فصل: النوع الرابع: في جَمْعُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.تَنْبِيهٌ:

قَدْ تَكُونُ الْفَاصِلَةُ لَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْغَضِّ فِي سُورَةِ النُّورِ: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} وَقَوْلِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِطَلَبِ الدُّعَاءِ وَالْإِجَابَةِ: {لَعَلَّهُمْ يرشدون} وَقِيلَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ أَيْ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا.
وَإِنَّمَا يَحْتَاجُونَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ ذُكِرَتْ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ وَتَعْظِيمِ رَمَضَانَ وَتَعْلِيمِهِمُ الدُّعَاءَ فِيهِ وَأَنَّ أرحى أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ.
الثَّانِي: التَّصْدِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى}.
وَقَوْلِهِ: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ درجات وأكبر تفضيلا}.
وَقَوْلِهِ: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تستعجلون}.
وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يتوب عليه}.
وَقَوْلِهِ: {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أنفسهم يظلمون}.
وَقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بينهم فيما فيه يختلفون}.
وَقَوْلِهِ: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا ساء ما يزرون} فجعل لفاصلة: {يَزْرُونَ} لِجِنَاسِ: {أَوْزَارِهِمْ} وَإِنَّمَا قَالَ: {عَلَى ظُهُورِهِمْ} وَلَمْ يَقُلْ عَلَى رُءُوسِهِمْ لِأَنَّ الظَّهْرَ أَقْوَى لِلْحَمْلِ فَأَشَارَ إِلَى ثِقَلِ الْأَوْزَارِ.
وَقَوْلِهِ: {فَقُلْتُ استغفروا ربكم إنه كان غفارا}.
وَقَوْلِهِ: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}.
وَقَوْلِهِ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شهيدا}.
وَقَوْلِهِ: {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المطهرين}.
الثالث: التوشيح ويسمى بِهِ لِكَوْنِ نَفْسِ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى آخِرِهِ نَزَلَ الْمَعْنَى مَنْزِلَةَ الْوِشَاحِ وَنَزَلَ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَآخِرَهُ مَنْزِلَةَ الْعَاتِقِ وَالْكَشْحِ اللَّذَيْنِ يَجُولُ عَلَيْهِمَا الْوِشَاحُ وَلِهَذَا قِيلَ فِيهِ إِنَّ الْفَاصِلَةَ تُعْلَمُ قَبْلَ ذِكْرِهَا.
وَسَمَّاهُ ابْنُ وَكِيعٍ الْمَطْمَعَ لِأَنَّ صَدْرَهُ مَطْمَعٌ فِي عَجْزِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.
وَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وآل عمران على العالمين} فَإِنَّ مَعْنَى اصْطِفَاءِ الْمَذْكُورِينَ يُعْلَمُ مِنْهُ الْفَاصِلَةُ إِذِ الْمَذْكُورُونَ نَوْعٌ مِنْ جِنْسِ الْعَالَمِينَ.
وَقَوْلِهِ: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هم مظلمون} فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ حَافِظًا لِهَذِهِ السُّورَةِ مُتَيَقِّظًا إِلَى أَنَّ مَقَاطِعَ فَوَاصِلِهَا النُّونُ الْمُرْدَفَةُ وَسَمِعَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} عَلِمَ أَنَّ الْفَاصِلَةَ مُظْلِمُونَ فَإِنَّ مَنِ انْسَلَخَ النَّهَارُ عَنْ لَيْلِهِ أَظْلَمَ مَا دَامَتْ تِلْكَ الْحَالُ.
وَقوله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يعمل مثقال ذرة شرا يره} فَإِنَّ قَوْلَهُ: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} يَدُلُّ عَلَى التَّقْسِيمِ.
وقوله: {أسروا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخبير}.
وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إن الله على كل شيء قدير}.
