مثله كنسخ الحديث ‏(‏أو لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر‏)‏ إذ الزجر إرسال حكما ‏(‏أو أخذ غير ما أرسل إليه‏)‏ لأن غرضه أخذ كل صيد يتمكن منه، حتى لو أرسله على صيود كثيرة بتسمية واحدة فقتل الكل أكل الكل ‏(‏أكل‏)‏ في الوجوه المذكورة لما ذكرنا ‏(‏كصيد رمي فقطع عضو منه‏)‏ فإنه يؤكل ‏(‏لا العضو‏)‏ خلافا للشافعي‏.‏ ولنا قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ما أبين من الحي فهو ميتة» ولو قطعه ولم يبنه، فإن اشتمل التئامه أكل العضو أيضا وإلا لا ملتقى ‏(‏وإن قطعه‏)‏ الرامي ‏(‏أثلاثا وأكثره مع عجزه أو قطع نصف رأسه أو أكثره أو قده نصفين أكل كله‏)‏ لأن في هذه الصور لا يمكن حياة فوق حياة المذبوح فلم يتناوله الحديث المذكور، بخلاف ما لو كان أكثره مع رأسه للإمكان المذكور‏.‏

‏(‏وحرم صيد مجوسي ووثني ومرتد‏)‏ ومحرم لأنهم ليسوا من أهل الزكاة، بخلاف كتابي لأن ذكاة الاضطرار كذكاة الاختيار‏.‏

‏(‏وإن رمى صيدا فلم يثخنه فرماه آخر فقتله فهو للثاني وحل، وإن أثخنه‏)‏ الأول بأن أخرجه عن حيز الامتناع وفيه من الحياة ما يعيش ‏(‏ف‏)‏ الصيد ‏(‏للأول وحرم‏)‏ لقدرته على ذكاة الاختيار، فصار قائلا له فيحرم ‏(‏وضمن الثاني للأول قيمته‏)‏ كلها وقت إتلافه ‏(‏غير ما نقصته جراحته‏)‏

‏(‏وحل اصطياد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل‏)‏ لحمه لمنفعة جلده أو شعره أو ريشه أو لدفع شره، وكله مشروع لإطلاق النص‏.‏ وفي القنية يجوز ذبح الهرة والكلب لنفع ما ‏(‏والأولى ذبح الكلب إذا أخذته حرارة الموت، وبه يطهر لحم غير نجس العين‏)‏ كخنزير فلا يطهر أصلا ‏(‏وجلده‏)‏ وقيل يطهر جلده لا لحمه وهذا أصح ما يفتى به كما في الشرنبلالية عن المواهب هنا ومر في الطهارة

‏(‏أخذ الطير ليلا مباح والأولى عدم فعله‏)‏ خانية ‏(‏يكره تعليم البازي بالطير الحي‏)‏ لتعذيبه

‏(‏سمع‏)‏ الصائد ‏(‏حس إنسان، أو غيره من الأهليات‏)‏ كفرس وشاة ‏(‏فرمى إليه فأصاب صيدا لم يحل بخلاف ما إذا سمع حس أسد‏)‏ أو خنزير ‏(‏فرمى إليه‏)‏ وأرسل كلبه ‏(‏فإذا هو صيد حلال الأكل حل‏)‏ ولو لم يعلم أن الحس حس صيد أو غيره لم يحل جوهرة، لأنه إذا اجتمع المبيح والمحرم غلب المحرم‏.‏

‏(‏رمى ظبيا فأصاب قرنه أو ظلفه فمات، إن أدماه أكل‏)‏ لوجود الجرح ‏(‏وإلا لا، والعبرة بحالة الرمي فحل الصيد بردته‏)‏ إذا رمى مسلما ‏(‏لا بإسلامه ووجب الجزاء بحله‏)‏ إذا رمى محرما ‏(‏لا بإحرامه‏)‏ وسيجيء قبيل كتاب الديات‏.‏

‏[‏فرع في لو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله‏]‏

لو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدرى أرسله إنسان أو لا لا يؤكل لوقوع الشك في الإرسال ولا إباحة بدونه، وإن كان مرسلا فهو مال الغير فلا يجوز تناوله إلا بإذن صاحبه زيلعي‏.‏ قلت‏:‏ وقد وقع في عصرنا حادثة الفتوى، وهي أن رجلا وجد شاته مذبوحة ببستانه هل يحل له أكلها أم لا‏؟‏ ومقتضى ما ذكرناه أنه لا يحل لوقوع الشك في أن الذابح ممن تحل ذكاته أم لا، وهل سمى الله تعالى عليها أم لا‏.‏ لكن في الخلاصة من اللقطة‏:‏ قوم أصابوا بعيرا مذبوحا في طريق البادية، إن لم يكن قريبا من الماء ووقع في القلب أن صاحبه فعل ذلك إباحة للناس لا بأس بالأخذ والأكل لأن الثابت بالدلالة كالثابت بالصريح ا هـ، فقد أباح أكلها بالشرط المذكور، فعلم أن العلم بكون الذابح أهلا للذكاة ليس بشرط قاله المصنف‏.‏ قلت‏:‏ قد يفرق بين حادثة الفتوى واللقطة بأن الذابح في الأول غير المالك قطعا وفي الثاني يحتمل‏.‏ ورأيت بخط ثقة‏:‏ سرق شاة فذبحها بتسمية فوجد صاحبها هل تؤكل‏؟‏ الأصح لا لكفره بتسميته على الحرام القطعي بلا تملك ولا إذن شرعي ا هـ فليحرر‏.‏ وفي الوهبانية‏:‏ وما مات لا تطعمه كلبا فإنه خبيث حرام نفعه متعذر وتمليك عصفور لواجده أجز وإعتاقه بعض الأئمة ينكر وإن يلقه مع غيره جاز أخذه كقشر لرمان رماه المقشر وفي معاياتها‏:‏ وأي حلال لا يحل اصطياده صيودا وما صيدت ولا هي تنفر

كتاب الرهن

مناسبته أن كلا من الرهن والصيد سبب لتحصيل المال‏.‏ ‏(‏هو‏)‏ لغة‏:‏ حبس الشيء‏.‏ وشرعا ‏(‏حبس شيء مالي‏)‏ أي جعله محبوسا لأن الحابس هو المرتهن بحق يمكن استيفاؤه‏)‏ أي أخذه ‏(‏منه‏)‏ كلا أو بعضا كأن كان قيمة المرهون أقل من الدين ‏(‏كالدين‏)‏ كاف الاستقصاء لأن العين لا يمكن استيفاؤها من الرهن إلا إذا صار دينا حكما كما سيجيء ‏(‏حقيقة‏)‏ وهو دين واجب ظاهرا وباطنا أو ظاهرا فقط كثمن عبد أو خل وجد حرا أو خمرا ‏(‏أو حكما‏)‏ كالأعيان ‏(‏المضمونة بالمثل أو القيمة‏)‏ ‏(‏كما سيجيء‏)‏ كونه‏.‏

‏(‏وينعقد بإيجاب وقبول‏)‏

حال ‏(‏غير لازم‏)‏ وحينئذ فللرهن تسليمه والرجوع عنه كما في الهبة ‏(‏فإذا سلمه وقبضه المرتهن‏)‏ حال كونه ‏(‏محوزا‏)‏ لا متفرقا كثمر على شجر ‏(‏مفرغا‏)‏ لا مشغولا بحق الراهن كشجر بدون الثمر ‏(‏مميزا‏)‏ لا مشاعا ولو حكما بأن اتصل المرهون بغير المرهون خلقة كالشجر وسيتضح ‏(‏لزم‏)‏ أفاد أن القبض شرط اللزوم كما في الهبة، وصحح في المجتبى أنه شرط الجواز ‏(‏والتخلية‏)‏ بين الرهن والمرتهن ‏(‏قبض‏)‏ حكما على الظاهر ‏(‏كالبيع‏)‏ فإنها فيه أيضا قبض

‏(‏وهو مضمون إذا هلك بالأقل من قيمته ومن الدين‏)‏ وعند الشافعي هو أمانة ‏(‏والمعتبر قيمته يوم القبض‏)‏ لا يوم الهلاك كما توهمه في الأشباه لمخالفته للمنقول كما حرره المصنف‏.‏

‏(‏المقبوض على سوم الرهن إذا لم يبين المقدار‏)‏ أي مقدار ما يريد أخذه من الدين ‏(‏ليس بمضمون في الأصح‏)‏ كذا في القنية والأشباه ‏(‏فإن‏)‏ هلك و ‏(‏ساوت قيمته الدين صار مستوفيا‏)‏ دينه ‏(‏حكما، أو زادت كان الفضل أمانة‏)‏ فيضمن بالتعدي ‏(‏أو نقصت سقط بقدره ورجع‏)‏ المرتهن ‏(‏بالفضل‏)‏ لأن الاستيفاء بقدر المالية ‏(‏وضمن‏)‏ المرتهن ‏(‏بدعوى الهلاك بلا برهان مطلقا‏)‏ سواء كان من أموال ظاهرة أو باطنة، وخصه مالك بالباطنة ‏(‏وله طلب دينه من راهنه، وله حبسه به وإن كان الرهن في يده لأن‏)‏ الحبس جزاء مطله ‏(‏وله حبس رهنه بعد الفسخ‏)‏ للعقد ‏(‏حتى يقبض دينه أو يبرئه‏)‏ لأن الرهن لا يبطل بمجرد الفسخ بل يبقى رهنا ما بقي القبض والدين معا فإذا فات أحدهما لم يبق رهنا زيلعي ودرر وغيرهما

‏(‏لا انتفاع به مطلقا‏)‏ لا باستخدام، ولا سكنى ولا لبس ولا إجارة ولا إعارة، سواء كان من مرتهن أو راهن ‏(‏إلا بإذن‏)‏ كل للآخر، وقيل لا يحل للمرتهن لأنه ربا، وقيل إن شرطه كان ربا وإلا لا‏.‏ وفي الأشباه والجواهر‏:‏ أباح الراهن للمرتهن أكل الثمار أو سكنى الدار أو لبن الشاة المرهونة فأكلها لم يضمن وله منعه، ثم أفاد في الأشباه أنه يكره للمرتهن الانتفاع بذلك، وسيجيء آخر الرهن‏.‏ ‏(‏ماتت الشاة في يد المرتهن قسم الدين على قيمة الشاة ولبنها الذي شربه، فحظ الشاة يسقط وحظ اللبن يأخذه المرتهن، فلو فعل‏)‏ الانتفاع قبل إذنه ‏(‏صار متعديا ولم يبطل‏)‏ الرهن ‏(‏به‏)‏‏.‏

‏(‏وإذا طلب‏)‏ المرتهن ‏(‏دينه أمر بإحضار رهنه‏)‏ لئلا يصير مستوفيا مرتين إلا إذا كان له حمل أو عند العدل لأنه لم يأتمنه شرح مجمع ‏(‏فإن أحضر سلم‏)‏ له ‏(‏كل دينه أولا ثم‏)‏ سلم المرتهن ‏(‏رهنه‏)‏ تحقيقا للتسوية ‏(‏وإن طلب‏)‏ دينه ‏(‏في غير بلد العقد‏)‏ للرهن ‏(‏فكذلك‏)‏ الحكم ‏(‏إن لم يكن للرهن مؤنة، وإن كان‏)‏ لحمله مؤنة ‏(‏سلم دينه وإن لم يحضره‏)‏ لأن الواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان‏.‏ ونقل القهستاني عن الذخيرة أنه لو لم يقدر على إحضاره أصلا مع قيامه لم يؤمر به ا هـ فليحفظ‏.‏

‏(‏و‏)‏ لكن ‏(‏للراهن أن يحلفه بالله ما هلك‏)‏ وهذا كله إذا ادعى الراهن هلاكه، أما إذا لم يدع فلا فائدة في إحضاره، وكذا الحكم عند كل نجم حل كما حرره ابن الشحنة وقال نظما‏:‏ ولا دفع ما لم يحضر الرهن أو يكن بغير مكان العقد والحمل يعسر كذا النجم أولا دون دعوى مدينه هلاكا وهذا في النهاية يذكر

