فصل: باب الحلف بالدخول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الحلف بالدخول

هكذا في بعض النسخ والأولى باب الحلف بالعتق كما في الهداية والمراد منه أن يجعل العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق بشيء وهو شروع في بيان التعليق بعدما ذكر مسائل التنجيز وإنما ذكر مسألة التعليق بالولادة في باب عتق البعض لبيان أنه يعتق منه البعض عند عدم العلم، و الحلف بفتح الحاء مع سكون اللام وكسرها مصدر قولهم حلف بالله يحلف حلفا وحلفا القسم وبكسر الحاء مع سكون اللام العهد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن قال إن دخلت فكل مملوك لي يومئذ حر عتق ما يملكه بعده به‏)‏ أي بعد هذا القول بالدخول؛ لأن التنوين في يومئذ عوض عن الجملة المضاف إليها لفظ إذ تقديره إذ دخلت ولفظ يوم ظرف للمملوك فكان التقدير كل من يكون في ملكي وقت الدخول حر، وهذا في الحقيقة إضافة عتق المملوك يوم الدخول إلى يوم الدخول والمملوك لا يكون إلا بملك فصار كأنه قال إن ملكت مملوكا وقت الدخول فهو حر وهو يصدق بملك قبل الدخول يقارن بقاءه الدخول فكأنه إضافة العتق إلى الملك الموجود عند الدخول بخلاف قوله لعبد غيره إن دخلت الدار فعبدي حر فاشتراه فدخل لا يعتق؛ لأنه لم يضف العتق إلى ملكه صريحا ولا معنى‏.‏ والمراد باليوم هنا مطلق الوقت حتى لو دخل ليلا عتق ما في ملكه؛ لأنه أضيف إلى فعل لا يمتد وهو الدخول وإن كان في اللفظ إنما أضيف إلى لفظ إذ المضافة للدخول لكن معنى إذ غير ملاحظ وإلا كان المراد يوم وقت الدخول وهو وإن كان يمكن على معنى يوم الوقت الذي فيه الدخول تقييد اليوم به لكن إذا أريد به مطلق الوقت يصير المعنى وقت وقت الدخول ونحن نعلم مثله كثيرا في الاستعمال الفصيح كنحو‏:‏ ‏{‏ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله‏}‏‏.‏ ولا يلاحظ فيه شيء من ذلك فإنه لا يلاحظ في هذه الآية وقت يغلبون يفرح المؤمنون ولا يوم وقت يغلبون يفرحون ونظائره كثيرة في كتاب الله تعالى وغيره فعرف أن لفظ إذ لم يذكر إلا تكثيرا للعوض عن الجملة المحذوفة أو عمادا له أعني التنوين لكونه حرفا واحدا ساكنا تحسينا لم يلاحظ معناها ومثله كثير في أقوال أهل العربية في بعض الألفاظ لا يخفى على من له نظر فيها كذا في فتح القدير، ولو قال المصنف عتق ما هو مملوك له وقت الدخول لكان أظهر؛ لأن ما كان في ملكه وقت الحلف واستمر إلى وقت الدخول لم يملكه بعد اليمين ملكا متجددا، وفي البدائع لو قال كل مملوك أملكه اليوم فهو حر ولا نية له وله مملوك فاستفاد في يومه ذلك مملوكا آخر عتق ما في ملكه وما استفاد ملكه في اليوم، وكذا لو قال هذا الشهر أو هذه السنة؛ لأنه لما وقت باليوم أو الشهر أو السنة فلا بد وأن يكون التوقيت مفيدا، ولو لم يتناول إلا ما في ملكه يوم الحلف لم يكن مفيدا فإن قال عنيت أحد الصنفين دون الآخر لم يدن في القضاء؛ لأنه نوى تخصيص العموم وأنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن الله تعالى مطلع على نيته وفي البدائع أيضا لو قال كل مملوك أشتريه فهو حر إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء الغد ولا نية له فهذا يقع على ما يشتريه قبل الكلام فكل مملوك اشتراه قبل الكلام، ثم كلم عتق وما اشتراه بعد الكلام لا يعتق، ولو قدم الشرط فقال‏:‏ إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد فكل مملوك اشتريه فهو حر فهذا على ما يشتريه بعد الكلام لا قبله حتى لو كان اشترى مماليك قبل الكلام، ثم كلم لا يعتق واحد منهم وما اشتراه بعده يعتق‏.