فصل: السَّابِعَةُ: الِاسْتِفْهَامُ إِذَا دَخَلَ عَلَى الشَّرْطِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.السَّابِعَةُ: الِاسْتِفْهَامُ إِذَا دَخَلَ عَلَى الشَّرْطِ:

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَإِنْ مات أو قتل انقلبتم} وقوله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون} وَنَظَائِرُهُ فَالْهَمْزَةُ فِي مَوْضِعِهَا وَدُخُولُهَا عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ وَالْفِعْلُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ جَزَاءُ الشَّرْطِ لَيْسَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ وَإِنَّمَا هُوَ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ وَالْهَمْزَةُ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ تَقْدِيرًا فَيُنْوَى بِهِ التَّقْدِيمُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ جَوَابًا بَلِ الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُ: (أَأَنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ أَنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ)؟ لِأَنَّ الْغَرَضَ إِنْكَارُ انْقِلَابِهِمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَيَقُولُ يُونُسَ: قَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ إِنَّمَا هُوَ: (أَتَنْقَلِبُونَ إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ).
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: قَالَ يونس: الهمزة في مثل هذا أحقها أَنْ تَدْخُلَ عَلَى جَوَابِ الشرط تقديره: (أتنقلبون عَلَى أَعْقَابِكُمْ أَنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ) لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّنْبِيهُ أَوِ التَّوْبِيخُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ الْمَشْرُوطِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ الْحَقُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّكَ لَوْ قَدَّمْتَ الْجَوَابَ لَمْ يَكُنْ لِلْفَاءِ وَجْهٌ إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ: أَتَزُورُنِي فَإِنْ زُرْتُكَ ومنه قوله: {أفإن مت فهم الخالدون} وَالثَّانِي: أَنَّ الْهَمْزَةَ لَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ وَإِنَّ لها صدر الكلام فقد وَقَعَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَالْمَعْنَى يَتِمُّ بِدُخُولِ الْهَمْزَةِ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ لِأَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ انْتَهَى.
وَقَدْ رَدَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى يُونُسَ بِقَوْلِهِ: {أفإن مت فهم الخالدون} لا يجوز في {فهم} أن يُنْوَى بِهِ التَّقْدِيمُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: أَفَهُمُ الْخَالِدُونَ فَإِنْ مِتَّ؟ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِئَلَّا يَبْقَى الشَّرْطُ بِلَا جَوَابٍ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلُهُ لِأَنَّ الْفَاءَ الْمُتَّصِلَةَ بِإِنْ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يَقُولُونَ: أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ وَلَا يَقُولُونَ: أَنْتَ ظَالِمٌ فَإِنْ فَعَلْتَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْهَامِ إِنَّمَا دَخَلَتْ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ.

.الثَّامِنَةُ: إِذَا تَقَدَّمَ أَدَاةَ الشَّرْطِ جُمْلَةٌ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ جَزَاءً:

ثُمَّ ذُكِرَ فِعْلُ الشَّرْطِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ جَوَابٌ نَحْوُ: أَقُومُ إِنْ قُمْتَ وَأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَلَا تَقْدِيرَ عند الكوفيين بل المقدم هو جواب وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ دَلِيلُ الْجَوَابِ.
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْفَاءَ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ جَوَابًا لَدَخَلَتْ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لَمَا افْتَرَقَ الْمَعْنِيَّانِ وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ فَفِي التَّقَدُّمِ بُنِيَ الْكَلَامُ عَلَى الْخَبَرِ ثُمَّ طَرَأَ التَّوَقُّفُ وَفِي التَّأْخِيرِ بُنِيَ الْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الشَّرْطِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ وَتَابَعَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَنُوزِعَا فِي ذَلِكَ بَلْ مَعَ التَّقْدِيمِ الْكَلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرْ بِالْعَشَرَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ مِنْهَا دِرْهَمًا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ ثُمَّ زَعَمَ ابْنُ السَّرَّاجِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إن كنتم إياه تعبدون}.