‏(‏ولا يكلف مرتهن‏)‏ قد ‏(‏طلب دينه إحضار رهن قد وضع عند العدل بأمر الراهن ولا‏)‏ إحضار ‏(‏ثمن رهن باعه المرتهن بأمره‏)‏ أي بأمر الراهن ‏(‏حتى يقبضه‏)‏ لإذنه بذلك ‏(‏و‏)‏ حينئذ ف ‏(‏إذا قبضه‏)‏ أي الثمن ‏(‏يكلف إحضاره‏)‏ لقيام البدل مقام المبدل

‏(‏ولا‏)‏ يكلف ‏(‏مرتهن معه رهنه تمكين الراهن من بيعه ليقضي دينه‏)‏ بثمنه لأن حكم الرهن الحبس الدائم حتى يقبض دينه

‏(‏ولا‏)‏ يكلف ‏(‏من قضي بعض دينه‏)‏ أو أبرأ بعضه ‏(‏تسليم بعض رهنه حتى يقبض البقية من الدين‏)‏ أو يبرئها اعتبارا بحبس المبيع‏.‏

‏(‏ويجب‏)‏ على المرتهن ‏(‏أن يحفظه بنفسه وعياله‏)‏ كما في الوديعة ‏(‏وضمن إن حفظ بغيرهم‏)‏ كما مر فيها

‏(‏و‏)‏ ضمن ‏(‏بإيداعه‏)‏ وإعارته وإجارته واستخدامه ‏(‏وتعديه كل قيمته‏)‏ فيسقط الدين بقدره ‏(‏وكذا‏)‏ يضمن ‏(‏كل قيمته بجعل خاتم الرهن في خنصره‏)‏ سواء جعل فصه لبطن كفه أو لا، وبه يفتى برجندي ‏(‏اليسرى أو اليمنى‏)‏ على ما اختاره الرضي لكن قدمنا في الحظر عن البرجندي هنا أنه شعار الروافض وأنه يجب التحرز عنه فتنبه‏.‏ قلت‏:‏ ولكن جرت العادة في زماننا بلبسه كذلك فينبغي لزوم الضمان قياسا على مسألة السيف الآتية فليحرر لا يجعله في أصبع أخرى إلا إذا كان المرتهن امرأة فتضمن لأن النساء يلبسن كذلك فيكون استعمالا لا حفظا ابن كمال معزيا للزيلعي ‏(‏و‏)‏ مثله ‏(‏تقلد سيفي الرهن لا الثلاثة‏)‏ فإن الشجعان يتقلدون في العادة بسيفين لا الثلاثة ‏(‏و‏)‏ في ‏(‏لبس خاتمه‏)‏ أي خاتم الرهن ‏(‏فوق آخر يرجع إلى العادة‏)‏ فإن كان ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن وإلا كان حافظا فلا يضمن ‏(‏ثم إن قضى بها‏)‏ أي بالقيمة المذكورة ‏(‏من جنس الدين يلتقيان قصاصا بمجرده‏)‏ أي بمجرد القضاء بالقيمة ‏(‏إذا كان الدين حالا وطالب‏)‏ المرتهن ‏(‏الراهن بالفضل إن كان‏)‏ ثمة فضل ‏(‏وإن‏)‏ كان الدين ‏(‏مؤجلا يضمن المرتهن قيمته وتكون رهنا عنده، فإذا حل الأجل أخذه بدينه وإن قضى بالقيمة من خلاف جنسه كان الضمان رهنا عنده إلى قضاء دينه‏)‏ لأنه بدل الرهن فأخذ حكمه‏.‏

‏(‏وأجرة بيت حفظه وحافظه‏)‏ ومأوى الغنم ‏(‏على المرتهن وأجرة راعيه‏)‏ لو حيوانا ‏(‏ونفقة الرهن والخراج‏)‏ والعشر ‏(‏على الراهن‏)‏ والأصل فيه أن كل ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن بنفسه وتبقيته فعلى الراهن لأنه ملكه، وكل ما كان لحفظه فعلى المرتهن لأن حبسه له‏.‏ واعلم أنه لا يلزم شيء منه لو اشترط على الراهن قهستاني عن الذخيرة

وأما مؤنة رده كجعل آبق ‏(‏أو رد جزء منه‏)‏ كمداواة جريح ‏(‏إلى يده‏)‏ أي إلى يد المرتهن ‏(‏فتنقسم على المضمون والأمانة فالمضمون على المرتهن والأمانة مضمونة على الراهن‏)‏ لو قيمته أكثر من الدين وإلا فعلى المرتهن، وكذا معالجة أمراض وقروح وفداء جناية ‏(‏وكل ما وجب على أحدهما فأداه الآخر كان متبرعا إلا أن يأمره القاضي به ويجعله دينا على الآخر‏)‏ فحينئذ يرجع عليه، وبمجرد أمر القاضي بلا تصريح يجعله دينا عليه لا يرجع كما في الملتقط‏.‏ وعن الإمام لا يرجع لو صاحبه حاضرا مطلقا خلافا للثاني، وهي فرع مسألة الحجر زيلعي‏.‏

‏(‏قال الراهن الرهن غير هذا وقال المرتهن بل هذا هو الذي رهنته عندي فالقول للمرتهن‏)‏ لأنه القابض، بخلاف ما لو ادعى المرتهن رده على الراهن بعد قبضه فإن القول للراهن لأنه المنكر، فإن برهنا فللراهن أيضا ويسقط الدين لإثباته الزيادة، ولو قبل قبضه فالقول للمرتهن لإنكاره دخوله في ضمانه، وإن برهنا فللراهن لإثباته الضمان بزازية‏.‏

يجوز له السفر به‏)‏ بالرهن ‏(‏إذا كان الطريق أمنا‏)‏ كما في الوديعة ‏(‏وإن كان له حمل ومؤنة‏)‏ وكذا الانتقال عن البلد، وكذا العدل الذي الرهن في يده كما في العمادية معزيا للعدة على خلاف ما في فتاوى القاضيين، ولعل ما في العدة قول الإمام، وما في الفتاوى قولهما كما يفيده كلام القنية‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ في الحديث‏:‏ «إذا عمى الرهن فهو بما فيه» قالوا‏:‏ معناه إذا اشتبهت قيمته بعد هلاكه بأن قال كل لا أدري كم كانت قيمته ضمن بما فيه من الدين كذا ذكره المصنف أول الباب‏.‏

باب ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز

‏(‏لا يصح رهن مشاع‏)‏ لعدم كونه مميزا كما مر ‏(‏مطلقا‏)‏ مقارنا أو طارئا من شريكه أو غيره بقسم أو لا، ثم الصحيح إنه فاسد يضمن بالقبض، وجوزه الشافعي‏.‏ وفي الأشباه‏:‏ ما قبل البيع قبل الرهن إلا في أربعة‏:‏ المشاع والمشغول والمتصل بغيره والمعلق عتقه بشرط قبل وجوده غير المدبر فيجوز بيعها لا رهنها

‏:‏ وفيها‏:‏ الحيلة في جواز رهن المشاع أن يبيعه النصف بالخيار‏:‏ ثم يرهنه النصف ثم يفسخ البيع‏.‏ قال المصنف‏:‏ وفيه نظر ولعله مفرع على الضعيف في الشيوع الطارئ‏.‏ قلت‏:‏ بل ولا عليه، لأنه بالخيار لا يخلو إما أن يبقى في ملكه أو يعود لملكه‏.‏ وعلى كل يكون رهن المشاع ابتداء كما بسطه في تنوير البصائر فتنبه‏.‏ قلت‏:‏ والحيلة الصحيحة ما في حيل منية المفتي‏:‏ أراد رهن نصف داره مشاعا ببيع نصفها من طالب الرهن ويقبض منه الثمن على أن المشتري بالخيار ويقبض الدار ثم ينقض بحكم الخيار فتبقى في يده بمنزلة الرهن بالثمن، واعتمده ابن المصنف في زواهر الجواهر

وفيها الشيوع الثابت ضرورة لا يضر، لما في الولوالجية‏:‏ ولو جاء بثوبين وقال خذ أحدهما رهنا والآخر بضاعة عندك، فإن نصف كل منهما يصير رهنا بالدين، لأن - أحدهما ليس بأولى من الآخر فيشيع الرهن فيهما بالضرورة فلا يضر‏.‏

‏(‏و‏)‏ لا رهن ‏(‏ثمرة على نخل دونه و‏)‏ لا ‏(‏زرع أرض أو نخل‏)‏ أو بناء ‏(‏بدونها وكذا عكسها‏)‏ كرهن الشجر لا الثمر والأرض لا النخل‏.‏ والأصل أن المرهون متى اتصل بغير المرهون خلقة لا يجوز لامتناع قبض المرهون وحده درر‏.‏ وعن الإمام جواز رهن الأرض بلا شجر‏.‏ ولو رهن الشجر بمواضعها أو الدار بما فيها جاز ملتقى لأنه اتصال مجاورة‏.‏ وفي القنية‏:‏ رهن دارا والحيطان مشتركة بينه وبين الجيران صح في العرصة، ولا يضر اتصال السقف بالحيطان المشتركة لكونه تبعا ‏(‏و‏)‏ لا ‏(‏رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد‏)‏ والوقف‏.‏

ثم لما ذكر ما لا يجوز رهنه ذكر ما لا يجوز الرهن به فقال ‏(‏و‏)‏ لا ‏(‏بالأمانات‏)‏ كوديعة وأمانة ‏(‏و‏)‏ لا ‏(‏بالدرك‏)‏ خوف استحقاق المبيع فالرهن به باطل، بخلاف الكفالة - كما مر ‏(‏و‏)‏ لا بعين مضمونة بغيرها‏:‏ أي بغير مثل أو قيمة مثل ‏(‏المبيع في يد البائع‏)‏ فإنه مضمون بالثمن فإذا هلك ذهب بالثمن ‏(‏و‏)‏ ولا ‏(‏بالكفالة بالنفس و‏)‏ لا ‏(‏بالقصاص مطلقا‏)‏ في نفس وما دونها ‏(‏بخلاف الجناية خطأ‏)‏ لإمكان استيفاء الأرش من الرهن ‏(‏ولا بالشفعة وبأجرة النائحة والمغنية وبالعبد الجاني أو المديون‏)‏ وإذا لم يصح الرهن في هذه الصور فللراهن أخذه، فلو هلك عند المرتهن قبل الطلب هلك مجانا إذ لا حكم للباطل فبقي القبض بإذن المالك صدر الشريعة وابن كمال ‏(‏و‏)‏ لا ‏(‏رهن خمر وارتهانها من مسلم أو ذمي للمسلم‏)‏ أي لا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنها من مسلم أو ذمي ‏(‏ولا يضمن له‏)‏ أي للمسلم ‏(‏مرتهنها‏)‏ حال كونه ‏(‏ذميا، وفي عكسه الضمان‏)‏ لتقومها عندهم ولا عندنا‏.‏

وصح‏)‏ الرهن ‏(‏بعين مضمونة بنفسها‏)‏ أي بالمثل أو بالقيمة ‏(‏كالمغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن عمد‏)‏ اعلم أن الأعيان ثلاثة‏:‏ عين غير مضمونة أصلا كالأمانات‏.‏ وعين غير مضمونة ولكنها تشبه المضمونة كمبيع في يد البائع‏.‏ وعين مضمونة بنفسها كالمغصوب ونحوه وتمامه في الدرر‏.‏

‏(‏و‏)‏ صح ‏(‏بالدين ولو موعودا بأن رهن ليقرضه كذا‏)‏ كألف مثلا، فلو دفع له البعض وامتنع لأجبر أشباه ‏(‏فإذا هلك‏)‏ هذا الرهن ‏(‏في يد المرتهن كان مضمونا عليه بما وعد‏)‏ من الدين فيسلم الألف للراهن جبرا ‏(‏إذا كان الدين مساويا للقيمة أو أقل، أما إذا كان أكثر فهو مضمون بالقيمة‏)‏ هذا إذا سمى قدر الدين، فإن لم يسمه بأن رهنه على أن يعطيه شيئا فهلك في يده هل يضمن خلاف بين الإمامين مذكور في البزازية وغيرها‏.‏ والأصح أنه غير مضمون، وقد تقدم أن المقبوض على سوم الرهن إذ لم يبين المقدار غير مضمون في الأصح‏.‏

