فصل: فَصْلٌ: فِيمَا كُتِبَتِ الْأَلِفُ فِيهِ وَاوًا عَلَى لَفْظِ التَّفْخِيمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: فِي حَذْفِ النُّونِ:

وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْقِسْمِ حَذْفُ النُّونِ الَّذِي هُوَ لَامُ فِعْلٍ فَيُحْذَفُ تَنْبِيهًا عَلَى صِغَرِ مَبْدَأِ الشَّيْءِ وَحَقَارَتِهِ وَأَنَّ مِنْهُ يَنْشَأُ وَيَزِيدُ إِلَى مَا لَا يُحِيطُ بِعِلْمِهِ غَيْرُ اللَّهِ مثل {ألم يك نطفة} حُذِفَتِ النُّونُ تَنْبِيهًا عَلَى مَهَانَةِ مُبْتَدَأِ الْإِنْسَانِ وَصِغَرِ قَدْرِهِ بِحَسْبِ مَا يُدْرِكُ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَرَقَّى فِي أَطْوَارِ التَّكْوِينِ {فإذا هو خصيم مبين}، فَهُوَ حِينَ كَانَ نُطْفَةً كَانَ نَاقِصَ الْكَوْنِ كذلك كل مرتبة ينتهي إليها كونه هي نَاقِصَةُ الْكَوْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهَا فَالْوُجُودُ الدُّنْيَوِيُّ كُلُّهُ نَاقِصُ الْكَوْنِ عَنْ كَوْنِ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الحيوان}.
كذلك: {وإن تك حسنة يضاعفها} حُذِفَتِ النُّونُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ الْمِقْدَارِ حَقِيرَةً فِي الِاعْتِبَارِ فَإِنَّ إِلَيْهِ تَرْتِيبَهَا وَتَضَاعِيفَهَا وَمِثْلُهُ: {إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ من خردل}.
وكذلك: {أولم تك تأتيكم رسلكم} جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ أَقْرَبِ شَيْءٍ فِي الْبَيَانِ الَّذِي أَقَلُّ مِنْ مَبْدَأٍ فِيهِ وَهُوَ الْحِسُّ إِلَى الْعَقْلِ إِلَى الذِّكْرِ وَرَقَّوْهُمْ مِنْ أَخْفَضِ رُتْبَةٍ وَهَى الْجَهْلُ إِلَى أَرْفَعِ دَرَجَةٍ فِي الْعِلْمِ وَهِيَ الْيَقِينُ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} فَإِنَّ كَوْنَ تِلَاوَةِ الْآيَاتِ قَدْ أُكْمِلَ كَوْنُهُ وَتَمَّ.
وَكَذَلِكَ: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} هَذَا قَدْ تَمَّ كَوْنُهُ.
وَكَذَلِكَ: {لَمْ يَكُنِ الذين كفروا من أهل الكتاب} هَذَا قَدْ تَمَّ كَوْنُهُمْ غَيْرَ مُنْفَكِّينَ إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ الْمَجْعُولَةِ لَهُمْ وَهَى مَجِيءُ الْبَيِّنَةِ.
وكذلك: {فلم يك ينفعهم إيمانهم} انْتَفَى عَنْ إِيمَانِهِمْ مَبْدَأُ الِانْتِفَاعِ وَأَقَلُّهُ فَانْتَفَى أصله.

.فَصْلٌ: فِيمَا كُتِبَتِ الْأَلِفُ فِيهِ وَاوًا عَلَى لَفْظِ التَّفْخِيمِ:

وَذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أُصُولٍ مُطَّرِدَةٍ وَأَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ مُتَفَرِّعَةٍ.
فَالْأَرْبَعَةُ الْأُصُولِ هِيَ {الصَّلَوةَ} و: {الزكوة} و: {الحيوة} و: {الربوا}.
وَالْأَرْبَعَةُ الْأَحْرُفِ قَوْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ وَالْكَهْفِ {بِالْغَدَوةِ}، والنور {كمشكواة} وفي المؤمن {النجوة} وفي النجم {ومناة} فأما قوله: {وما كان صلاتهم} {إن صلاتي} {حياتنا الدنيا} {وما آتيتم من ربا} فَالرَّسْمُ بِالْأَلِفِ فِي الْكُلِّ.
وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ تَعْظِيمُ شَأْنِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ عَمُودَا الْإِسْلَامِ وَالْحَيَاةَ قَاعِدَةُ النَّفْسِ وَمِفْتَاحُ الْبَقَاءِ وَتَرْكَ الرِّبَا قَاعِدَةُ الْأَمَانِ وَمِفْتَاحُ التَّقْوَى وَلِهَذَا قَالَ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ من الله} وَيَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعِ الْحَرَامِ وَأَنْوَاعِ الْخَبَائِثِ وَضُرُوبِ الْمَفَاسِدِ وَهُوَ نَقِيضُ الزَّكَاةِ وَلِهَذَا قُوبِلَ بَيْنَهُمَا في قوله: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات}.