الرَّابِعُ: الْإِيغَالُ وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ تجاوز الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ آخِذٌ فِيهِ وَبَلَغَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْحَدِّ يُقَالُ أَوْغَلَ فِي الْأَرْضِ الْفُلَانِيَّةِ إِذَا بَلَغَ مُنْتَهَاهَا فَهَكَذَا الْمُتَكَلِّمُ إِذَا تَمَّ مَعْنَاهُ ثُمَّ تَعَدَّاهُ بِزِيَادَةٍ فِيهِ فَقَدْ أَوْغَلَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أحسن من الله حكما لقوم يوقنون فَإِنَّ الْكَلَامَ تَمَّ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى فَاصِلَةٍ تُنَاسِبُ الْقَرِينَةَ الْأَوْلَى فَلَمَّا أَتَى بِهَا أَفَادَ مَعْنًى زَائِدًا.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إذا ولوا مدبرين} فَإِنَّ الْمَعْنَى قَدْ تَمَّ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعْلَمَ تَمَامُ الْكَلَامِ بِالْفَاصِلَةِ فَقَالَ: {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى: {مُدْبِرِينَ} وَقَدْ أَغْنَى عَنْهَا: {وَلَّوْا} قُلْتُ لَا يُغْنِي عَنْهَا: {وَلَّوْا} فَإِنَّ التَّوَلِّيَ قَدْ يَكُونُ بِجَانِبٍ دُونِ جَانِبٍ بدليل قوله: {أعرض ونأى بجانبه} وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الْجَانِبِ هُنَا مَجَازًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ صُمٌّ لَا يَسْمَعُونَ أَرَادَ تَتْمِيمَ الْمَعْنَى بِذِكْرِ تَوَلِّيهِمْ فِي حَالِ الْخِطَابِ لِيَنْفِيَ عَنْهُمُ الْفَهْمَ الَّذِي يَحْصُلُ مِنَ الْإِشَارَةِ فَإِنَّ الْأَصَمَّ يَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ مَا يَفْهَمُ السَّمِيعُ بِالْعِبَارَةِ ثُمَّ إِنَّ التَّوَلِّيَ قَدْ يَكُونُ بِجَانِبٍ مَعَ لَحَاظِهِ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَحْصُلُ لَهُ إِدْرَاكُ بَعْضِ الْإِشَارَةِ فَجَعَلَ الْفَاصِلَةَ: {مُدْبِرِينَ} لِيُعْلَمَ أَنَّ التَّوَلِّيَ كَانَ بِجَمِيعِ الْجَوَانِبِ بِحَيْثُ صَارَ مَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا مُسْتَدْبَرًا فَاحْتَجَبَ الْمُخَاطِبُ عَنِ الْمُخَاطَبِ، أَوْ صَارَ مِنْ وَرَائِهِ فَخَفِيَتْ عَنْ عَيْنِهِ الْإِشَارَةُ كَمَا صُمَّ أُذُنَاهُ عَنِ الْعِبَارَةِ فَحَصَلَتِ الْمُبَالَغَةُ مِنْ عَدَمِ الْإِسْمَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَذَا الْكَلَامُ وَإِنْ بُولِغَ فِيهِ بِنَفْيِ الْإِسْمَاعِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ مِنْ إِيغَالِ الِاحْتِيَاطِ الَّذِي أُدْمِجَتْ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ الْإِسْمَاعِ.
وَقَدْ يَأْتِي الِاحْتِيَاطُ فِي غَيْرِ الْمَقَاطِعِ مِنْ مَجْمُوعِ جُمَلٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي ضُرُوبٍ مِنَ الْكَلَامِ شَتَّى يَحْمِلُهَا مَعْنًى وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} الْآيَةَ.
وقوله: {فأتوا بسورة من مثله}.
وقوله فأتوا بعشر سور مثله كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِمَنْ يَجْحَدُ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِرْهَمًا وَلَا دَانَقًا وَلَا حَبَّةً وَلَا كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا وَلَوْ قَالَ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لَأَغْنَى فِي الظَّاهِرِ لَكِنَّ التَّفْصِيلَ أَدَلُّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَعَلَى شِدَّةِ الِاسْتِبْعَادِ فِي الْإِنْكَارِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يسألكم أجرا وهم مهتدون} فَإِنَّ الْمَعْنَى تَمَّ بِقَوْلِهِ: {أَجْرًا} ثُمَّ زَادَ الْفَاصِلَةَ لِمُنَاسَبَةِ رُءُوسِ الآي فأوغل بها كما ترى حتى أتى بها تفيد معنى زائدا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ.