‏(‏و‏)‏ صح ‏(‏برأس مال السلم وممن الصرف والمسلم فيه، فإن هلك‏)‏ الرهن ‏(‏في المجلس‏)‏ ثم الصرف والسلم و ‏(‏صار‏)‏ المرتهن ‏(‏مستوفيا‏)‏ حكما خلافا للثلاثة ‏(‏وإن افترقا قبل نقد وهلاك بطلا‏)‏ أي السلم والصرف، وأما المسلم فيه فيصح مطلقا، فإن هلك الرهن ثم العقد وصار عوضا للمسلم فيه ‏(‏ولو‏)‏ لم يهلك ولكن ‏(‏تفاسخا السلم، وبالمسلم فيه رهن فهو رهن برأس المال‏)‏ استحسانا لأنه بدله فقام مقامه ‏(‏وإن هلك‏)‏ الرهن ‏(‏بعد الفسخ‏)‏ المذكور ‏(‏هلك به‏)‏ أي بالمسلم فيه فيلزم رب السلم دفع مثل المسلم فيه لبقاء الرهن حكما إلى أن يهلك‏.‏

‏(‏وللأب أن يرهن بدين‏)‏ كائن ‏(‏عليه عبدا لطفله‏)‏ لأن له إيداعه، فهذا أولى لهلاكه مضمونا الوديعة أمانة ‏(‏والوصي كذلك‏)‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لا يملكان ذلك، ثم إذا هلك ضمنا قدر الدين للصغير لا الفضل لأنه أمانة، وقال التمرتاشي‏:‏ يضمن الوصي القيمة لأن للأب أن ينتفع بمال الصبي، بخلاف الوصي، لكن جزم في الذخيرة وغيرها بالتسوية بينهما

‏(‏وله‏)‏ أي للأب ‏(‏رهن ماله عند ولده الصغير بدين له‏)‏ أي للصغير ‏(‏عليه‏)‏ أي على الأب ‏(‏ويحبسه لأجله‏)‏ أي لأجل الصغير ‏(‏بخلاف الوصي‏)‏ فإنه لا يملك ذلك سراجية ‏(‏وكذا عكسه‏)‏ فللأب رهن متاع طفله من نفسه، لأنه لوفور شفقته جعل كشخصين وعبارتين كشرائه مال طفله، - بخلاف الوصي لأنه وكيل محض فلا يتولى طرف العقد في رهن ولا بيع، وتمامه في الزيلعي

‏(‏و‏)‏ صح ‏(‏بثمن عبد أو خل أو ذكية إن ظهر العبد حرا والخل خمرا والذكية ميتة، و‏)‏ صح ‏(‏ببدل صلح عن إنكار إن أقر‏)‏ بعد ذلك ‏(‏أن لا دين عليه‏)‏ والأصل ما مر أن وجوب الدين ظاهرا يكفي لصحة الرهن والكفيل

‏(‏و‏)‏ صح ‏(‏رهن الحجرين والمكيل والموزون، فإن رهن‏)‏ المذكور بخلاف جنسه هلك بقيمته وهو ظاهر، وإن ‏(‏بجنسه وهلك، هلك بمثله‏)‏ وزنا أو كيلا لا قيمة خلافا لهما ‏(‏من الدين، ولا عبرة بالجودة‏)‏ عند المقابلة بالجنس‏.‏ ثم إن تساويا فظاهر، وإن الدين أزيد فالزائد في ذمة الراهن، وإن الرهن أزيد فالزائد أمانة درر وصدر شريعة‏.‏

‏(‏باع عبدا على أن يرهن المشتري بالثمن شيئا بعينه أو يعطي كفيلا كذلك‏)‏ بعينه ‏(‏صح، ولا يجبر‏)‏ المشتري ‏(‏على الوفاء‏)‏ لما مر أنه غير لازم ‏(‏وللبائع فسخه‏)‏ لفوات الوصف المرغوب ‏(‏إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا‏)‏ أو يدفع ‏(‏قيمة الرهن‏)‏ المشروط ‏(‏رهنا‏)‏ لحصول المقصود ‏(‏وإن قال‏)‏ المشتري ‏(‏لبائعه‏)‏ وقد أعطاه شيئا غير مبيعه ‏(‏أمسك هذا حتى أعطيك الثمن فهو رهن‏)‏ لتلفظه بما يفيد الرهن، والعبرة للمعاني خلافا للثاني والثلاثة، و ‏(‏لو كان‏)‏ ذلك الشيء الذي قال له المشتري أمسكه هو ‏(‏المبيع‏)‏ الذي اشتراه بعينه لو ‏(‏بعد قبضه‏)‏ لأنه حينئذ يصلح أن يكون رهنا بثمنه ‏(‏ولو قبله لا‏)‏ يكون رهنا لأنه محبوس بالثمن كما مر‏.‏ بقي لو كان المبيع مما يفسد بمكثه كلحم وجمد فأبطأ المشتري وخاف البائع تلفه جاز بيعه وشراؤه، ولو باعه - بأزيد تصدق به لأن فيه شبهة‏.‏

‏(‏رهن‏)‏ رجل ‏(‏عينا عند رجلين بدين لكل منهما صح وكله رهن من كل منهما‏)‏ ولو غير شريكين ‏(‏فإن تهايأ فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر‏)‏ هذا لو مما لا يتجزأ، وإن مما يتجزأ فعلى كل حبس النصف فلو دفع له كله ضمن عنده خلافا لهما، وأصله مسألة الوديعة زيلعي‏.‏ ‏(‏ولو هلك ضمن كل حصته‏)‏ لتجزئ الاستيفاء ‏(‏فإن قضى دين أحدهما فكله رهن الآخر‏)‏ لما مر أن كل العين رهن في يد كل منهما بلا تفرق

‏(‏وإن رهنا رجلا رهنا‏)‏ واحدا ‏(‏بدين عليهما صح بكل الدين ويمسكه إلى استيفاء كل الدين‏)‏ إذ لا شيوع‏.‏ ‏(‏ولو رهن عبدين بألف لا يأخذ أحدهما بقضاء حصته‏)‏ لحبس الكل بكل الدين كالمبيع في يد البائع - - فإن سمى لكل واحد منهما شيئا من الدين له أن يقبض أحدهما إذا أدى ما سمى له بخلاف البيع‏)‏ لتعدد العقد بتفصيل الثمن في الرهن لا البيع هو الأصح ‏(‏وبطل بينة كل منهما‏)‏ أي من رجلين ‏(‏على رجل أنه‏)‏ أي أن كل واحد ‏(‏رهنه هذا الشيء‏)‏ كعبد مثلا عنده ‏(‏وقبضه‏)‏ لاستحالة كون كله رهنا لهذا وكله رهنا لذاك في آن واحد ولا يمكن تنصيفه للزوم الشيوع - فتهاترتا وحينئذ فتهلك أمانة إذ الباطل لا حكم له هذا ‏(‏إن لم يؤرخا، فإن أرخا كان صاحب التاريخ الأقدم أولى وكذا إذا كان‏)‏ الرهن ‏(‏في يد أحدهما كان‏)‏ ذو اليد ‏(‏أحق‏)‏ لقرينة سبقه‏.‏ ‏(‏ولو مات راهنه‏)‏ أي راهن العبد مثلا ‏(‏و‏)‏ الحال أن ‏(‏الرهن معهما‏)‏ أي في أيديهما ‏(‏أو لا‏)‏ أي أو ليس العبد معهما فإن الحكم واحد زيلعي ‏(‏فبرهن كل كذلك‏)‏ كما وصفنا ‏(‏كان في يد كل واحد منهما نصفه‏)‏ أي العبد ‏(‏رهنا بحقه‏)‏ استحسانا لانقلابه بالموت استيفاء والشائع يقبله‏.‏

‏(‏أخذ عمامة المديون لتكون رهنا عنده لم تكن رهنا‏)‏ وإذا هلكت تهلك هلاك المرهون‏.‏ قال‏:‏ وهذا ظاهر إذا رضي المطلوب بتركه رهنا عمادية، ومفاده أنه إن رضي بتركه كان رهنا وإلا لا، وعليه يحمل إطلاق السراجية وغيرها كما أفاده المصنف‏.‏ وفي المجتبى لرب المال مسك مال المديون رهنا بلا إذنه، وقيل إذا أيس فله أخذه مكان حقه قضاء عن دينه وأقره المصنف‏.‏

‏(‏دفع ثوبين فقال خذ أيهما شئت رهنا بكذا فأخذهما لم يكن واحد منهما رهنا قبل أن يختار أحدهما‏)‏ سراجية‏.‏

‏[‏فروع في غصب الرهن‏]‏

غصب الرهن كهلاكه إلا إذا غصب في حال انتفاع مرتهن بإذن راهن أمره بدفعه للدلال فدفع فهلك لم يضمن‏.‏

حمامي‏.‏ وضع المصحف الرهن في صندوقه ووضع عليه قصعة ماء للشرب فانصب الماء على المصحف فهلك ضمن ضمان الرهن لا الزيادة، والمودع لا يضمن شيئا قنية‏.‏

الأجل في الرهن يفسده‏.‏

سلطه ببيع الرهن ومات للمرتهن بيعه بلا محضر وارثه‏.‏

غاب الراهن غيبة منقطعة فرفع المرتهن أمره للقاضي ليبيعه بدينه ينبغي أن يجوز‏.‏ ولو مات ولا يعلم له وارث فباع القاضي داره جاز، كذا في متفرقات بيوع النهر‏.‏ وفي الذخيرة‏:‏ ليس للمرتهن بيع ثمرة الرهن وإن خاف تلفها لأن له ولاية الحبس لا البيع ويمكن رفعه إلى القاضي، حتى لو كان في موضع لا يمكنه الرفع للقاضي، أو كان بحال يفسد قبل أن يرفع جاز له أن يبيعه، والله تعالى أعلم‏.‏

باب الرهن يوضع على يد عدل

سمي به لعدالته في زعم الراهن والمرتهن إذا وضعا الرهن على يد عدل صح ويتم بقبضه ولا يأخذه أحدهما منه، وضمن لو دفع إلى أحدهما‏)‏ لتعلق حقهما به، فلو دفعه فتلف ضمن لتعديه وأخذا منه قيمته وجعلها عنده أو عند غيره، وليس للعدل جعلها رهنا في يده لئلا يصير قاضيا ومقضيا، وهل للعدل الرجوع مبسوط في المطولات‏.‏ ‏(‏وإذا هلك يهلك من ضمان المرتهن‏)‏،

‏(‏فإن وكل‏)‏ الراهن ‏(‏المرتهن أو‏)‏ وكل ‏(‏العدل أو غيرهما ببيعه عند حلول الأجل صح‏)‏ توكيله ‏(‏لو‏)‏ الوكيل ‏(‏أهلا لذلك‏)‏ أي للبيع ‏(‏عند التوكيل وإلا‏)‏ يكن أهلا لذلك عند التوكيل ‏(‏لا‏)‏ تصح الوكالة وحينئذ ‏(‏فلو وكل بيعه صغيرا‏)‏ لا يعقل ‏(‏فباعه بعد بلوغه لم يصح‏)‏ خلافا لهما ‏(‏فإن شرطت‏)‏ الوكالة ‏(‏في عقد الرهن لم ينعزل بعزله - و‏)‏ لا ‏(‏بموت الراهن و‏)‏ لا ‏(‏المرتهن‏)‏ للزومها بلزوم العقد، فهي تخالف الوكالة المفردة من وجوه‏:‏ أحدها هذا ‏(‏و‏)‏ الثاني أن الوكيل هنا ‏(‏يجبر على البيع عند الامتناع‏)‏ وكذا لو شرطت بعد الرهن في الأصح زيلعي على خلاف ظاهر الرواية وإن صححها قاضي خان وغيره على ما نقله القهستاني وغيره فتنبه، بخلاف الوكالة المفردة، ‏(‏و‏)‏ الثالث أنه ‏(‏يملك بيع الولد والأرش و‏)‏ الرابع ‏(‏إذا باع بخلاف جنس الدين كان له أن يصرفه إلى جنسه‏)‏ أي الدين، بخلاف الوكالة المفردة ‏(‏و‏)‏ الخامس ‏(‏إذا كان عبدا وقتله عبد خطأ فدفع - بالجناية كان له بيعه، بخلاف المفردة‏)‏ متعلق بالجميع ‏(‏وله بيعه في غيبة ورثته‏)‏ أي ورثة الراهن ‏(‏كما كان له حال حياته البيع بغير حضرته‏)‏ أي حضرة الراهن وتبطل الوكالة ‏(‏بموت الوكيل مطلقا‏)‏ وعن الثاني أن وصيه يخلفه لكنه خلاف جواب الأصل‏.‏