وَاجْتِنَابُهُ أَصْلٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَإِنَّمَا كُتِبَتْ بالألف فِي سُورَةِ الرُّومِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعَامَّ الْكُلِّيَّ لِأَنَّ الْكُلِّيَّ مَنْفِيٌّ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ وَفِي نَفْيِ الْكُلِّيِّ نَفْيُ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ.
فإن قلت: فلم كتب الزكاوة هُنَا بِالْوَاوِ وَهَلَّا جَرَتْ عَلَى نَظْمِ مَا قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا}.
قُلْتُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْكُلِّيَّةُ فِي حُكْمِ الله ولذلك قال: {فأولئك هم المضعفون}.
وأما كتاب {النجوة} بِالْوَاوِ فَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الطَّاعَاتِ وَمِفْتَاحُ السَّعَادَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ}.
وَأَمَّا {الْغَدَوةُ} فَقَاعِدَةُ الْأَزْمَانِ وَمَبْدَأُ تَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْغُدُوِّ.
وَأَمَّا (الْمِشْكَوةُ) فَقَاعِدَةُ الْهِدَايَةِ وَمِفْتَاحُ الْوِلَايَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَهْدِي اللَّهُ لنوره من يشاء}.
وَأَمَّا {مَنَوةُ} فَقَاعِدَةُ الضَّلَالِ وَمِفْتَاحُ الشِّرْكِ وَالْإِضْلَالِ وَقَدْ وَصَفَهَا اللَّهُ بِوَصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى تَكْثِيرِهِمُ الْإِلَهَ مِنْ مُثَنًّى وَمُثَلَّثٍ وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالتَّغَايُرِ فَمِنْ مُعَطَّلٍ وَمُشَبَّهٍ تَعَالَى الإله عما يقولون.

.فصل: في مد التاء وَقَبْضِهَا:

وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَمَّا لَازَمَتِ الْفِعْلَ صَارَ لَهَا اعْتِبَارَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ هي أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ وَهَذَا تُقْبَضُ مِنْهُ التَّاءُ وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضَاهَا فِعْلًا وَأَثَرًا ظَاهِرًا فِي الْوُجُودِ فَهَذَا تُمَدُّ فِيهِ كَمَا تمد في قالت وحقت وَجِهَةُ الْفِعْلِ وَالْأَمْرِ مِلْكِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ وَجِهَةُ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ مَلَكُوتِيَّةٌ بَاطِنَةٌ.
فَمِنْ ذَلِكَ الرَّحْمَةُ مُدَّتْ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ:
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي أَحَدِهَا: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المحسنين} فَوَضْعُهَا عَلَى التَّذْكِيرِ فَهُوَ الْفِعْلُ.
وَكَذَلِكَ: {فَانْظُرْ إلى آثار رحمت الله} وَالْأَثَرُ هُوَ الْفِعْلُ ضَرُورَةً.
وَالثَّالِثُ: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رحمت الله}.
والرابع في هود: {رحمت الله وبركاته}.
والخامس: {ذكر رحمت ربك}.
والسادس: {أهم يقسمون رحمت ربك}.
والسابع: {ورحمت ربك خير مما يجمعون}.
وَمِنْهُ النِّعْمَةُ بِالْهَاءِ إِلَّا فِي أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا مُدَّتْ بِهَا فِي الْبَقَرَةِ: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عليكم} في آل عمران، والمائدة وفي إبراهيم موضعان والنحل ثلاثة مواضع وفي لقمان وفاطر والطور.
وَالْحِكْمَةُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَاصِلَةَ بِالْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ تُمَدُّ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي إِبْرَاهِيمَ: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} بدليل قوله: {إن الإنسان لظلوم كفار} فَهَذِهِ نِعْمَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِالظَّلُومِ الْكَفَّارِ فِي تَنْزِيلِهِمَا وَهَذَا بِخِلَافِ الَّتِي فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَإِنْ تعدوا نعمة الله لا تحصوها} كُتِبَتْ مَقْبُوضَةً لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الِاسْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {إن الله لغفور رحيم} فَهَذِهِ نِعْمَةٌ وَصَلَتْ مِنَ الرَّبِّ فَهِيَ مَلَكُوتِيَّةٌ خَتَمَهَا بِاسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخَتَمَ الْأُولَى بِاسْمِ الْإِنْسَانِ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْكَلِمَةُ مَقْبُوضَةً إِلَّا فِي مَوْضِعٍ فِي الْأَعْرَافِ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} هُوَ مَا تَمَّ لَهُمْ فِي الْوُجُودِ الْأُخْرَوِيِّ بِالْفِعْلِ الظَّاهِرِ دَلِيلُهُ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ وَتَمَامُهَا أَنَّ لَهَا نِهَايَةً تَظْهَرُ فِي الْوُجُودِ بِالْفِعْلِ فَمُدَّتِ التَّاءُ.