.فَصْلٌ: فِي ضَابِطِ الْفَوَاصِلِ:

ذَكَرَهُ الْجَعْبَرِيُّ وَلِمَعْرِفَتِهَا طَرِيقَانِ تَوْقِيفِيٌّ وَقِيَاسِيٌّ.
الْأَوَّلُ: التَّوْقِيفِيُّ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَمِّ سَلَمَةَ لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً وَقَرَأْتُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إلى {الذين} تَقِفُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ فَمَعْنَى يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً أَيْ يَقِفُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ قِرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ لِيُعَلِّمَ رُءُوسَ الْآيِ.
قَالَ وَوَهَمَ فِيهِ مَنْ سَمَّاهُ وَقْفَ السُّنَّةِ لِأَنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ كَانَ تَعَبُّدًا فَهُوَ مَشْرُوعٌ لَنَا وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا فَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ دَائِمًا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ فَاصِلَةٌ وَمَا وَصَلَهُ دَائِمًا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاصِلَةٍ وَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ مَرَّةً وَوَصَلَهُ أُخْرَى احْتَمَلَ الْوَقْفُ أَنْ يَكُونَ لِتَعْرِيفِهِمَا أَوْ لِتَعْرِيفِ الْوَقْفِ التَّامِّ أَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَاصِلَةٍ أَوْ فَاصِلَةً وَصَلَهَا لِتَقَدُّمِ تَعْرِيفِهَا.
الثَّانِي: الْقِيَاسِيُّ وَهُوَ مَا أُلْحِقَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ لِمُنَاسِبٍ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ مَحَلُّ فَصْلٍ أَوْ وَصْلٍ وَالْوَقْفُ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ جَائِزٌ وَوَصْلُ الْقُرْآنِ كُلُّهُ جَائِزٌ فَاحْتَاجَ الْقِيَاسِيُّ إِلَى طَرِيقٍ تَعْرِفُهُ فَأَقُولُ فَاصِلَةُ الْآيَةِ كَقَرِينَةِ السَّجْعَةِ فِي النَّثْرِ وَقَافِيَةُ الْبَيْتِ فِي النَّظْمِ وَمَا يُذْكَرُ مِنْ عُيُوبِ الْقَافِيَةِ من اخْتِلَافِ الْحَذْوِ وَالْإِشْبَاعِ وَالتَّوْجِيهِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الفاصلة وجاز الانتقال فِي الْفَاصِلَةِ وَالْقَرِينَةِ وَقَافِيَةِ الْأُرْجُوزَةِ مِنْ نَوْعٍ إِلَى آخَرَ بِخِلَافِ قَافِيَةِ الْقَصِيدِ.
وَمِنْ ثَمَّ ترى: {يرجعون} مع: {عليم} و: {الميعاد} مع: {الثواب} و: {الطارق} مع: {الثاقب}.
والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة فِي الْآيَةِ وَالسَّجْعَةِ الْمُسَاوَاةُ وَمِنْ ثَمَّ أَجْمَعَ العادون على ترك عد: {ويأت بآخرين} و: {ولا الملائكة المقربون} بالنساء و: {كذب بها الأولون} بسبحان و: {لتبشر به المتقين} بمريم و: {لعلهم يتقون}.
بطه و: {من الظلمات إلى النور} وَ: {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بالطلاق لَمْ يُشَاكِلْ طَرَفَيْهِ.
وَعَلَى تَرْكِ عَدِّ: {أَفَغَيْرَ دين الله يبغون} بآل عمران و: {أفحكم الجاهلية يبغون} بالمائدة وَعَدُّوا نَظَائِرَهَا لِلْمُنَاسَبَةِ نَحْوَ {لِأُولِي الْأَلْبَابِ} بِآلِ عمران و: {على الله كذبا} بالكهف و: {والسلوى} بطه.