‏(‏ولو أوصى إلى آخر ببيعه لم يصح‏)‏ إلا إذا كان مشروطا له ذلك في الوكالة ‏(‏ولا يملك راهن ولا مرتهن بيعه بغير رضا الآخر‏)‏، ‏(‏فإن حل الأجل وغاب الراهن أجبر الوكيل على بيعه كما هو‏)‏ الحكم ‏(‏في الوكيل بالخصومة‏)‏ إذا غاب موكله وأباها فإنه يجبر عليها بأن يحبسه أياما ليبيع، فإن لح بعد ذلك باع القاضي دفعا للضرر ‏(‏وإن باعه العدل فالثمن رهن‏)‏ كالثمن ‏(‏فيهلك كهلكه، فإن أوفى ثمنه‏)‏ بعد بيعه ‏(‏المرتهن فاستحق الرهن‏)‏ وضمن ‏(‏فإن‏)‏ كان المبيع ‏(‏هالكا في يد المشتري ضمن المستحق الراهن قيمته‏)‏ إن شاء لأنه غاصب ‏(‏و‏)‏ حينئذ ‏(‏صح البيع والقبض‏)‏ لتملكه بضمانه ‏(‏أو‏)‏ ضمن المستحق ‏(‏العدل‏)‏ لتعديه بالبيع ‏(‏ثم هو‏)‏ أي العدل ‏(‏يضمن الراهن وصحا‏)‏ أيضا ‏(‏أو‏)‏ ضمن ‏(‏المرتهن ثمنه الذي‏)‏ أداه إليه ‏(‏وهو‏)‏ أي الثمن ‏(‏له‏)‏ أي العدل لأنه بدل ملكه ‏(‏ويرجع المرتهن على راهنه بدينه‏)‏ ضرورة بطلان قبضه ‏(‏وإن‏)‏ كان الرهن ‏(‏قائما‏)‏ في يد مشتريه ‏(‏أخذه المستحق من مشتريه ورجع هو‏)‏ أي المشتري ‏(‏على العدل بثمنه‏)‏ لأنه العاقد ‏(‏ثم‏)‏ يرجع ‏(‏هو‏)‏ أي العدل ‏(‏على الراهن به‏)‏ أي بثمنه ‏(‏و‏)‏ إذا رجع عليه ‏(‏صح القبض‏)‏ وسلم الثمن للمرتهن ‏(‏أو‏)‏ رجع العدل ‏(‏على المرتهن بثمنه ثم‏)‏ رجع ‏(‏هو‏)‏ أي المرتهن ‏(‏على الراهن به‏)‏ أي بدينه‏.‏ زاد هنا في الدرر والوقاية‏:‏ وإن شرطت الوكالة بعد الرهن رجع العدل عن الراهن فقط سواء قبض المرتهن ثمنه أو لا ‏(‏فإن هلك الرهن عند المرتهن فاستحق‏)‏ الرهن ‏(‏وضمن الراهن قيمته هلك‏)‏ الرهن ‏(‏بدينه، وإن ضمن المرتهن‏)‏ القيمة ‏(‏يرجع على الراهن بقيمته‏)‏ التي ضمنها لضرره ‏(‏وبدينه‏)‏ لانتقاض قبضه‏.‏

‏[‏فرع في الولوالجية‏]‏

ذهبت عين دابة المرتهن يسقط ربع الدين وسيجيء‏.‏

باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته

أي الرهن على غيره ‏(‏توقف بيع الراهن رهنه على إجازة مرتهنه أو قضاء دينه، فإن وجد أحدهما نفذ وصار ثمنه رهنا‏)‏ في صورة الإجازة ‏(‏وإن لم يجز‏)‏ المرتهن البيع ‏(‏وفسخ‏)‏ بيعه ‏(‏لا ينفسخ‏)‏ بفسخه في الأصح ‏(‏و‏)‏ إذا بقي موقوفا ف ‏(‏المشتري‏)‏ بالخيار ‏(‏إن شاء صبر إلى فكاك الرهن أو رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ البيع‏)‏ وهذا إذا اشتراه ولم يعلم أنه رهن ابن كمال‏.‏

‏(‏ولو باعه الراهن من رجل ثم باعه‏)‏ الراهن أيضا ‏(‏من‏)‏ رجل ‏(‏آخر قبل أن يجيز المرتهن‏)‏ البيع ‏(‏فالثاني موقوف أيضا على إجازته‏)‏ إذ الموقوف لا يمنع توقف الثاني ‏(‏فأيهما أجاز لزم ذلك وبطل الآخر‏)‏

‏(‏ولو باعه‏)‏ الراهن ‏(‏ثم أجره أو رهنه أو وهبه من غيره فأجاز المرتهن الإجارة أو الرهن أو الهبة جاز البيع الأول‏)‏ لحصول النفع بتحول حقه للثمن على ما تقرر وفي محله تحرر ‏(‏دون غيره من هذه العقود‏)‏ إذ لا منفعة للمرتهن فيها فكانت إجازته إسقاطا لحقه فزال المانع فينفذ البيع‏.‏ وفي الأشباه‏:‏ باع الراهن الرهن من زيد ثم باعه من المرتهن انفسخ الأول

‏(‏وصح إعتاقه وتدبيره واستيلاده‏)‏ أي نفذ إعتاق الراهن ‏(‏رهنه، فإن‏)‏ كان ‏(‏غنيا و‏)‏ كان ‏(‏دينه‏)‏ أي المرتهن ‏(‏حالا أخذ‏)‏ المرتهن ‏(‏دينه من الراهن، وإن مؤجلا أخذ قيمته للرهن بدله إلى‏)‏ زمان ‏(‏حلوله‏)‏ فإن حل استوفى حقه لو من جنسه ورد الفضل ‏(‏وإن‏)‏ كان الراهن ‏(‏معسرا‏)‏ ففي العتق سعى العبد في الأقل من قيمته ومن الدين ويرجع على سيده غنيا، وفي التدبير والاستيلاد ‏(‏سعى كل في كل الدين‏)‏ بلا رجوع لأن كسب المدبر وأم الولد ملك المولى

‏(‏فإذا أتلف‏)‏ الراهن ‏(‏الرهن فحكمه حكم ما إذا أعتقه غنيا‏)‏ كما مر ‏(‏و‏)‏ الرهن ‏(‏إن أتلفه أجنبي‏)‏ أي غير الراهن ‏(‏فالمرتهن يضمنه‏)‏ أي المتلف ‏(‏قيمته يوم هلك وتكون‏)‏ القيمة ‏(‏رهنا عنده‏)‏ كما مر‏.‏ وأما ضمانه على المرتهن فتعتبر قيمته يوم القبض لأنه مضمون بالقبض السابق زيلعي

‏(‏وبإعارته‏)‏ أي المرتهن الرهن ‏(‏من راهنه يخرج من ضمانه‏)‏ تسميتها عارية مجازا‏.‏

فلو هلك‏)‏ الرهن ‏(‏في يد الراهن هلك مجانا‏)‏ حتى لو كان أعطاه به كفيلا لم يلزم الكفيل شيء لخروجه من الرهن، نعم لو كان الراهن أخذه بغير رضا المرتهن جاز ضمان الكفيل تتارخانية‏.‏ ‏(‏فإن عاد‏)‏ قبضه ‏(‏عاد ضمانه وللمرتهن استرداده منه إلى يده، فلو مات الراهن قبل ذلك‏)‏ أي قبل الاسترداد ‏(‏فالمرتهن أحق من سائر الغرماء‏)‏ لبقاء حكم الرهن‏.‏

‏(‏ولو أعاره‏)‏ أو أودعه ‏(‏أحدهما أجنبيا بإذن الآخر سقط ضمانه ولكل منهما أن يعيده رهنا‏)‏ كما كان ‏(‏بخلاف الإجارة والبيع والهبة‏)‏ والرهن ‏(‏من المرتهن أو من أجنبي إذا باشرها أحدهما بإذن الآخر‏)‏ حيث يخرج عن الرهن ثم لا يعود إلا بعقد مبتدأ لأنها عقود لازمة، بخلاف العارية، وبخلاف بيع المرتهن من الراهن لعدم لزومها‏.‏ بقي لو مات الراهن قبل رهنه ثانيا فالمرتهن أسوة الغرماء‏.‏

‏(‏ولو أذن الراهن للمرتهن في استعماله أو إعارته للعمل فهلك‏)‏ الرهن ‏(‏قبل أن يشرع في العمل أو بعد الفراغ منه هلك‏)‏ بالدين لبقاء عقد الرهن‏.‏ ‏(‏ولو هلك في حالة العمل‏)‏ والاستعمال ‏(‏هلك أمانة‏)‏ لثبوت يد العارية حينئذ‏.‏ ‏(‏لو اختلفا في وقته‏)‏ أي وقت هلاكه فقال المرتهن هلك في وقت العمل وقال الراهن في غيره ‏(‏فالقول للمرتهن‏)‏ لأنه منكر ‏(‏والبينة للراهن‏)‏ لأنهما اتفقا على زوال يد الرهن فلا يصدق الراهن في عوده إلا بحجة بزازية‏.‏

وفيها‏:‏ أذن للمرتهن في لبس ثوب الرهن يوما فجاء به المرتهن متخرقا وقال تخرق في لبس ذلك اليوم وقال الراهن ما لبسته فيه ولا تخرق فيه فالقول للراهن، وإن أقر الراهن باللبس فيه ولكن قال تخرق قبل لبسه أو بعده فالقول للمرتهن في قدر ما عاد من الضمان‏.‏

‏[‏فروع في جواز رهن الأب من مال طفله شيئا بدين على نفسه‏]‏

رهن الأب من مال طفله شيئا بدين على نفسه جاز، فلو الرهن قيمته أكثر من الدين فهلك ضمن الأب قدر الدين دون الزيادة بخلاف الوصي فإنه يضمن قيمته‏.‏ والفرق أن للأب أن ينتفع بمال الصغير عند الحاجة ولا كذلك الوصي‏.‏ ولو أدرك الابن ومات الأب ليس للابن أخذه قبل قضاء الدين، ويرجع الابن في مال الأب إن كان رهنه لنفسه لأنه مضطر كمعير الرهن‏.‏

ولو رهن شيئا ثم أقره بالرهن لغيره لا يصدق في حق المرتهن ويؤمر بقضاء الدين ورده إلى المقر له‏.‏

ولو رهن دار غيره فأجاز صاحبها جاز، وبينة الراهن على قيمة الرهن أولى‏.‏

وزوائد الرهن كولد وثمرة رهن لا غلة دار وأرض وعبد فلا يصير رهنا‏.‏ والرهن الفاسد كالصحيح في ضمانه‏.‏

‏(‏وصح استعارة شيء ليرهنه فيرهن بما شاء‏)‏ إذا أطلق ولم يقيد بشيء ‏(‏وإن قيده بقدر أو جنس أو مرتهن أو بلد تقيد به‏)‏ وحينئذ ‏(‏فإن خالف‏)‏ ما قيده به المعير - ضمن‏)‏ المعير ‏(‏المستعير أو المرتهن‏)‏ لتعدي كل منهما ‏(‏إلا إذا خالف إلى خير بأن عين له أكثر من قيمته فرهنه بأقل من ذلك‏)‏ لم يضمن لمخالفته إلى خير ‏(‏فإن ضمن‏)‏ المعير ‏(‏المستعير تم عقد الرهن‏)‏ لتملكه بالضمان ‏(‏وإن ضمن المرتهن يرجع بما ضمن وبالدين على الراهن‏)‏ كما مر في الاستحقاق ‏(‏فإن وافق وهلك عند المرتهن صار‏)‏ المرتهن ‏(‏مستوفيا لدينه ووجب مثله‏)‏ أي مثل الدين ‏(‏للمعير على المستعير‏)‏ وهو الراهن لقضاء دينه به ‏(‏إن كان كله مضمونا وإلا‏)‏ يكن كله مضمونا ‏(‏ضمن قدر المضمون والباقي أمانة‏)‏ وكذا لو تعيب فيذهب من الدين بحسابه ويجب مثله للمعير‏.‏