وَمِنْهَا السُّنَّةُ مَقْبُوضَةً إِلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ حَيْثُ تَكُونُ بِمَعْنَى الْإِهْلَاكِ وَالِانْتِقَامِ الَّذِي فِي الْوُجُودِ.
أَحَدُهَا فِي الأنفال: {فقد مضت سنت الأولين} ويدل عليها أنها من الِانْتِقَامِ قَوْلُهُ قَبْلَهَا: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف} وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}.
وَفَى فَاطِرٍ: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فلن تجد لسنت الله تبديلا} وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الِانْتِقَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى قَبْلَهَا: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} وَسِيَاقُ مَا بَعْدَهَا.
وَفَى الْمُؤْمِنِ: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ}.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ السُّنَّةُ بِمَعْنَى الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ فَهِيَ مَلَكُوتِيَّةٌ بِمَعْنَى الِاسْمِ تُقْبَضُ تَاؤُهَا كَمَا فِي الْأَحْزَابِ {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا من قبل} أي حكم الله وشرعه وفي الإسراء: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا}.
ومنه: {بقيت الله} فَرْدٌ مُدَّتْ تَاؤُهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا يَبْقَى فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الرِّبْحِ الْمَحْسُوسِ لِأَنَّ الْخِطَابَ إِنَّمَا هُوَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمِلْكِ.
ومنه {فطرت الله} فرد وصفها بِأَنَّهَا فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا فَهِيَ فَصْلُ خِطَابٍ فِي الْوُجُودِ كَمَا جَاءَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» الْحَدِيثَ.
وَمِنْهُ: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولك} فَرْدٌ مُدَّتْ تَاؤُهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ إِذْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ مُوسَى وَهُوَ مَوْجُودٌ حَاضِرٌ في الملك وهذا بخلاف: {قرة أعين} فَإِنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى الِاسْمِ وَهُوَ مَلَكُوتِيٌّ إِذْ هو غير حاضر.
ومنه: {ومعصيت الرسول} مُدَّتْ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي سُورَةِ الْمُجَادِلَةِ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْفِعْلُ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا تَتَنَاجَوْا بِأَنْ تَعْصُوا الرَّسُولَ وَنَفْسُ هَذَا النَّجْوِ الْوَاقِعِ مِنْهُمْ فِي الْوُجُودِ هُوَ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ لِوُقُوعِ النَّهْيِ عَنْهُ.
وَمِنْهُ اللَّعْنَةُ مُدَّتْ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي آيَةِ الْمُبَاهَلَةِ وَفَى آيَةِ اللِّعَانِ وَكَوْنُهُمَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ ظَاهِرٌ.
وَمِنْهُ الشَّجَرَةُ فِي مَوْضِعِ: {إِنَّ شَجَرَتَ الزقوم} لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ اللَّازِمِ وَهُوَ تَزَقُّمُهَا بِالْأَكْلِ بدليل قوله تعالى: {في البطون} فَهَذِهِ صِفَةُ فِعْلٍ كَمَا فِي الْوَاقِعَةِ: {لَآكِلُونَ من شجر من زقوم} وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أم شجرة الزقوم} فإن هذه وصفها بأنها: {فتنة للظالمين} وأنها {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} فَهُوَ حِلْيَةٌ لِلِاسْمِ فَلِذَلِكَ قُبِضَتْ تَاؤُهَا.
وَمِنْهُ الْجَنَّةُ مُدَّتْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي الْوَاقِعَةِ: {وجنت نعيم} لِكَوْنِهَا بِمَعْنَى فِعْلِ التَّنَعُّمِ بِالنَّعِيمِ بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهَا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَتَأَخُّرِهَا عَنْهُمَا وَهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَهَذِهِ جَنَّةٌ خَاصَّةٌ بِالْمُنَعَّمِ بِهَا وَأَمَّا: {مِنْ ورثة جنة النعيم} و: {أن يدخل جنة نعيم} فَإِنَّ هَذَا بِمَعْنَى الِاسْمِ الْكُلِّيِّ.
وَلَمْ تُمَدَّ: {وتصلية جحيم} لِأَنَّهَا اسْمُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُكَذِّبِ فِي الْآخِرَةِ أَخْبَرَنَا اللَّهُ بِذَلِكَ فَالْمُؤْمِنُ يَعْلَمُهُ تَصْدِيقًا وَلَا يُحْذَفُ لِفِعْلٍ أَبَدًا وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ بِمَعْنَى الِاسْمِ لَمْ تُمَدَّ تَاؤُهُ مِثْلِ: {زهرة الحياة الدنيا} و: {صبغة الله} و: {زلزلة الساعة} و: {تحلة أيمانكم} و: {رحلة الشتاء والصيف} و: {حمالة الحطب}.