وَقَدْ يَتَوَجَّهُ الْأَمْرَانِ فِي كَلِمَةٍ فَيُخْتَلَفُ فِيهَا فَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ وَقَدْ نَزَلَتْ بَعْضُ آيَةٍ فِي النمل وبعضها في أثناء الفاتحة فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَمَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا آيَةً وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِثْبَاتِهَا بِالْقِيَاسِ لِلنَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ خِلَافًا لِلدَّانِيِّ وَمَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ لَمْ تَنْزِلْ مَعَهُ لَمْ يَعُدَّهَا وَلَزِمَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ أن يعد عوضها وهو بعد اهْدِنَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: «قَسَّمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نصفين» أَيْ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ تُعَدُّ مِنْهَا وَلَا لِلْعَبْدِ إِلَّا هَاتَانِ وَ: {الْمُسْتَقِيمَ} مُحَقَّقٌ فَقُسِّمَتَا بَعْدَهَا قِسْمَيْنِ فَكَانَتْ {عَلَيْهِمْ} الْأُولَى وَهِيَ مُمَاثِلَةٌ فِي الرَّوِيِّ لِمَا قَبْلَهَا.
وَمِنْهَا حُرُوفُ الْفَوَاتِحِ فَوَجْهُ عَدِّهَا اسْتِقْلَالُهَا عَلَى الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَمُنَاسَبَةِ الرَّوِيِّ وَالرِّدْفِ وَوَجْهُ عَدَمِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الْكَمِّيَّةِ وَالتَّعَلُّقُ على الجزء.
ومنها بالبقرة {عذاب أليم} و: {إنما نحن مصلحون} فَوَجْهُ عَدِّهِ مُنَاسَبَةَ الرَّوِيِّ وَوَجْهُ عَدَمِهِ تَعَلُّقُهُ بِتَالِيهِ.
وَمِنْهَا: {إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} بِآلِ عِمْرَانَ حملا على ما في الأعراف والشعراء والسجدة والزخرف.
ومنها {فبشر عباد} بالزمر لتقدير تاليه مفعولا ومبتدأ ومنها {وَالطُّورِ} وَ: {الرَّحْمَنُ} وَ: {الْحَاقَّةُ} وَ: {الْقَارِعَةُ} و: {والعصر} حملا على {والفجر} و: {وَالضُّحَى} لِلْمُنَاسَبَةِ لَكِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْكَمِّيَّةِ.

.النوع الرابع: في جَمْعُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ:

وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ قَدِيمًا مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَجَمَعَ فِيهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابن الزاغوني وأبو الفرج بن الْجَوْزِيِّ وَالدَّامْغَانِيُّ الْوَاعِظُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ فَارِسٍ وَسُمِّيَ كِتَابُهُ الْأَفْرَادَ.
فَالْوُجُوهُ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي عِدَّةِ مَعَانٍ كَلَفْظِ الْأَمَةِ وَالنَّظَائِرُ كَالْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ.
وَقِيلَ النَّظَائِرُ فِي اللَّفْظِ وَالْوُجُوهُ فِي الْمَعَانِي وَضَعُفَ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَكَانَ الْجَمْعُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَةِ وَهُمْ يَذْكُرُونَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ اللَّفْظَ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فَيَجْعَلُونَ الْوُجُوهَ نَوْعًا لِأَقْسَامٍ وَالنَّظَائِرَ نَوْعًا آخَرَ كَالْأَمْثَالِ.
وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ حَيْثُ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى عِشْرِينَ وَجْهًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كلام البشر.
وَذَكَرَ مُقَاتِلٌ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا لَا يَكُونُ الرَّجُلُ فَقِيهًا كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً.
فَمِنْهُ الْهُدَى سَبْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا:
بِمَعْنَى الْبَيَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ على هدى من ربهم}.
وبمعنى الدين: {إن الهدى هدى الله}.
وَبِمَعْنَى الْإِيمَانِ: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}.
وبمعنى الداعي: {ولكل قوم هاد} {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}.
وَبِمَعْنَى الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى}.
وبمعنى المعرفة: {وبالنجم هم يهتدون}.
وبمعنى الرشاد: {اهدنا الصراط المستقيم}.
وَبِمَعْنَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}.
{من بعد ما تبين لهم الهدى}.
وَبِمَعْنَى الْقُرْآنِ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}.
وبمعنى التوراة: {ولقد آتينا موسى الهدى}.