‏(‏ولو افتكه‏)‏ أي الرهن ‏(‏المعير أجبر المرتهن على القبول ثم يرجع‏)‏ المعير ‏(‏على الراهن‏)‏ لأنه غير متبرع لتخليص ملكه بخلاف الأجنبي ‏(‏بما أدى‏)‏ بأن ساوى الدين القيمة، وإن الدين أزيد فالزائد تبرع، وإن أقل فلا جبر درر، لكن استشكله الزيلعي وغيره، وأقره المصنف فلذا لم يعرج عليه في متنه مع متابعته للدرر فتدبر‏.‏

‏(‏ولو هلك الرهن المستعار مع الراهن قبل رهنه أو بعد فكه لم يضمن، وإن استخدمه أو ركبه‏)‏ ونحو ذلك ‏(‏من قبل‏)‏ لأنه أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فلا يضمن خلافا للشافعي، لكن في الشرنبلالية عن العمادية‏:‏ المستأجر أو المستعير إذا خالفا ثم عاد إلى الوفاق لا يبرأ عن الضمان على ما عليه الفتوى ا هـ‏.‏

بقي لو اختلفا فالقول للراهن لأنه ينكر الإيفاء بماله، ولو اختلفا في قدر ما أمره بالرهن به فالقول للمعير هداية‏.‏ اختلفا في الدين والقيمة بعد الهلاك فالقول للمرتهن في قدر الدين وقيمة الرهن‏.‏ شرح تكملة‏.‏

‏(‏ولو مات مستعيره مفلسا‏)‏ مديونا ‏(‏فالرهن‏)‏ باق ‏(‏على حاله فلا يباع إلا برضا المعير‏)‏ لأنه ملكه ‏(‏ولو أراد المعير بيعه وأبى الراهن‏)‏ البيع ‏(‏بيع بغير رضاه إن كان به‏)‏ أي بالرهن ‏(‏وفاء وإلا لا‏)‏ يباع ‏(‏إلا برضاه‏)‏ أي المرتهن

‏(‏ولو مات المعير مفلسا وعليه دين أمر الراهن بقضاء دين نفسه ويرد الرهن‏)‏ ليصل كل ذي حق حقه ‏(‏وإن عجز لفقره فالرهن على حاله‏)‏ كما لو كان المعير حيا ‏(‏ولورثته‏)‏ أي ورثة المعير ‏(‏أخذه‏)‏ أي الرهن ‏(‏بعد قضاء دينه‏)‏ كمورث ‏(‏فإن طلب غرماء المعير من ورثته بيعه، فإن به وفاء بيع وإلا فلا‏)‏ يباع ‏(‏إلا برضا المرتهن‏)‏ كما مر لما مر‏.‏

‏(‏و‏)‏ اعلم أن ‏(‏جناية الراهن على الرهن‏)‏ كلا أو بعضا ‏(‏مضمونة كجناية المرتهن عليه ويسقط من دينه‏)‏ أي دين المرتهن ‏(‏بقدرها‏)‏ أي الجناية لأنه أتلف ملك غيره فلزمه ضمانه وإذا لزمه وقد حل الدين سقط بقدره - ولزمه الباقي بالإتلاف لا بالرهن، وهذا لو الدين من جنس الضمان وإلا لم يسقط منه شيء‏.‏ والجناية على المرتهن وللمرتهن أن يستوفي دينه، لكن لو اعور عينه يسقط نصف دينه عنه قهستاني وبرجندي‏.‏

‏(‏وجناية الرهن عليهما‏)‏ أي على الراهن أو المرتهن ‏(‏وعلى ما لهما هدر‏)‏ أي باطل ‏(‏إذا كانت‏)‏ الجناية ‏(‏غير موجبة للقصاص‏)‏ في النفس دون الأطراف، إذ لا قود بين طرفي عبد وحر ‏(‏وإن كانت موجبة للقصاص فمعتبرة‏)‏ فيقتص منه ويبطل الدين خانية‏.‏ وعبارة القهستاني وشرح المجمع يبطل الرهن ‏(‏كجنايته‏)‏ أي الرهن - على ابن الراهن أو على ابن المرتهن‏)‏ فإنها معتبرة في الصحيح حتى يدفع بها أو يفدي وإن كانت على المال فيباع كما لو جنى على الأجنبي إذ هو أجنبي لتباين الأملاك زيلعي‏.‏

‏(‏ولو رهن عبدا يساوي ألفا بألف مؤجل فرجعت قيمته إلى مائة فقتله رجل وغرم مائة وحل الأجل فالمرتهن يقبضها‏)‏ أي المائة قضاء لحقه ‏(‏ولا يرجع على الراهن بشيء‏)‏ كموته بلا قتل، والأصل أن نقصان السعر لا يوجب سقوط الدين بخلاف نقصان العين، فإذا كان الدين باقيا، ويد المرتهن يد استيفاء فيصير مستوفيا للكل من الابتداء‏.‏ ‏(‏ولو باعه‏)‏ أي العبد المذكور ‏(‏بمائة بأمر الراهن قبض المائة قضاء لحقه ورجع بتسعمائة‏)‏ لأنه لما كان الدين باقيا وقد أذن ببيعه بمائة كان الباقي في ذمته كأنه استرده وباعه لنفسه‏.‏

ولو قتله عبد قيمته مائة فدفع به افتكه‏)‏ الراهن وجوبا ‏(‏بكل الدين وهو الألف‏)‏ لقيام الثاني مقام الأول لحما ودما‏.‏ وقال محمد‏:‏ إن شاء افتكه بكل دينه أو تركه على المرتهن بدينه وهو المختار كما في الشرنبلالية عن المواهب، لكن عامة المتون والشروح على الأول

‏(‏فإن جنى‏)‏ ترك التفريع أولى ‏(‏الرهن خطأ فداه المرتهن‏)‏ لأنه ملكه ‏(‏ولم يرجع‏)‏ على الراهن بشيء ‏(‏ولا‏)‏ يملك أن ‏(‏يدفعه إلى ولي الجناية‏)‏ لأنه لا يملك التمليك ‏(‏فإن أبى‏)‏ المرتهن من الفداء ‏(‏دفعه الراهن‏)‏ إن شاء ‏(‏أو فداه ويسقط الدين‏)‏ بكل منهما ‏(‏لو أقل من قيمة الرهن أو مساويا ولو أكثر يسقط قدر قيمة العبد‏)‏ فقط، و ‏(‏لا‏)‏ يسقط ‏(‏الباقي‏)‏ من الدين، ولو استهلك ما لا يستغرق رقبته فداه المرتهن، فإن أبى باعه الراهن أو فداه‏.‏

ولو قتل ولد الرهن إنسانا أو استهلك مالا دفعه الراهن وخرج عن الرهن أو فداه وبقي رهنا مع أمه‏.‏ وأما جناية الدابة فهدر ويصير كأنه هلك بآفة سماوية وتمامه في الخانية‏.‏

‏(‏مات الراهن باع وصيه رهنه بإذن مرتهنه وقضى دينه‏)‏ لقيامه مقامه ‏(‏فإن لم يكن له وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه‏)‏ لأن نظره عام وهذا لو ورثته صغارا، فلو كبارا خلفوا الميت في المال فكان عليهم تخليصه جوهرة‏.‏

‏[‏فروع‏]‏

رهن الوصي بعض التركة لدين على الميت عند غريم من غرمائه توقف على رضا البقية ولهم رده، فإن قضى دينهم قبل الرد نفذ، ولو اتحد الغريم جاز وبيع في دينه‏.‏ وإذا ارتهن بدين للميت على آخر جاز درر‏.‏ وفي معين المفتي للمصنف‏:‏ لا يبطل الرهن بموت الراهن ولا بموت المرتهن ولا بموتهما ويبقى الرهن رهنا عند الورثة‏.‏

فصل في مسائل متفرقة

‏(‏رهن عصيرا قيمته عشرة بعشرة فتخمر ثم تخلل وهو يساوي العشرة فهو رهن بعشرة‏)‏ كما كان، ثم المعتبر في الزيادة والنقصان القدر لا القيمة على ما أفاده ابن الكمال وعليه الفتوى، فإن انتقص شيء من قدره سقط بقدره وإلا فلا‏.‏

‏(‏ولو رهن شاة قيمتها عشرة بعشرة‏)‏ هذا قيد لا بد منه، لأنه لو كان قيمتها أكثر من الدين يكون الجلد أيضا بعضه أمانة بحسابه فتنبه ‏(‏فماتت‏)‏ بلا ذبح ‏(‏فدبغ جلدها بما لا قيمة له‏)‏ فلو له قيمة ثبت للمرتهن حق حبسه بما زاد دباغه، وهل يبطل الرهن‏؟‏ قولان ‏(‏وهو‏)‏ أي الجلد ‏(‏يساوي درهما فهو رهن به، بخلاف ما إذا ماتت الشاة المبيعة قبل القبض فدبغ جلدها‏)‏ حيث لا يعود البيع بقدره على المشهور‏.‏ والفرق أن الرهن يتقرر بالهلاك والبيع قبل القبض يفسخ به‏.‏

‏(‏ولو أبق عبد الرهن وجعل‏)‏ العبد ‏(‏بالدين ثم عاد يعود الدين والرهن‏)‏ خلافا لزفر

‏(‏ونماء الرهن‏)‏ كالولد والثمر واللبن والصوف والوبر والأرش ونحو ذلك ‏(‏للراهن‏)‏ لتولده من ملكه ‏(‏وهو رهن مع الأصل‏)‏ تبعا له ‏(‏بخلاف ما هو بدل عن المنفعة كالكسب والأجرة‏)‏ وكذا الهبة والصدقة ‏(‏فإنها غير داخلة في الرهن وتكون للراهن‏)‏ الأصل أن كل ما يتولد من عين الرهن يسري إليه حكم الرهن وما لا فلا مجمع الفتاوى‏.‏

‏(‏وإذا هلك النماء‏)‏ المذكور ‏(‏هلك مجانا‏)‏ لأنه لم يدخل تحت العقد مقصود ‏(‏وإذا بقي‏)‏ النماء أي ولو حكما بأن أكل بالإذن فإنه لا يسقط حصة ما أكل منه فيرجع به على الراهن، كما إذا هلك الأصل بعد الأكل فإنه يقسم الدين على قيمتهما قهستاني ذكره بقوله ‏(‏بعد هلاك الأصل فك بحصته‏)‏ من الدين لأنه صار مقصودا بالفكاك، والتبع يقابله شيء إذا كان مقصودا ‏(‏و‏)‏ حينئذ ‏(‏يقسم الدين على قيمته يوم الفكاك وقيمة الأصل يوم القبض، ويسقط من الدين حصة الأصل وفك النماء بحصته‏)‏ كما لو كان الدين عشرة وقيمة الأصل يوم القبض عشرة وقيمة النماء يوم الفك خمسة فثلثا العشرة حصة الأصل فيسقط وثلث العشرة حصة النماء فيفك به

‏(‏ولو أذن الراهن للمرتهن في أكل الزوائد‏)‏ أي أكل زوائد الرهن بأن قال له مهما زاد فكله ‏(‏فأكلها‏)‏ ظاهره يعم أكل ثمنها، وبه أفتى المصنف‏.‏ قال‏:‏ إلا أن يوجد نقل يخصص حقيقة الأكل فيتبع ‏(‏فلا ضمان عليه‏)‏ أي على المرتهن، لأنه أتلفه بإذن المالك والإطلاق يجوز تعليقه بالشرط والخطر، بخلاف التمليك ‏(‏ولا يسقط شيء من الدين‏)‏ قال في الجواهر‏:‏ رجل رهن دارا وأباح السكنى للمرتهن فوقع بسكناه خلل وخرب البعض لا يسقط شيء من الدين لأنه لما أباح له السكنى أخذ حكم العارية، حتى لو أراد منعه كان له ذلك‏.‏ وفي المضمرات‏:‏ ولو رهن شاة فقال له الراهن كل ولدها واشرب لبنها فلا ضمان عليه، وكذا لو أذن له في ثمرة البستان فصار أكله كأكل الراهن ثم نقل عن التهذيب أنه يكره للمرتهن أن ينتفع بالرهن وإن أذن له الراهن‏.‏ قال المصنف‏:‏ وعليه يحمل ما عن محمد بن أسلم من أنه لا يحل للمرتهن ذلك ولو بالإذن لأنه ربا‏.‏ - قلت‏:‏ وتعليله يفيد أنها تحريمية فتأمله