.التَّاسِعَةُ: إِذَا دَخَلَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ وَاوُ الْحَالِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى جَوَابٍ:

نَحْوُ: أَحْسِنْ إِلَى زَيْدٍ وَإِنْ كَفَرَكَ وَاشْكُرْهُ وَإِنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ أَيْ أَحْسِنْ إِلَيْهِ كَافِرًا لَكَ وَاشْكُرْهُ مُسِيئًا إِلَيْكَ.
فَإِنْ أُجِيبَ الشَّرْطُ كَانَتِ الْوَاوُ عَاطِفَةً لَا لِلْحَالِ نَحْوُ: أَحْسِنْ إِلَيْهِ وَإِنْ كَفَرَكَ فَلَا تَدَعُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِ وَاشْكُرْهُ وَإِنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فَأَقِمْ عَلَى شُكْرِهِ وَلَوْ كَانَتِ الْوَاوُ هُنَا لِلْحَالِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جَوَابٌ.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالَ فَضْلَةٌ وَأَصْلُ وَضْعِ الْفَضْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُفْرَدًا كَالظَّرْفِ وَالْمَصْدَرِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ فَلَمَّا كَانَ كذلك لم يجب الشرط إذا وقع مَوْقِعِ الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ أُجِيبَ لَصَارَ جُمْلَةً وَالْحَالُ إِنَّمَا هِيَ فَضْلَةٌ فَالْمُفْرِدُ أَوْلَى بِهَا مِنَ الْجُمْلَةِ وَالشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً فَإِنَّهُ يَجْرِي عِنْدَهُمْ مَجْرَى الْآحَادِ مِنْ حَيْثُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى جَوَابِهِ احْتِيَاجَ الْمُبْتَدَأِ إِلَى الْخَبَرِ.

.العاشرة: الشرط والجزاء لابد أن يتغايرا لَفْظًا:

وَقَدْ يَتَّحِدَانِ فَيُحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ كَقَوْلِهِ: {إلا من تاب وآمن} والآية التي تليها: {من تاب وعمل صالحا} ثُمَّ قَالَ: {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} فَقِيلَ عَلَى حَذْفِ الْفِعْلِ أَيْ مَنْ أَرَادَ التَّوْبَةَ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مُعْرِضَةٌ لَهُ لَا يَحُولُ بينه بينها حائل ومثله: {فإذا قرأت القرآن} أَيْ: أَرَدْتَ وَيَدُلُّ لِهَذَا تَأْكِيدُ التَّوْبَةِ بِالْمَصْدَرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رحله فهو جزاؤه} فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ كَمَا هِيَ خَبَرُهُ عَلَى إِقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ وَالْأَصْلُ جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رِحْلِهِ فَهُوَ هُوَ فَوُضِعَ الْجَزَاءُ مَوْضِعَ هُوَ.
وَقَوْلُهُ: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} قَدَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ هِدَايَتَهُ) فَلَا يَتَّحِدُ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تدخل النار فقد أخزيته} وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فقد فاز} وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}.
وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ تَفْخِيمُ الْجَزَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجَزَاءَ هُوَ الْكَامِلُ الْبَالِغُ النِّهَايَةِ يَعْنِي مَنْ يَبْخَلُ فِي أَدَاءِ رُبُعِ الْعُشْرِ فَقَدْ بَالَغَ فِي الْبُخْلِ وَكَانَ هُوَ الْبَخِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ.

.الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ: فِي اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ:

