فصل: القسم الأول حذف الألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.الناقص وأقسامه:

الْوَجْهُ الثَّانِي: مَا نَقَصَ عَنِ اللَّفْظِ وَيَأْتِي فيه أيضا الأقسام السابقة:

.القسم الأول حذف الألف:

الْأَوَّلُ الْأَلِفُ كُلُّ أَلِفٍ تَكُونُ فِي كَلِمَةٍ لِمَعْنًى لَهُ تَفْصِيلٌ فِي الْوُجُودِ لَهُ اعْتِبَارَانِ اعْتِبَارٌ مِنْ جِهَةٍ مَلَكُوتِيَّةٍ أَوْ صِفَاتٍ حَالِيَّةٍ أَوْ أُمُورٍ عُلْوِيَّةٍ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الْحِسُّ.
فَإِنَّ الْأَلِفَ تُحْذَفُ فِي الْخَطِّ عَلَامَةً لِذَلِكَ وَاعْتِبَارٌ مِنْ جِهَةٍ مِلْكِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ فِي الْعِلْمِ أَوْ أُمُورٍ سُفْلِيَّةٍ فَإِنَّ الْأَلِفَ تُثْبَتُ.
وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي لَفْظَتَيِ الْقُرْآنِ وَالْكِتَابِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ تَفْصِيلُ الْآيَاتِ الَّتِي أُحْكِمَتْ فِي الْكِتَابِ فَالْقُرْآنُ أَدْنَى إِلَيْنَا فِي الْفَهْمِ مِنَ الْكِتَابِ وَأَظْهَرُ فِي التَّنْزِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هُودٍ: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لدن حكيم خبير}.
وَقَالَ فِي فُصِّلَتْ: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عربيا لقوم يعلمون} وقال: {إن علينا جمعه وقرآنه} وَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِي الْخَطِّ أَلِفُ الْقُرْآنِ وَحُذِفَتْ أَلِفُ الْكِتَابِ.
وَقَدْ حُذِفَتْ أَلِفُ الْقُرْآنِ فِي حَرْفَيْنِ هُوَ فِيهِمَا مُرَادِفٌ لِلْكِتَابِ فِي الِاعْتِبَارِ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُوسُفَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} وفى الزخرف: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} وَالضَّمِيرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ضَمِيرُ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فَقَرِينَتُهُ هِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِيَّةِ وَقَالَ فِي الزُّخْرُفِ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لدينا لعلي حكيم}.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْكِتَابِ وكتاب فبغير ألف إلا في أربعة مواضع هي الرعد بِأَوْصَافٍ خَصَّصْتُهُ مِنَ الْكِتَابِ الْكُلِّيِّ.
فِي الرَّعْدِ: {لكل أجل كتاب} فَإِنَّ هَذَا كِتَابُ الْآجَالِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْكِتَابِ الْمُطْلَقِ أَوِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ.
وَفَى الْحِجْرِ: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ معلوم} فَإِنَّ هَذَا كِتَابُ إِهْلَاكِ الْقُرَى وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ كِتَابِ الْآجَالِ.
وَفَى الْكَهْفِ: {وَاتْلُ مَا أوحي إليك من كتاب} فَإِنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} لِأَنَّهُ أَطْلَقَ هَذَا وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الِاسْمِ الْمُضَافِ إِلَى مَعْنًى فِي الْوُجُودِ وَالْأَخَصُّ أَظْهَرُ تَنْزِيلًا.