‏(‏وإن لم يفتك‏)‏ الراهن ‏(‏الرهن‏)‏ بل بقي عند المرتهن على حاله ‏(‏حتى لو هلك‏)‏ الرهن كما في يد المرتهن ‏(‏قسم الدين على قيمة النماء‏)‏ أي الزيادة ‏(‏التي أكلها المرتهن وعلى قيمة الأصل، فما أصاب الأصل سقط وما أصاب الزيادة أخذه المرتهن من الراهن‏)‏ كما في الهداية والكافي والخانية وغيرها‏.‏ وفي الجواهر الأصل أن الإتلاف بإذن الراهن كإتلاف الراهن بنفسه لتسليطه، وفيها أباح للمرتهن نفعه هل للمرتهن أن يؤجره‏؟‏ قال لا، قيل فلو أجره ومضت المدة فالأجرة له أم للراهن‏؟‏ قال له إن أجره بلا إذن، وإن بإذن فللمالك وبطل الرهن‏.‏ وفيها‏:‏ رهن كرما وتسلمه المرتهن ثم دفعه للراهن ليسقيه ويقوم بمصالحه لا يبطل الرهن‏.‏ رهن كرما وأباح ثمره ثم باع الكرم فقبض المرتهن الثمن، إن ثمره حصل بعد البيع فللمشتري، وإن قبله‏.‏ فللراهن إن قضى دين المرتهن وإلا يكون رهنا ويجعل البيع رجوعا عن الإباحة فإنها تقبل الرجوع كما مر‏.‏ وفيها‏:‏ زرع المرتهن أرض الرهن، إن أبيح له الانتفاع لا يجب شيء، وإن لم يبح لزمه نقصان الأرض وضمان الماء لو من قناة مملوكة فليحفظ‏.‏

زرعها الراهن أو غرسها بإذن المرتهن ينبغي أن تبقى رهنا ولا يبطل الرهن فتنبه‏.‏

استحق الرهن ليس للمرتهن طلب غيره مقامه‏.‏ استحق بعضه إن شائعا يبطل الرهن فيما بقي، وإن مفروزا بقي فيما بقي ويحبس بكل الدين لكن هلكه بحصته‏.‏ آجر داره لغيره ثم رهنها منه صح وبطلت الإجارة، ولو ارتهن ثم آجره من راهنه - فالإجارة باطلة‏.‏

أبق الرهن سقط الدين كهلاكه، فإن عاد سقط بحساب نقصه لأن الإباق عيب حدث فيه‏.‏

ثم لما فرغ من الزيادة الضمنية ذكر الزيادة القصدية فقال ‏(‏والزيادة في الرهن تصح‏)‏ وتعتبر قيمتها يوم القبض أيضا ‏(‏وفي الدين لا‏)‏ تصح خلافا للثاني‏.‏ والأصل أن الإلحاق بأصل العقد إنما يتصور إذا كانت الزيادة في معقود به أو عليه والزيادة في الدين ليست منهما ‏(‏فإن رهن‏)‏‏.‏ نسخ المتن والشرح بالفاء مع أنه نبه في شرحه على أنه إنما عطفها بالواو لا بالفاء ليفيد أنها مسألة مستقلة لا فرع للأولى فتنبه‏.‏

‏(‏عبدا بألف فدفع عبدا آخر رهنا مكان الأول وقيمة كل‏)‏ من العبدين ‏(‏ألف فالأول رهن حتى رده إلى الراهن‏.‏ والمرتهن في الآخر أمين حتى يجعل مكان الأول‏)‏ بأن يرد الأول إلى الراهن فحينئذ يصير الثاني مضمونا‏.‏

‏(‏أبرأ المرتهن الراهن عن الدين أو وهبه منه ثم هلك الرهن في يد المرتهن هلك بغير شيء‏)‏ استحسانا لسقوط - الدين إلا إذا منعه من صاحبه فيصير غاصبا بالمنع‏.‏

‏(‏ولو قبض المرتهن دينه‏)‏ كله ‏(‏أو بعضه من راهنه أو غيره‏)‏ كمتطوع ‏(‏أو شرى‏)‏ المتهم ‏(‏بالدين عينا أو صالح عنه‏)‏ أي عن دينه ‏(‏على شيء‏)‏ لأنه استيفاء ‏(‏أو أحال الراهن مرتهنه بدينه على آخر ثم هلك رهنه معه‏)‏ أي في يد المرتهن ‏(‏هلك بالدين ورد ما قبض إلى من أدى‏)‏ في صورة إيفاء راهن أو متطوع أو شراء أو صلح ‏(‏وبطلت الحوالة وهلك الرهن بالدين‏)‏ لأنه في معنى الإبراء بطريق الأداء هداية، ومفاده عدم بطلان الصلح وأن الدين ليس بأكثر من قيمة الرهن وإلا فينبغي أن لا تبطل الحوالة في قدر الزيادة قهستاني

‏(‏وكذا‏)‏ أي كما يهلك الرهن بالدين في الصور المذكورة يهلك به أيضا ‏(‏لو تصادقا على أن لا دين‏)‏ عليه ‏(‏ثم هلك‏)‏ الرهن بالدين لتوهم وجوب الدين بتصادقهما على قيامه فتكون المطالبة به باقية، بخلاف الإبراء فإنه يسقط الدين أصلا‏.‏

‏(‏كل حكم‏)‏ عرف ‏(‏في الرهن الصحيح فهو الحكم في الرهن الفاسد‏)‏ كما في العمادية‏.‏ قال‏:‏ وذكر الكرخي أن المقبوض بحكم الرهن الفاسد يتعلق به الضمان‏.‏ وفيها أيضا ‏(‏وفي كل موضع كان الرهن مالا والمقابل به مضمونا إلا أنه فقد بعض شرائط الجواز‏)‏ كرهن المشاع ‏(‏ينعقد الرهن‏)‏ لوجود شرط الانعقاد لكن ‏(‏بصفة الفساد‏)‏ كالفاسد من البيوع ‏(‏وفي كل موضع لم يكن‏)‏ الرهن ‏(‏كذلك‏)‏ أي لم يكن مالا ولم يكن المقابل به مضمونا ‏(‏لا ينعقد الرهن أصلا‏)‏ وحينئذ ‏(‏فإذا هلك هلك بغير شيء‏)‏ بخلاف الفاسد فإنه يهلك بالأقل من قيمته ومن الدين ومن مات وله غرماء فالمرتهن أحق به كما في الرهن الصحيح‏.‏

‏[‏فرع في رهن الرهن‏]‏

رهن الرهن باطل كما حررناه في العارية معزيا للوهبانية‏:‏ وفي معاياتها قال‏:‏ وأي رهين لا يرام انفكاكه ومجنيه لو مات بالموت يشطر - هذا تفسير -‏:‏ ‏{‏كل نفس بما كسبت رهينة‏}‏ - والمعنى كل نفس ترتهن بكسبها عند الله تعالى ا هـ‏.‏

كتاب الجنايات

مناسبته أن الرهن لصيانة المال وحكم الجناية لصيانة الأنفس والمال وسيلة للنفس فقدم، ثم الجناية لغة اسم لما يكتسب من الشر‏.‏ وشرعا اسم لفعل محرم حل بمال أو نفس، وخص الفقهاء الغصب والسرقة بما حل بمال والجناية بما حل بنفس وأطراف‏.‏ ‏(‏القتل‏)‏ الذي يتعلق به الأحكام الآتية من قود ودية وكفارة وإثم وحرمان إرث ‏(‏خمسة‏)‏ وإلا فأنواعه كثيرة كرجم وصلب وقتل حربي، الأول ‏(‏عمد، وهو أن يتعمد ضربه‏)‏ أي ضرب الآدمي في أي موضع من جسده ‏(‏ب‏)‏ آلة تفرق الأجزاء مثل ‏(‏سلاح‏)‏ ومثقل لو من حديد جوهرة ‏(‏ومحدد من خشب‏)‏ وزجاج ‏(‏وحجر‏)‏ وإبرة في مقتل برهان ‏(‏وليطة‏)‏ وقوله ‏(‏ونار‏)‏ عطف على محدد لأنها تشق الجلد وتعمل عمل الذكاة، حتى لو وضعت في المذبح فأحرقت العروق أكل، يعني إن سال بها الدم وإلا لا كما في الكفاية قلت‏:‏ في شرح الوهبانية‏:‏ كل ما به الذكاة به القوة وإلا فلا ا هـ‏.‏ وفي البرهان‏:‏ وفي حديد غير محدد كالسنجة روايتان أظهرهما أنها عمد‏.‏ وفي المجتبى وإحماء التنور يكفي للقود وإن لم يكن فيه نار‏.‏ وفي معين المفتي للمصنف‏:‏ الإبرة إذا أصابت المقتل ففيه القود وإلا فلا ا هـ فيحفظ‏.‏ وقالا الثلاثة‏:‏ ضربه قصدا بما لا تطيقه البنية كخشب عظيم عمد ‏(‏وموجبه الإثم‏)‏ فإن حرمته أشد من حرمة إجراء كلمة الكفر لجوازه لمكره، بخلاف القتل‏.‏ ‏(‏و‏)‏ موجبه ‏(‏القود عينا‏)‏ فلا يصير مالا إلا بالتراضي فيصح صلحا ولو بمثل الدية أو أكثر ابن كمال عن الحقائق ‏(‏لا الكفارة‏)‏ لأنه كبيرة محضة، وفي الكفارة معنى العبادة فلا يناط بها‏.‏ قلت‏:‏ لكن في الخانية، لو قتل مملوكه أو ولده المملوك لغيره عمدا كان عليه الكفارة

‏(‏و‏)‏ الثاني ‏(‏شبهه وهو أن يقصد ضربه بغير ما ذكر‏)‏ أي بما لا يفرق الأجزاء ولو بحجر وخشب كبيرين عنده خلافا لغيره ‏(‏وموجبه الإثم والكفارة ودية مغلظة على العاقلة‏)‏ سيجيء تفسير ذلك ‏(‏لا القود‏)‏ لشبهه بالخطأ نظرا لآلته إلا أن يتكرر منه فللإمام قتله سياسة اختيار ‏(‏وهو‏)‏ أي شبه العمد ‏(‏فيما دون النفس‏)‏ من الأطراف ‏(‏عمد‏)‏ موجب للقصاص، فليس فيما دون النفس شبه عمد

‏(‏و‏)‏ الثالث ‏(‏خطأ وهو‏)‏ نوعان‏:‏ لأنه إما خطأ في ظن الفاعل ك ‏(‏أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا‏)‏ أو مرتدا ‏(‏فإذا هو مسلم أو‏)‏ خطأ في نفس الفعل كأن يرمي ‏(‏غرضا‏)‏ أو صيدا ‏(‏فأصاب آدميا‏)‏ أو رمى غرضا فأصابه ثم رجع عنه أو تجاوز عنه إلى ما وراءه فأصاب رجلا أو قصد رجلا فأصاب غيره أو أراد يد رجل فأصاب عنق غيره، ولو عنقه فعمد قطعا أو أراد رجلا فأصاب حائطا ثم رجع السهم فأصاب الرجل فهو خطأ؛ لأنه أخطأ في إصابة الحائط ورجوعه سبب آخر والحكم يضاف لآخر أسبابه ابن كمال عن المحيط‏.‏ قال‏:‏ وكذا لو سقط من يده خشبة أو لبنة فقتل رجلا يتحقق الخطأ في الفعل ولا قصد فيه فكلام صدر الشريعة فيه ما فيه‏.‏ وفي الوهبانية‏:‏ وقاصد شخص إن أصاب خلافه فذا خطأ والقتل فيه معذر وقاصد شخص حالة النوم إن يمن فيقتص إن أبقى دما منه ينهر