ومنه: {ومريم ابنت عمران} مُدَّتِ التَّاءُ تَنْبِيهًا عَلَى مَعْنَى الْوِلَادَةِ وَالْحُدُوثِ مِنَ النُّطْفَةِ الْمَهِينَةِ وَلَمْ يُضَفْ فِي الْقُرْآنِ وَلَدٌ إِلَى وَالِدٍ وَوُصِفَ بِهِ اسْمُ الْوَلَدِ إِلَّا عِيسَى وَأُمَّهُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمَّا اعْتَقَدَ النَّصَارَى فِيهِمَا أَنَّهُمَا إِلَهَانِ فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِإِضَافَتِهِمَا الْوِلَادِيَّةَ عَلَى جِهَةِ حُدُوثِهِمَا بَعْدَ عَدَمِهِمَا حَتَّى أَخْبَرَ تَعَالَى فِي مَوْطِنٍ بِصِفَةِ.
الْإِضَافَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأمه آية} لَمَّا غَلَوْا فِي إِلَاهِيَّتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُمِّهِ كَمَا نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى حَاجَتِهِمَا وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِهِمَا في الوجود بلحقهما مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَانَا يأكلان الطعام}.
وَمِنْهُ امْرَأَةٌ هِيَ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَهَى خمس من النساء امرأت عمران وامرأت فرعون وامرأت نوح وامرأت لوط وامرأت العزيز كُلُّهَا مَمْدُودَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى فِعْلِ التَّبَعُّلِ وَالصُّحْبَةِ وَشِدَّةِ الْمُوَاصَلَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَالِائْتِلَافِ فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَحْسُوسِ وَأَرْبَعٌ مِنْهُنَّ مُنْفَصِلَاتٌ فِي بَوَاطِنِ أَمْرِهِنَّ عَنْ بُعُولَتِهِنَّ بِأَعْمَالِهِنَّ وَوَاحِدَةٌ خَاصَّةٌ وَاصَلَتْ بَعْلَهَا بَاطِنًا وظاهرا وهي امرأت عِمْرَانَ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهَا ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً وَأَكْرَمَهَا بِذَلِكَ وَفَضَّلَهَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَوَاحِدَةٌ مِنَ الْأَرْبَعِ انْفَصَلَتْ بِبَاطِنِهَا عَنْ بَعْلِهَا طَاعَةً لِلَّهِ وَتَوَكُّلًا عليه وخوفا منه فنجاها وأكرمها وهي امرأت فِرْعَوْنَ وَاثْنَتَانِ مِنْهُنَّ انْفَصَلَتَا عَنْ أَزْوَاجِهِمَا كُفْرًا بِاللَّهِ فَأَهْلَكَهُمَا اللَّهُ وَدَمَّرَهُمَا وَلَمْ يَنْتَفِعَا بِالْوَصْلَةِ الظَّاهِرَةِ مَعَ أَنَّهَا أَقْرَبُ وَصْلَةٍ بِأَفْضَلِ أَحْبَابِ الله كما لم تضر امرأت فِرْعَوْنَ وَصْلَتُهَا الظَّاهِرَةُ بِأَخْبَثِ عَبِيدِ اللَّهِ وَوَاحِدَةٌ انْفَصَلَتْ عَنْ بَعْلِهَا بِالْبَاطِنِ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى وَشَهْوَةِ نَفْسِهَا فَلَمْ تَبْلُغْ مِنْ ذَلِكَ مُرَادَهَا مَعَ تَمَكُّنِهَا مِنَ الدُّنْيَا وَاسْتِيلَائِهَا عَلَى مَا مَالَتْ إِلَيْهِ بِحُبِّهَا وَهُوَ فِي بَيْتِهَا وَقَبْضَتِهَا فَلَمْ يُغْنِ ذَلِكَ عَنْهَا شَيْئًا وَقُوَّتُهَا وَعِزَّتُهَا إِنَّمَا كَانَا لَهَا مِنْ بَعْلِهَا الْعَزِيزِ وَلَمْ يَنْفَعْهَا ذَلِكَ فِي الْوُصُولِ إِلَى إِرَادَتِهَا مَعَ عَظِيمِ كَيْدِهَا كَمَا لَمْ يَضُرَّ يُوسُفَ مَا امْتُحِنَ بِهِ مِنْهَا وَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ السِّجْنِ وَمَكَّنَ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَذَلِكَ بِطَاعَتِهِ لِرَبِّهِ وَلَا سَعَادَةَ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَا شَقَاوَةَ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا عِبَرٌ وَقَعَتْ بِالْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ فِي شَأْنِ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَلِذَلِكَ مدت تاءاتهن.