وبمعنى الاسترجاع: {وأولئك هم المهتدون}. ونظيرها في التغابن: {ومن يؤمن بالله} أَيْ فِي الْمُصِيبَةِ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: {يهد قلبه} لِلِاسْتِرْجَاعِ.
وَبِمَعْنَى الْحُجَّةِ: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظالمين} بَعْدَ قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي ربه} أَيْ لَا يَهْدِيهِمْ إِلَى الْحُجَّةِ.
وَبِمَعْنَى التَّوْحِيدِ: {إن نتبع الهدى معك}.
وبمعنى السنة: {وإنا على آثارهم مهتدون}.
وَبِمَعْنَى الْإِصْلَاحِ: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الخائنين}.
وَبِمَعْنَى الْإِلْهَامِ: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} هَدَى كُلًّا فِي مَعِيشَتِهِ.
وَبِمَعْنَى التَّوْبَةِ: {إِنَّا هدنا إليك} أَيْ تُبْنَا.
وَهَذَا كَثِيرُ الْأَنْوَاعِ:
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي كِتَابِ الْأَفْرَادِ:
كُلُّ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ الْأَسَفِ فَمَعْنَاهُ الْحُزْنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يَعْقُوبَ عليه السلام {يا أسفى على يوسف} إلا قوله تعالى: {فلما آسفونا} فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَغْضَبُونَا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ موسى عليه السلام {غضبان أسفا} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُغْتَاظًا.
وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْبُرُوجِ فَإِنَّهَا الْكَوَاكِبُ كَقَوْلِهِ تعالى {والسماء ذات الْبُرُوجِ} إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} فَإِنَّهَا الْقُصُورُ الطِّوَالُ المرتفعة في السماء الْحَصِينَةُ.
وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمَاءُ وَبِالْبَرِّ التُّرَابُ الْيَابِسُ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي سُورَةِ الرُّومِ: {ظَهَرَ الفساد في البر والبحر} فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْبَرِّيَّةِ وَالْعُمْرَانِ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا {فِي الْبَرِّ} قَتْلُ ابْنِ آدَمَ أَخَاهُ وَفِي {البحر} أخذ الملك كل سفينة غصبا.
والبخس فِي الْقُرْآنِ النَّقْصُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا يخاف بخسا ولا رهقا} إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا فِي سُورَةِ يُوسُفَ {وَشَرَوْهُ بثمن بخس} فَإِنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ قَالُوا بَخْسٌ: حَرَامٌ.
وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْبَعْلِ فَهُوَ الزَّوْجُ كقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا فِي الصَّافَّاتِ: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} فَإِنَّهُ أَرَادَ صَنَمًا.
وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْبُكْمِ فَهُوَ الْخَرَسُ عَنِ الْكَلَامِ بِالْإِيمَانِ كقوله: {صم بكم}. إِنَّمَا أَرَادَ بُكْمٌ عَنِ النُّطْقِ وَالتَّوْحِيدِ مَعَ صِحَّةِ أَلْسِنَتِهِمْ إِلَّا حَرْفَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي سُورَةِ بني إسرائيل: {عميا وبكما وصما}.
وَالثَّانِي فِي سُورَةِ النَّحْلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أحدهما أبكم} فَإِنَّهُمَا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَانِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْكَلَامِ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ {جِثِيًّا} فمعنا جَمِيعًا إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الشَّرِيعَةِ: {وَتَرَى كل أمة جاثية} فَإِنَّهُ أَرَادَ تَجْثُو عَلَى رُكْبَتَيْهَا.
وَكُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرْآنِ حُسْبَانٌ فَهُوَ مِنَ الْعَدَدِ غَيْرَ حَرْفٍ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْعَذَابِ.
وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ حسرة فهو الندامة كقوله عز وجل {يا حسرة على العباد} إلا التي في سورة آل عمران {يجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ حُزْنًا.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي القرآن الدحض والداحض فمعناه الباطل كقوله: {حجتهم داحضة} إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ: {فَكَانَ مِنَ المدحضين} وَكُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ رِجْزٍ فَهُوَ الْعَذَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ {لئن كشفت عنا الرجز} إلا في سورة المدثر والرجز فاهجر فَإِنَّهُ يَعْنِي الصَّنَمَ فَاجْتَنِبُوا عِبَادَتَهُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ رَيْبٍ فَهُوَ شَكٌّ غَيْرَ حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {نَتَرَبَّصُ بِهِ ريب المنون} فَإِنَّهُ يَعْنِي حَوَادِثَ الدَّهْرِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي القرآن يرجمنكم ويرجموكم فهو القتل غَيْرَ الَّتِي فِي سُورَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ {لأرجمنك} يعني لأشتمنك.
قلت وقوله: {رجما بالغيب} أَيْ ظَنًّا وَالرَّجْمُ أَيْضًا الطَّرْدُ وَاللَّعْنُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلشَّيْطَانِ رَجِيمٌ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ زُورٍ فَهُوَ الْكَذِبُ وَيُرَادُ بِهِ الشِّرْكُ غَيْرَ الَّتِي فِي الْمُجَادَلَةِ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وزورا فَإِنَّهُ كَذِبٌ غَيْرُ شِرْكٍ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ زَكَاةٍ فَهُوَ الْمَالُ غَيْرَ الَّتِي في سورة مريم وحنانا من لدنا وزكاة فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَطُّفًا.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ زَاغُوا وَلَا تُزِغْ فَإِنَّهُ مِنْ مَالُوا وَلَا تُمِلْ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ {وإذ زاغت الأبصار} بِمَعْنَى شَخَصَتْ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ يسخرون وسخرنا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِهْزَاءُ غَيْرَ الَّتِي فِي سورة الزخرف {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} فإنه أراد أعوانا وَخَدَمًا.
وَكُلُّ سَكِينَةٍ فِي الْقُرْآنِ طُمَأْنِينَةٌ فِي الْقَلْبِ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {فِيهِ سكينة من ربكم} فَإِنَّهُ يَعْنِي شَيْئًا كَرَأْسِ الْهِرَّةِ لَهَا جَنَاحَانِ كَانَتْ فِي التَّابُوتِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ السَّعِيرِ فَهُوَ النَّارُ وَالْوَقُودُ إِلَّا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وسعر} فَإِنَّهُ الْعِنَادُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ شَيْطَانٍ فَإِنَّهُ إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ وَذُرِّيَّتُهُ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {وَإِذَا خَلَوْا إلى شياطينهم} فَإِنَّهُ يُرِيدُ كَهَنَتَهُمْ مِثْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحَيِيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَأَبِي يَاسِرٍ أَخِيهِ.
وَكُلُّ شَهِيدٍ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ الْقَتْلَى فِي الْغَزْوِ فَهُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى أُمُورِ النَّاسِ إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وادعوا شهداءكم} فَإِنَّهُ يُرِيدُ شُرَكَاءَكُمْ.
وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ فَهُمْ أَهْلُ النَّارِ إِلَّا قَوْلَهُ: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} فَإِنَّهُ يُرِيدُ خَزَنَتَهَا.
وَكُلُّ صَلَاةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ عِبَادَةٌ وَرَحْمَةٌ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَصَلَوَاتٌ ومساجد} فَإِنَّهُ يُرِيدُ بُيُوتَ عِبَادَتِهِمْ.
وَكُلُّ صَمَمٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عَنِ الِاسْتِمَاعِ لِلْإِيمَانِ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {عُمْيًا وبكما وصما} مَعْنَاهُ لَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا.
وَكُلُّ عَذَابٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ التَّعْذِيبُ إِلَّا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وليشهد عذابهما} فإنه يريد الضرب.
والقانتون الْمُطِيعُونَ لَكِنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبَقَرَةِ {كل له قانتون} مَعْنَاهُ مُقِرُّونَ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الرُّومِ {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} يَعْنِي مُقِرُّونَ بِالْعُبُودِيَّةِ.
وَكُلُّ كَنْزٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْمَالُ إِلَّا الَّذِي فِي سُورَةِ الْكَهْفِ {وكان تحته كنز لهما} فَإِنَّهُ أَرَادَ صُحُفًا وَعِلْمًا.
وَكُلُّ مِصْبَاحٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْكَوْكَبُ إِلَّا الَّذِي فِي سُورَةِ النور {المصباح في زجاجة} فَإِنَّهُ السِّرَاجُ نَفْسُهُ.