‏(‏و‏)‏ الرابع ‏(‏ما جرى مجراه‏)‏ مجرى الخطأ ‏(‏كنائم انقلب على رجل فقتله‏)‏؛ لأنه معذور كالمخطئ ‏(‏وموجبه‏)‏ أي موجب هذا النوع من الفعل وهو الخطأ وما جرى مجراه ‏(‏الكفارة والدية على العاقلة‏)‏ والإثم دون إثم القاتل إذ الكفارة تؤذن بالإثم لترك العزيمة

‏(‏و‏)‏ الخامس ‏(‏قتل بسبب كحافر البئر وواضع حجر في غير ملكه‏)‏ بغير إذن من السلطان ابن كمال؛ وكذا وضع خشبة على قارعة الطريق ونحو ذلك إلا إذا مشى على البئر ونحوه بعد علمه بالحفر ونحوه درر ‏(‏وموجبه الدية على العاقلة لا الكفارة‏)‏ ولا إثم القتل بل إثم الحفر والوضع في غير ملكه درر ‏(‏وكل ذلك يوجب حرمان الإرث‏)‏ لو الجاني مكلفا ابن كمال ‏(‏إلا هذا‏)‏ أي القتل بسبب لعدم قتله وألحقه الشافعي بالخطأ في أحكامه‏.‏

فصل فيما يوجب القود وما لا يوجبه

‏(‏يجب القود‏)‏ أي القصاص ‏(‏بقتل كل محقون الدم‏)‏ بالنظر لقاتله درر، وسيتضح عند قوله وقتل القاتل أجنبي ‏(‏على التأبيد عمدا‏)‏ وهو المسلم والذمي لا المستأمن والحربي ‏(‏بشرط كون القاتل مكلفا‏)‏ لما تقرر أنه ليس لصبي ومجنون عمد‏.‏ في البزازية‏:‏ حكم عليه بقود فجن قبل دفعه للولي انقلب دية‏.‏ من يجن ويفيق قتل في إفاقته قتل، فإن جن بعده، إن مطبقا سقط، وإن غير مطبق قتل قتل عبد مولاه عمدا لا رواية فيه‏.‏ وقال أبو جعفر‏:‏ يقتل‏.‏ قتل عبد الوقف عمدا لا قود فيه‏.‏ قتل ختنه عمدا وبنته في نكاحه سقط القود ا هـ ‏(‏و‏)‏ بشرط ‏(‏انتفاء الشبهة‏)‏ كولاد أو ملك أو أعم كقوله‏:‏ اقتلني فقتله ‏(‏بينهما‏)‏ كما سيجيء

‏(‏فيقتل الحر بالحر وبالعبد‏)‏ غير الوقف كما مر خلافا للشافعي‏.‏ ولنا إطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن النفس بالنفس‏}‏ فإنه ناسخ‏:‏ ‏{‏الحر بالحر‏}‏ الآية كما رواه السيوطي في الدر المنثور عن النحاس عن ابن عباس‏:‏ على أنه تخصيص بالذكر فلا ينفي ما عداه‏.‏ كيف ولو دل لوجب أن لا يقتل الذكر بالأنثى ولا قائل به‏.‏ قيل ولا الحر بالعبد ورد بدخوله بالأولى‏:‏ ولأبي الفتح البستي نظما قوله‏:‏ خذوا بدمي هذا الغزال فإنه رماني بسهمي مقلتيه على عمد ولا تقتلوه إنني أنا عبده ولم أر حرا قط يقتل بالعبد فأجابه بعض الحنفية رادا عليه بقوله‏:‏ خذوا بدمي من رام قتلي بلحظه ولم يخش بطش الله في قاتل العمد وقودوا به جبرا وإن كنت عبده ليعلم أن الحر يقتل بالعبد

‏(‏والمسلم بالذمي‏)‏ خلافا له ‏(‏لا هو بمستأمن بل هو بمثله قياسا‏)‏ للمساواة لا استحسانا لقيام المبيح هداية ومجتبى ودرر وغيرها‏.‏ قال المصنف‏:‏ وينبغي أن يعول على الاستحسان لتصريحهم بالعمل به إلا في مسائل مضبوطة ليست هذه منها، وقد اقتصر منلا خسرو في متنه على القياس ا هـ، يعني فتبعه المصنف رحمه الله تعالى على عادته‏.‏ قلت‏:‏ ويعضده عامة المتون حتى الملتقى

‏(‏و‏)‏ يقتل ‏(‏العاقل بالمجنون والبالغ بالصبي والصحيح بالأعمى والزمن وناقص الأطراف والرجل بالمرأة‏)‏ بالإجماع‏.‏ ‏(‏والفرع بأصله وإن علا لا بعكسه‏)‏ خلافا لمالك فيما إذا ذبح ابنه ذبحا أي لا يقتص الأصول وإن علوا مطلقا ولو إناثا من قبل الأم في نفس أو أطراف بفروعهم وإن سفلوا لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا يقاد الوالد بولده» وهو وصف معلل بالجزئية فيتعدى لمن علا؛ لأنهم أسباب في إحيائه فلا يكون سببا لإفنائهم، وحينئذ فتجب الدية في مال الأب في ثلاث سنين؛ لأن هذا عمد والعاقلة لا تعقل العمد‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ تجب حالة كبدل الصلح زيلعي وجوهرة، وسيجيء في المعاقل‏.‏ وفي الملتقى‏:‏ ولا قصاص على شريك الأب أو المولى أو المخطئ أو الصبي أو المجنون وكل من لا يجب القصاص بقتله لما تقرر من عدم تجزؤ القصاص فلا يقتل العامد عندنا خلافا للشافعي برهان

‏(‏ولا سيد بعبده‏)‏ أي بعبد نفسه ‏(‏ومدبره ومكاتبه وعبد ولده‏)‏ هذا داخل تحت قولهم‏:‏ ومن ملك قصاصا على أبيه سقط كما سيجيء ‏(‏ولا بعبد يملك بعضه‏)‏؛ لأن القصاص لا يتجزأ ‏(‏ولا بعبد الرهن حتى يجتمع العاقدان‏)‏ وقال محمد‏:‏ لا قود وإن اجتمعا جوهرة، وعليه يحمل ما في الدرر معزيا للكافي كما في المنح، لكن في الشرنبلالية عن الظهيرية أنه أقرب إلى الفقه‏.‏ بقي لو اختلفا فلهما القيمة تكون رهنا مكانه، ولو قتل عبد الإجارة فالقود للمؤجر‏.‏ وأما المبيع إذا قتل في يد بائعه قبل القبض، فإن أجاز المشتري البيع فالقود له، وإن رده فللبائع القود، وقيل القيمة جوهرة ‏(‏ولا بمكاتب‏)‏ وكذا ابنه وعبده شرنبلالية ‏(‏قتل عمدا‏)‏ لا حاجة لقيد العمد؛ لأنه شرط في كل قود ‏(‏عن وفاء ووارث وسيد وإن اجتمعا‏)‏ لاختلاف الصحابة في موته حرا أو رقيقا فاشتبه الولي فارتفع القود ‏(‏فإن لم يدع وارثا غير سيده سواء ترك وفاء أو لا أو ترك وارثا ولا وفاء أقاد سيده‏)‏ لتعينه‏.‏ وفي أولى الصور الأربع خلاف محمد‏.‏

‏(‏ويسقط قود‏)‏ قد ‏(‏ورثه على أبيه‏)‏ أي أصله؛ لأن الفرع لا يستوجب العقوبة على أصله‏.‏ وصورة المسألة فيما إذا قتل الأب أب امرأته ولا وارث له غيرها ثم ماتت المرأة فإن ابنها منه يرث القود الواجب على أبيه فسقط لما ذكرنا‏.‏ وأما تصوير صدر الشريعة فثبوته فيه للابن ابتداء لا إرثا عند أبي حنيفة وإن اتحد الحكم كما لا يخفى‏.‏ وفي الجوهرة‏:‏ لو عفا المجروح أو وارثه قبل موته صح استحسانا لانعقاد السبب لهما‏.‏

‏(‏لا قود بقتل مسلم مسلما ظنه مشركا بين الصفين‏)‏ لما مر أنه من الخطأ وإنما أعاده ليبين موجبه بقوله ‏(‏بل‏)‏ القاتل ‏(‏عليه كفارة ودية‏)‏ قالوا هذا إذا اختلطوا، فإن كان في صف المشركين لا يجب شيء لسقوط عصمته‏.‏ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من كثر سواد قوم فهو منهم»‏.‏ قلت‏:‏ فإذا كان مكثر سوادهم منهم وإن لم يتزي بزيهم فكيف بمن تزيا قاله الزاهدي وقال المصنف‏:‏ حتى لو تشكل جني بما يباح قتله كحية فينبغي الإقدام على قتله ثم إذا تبين أنه جني فلا شيء على القاتل، والله أعلم‏.‏

‏(‏ولا يقاد إلا بالسيف‏)‏ وإن قتله بغيره خلافا للشافعي‏.‏ وفي الدرر عن الكافي‏:‏ المراد بالسيف السلاح‏.‏ قلت‏:‏ وبه صرح في حج المضمرات حيث قال‏:‏ والتخصيص باسم العدد لا يمنع إلحاق غيره به، ألا ترى أنا ألحقنا الرمح والخنجر بالسيف في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا قود إلا بالسيف» فما في السراجية‏:‏ من له قود قاد بالسيف، فلو ألقاه في بئر أو قتله بحجر أو بنوع آخر عزر وكان مستوفيا يحمل على أن مراده بالسيف السلاح والله أعلم‏.‏

‏(‏ولأبي المعتوه القود‏)‏ تشفيا للصدر ‏(‏و‏)‏ إذا ملكه ملك ‏(‏الصلح‏)‏ بالأولى ‏(‏لا العفو‏)‏ مجانا ‏(‏بقطع يده‏)‏ أي في يد المعتوه ‏(‏وقتل قريبه‏)‏؛ لأنه إبطال حقه ولا يملكه ‏(‏وتقيد صلحه بقدر الدية أو أكثر منه، وإن وقع بأقل منه لم يصح‏)‏ الصلح ‏(‏وتجب الدية كاملة‏)‏؛ لأنه أنظر للمعتوه ‏(‏والقاضي كالأب‏)‏ في جميع ما ذكرنا في الأصح كمن قتل ولا ولي له للحاكم قتله والصلح لا العفو؛ لأنه ضرر للعامة ‏(‏والوصي‏)‏ كالأخ ‏(‏يصالح‏)‏ عن القتل ‏(‏فقط‏)‏ بقدر الدية، وله القود في الأطراف استحسانا؛ لأنه يسلك بها مسلك الأموال ‏(‏والصبي كالمعتوه‏)‏ فيما ذكر

‏(‏وللكبار القود قبل كبر الصغار‏)‏ خلافا لهما‏.‏ والأصل أن كل ما لا يتجزأ إذا وجد سببه كاملا ثبت لكل على الكمال كولاية إنكاح وأمان ‏(‏إلا إذا كان الكبير أجنبيا عن الصغير فلا‏)‏ يملك القود ‏(‏حتى يبلغ الصغير‏)‏ إجماعا زيلعي فليحفظ‏.‏

‏(‏ولو قتل القاتل أجنبي وجب القصاص عليه في‏)‏ القتل ‏(‏العمد‏)‏؛ لأنه محقون الدم بالنظر لقاتله كما مر ‏(‏والدية على عاقلته‏)‏ أي القاتل ‏(‏في الخطأ، ولو قال ولي القتيل بعد القتل‏)‏ أي بعد قتل الأجنبي ‏(‏كنت أمرته بقتله ولا بينة له‏)‏ على مقالته ‏(‏لا يصدق‏)‏ ويقتل الأجنبي درر، بخلاف من حفر بئرا في دار رجل فمات فيها شخص فقال رب الدار كنت أمرته بالحفر صدق مجتبى، يعني؛ لأنه يملك استئنافه للحال فيصدق بخلاف الأول لفوات المحل بالقتل كما هو القاعدة، وظاهره أن حق الولي يسقط رأسا كما لو مات القاتل حتف أنفه‏.‏ ‏(‏ولو استوفاه بعض الأولياء لم يضمن شيئا‏)‏ وفي المجتبى والدرر‏:‏ دم بين اثنين فعفا أحدهما وقتله الآخر إن علم أن عفو بعضهم يسقط حقه يقاد وإلا فلا والدية في ماله، بخلاف ممسك رجل ليقتل عمدا فقتل ولي القتيل الممسك فعليه القود؛ لأنه مما لا يشكل على الناس‏.‏