وَفَى النَّمْلِ: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وكتاب مبين} هَذَا الْكِتَابُ جَاءَ تَابِعًا لِلْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ جَاءَ تَابِعًا لِلْكِتَابِ كَمَا جَاءَ فِي الْحِجْرِ: {تِلْكَ آيات الكتاب وقرآن مبين} فَمَا فِي النَّمْلِ لَهُ خُصُوصُ تَنْزِيلٍ مَعَ الْكِتَابِ الْكُلِّيِّ فَهُوَ تَفْصِيلٌ لِلْكِتَابِ الْكُلِّيِّ بِجَوَامِعِ كُلِّيَّتِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ حَذْفُ الْأَلِفِ فِي: {بِسْمِ اللَّهِ} تَنْبِيهًا عَلَى عُلُوِّهِ فِي أَوَّلِ رُتْبَةِ الْأَسْمَاءِ وَانْفِرَادِهِ وَأَنَّ عَنْهُ انْقَضَتِ الْأَسْمَاءُ فَهُوَ بِكُلِّيِّهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِضَافَتُهُ إِلَى اسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ جَامِعٌ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا أَوَّلَهَا وَلِهَذَا لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ فَلِهَذَا ظَهَرَتِ الْأَلِفُ مَعَهَا تَنْبِيهًا عَلَى ظُهُورِ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُجُودِ.
وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ التي قبلها الْهَاءِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ وَأُظْهِرَتِ الَّتِي مَعَ اللَّامِ مِنْ أَوَّلِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ التَّعْرِيفِ وَالْبَيَانِ الْبَاطِنُ مِنْ جِهَةِ الْإِدْرَاكِ وَالْعَيَانِ.
وَكَذَلِكَ حُذِفَتِ الْأَلِفُ قَبْلَ النُّونِ مِنِ اسْمِهِ الرَّحْمَنُ حَيْثُ وَقَعَ بَيَانًا لِأَنَّا نَعْلَمُ حَقَائِقَ تَفْصِيلِ رَحْمَتِهِ فِي الْوُجُودِ فَلَا يُفْرَقُ فِي عِلْمِنَا بَيْنَ الْوَصْفِ وَالصِّفَةِ وَإِنَّمَا الفرقان فِي التَّسْمِيَةِ وَالِاسْمِ لَا فِي مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالتَّسْمِيَةِ بَلْ نُؤْمِنُ بِهَا إِيمَانًا مُفَوَّضًا فِي عِلْمِ حَقِيقَتِهِ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: وَعُلَمَاءُ الظَّاهِرِ يَقُولُونَ: لِلِاخْتِصَارِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَلَالَةِ الشَّرِيفَةِ فَإِنَّ هَمْزَةَ الْوَصْلِ النَّاقِصَةَ مِنَ اللَّفْظِ فِي الدَّرْجِ تُثْبَتُ خَطًّا إِلَّا فِي الْبَسْمَلَةِ وَفِي قَوْلِهِ فِي هُودٍ: {بِسْمِ الله مجريها} وَلَا تُحْذَفُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ:
أَنْ تُضَافَ إِلَى اسْمِ اللَّهِ وَلِهَذَا أُثْبِتَتْ فِي: {بِاسْمِ رَبِّكَ} وَأَنْ تَكُونَ قَبْلَهُ الْبَاءُ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْكِسَائِيُّ الثَّانِيَ: فَجَوَّزَ حَذْفَهَا كَمَا تُحْذَفُ فِي بِسْمِ الْمَلِكِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ حَذْفُ الْأَلِفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ مِثْلُ قَدِرٌ وعلم وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلِفَ فِي وَسَطِ الْكَلِمَةِ.
وَكَذَلِكَ الْأَلِفُ الزَّائِدَةُ فِي الْجُمُوعِ السَّالِمَةِ وَالْمُكَسَّرَةِ مثل القنتين والأبرار والجلل والإكرم واختلف واستكبر فَإِنَّهَا كُلَّهَا وَرَدَتْ لِمَعْنًى مُفَصَّلٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مَعْنَى تِلْكَ اللَّفْظَةِ فَتُحْذَفُ حَيْثُ يُبْطَنُ التَّفْصِيلُ وَتُثْبَتُ حَيْثُ يُظْهَرُ.