النِّكَاحُ فِي الْقُرْآنِ التَّزَوُّجُ إِلَّا قَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النكاح} فإنه يعني الحلم.
النبأ والأنباء فِي الْقُرْآنِ الْأَخْبَارُ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَعَمِيَتْ عليهم الأنباء} فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْحُجَجِ.
الْوُرُودُ فِي الْقُرْآنِ الدُّخُولُ إِلَّا فِي الْقَصَصِ: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} يَعْنِي هَجَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وسعها} يَعْنِي عَنِ الْعَمَلِ إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ النساء {لا ما آتاها} يَعْنِي النَّفَقَةَ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ يَأْسٍ فَهُوَ الْقُنُوطُ إِلَّا الَّتِي فِي الرَّعْدِ: {أفلم ييأس الذين آمنوا} أَيْ أَلَمْ يَعْلَمُوا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ أَنْشَدَنِي أَبِي فَارِسُ بْنُ زَكَرِيَّا:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ** ألم تيئسوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ

قَالَ الصَّاغَانِيُّ: الْبَيْتُ لِسَحِيمِ بْنِ وَثِيلٍ الْيَرْبُوعِيِّ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الصَّبْرِ مَحْمُودٌ إِلَّا قَوْلَهُ عز وجل {لولا أن صبرنا عليها} و: {واصبروا على آلهتكم} انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ.
وَزَادَ غَيْرُهُ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ لَعَلَّكُمْ فَهُوَ بِمَعْنَى لِكَيْ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي الشُّعَرَاءِ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فَإِنَّهُ لِلتَّشْبِيهِ أَيْ كَأَنَّكُمْ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي القرآن أقسطوا فهو بمعنى العدل إلا واحد في الجن: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} يَعْنِي الْعَادِلِينَ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ هَذَا بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ وَإِلَّا فَمَادَّةُ الرُّبَاعِيِّ تُخَالِفُ مَادَّةَ الثُّلَاثِيِّ.
وَكُلُّ كِسَفٍ فِي الْقُرْآنِ يَعْنِي جَانِبًا مِنَ السَّمَاءِ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي سُورَةِ الروم: {ويجعله كسفا} يَعْنِي السَّحَابَ قَطْعًا.
وَكُلُّ مَاءٍ مَعِينٍ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ الْجَارِي غَيْرَ الَّذِي فِي سُورَةِ تبارك فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَاءُ الطَّاهِرُ الَّذِي تَنَالُهُ الدِّلَاءُ وَهِيَ زَمْزَمُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (لِئَلَّا) فَهُوَ بِمَعْنَى كَيْلَا غَيْرَ وَاحِدٍ فِي الْحَدِيدِ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أهل الكتاب} يَعْنِي لِكَيْ يَعْلَمَ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ غَيْرَ وَاحِدٍ فِي أَوَّلِ الْأَنْعَامِ: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} يَعْنِي ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وَنُورَ النَّهَارِ.
وَكُلُّ صَوْمٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الصِّيَامُ الْمَعْرُوفُ إِلَّا الَّذِي فِي سُورَةِ مَرْيَمَ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} يَعْنِي صَمْتًا وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حاضرة البحر} أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُضُورِ هُنَا الْمُشَاهَدَةُ قَالَ وَهُوَ بِالظَّاءِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ وَالتَّحْوِيطِ قَالَ وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى {فكانوا كهشيم المحتظر}.
قِيلَ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ {وَمَا أَدْرَاكَ} فَقَدْ أَخْبَرَنَا بِهِ وَمَا فِيهِ: {وَمَا يُدْرِيكَ} فَلَمْ يُخْبِرْنَا بِهِ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ وَاسْتَدْرَكَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ مَوْضِعًا وَهُوَ قوله وما يدريك لعل الساعة قريب وَقِيلَ الْإِنْفَاقُ حَيْثُ وَقَعَ الْقُرْآنُ فَهُوَ الصَّدَقَةُ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مثل ما أنفقوا} فإن المراد به المهر وهو صَدَقَةٌ فِي الْأَصْلِ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَى النساء.