وَقَدْ عَدُّوا مِنْ ذَلِكَ آيَاتٍ شَرِيفَةً بَعْضُهَا مُسْتَقِيمٌ وَبَعْضُهَا بِخِلَافِهِ.
الْآيَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وريحان} الْآيَةَ.
قَالَ الْفَارِسِيُّ: قَدِ اجْتَمَعَ هُنَا شَرْطَانِ وَجَوَابٌ وَاحِدٌ فَلَيْسَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ جوابا لأما أو لإن ولا يجوز أن يكون جواب لَهُمَا لِأَنَّا لَمْ نَرَ شَرْطَيْنِ لَهُمَا جَوَابٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَجَازَ شَرْطٌ وَاحِدٌ لَهُ جَوَابَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لـ: (إن) دُونَ (أَمَّا) لِأَنَّ (أَمَّا) لَمْ تُسْتَعْمَلْ بِغَيْرِ جَوَابٍ فَجُعِلَ جَوَابًا لِأَمَّا فَتُجْعَلُ أَمَّا وَمَا بَعْدَهَا جَوَابًا لِإِنْ.
وَتَابَعَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي كَوْنِ الْجَوَابِ لِأَمَّا.
وَقَدْ سَبَقَهُمَا إِلَيْهِ إِمَامُ الصِّنَاعَةِ سِيبَوَيْهِ وَنَازَعَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي عَدِّ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ هَذَا قَالَ: وَلَيْسَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ أَنْ يُقْرَنَ الثَّانِي بِفَاءِ الْجَوَابِ لَفْظًا نَحْوُ إِنْ تَكَلَّمَ زَيْدٌ فَإِنْ أَجَادَ فَأَحْسِنْ إِلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِي وَجَوَابَهُ جَوَابُ الْأَوَّلِ أَوْ يُقْرَنَ بِفَاءِ الْجَوَابِ تَقْدِيرًا كَهَذِهِ الْآيَةِ الشريفة لأن الأصل عند النجاة مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنْ كَانَ الْمُتَوَفَّى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَجَزَاؤُهُ رَوْحٌ فَحُذِفَ مَهْمَا وَجُمْلَةُ شَرْطِهَا وَأُنِيبَ عَنْهَا (أَمَّا) فَصَارَ (أَمَّا فَإِنْ كَانَ) مُفْرِدًا مِنْ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجَوَابَ لَا يَلِي أَدَاةَ الشَّرْطِ بِغَيْرِ فَاصِلٍ وَثَانِيهُمَا: أَنَّ الْفَاءَ فِي الْأَصْلِ لِلْعَطْفِ فَحَقُّهَا أَنْ تَقَعَ بَيْنَ سَبَبَيْنِ وَهُمَا الْمُتَعَاطِفَانِ فَلَمَّا أَخْرَجُوهَا مِنْ بَابِ الْعَطْفِ حَفَظُوا عَلَيْهَا الْمَعْنَى الْآخَرَ وَهُوَ التَّوَسُّطُ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ شَيْءٌ مِمَّا فِي حَيِّزِهَا عَلَيْهَا إِصْلَاحًا لِلَّفْظِ فَقُدِّمَتْ جُمْلَةُ الشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّهَا كَالْجَزَاءِ الْوَاحِدِ كَمَا قُدِّمَ الْمَفْعُولَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر} فَصَارَ {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ} فَحُذِفَتِ الْفَاءُ الَّتِي فِي جَوَابِ إِنْ لِئَلَّا يلتقي فاءان فتخلص أَنَّ جَوَابَ أَمَّا لَيْسَ مَحْذُوفًا بَلْ مُقَدَّمًا بَعْضُهُ عَلَى الْفَاءِ فَلَا اعْتِرَاضَ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ الله يريد أن يغويكم} وإنما يكون من هذا لو كان {لا ينفعكم نصحي} مُؤَخَّرًا بَعْدَ الشَّرْطَيْنِ أَوْ لَازِمًا أَنْ يُقَدَّرَ كَذَلِكَ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُنْتَفٍ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وأما الثاني فلأن {لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} جُمْلَةٌ تَامَّةٌ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فَمَنْ شَرْطٌ مُؤَخَّرٌ وَجَزَاءٌ مُقَدَّمٌ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ فَالْمُقَدَّمُ دَلِيلُ الْجَزَاءِ وَالْمَدْلُولُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ فَيُقَدَّرُ بَعْدَ شَرْطِهِ فَلَمْ يَقَعِ الشَّرْطُ الثَّانِي مُعْتَرِضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْتَرِضِ مَا اعْتَرَضَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ لَا حَذْفَ وَالْجَوَابُ مُقَدَّمٌ وَعَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ الْحَذْفُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ.
وهنا فائدة وهي أنه لم عَدَلَ عَنْ (إِنْ نَصَحْتُ) إِلَى {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ}؟ وَكَأَنَّهُ-وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَدَبٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ أَرَادَ الْإِغْوَاءَ.
وَقَدْ أَحْسَنَ الزمخشري فَلَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الِاعْتِرَاضِ فِي الْآيَةِ بَلْ سَمَّاهُ مُرَادِفًا هُوَ صَحِيحٌ وَقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} جَزَاؤُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي}.
وَجَعَلَ ابْنُ مَالِكٍ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: إِنْ أَرَدْتُ أَنْصَحَ لَكُمْ مُرَادًا ذَلِكَ مِنْكُمْ لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي وَهُوَ يَجْعَلُهُ مِنْ بَابِ الِاعْتِرَاضِ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَا.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الْآيَةَ وَهِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا لِتَقَدُّمِ الْجَزَاءِ أَوْ دَلِيلِهِ عَلَى الشَّرْطَيْنِ فَالِاحْتِمَالُ فِيهَا كَمَا قَدَّمْنَا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شَرْطٌ فِي الْإِحْلَالِ هِبْتُهَا نَفْسَهَا وَفِي الْهِبَةِ إِرَادَةُ الِاسْتِنْكَاحِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَحْلَلْنَاهَا لَكَ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَهَا لِأَنَّ إِرَادَتَهُ هِيَ قَبُولُ الْهِبَةِ وما به تتم.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ مُقَيِّدٌ لِلْأَوَّلِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَحْلَلْنَاهَا فَيَكُونُ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ وَيُقَدَّرُ جَوَابُ الثَّانِي مَحْذُوفًا.
الْآيَةُ الرابعة: قوله تعالى: {وقال موسى يا قوم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كنتم مسلمين} وَغَلِطَ مَنْ جَعَلَهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ اقْتَرَنَ بِجَوَابِهِ ثُمَّ أَتَى بِالثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا ذُكِرَ جَوَابُ الثَّانِي تَالِيًا لَهُ فَأَيُّ اعْتِرَاضٍ هُنَا لِهَذَا قَالَ الْمُجَوِّزُونَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ لِلْأَوَّلِ وَجَوَابَ الثَّانِي مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ وَجَوَابِهِ عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَةِ: (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَإِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) فَحُذِفَ الْجَوَابُ لِدَلَالَةِ السَّابِقِ عَلَيْهِ.
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يسألكموها فيحفكم تبخلوا} وَكَلَامُ ابْنِ مَالِكٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ وليس كذلك بل عطف هل الشَّرْطِ عَلَى فِعْلٍ آخَرَ.
الْآيَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَذَّبْنَا} وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَالشَّرْطَانِ وَهُمَا (لَوْلَا) وَ: (لَوْ) قَدِ اعْتَرَضَا وَلَيْسَ مَعَهُمَا إِلَّا جَوَابٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُمَا وَهُوَ {لَعَذَّبْنَا}.
الْآيَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إن ترك خيرا الوصية} وَهَذِهِ تَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ} عَلَى تَقْدِيرِ الْفَاءِ أَيْ: فَالْوَصِيَّةُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَأَمَّا إِذَا رُفِعَتِ {الْوَصِيَّةُ} بِـ: {كُتِبَ} فَهِيَ كَالْآيَاتِ السَّابِقَةِ فِي حَذْفِ الْجَوَابَيْنِ.