وَكَذَلِكَ أَلِفُ الْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ كإبرهيم لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ لِمَعْنًى غَيْرِ ظَاهِرٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِيِّ لِأَنَّ الْعَجَمِيَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرَبِيِّ بَاطِنٌ خَفِيٌّ لَا ظُهُورَ لَهُ فَحُذِفَتْ أَلِفُهُ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: اتَّفَقُوا عَلَى حَذْفِ الْأَلِفِ مِنَ الأعلام الأعجمية المستعملة كإبرهيم وإسمعيل وإسحق وهرون ولقمن وشبهها وأما حذفها من سليمن وصلح وملك وَلَيْسَتْ بِأَعْجَمِيَّةٍ فَلِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَأَمَّا مَا لَمْ يكثر استعماله من الأعجمية فبالألف كطالوت وجالوت ويأجوج ومأجوج وشبهها.
واختلفت المصاحف في أربعة هاروت وماروت وهامان وقارون فأما داود فَلَا خِلَافَ فِي رَسْمِهِ بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُمْ قَدْ حَذَفُوا مِنْهُ وَاوًا فَلَمْ يُجْحِفُوا بِحَذْفِ أَلِفٍ أخرى ومثله إسرائيل ترسم بالألف في أكثر المصاحف لِأَنَّهُ حَذَفَ مِنْهُ الْيَاءَ.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى حَذْفِ الْأَلِفِ فِي جَمْعِ السَّلَامَةِ مُذَكَّرًا كَانَ كالعلمين والصبرين والصدقين أو مؤنثا كالمسلمت والمؤمنت والطيبت والخبيثت فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَلِفِ هَمْزَةٌ أَوْ حَرْفٌ مضعف ثبتت الألف نحو السائلين والصائمين والظانين والضالين وحافين وَنَحْوُهُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَقَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ مَلَكُوتِيَّةً رُوحَانِيَّةً وَتُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةٍ مَرْتَبَةً سُفْلَى مِلْكِيَّةً هِيَ أَظْهَرُ فِي الِاسْمِ فَتُثْبَتُ الْأَلِفُ كالأواب والخطاب والعذاب و: {أم كنت من العالين} و: {الوسواس الخناس}.
وقد تكون ملكية وتعتبر من جهة عُلْيَا مَلَكُوتِيَّةً هِيَ أَظْهَرُ فِي الِاسْمِ فَتُحْذَفُ الألف كالمحرب وَلِأَجْلِ هَذَا التَّدَاخُلِ يَغْمُضُ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَدَبُّرٍ وَفَهْمٍ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ ظَاهِرَ الْفُرْقَانِ كالأخير والأشرار تُحْذَفُ مِنَ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.
ومنه ما يخفي كالفراش ويطعمون الطعام فَالْفَرَاشُ مَحْسُوسٌ وَالطَّعَامُ ثَابِتٌ وَوَزْنُهُمَا وَاحِدٌ وَهُمَا جِسْمَانِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلِ مَكَانُ التَّشْبِيهِ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ مَحْسُوسٌ وَصِفَةَ التَّشْبِيهِ غَيْرُ مَحْسُوسٍ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ غَيْرُ مَحْسُوسٍ فِي حَالَةِ الشَّبَهِ إِذْ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ صِفَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْتَفْرَشٌ مَبْثُوثٌ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ جِسْمٌ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَهُوَ الْمَحْسُوسُ الْمُعْطَى لِلْمُحْتَاجِينَ.
وَكَذَلِكَ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حل لهم} ثُبِتَتِ الْأَلِفُ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ سُفْلِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَعَامِنَا لِمَكَانِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَحُذِفَتْ مِنَ الثَّانِي لِأَنَّهُ عُلْوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَعَامِهِمْ لِعُلُوِّ مَلَّتِنَا عَلَى مِلَّتِهِمْ.
وَكَذَلِكَ: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطعم} فَحُذِفَتْ لِعُلُوِّ هَذَا الطَّعَامِ.
وَكَذَلِكَ: {غَلَّقَتِ الْأَبْوَبَ} غَلَّقَتْ فِيهِ التَّكْثِيرُ فِي الْعَمَلِ فَيَدْخُلُ بِهِ أَيْضًا مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ مِنْ أَبْوَابِ الِاعْتِصَامِ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ لِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} {وألفيا سيدها لدا الباب} فَأَفْرَدَ الْبَابَ الْمَحْسُوسَ مِنْ أَبْوَابِ الِاعْتِصَامِ.