‏(‏جرح إنسانا ومات‏)‏ المجروح ‏(‏فأقام أولياء المقتول بينة أنه مات بسبب الجرح، وأقام الضارب بينة أنه بريء‏)‏ من الجرح ‏(‏ومات بعد مدة فبينة ولي المقتول أولى‏)‏ كذا في معين الحكام معزيا للحاوي‏.‏ ‏(‏أقام أولياء المقتول البينة على أنه جرحه زيد وقتله وأقام زيد البينة على أن المقتول قال إن زيدا لم يجرحني ولم يقتلني فبينة زيد أولى‏)‏ كذا في المشتمل معزيا لمجمع الفتاوى‏.‏ ‏(‏قال المجروح لم يجرحني فلان ثم مات‏)‏ المجروح ‏(‏وليس لورثته الدعوى على الجارح بهذا السبب‏)‏ مطلقا، وقيل إن كان الجرح معروفا عند القاضي أو الناس قبلت قنية‏.‏ وفي الدرر عن المسعودية‏:‏ لو عفا المجروح أو الأولياء بعد الجرح قبل الموت جاز العفو استحسانا‏.‏ وفي الوهبانية‏:‏ جريح قال قتلني فلان ومات فبرهن وارثه على آخر أنه قتله لم تسمع؛ لأنه حق المورث وقد أكذبهم ولو قال‏:‏ جرحني فلان ومات فبرهن ابنه على ابن آخر أنه جرحه خطأ قبلت لقيامها على حرمانه الإرث‏.‏

‏(‏سقاه سما حتى مات، إن دفعه إليه حتى أكله ولم يعلم به فمات لا قصاص ولا دية لكنه يحبس ويعزر، ولو أوجره‏)‏ السم ‏(‏إيجارا تجب الدية‏)‏ على عاقلته ‏(‏وإن دفعه له في شربة فشربه ومات‏)‏ منه ‏(‏فكالأول‏)‏؛ لأنه شرب منه باختياره إلا أن الدفع خدعة فلا يلزم إلا التعزير والاستغفار خانية ‏(‏وإن قتله بمر‏)‏ بفتح الميم‏:‏ ما يعمل في الطين ‏(‏يقتص إن أصابه حد الحديد‏)‏ أو ظهره وجرحه إجماعا كما نقله المصنف عن المجتبى ‏(‏وإلا‏)‏ يصبه حده بل قتله بظهره ولم يجرحه ‏(‏لا‏)‏ يقتص في رواية الطحاوي، وظاهر الرواية أنه يقتص بلا جرح في حديد ونحاس وذهب ونحوها، وعزاه في الدرر لقاضي خان؛ لكن نقل المصنف عن الخلاصة أن الأصح اعتبار الجرح عند الإمام لوجوب القود، وعليه جرى ابن الكمال‏.‏ وفي المجتبى‏:‏ ضرب بسيف في غمده فخرق السيف الغمد وقتله فلا قود عند أبي حنيفة ‏(‏كالخنق والتغريق‏)‏ خلافا لهما والشافعي‏.‏ ولو أدخله بيتا فمات فيه جوعا لم يضمن شيئا وقالا‏:‏ تجب الدية ولو دفنه حيا فمات، عن محمد يقاد به مجتبى بخلاف قتله بموالاة ضرب السوط كما سيجيء‏.‏ وفيه‏:‏ لو اعتاد الخنق قتل سياسة ولا تقبل توبته لو بعد مسكه كالساحر‏.‏

وفيه ‏(‏قمط رجلا وطرحه قدام أسد أو سبع فقتله فلا قود فيه ولا دية ويعزر ويضرب ويحبس إلى أن يموت‏)‏ زاد في البزازية‏:‏ وعن الإمام عليه الدية، ولو قمط صبيا وألقاه في الشمس أو البرد حتى مات فعلى عاقلته الدية‏.‏ وفي الخانية‏:‏ قمط رجلا وألقاه في البحر فرسب وغرق كما ألقاه فعلى عاقلته الدية عند أبي حنيفة ولو سبح ساعة ثم غرق فلا دية لأنه غرق بعجزه، وفي الأولى غرق بطرحه في الماء‏.‏

‏(‏قطع عنقه وبقي من الحلقوم قليل وفيه الروح فقتله آخر فلا قود فيه‏)‏ عليه؛ لأنه في حكم الميت‏.‏ ‏(‏ولو قتله وهو في‏)‏ حالة ‏(‏النزع‏)‏ ‏(‏قتل به‏)‏ إلا إذا كان يعلم أنه لا يعيش منه، كذا في الخانية‏.‏ وفي البزازية‏:‏ شق بطنه بحديدة وقطع آخر عنقه، وإن توهم بقاءه حيا بعد الشق قتل قاطع العنق وإلا قتل الشاق وعزر القاطع‏.‏

‏(‏ومن جرح رجلا عمدا فصار ذا فراش ومات يقتص‏)‏ إلا إذا وجد ما يقطعه كحز الرقبة والبرء منه، وقدمنا أنه لو عفا المجروح أو الأولياء قبل موته صح استحسانا

‏(‏وإن مات‏)‏ شخص ‏(‏بفعل نفسه وزيد وأسد وحية ضمن زيد ثلث الدية في ماله إن‏)‏ كان القتل ‏(‏عمدا وإلا فعلى عاقلته‏)‏؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد؛ لأنه هدر في الدارين وفعل زيد معتبر في الدارين وفعل نفسه هدر في الدنيا لا العقبى حتى يأثم بالإجماع فصارت ثلاثة أجناس ومفاده أن يعتبر في المقتول التكليف ليصير فعله جنسا آخر غير جنس فعل الأسد والحية وأن لا يزيد على الثلث لو تعدد قاتله؛ لأن فعل كل جنس واحد ابن كمال‏.‏

‏(‏ويجب قتل من شهر سيفا على المسلمين‏)‏ يعني في الحال كما نص عليه ابن الكمال حيث غير عبارة الوقاية فقال‏:‏ ويجب دفع من شهر سيفا على المسلمين ولو بقتله إن لم يمكن دفع ضرره إلا به صرح به في الكفاية‏:‏ أي لأنه من باب دفع الصائل صرح به الشمني وغيره، ويأتي ما يؤيده ‏(‏ولا شيء بقتله‏)‏ بخلاف الحمل الصائل‏.‏ ‏(‏ولا‏)‏ يقتل ‏(‏من شهر سلاحا على رجل ليلا أو نهارا في مصر أو غيره أو شهر عليه عصا ليلا في مصر أو نهارا في غيره فقتله المشهور عليه‏)‏ وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه ‏(‏عمدا تجب الدية‏)‏ في ماله ‏(‏ومثله الصبي والدابة‏)‏ الصائلة‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ لا ضمان في الكل؛ لأنه لدفع الشر‏.‏ ‏(‏ولو ضربه الشاهر فانصرف‏)‏ وكف عنه على وجه لا يريد ضربه ثانيا ‏(‏فقتله الآخر‏)‏ أي المشهور عليه أو غيره، كذا عممه ابن الكمال تبعا للكافي والكفاية ‏(‏قتل القاتل‏)‏؛ لأنه بالانصراف عادت عصمته‏.‏ قلت‏:‏ فتحرر أنه ما دام شاهرا السيف ضربه وإلا لا فليحفظ‏.‏

‏(‏ومن دخل عليه غيره ليلا فأخرج السرقة‏)‏ من بيته ‏(‏فاتبعه‏)‏ رب البيت ‏(‏فقتله فلا شيء عليه‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «قاتل دون مالك» وكذا لو قتله قبل الأخذ إذا قصد أخذ ماله ولم يتمكن من دفعه إلا بالقتل صدر شريعة‏.‏ وفي الصغرى‏:‏ قصد ماله، إن عشرة أو أكثر له قتله، وإن أقل قاتله ولم يقتله، وهل يقبل قوله أنه كابره إن ببينة نعم، وإلا فإن المقتول معروفا بالسرقة والشر لم يقتص استحسانا والدية في ماله لورثة المقتول بزازية هذا ‏(‏إذا لم يعلم أنه لو صاح عليه طرح ماله، وإن علم‏)‏ ذلك ‏(‏فقتله مع ذلك وجب عليه القصاص‏)‏ لقتله بغير حق ‏(‏كالمغصوب منه إذا قتل الغاصب‏)‏ فإنه يجب القود لقدرته على دفعه بالاستغاثة بالمسلمين والقاضي‏.‏

‏(‏مباح الدم التجأ إلى الحرم لم يقتل فيه‏)‏ خلافا للشافعي ‏(‏ولم يخرج عنه للقتل لكن يمنع عنه الطعام والشراب حتى يضطر فيخرج من الحرم فحينئذ يقتل خارجه‏)‏ وأما فيما دون النفس فيقتص منه في الحرم إجماعا‏.‏ ‏(‏ولو أنشأ القتل في الحرم قتل فيه‏)‏ إجماعا سراجية؛ ولو قتل في البيت لا يقتل فيه ذكره المصنف في الحج‏.‏

‏(‏ولو قال اقتلني فقتله‏)‏ بسيف ‏(‏فلا قصاص وتجب الدية‏)‏ في ماله في الصحيح؛ لأن الإباحة لا تجري في النفس وسقط القود لشبهة الإذن وكذا لو قال اقتل أخي أو ابني أو أبي فتلزمه الدية استحسانا كما في البزازية عن الكفاية‏.‏ وفيها عن الواقعات أو ابنه صغيرا يقتص‏.‏ وفي الخانية‏:‏ بعتك دمي بفلس أو بألف فقتله يقتص‏.‏ وفي اقتل أبي عليه دية لابنه‏.‏ وفي اقطع يده فقطع يده يقتص‏.‏ وفي‏:‏ شج ابني فشجه لا شيء عليه، فإن مات فعليه الدية ‏(‏وقيل لا‏)‏ تجب الدية أيضا وصححه ركن الإسلام كما في العمادية، واستظهره الطرسوسي، لكن رده ابن وهبان‏.‏

‏(‏كما لو قال‏:‏ اقتل عبدي أو اقطع يده ففعل فلا ضمان عليه‏)‏ إجماعا كقوله‏:‏ اقطع يدي أو رجلي وإن سرى لنفسه ومات؛ لأن الأطراف كالأموال فصح الأمر‏.‏ ولو قال‏:‏ اقطعه على أن تعطيني هذا الثوب أو هذه الدراهم فقطع يجب أرش اليد لا القود وبطل الصلح بزازية‏.‏

‏[‏فروع في هبة القصاص لغير القاتل‏]‏

هبة القصاص لغير القاتل لا يجوز؛ لأنه يجري فيه التمليك‏.‏ عفو الولي عن القاتل أفضل من الصلح والصلح أفضل من القصاص، وكذا عفو المجروح‏.‏ لا تصح توبة القاتل حتى يسلم نفسه للقود وهبانية‏.‏ الإمام شرط استيفاء القصاص كالحدود عند الأصوليين‏.‏ وفرق الفقهاء أشباهه، وفيها في قاعدة‏:‏ الحدود تدرأ بالشبهات وكالحدود القصاص إلا في سبع‏.‏ يجوز القضاء بعلمه في القصاص دون الحدود‏.‏ القصاص يورث والحد لا‏.‏ يصح عفو القصاص لا الحد‏.‏ التقادم لا يمنع الشهادة بالقتل، بخلاف الحد سوى حد القذف‏.‏ ويثبت بإشارة أخرس وكتابته، بخلاف الحد‏.‏ تجوز الشفاعة في القصاص لا الحد‏.‏ السابعة لا بد في القصاص من الدعوى، بخلاف الحد سوى حد القذف ا هـ‏.‏ وفي القنية‏:‏ نظر في باب دار رجل ففقأ الرجل عينه لا يضمن إن لم يمكنه تنحيته من غير فقئها وإن أمكنه ضمن وقال الشافعي‏:‏ لا يضمن فيهما‏.‏ ولو أدخل رأسه فرماه بحجر ففقأها لا يضمن إجماعا، إنما الخلاف فيمن نظر من خارجها، والله تعالى أعلم‏.‏