.تنبيه:

في ضابط اعتراض الشرط على الشرط:
ذَكَرَ بَعْضُهُمْ ضَابِطًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: إِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي بِالْفَاءِ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ جَوَابُهُ وَهُوَ وَجَوَابُهُ جَوَابُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عليهم}.
وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْفَاءِ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي متأخرا في الوجود عن الأول كان مقدر بِالْفَاءِ وَتَكُونُ الْفَاءُ جَوَابَ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ جَوَابَ الثَّانِي نَحْوُ: إِنْ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ إِنْ صَلَّيْتَ فِيهِ فَلَكَ أَجْرٌ تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ صَلَّيْتَ فِيهِ فَحُذِفَتِ الْفَاءُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مُتَقَدِّمًا فِي الْوُجُودِ عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ فِي نِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَمَا قَبْلَهُ جَوَابُهُ وَالْفَاءُ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نصحي} تَقْدِيرُهُ: إِنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَإِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي.
وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُتَقَدِّمًا فِي الْوُجُودِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحًا لِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ وَالْآخَرُ مُتَأَخِّرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت} كَانَ الْحُكْمُ رَاجِعًا إِلَى التَّقْدِيرِ وَالنِّيَّةِ فَأَيُّهُمَا قَدَّرْتَهُ الشَّرْطَ كَانَ الْآخَرُ جَوَابًا لَهُ.
وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِالْفَاءِ كَانَ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ أَوِ الْمُتَأَخِّرَ فَإِنْ قَدَّرْنَا الْهِبَةَ شَرْطًا كَانَتِ الإرادة جوابا له وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ فَإِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا وَإِنْ قَدَّرْنَا الْإِرَادَةَ شَرْطًا كَانَتِ الْهِبَةُ جَزَاءً وَكَانَ التَّقْدِيرُ: إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا فَإِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنبي.
وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَجَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: فَهِيَ حَلَالٌ لَكَ وَقِسْ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.