وَكَذَلِكَ: {وفتحت أبوبها} مَحْذُوفٌ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ فُتِحَتْ مَلَكُوتِيَّةٌ عُلْوِيَّةٌ و: {مفتحة لهم الأبواب} مِلْكِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَهُمْ فَثَبَتَتِ الْأَلِفُ و: {قيل ادخلوا أبواب جهنم}، ثَابِتَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِمْ مَحْسُوسَةٌ سُفْلِيَّةٌ.
وكذلك: {سبعة أبواب} مِنْ حَيْثُ حَصْرُهَا الْعَدَدَ فِي الْوُجُودِ مِلْكِيَّةٌ فثبتت الألف.
وكذلك الجراد والضفدع الْأَوَّلُ ثَابِتٌ فَهُوَ الَّذِي فِي الْوَاحِدَةِ الْمَحْسُوسَةِ وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَاحِدَةِ الْمَحْسُوسَةِ وَالْجَمْعُ هُنَا مَلَكُوتِيٌّ مِنْ حَيْثُ هُوَ آيَةٌ.
وكذلك: {أن نبدل أمثالكم} حُذِفَتْ لِأَنَّهَا أَمْثَالٌ كُلِّيَّةٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا للفهم جهة التماثل و: {كأمثال اللؤلؤ} ثَابِتُ الْأَلِفِ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْفَهْمِ جِهَةُ التَّمَاثُلِ وَهُوَ الْبَيَاضُ وَالصَّفَاءُ. {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أمثلهم} حُذِفَتْ لِلْعُمُومِ وَ: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمثال} ثابت في الفرقان لِأَنَّهَا الْمَذْكُورَةَ حِسِّيَّةٌ مُفَصَّلَةٌ وَمَحْذُوفَةٌ فِي الْإِسْرَاءِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُفَصَّلَةٍ بَاطِنَةٌ.
وَكَذَلِكَ: {فَإِذَا نُفِخَ في الصور نفخة وحدة} و: {دكتا دكة وحدة} الْأُولَى مَحْذُوفَةٌ لِأَنَّهَا رُوحَانِيَّةٌ لَا تُعْلَمُ إِلَّا إيمانا والثانية ثابتة جسمانية يتصور أمثالها من الهوي.
وكذلك ألف {كتبيه} محذوفة لأنه ملكوتي وألف: {حسابيه} ثَابِتَةٌ لِأَنَّهَا مِلْكِيَّةٌ وَهُمَا مَعًا فِي مَوْطِنِ الآخرة.
وكذلك: {القاضية} ملكوتية {ماليه} مُلْكِيٌّ مَحْسُوسٌ فَحُذِفَ الْأَوَّلُ وَثَبَتَ الثَّانِي.
وكذلك: {ولما برزوا لجلوت} حذف لأنه الاسم: {وقتل داود جالوت} ثَبَتَ لِأَنَّهُ مُجَسَّدٌ مَحْسُوسٌ فَحُذِفَ الْأَوَّلُ وَثَبَتَ الثَّانِي.
وَكَذَلِكَ: {سُبْحَنَ} حُذِفَتْ لِأَنَّهُ مَلَكُوتِيٌّ إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِيهِ: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} فَمَنْ أَثْبَتَ الْأَلِفَ قَالَ هَذَا تَبْرِئَةٌ مِنْ مَقَامِ الْإِسْلَامِ وَحَصْرِهِ الْأَجْسَامَ صُدِّرَ بِهِ مُجَاوَبَةً لِلْكُفَّارِ فِي مُوَاطِنِ الرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ وَمَنْ أَسْقَطَ فَلِعُلُوِّ حَالِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشْغَلُهُ عَنِ الْحُضُورِ تَقَلُّبُهُ فِي الْمَلَكُوتِ الْخِطَابِ فِي الْمُلْكِ وَهُوَ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ.
وَكَذَلِكَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلثة} ثَبَتَتْ أَلِفُ {ثَالِثُ} لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ أَحَدَ ثَلَاثَةٍ مُفَصَّلَةٍ فَثَبَتَتِ الْأَلِفُ عَلَامَةً لِإِظْهَارِهِمُ التَّفْصِيلَ فِي الْإِلَهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَحُذِفَتْ أَلِفُ: {ثَلَثَةٍ} لِأَنَّهُ اسْمُ الْعَدَدِ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إلا إله واحد} حُذِفَتْ مِنْ {إِلَهٍ} وَثَبَتَتْ فِي {وَاحِدٌ} أَلِفُهُ لِأَنَّهُ إِلَهٌ فِي مَلَكُوتِهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ تُعْرَفَ صِفَتُهُ بِإِحَاطَةِ الْإِدْرَاكِ وَاحِدٌ فِي مُلْكِهِ تَنَزَّهَ بِوَحْدَةِ أَسْمَائِهِ عَنِ الِاعْتِضَادِ وَالِاشْتِرَاكِ هَذَا مِنْ جِهَةِ إِدْرَاكِنَا وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ مَا هِيَ عَلَيْهِ الصِّفَةُ فِي نَفْسِهَا فَلَا يُدْرَكُ ذَلِكَ بَلْ يُسَلَّمُ عِلْمُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَتُحْذَفُ.
وَكَذَلِكَ سَقَطَتِ الْأَلِفُ الزَّائِدَةُ لِتَطْوِيلِ هَاءِ التَّنْبِيهِ فِي النِّدَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ:
{أيه المؤمنون} و: {أيه الساحر} و: {أيه الثقلان} وَالْبَاقِي بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَالسِّرُّ فِي سُقُوطِهَا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَعْنَى الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَةٍ لَيْسَ وَرَاءَهَا فِي الْفَهْمِ رُتْبَةٌ يَمْتَدُّ النِّدَاءُ إِلَيْهَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى الِاقْتِصَارِ وَالِاقْتِصَادِ مِنْ حَالِهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى مَا يَنْبَغِي.
وَقَوْلُهُ: {وَتُوبُوا إلى الله جميعا} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِيهِمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ. {إن هذا لساحر عليم} وَقَوْلِ فِرْعَوْنَ. {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ عِلْمِهِ عِنْدَهُمْ لَيْسَ فَوْقَهُ أحد وقوله: {سنفرغ لكم أيه الثقلان} فَإِقَامَةُ الْوَصْفِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الصِّفَةِ الْمِلْكِيَّةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمَلَكُوتِيَّةِ وَالْجَبَرُوتِيَّةِ فَلَيْسَ بَعْدَهَا رُتْبَةٌ أَظْهَرُ فِي الْفَهْمِ عَلَى مَا يَنْبَغِي لَهُمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى اعْتِبَارِ آلَاءِ اللَّهِ فِي بَيَانِ النِّعَمِ لِيَشْكُرُوا وَبَيَانِ النِّقَمِ لِيَحْذَرُوا.
وَكَذَلِكَ حُذِفَتِ الْأَلِفُ الْآتِيَةُ لمد الصوت بالنداء مثل. {يقوم} {يعباد} لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ لِلتَّوَصُّلِ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ وَذَلِكَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَيْسَ بِصِفَةٍ مَحْسُوسَةٍ فِي الْوُجُودِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذكر آيتنا فبغير الألف إلا في موضعين في {بآياتنا} و: {آياتنا بينات}.
وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ أَيُّهَا فَبِالْأَلِفِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مَحْذُوفَةِ الْأَلِفِ فِي النور {أيه المؤمنون} وفي الزخرف {أيه الساحر} وفي الرحمن {أيه الثقلان} وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ سَاحِرٍ فَبِغَيْرِ الْأَلِفِ إِلَّا فِي وَاحِدٍ فِي الذَّارِيَاتِ {وَقَالَ سَاحِرٌ أو مجنون}.