‏ ولو قال كل مملوك اشتريه إذا دخلت الدار فهو حر أو قال إن قدم فلان فهذا على ما يشتري بعد الفعل الذي حلف عليه ولا يعتق ما اشترى قبل ذلك إلا أن يعينهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو لم يقل يومئذ لا‏)‏ أي لا يعتق ما يملكه بعده وإنما يعتق من كان في ملكه وقت التكلم؛ لأن قوله كل مملوك لي يختص بالحال والجزاء حرية المملوك في الحال يتعلق في الحال بمملوك أي المملوك في الحال حريته هي الجزاء وإنما كانت للحال؛ لأن المختار في الوصف من اسم الفاعل والمفعول أن معناه قائم حال التكلم بمن نسب إليه على وجه قيامه به أو وقوعه عليه، واللام للاختصاص فلو لم يكن في ملكه شيء يوم حلف كان اليمين لغوا ولا فرق بين كون العتق معلقا كما في الكتاب أو منجزا وسواء قدم الشرط أو أخره وسواء كان التعليق بإن كما في الكتاب أو بغيرها كإذا دخلت أو إذا ما أو متى أو متى ما، وقوله لي ليس بقيد؛ لأنه لو قال كل مملوك أملكه فهو حر ولا نية له فإنه لما كان في ملكه يوم حلف فقط؛ لأن صيغة افعل وإن كانت تستعمل للحال والاستقبال لكن عند الإطلاق يراد به الحال عرفا وشرعا ولغة أما العرف فإن من قال فلان يأكل أو يشرب أو يفعل كذا يريد به الحال ويقول الرجل ما أملك ألف درهم ويريد به الحال، أما الشرع فإن من قال أشهد أن لا إله إلا الله يكون مؤمنا، ولو قال أشهد أن لفلان على فلان كذا كان شاهدا‏.‏ أما اللغة فإن هذه الصيغة موضوعة للحال على طريق الأصالة؛ لأنه ليس للحال صيغة أخرى وللاستقبال سين وسوف فكانت الحال أصلا فيها والاستقبال دخيلا فعند الإطلاق ينصرف إلى الحال، ولو قال عنيت به ما أستقبل ملكه عتق ما ملكه للحال وما استحدث الملك فيه لما ذكرنا أن ظاهرها للحال وبنيته يصرفه عن ظاهره فلا يصدق فيه ويصدق في قوله أردت ما يحدث ملكي فيه في المستقبل فيعتق عليه بإقراره كما إذا قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم، ثم قال لي امرأة أخرى بهذا الاسم عنيتها طلقت المعروفة بظاهر اللفظ والمجهولة باعترافه كذا ها هنا، وكذا لو قال كل مملوك أملكه الساعة فهو حر إن هذا يقع على ما في ملكه وقت اليمين ولا يعتق ما يستفيده بعد ذلك إلا أن يكون نوى ذلك فيلزمه ما نوى؛ لأن المراد من الساعة المذكورة هي الساعة المعروفة عند الناس وهي الحال لا الساعة الزمانية التي يذكرها المنجمون فيتناول هذا الكلام من كان في ملكه وقت التكلم لا من يستفيده من بعد فإن قال أردت به من أستفيده في هذه الساعة الزمانية يصدق فيه؛ لأن اللفظ يحتمله وفيه تشديد على نفسه، ولكن لا يصدق في صرف اللفظ عمن يكون في ملكه للحال وسواء أطلق أو علق بشرط قدم الشرط أو أخره كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمملوك لا يتناول الحمل‏)‏ لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق، والجنين مملوك تبعا للأم لا مقصودا؛ ولأنه عضو من وجه واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء ولهذا لا يملك بيعه منفردا ولا يجزئ عتقه عن الكفارة فلو قال كل مملوك لي حر وله حمل أوصي له به دون أمه أو قال كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لأقل من ستة أشهر أو قال إن اشتريت مملوكين فهما حران فاشترى جارية حاملا فإن الحمل في هذه الصور الثلاث لا يعتق لما ذكرنا ولا تعتق الأم في المسألة الثانية أيضا لتقييده بالذكورة ولا في المسألة الثالثة كما في البدائع؛ لأن شرط الحنث شراء مملوكين والحمل لا يسمى مملوكا على الإطلاق، وكذا لو قال للحامل كل مملوك لي غيرك حر لم يعتق الحمل كما في المحيط وإنما قيدنا بالصور الأربع؛ لأنه لو قال كل مملوك لي حر وله جارية حاملة فإن الحامل تدخل فيعتق الحمل تبعا لها كما في الهداية، وهذا بناء على أن لفظ مملوك إما لذات متصفة بالمملوكة وقيد التذكير ليس جزء المفهوم، وإذا كان التأنيث جزء مفهوم مملوكة فيكون مملوك أعم من مملوكة فالثابت فيه عدم الدلالة على التأنيث لا الدلالة على عدم التأنيث، وإما أن الاستعمال استمر فيه على الأعمية فوجب اعتباره كذلك كذا في فتح القدير قيد بعدم تناول الحمل فقط؛ لأنه يتناول العبيد، ولو مرهونين أو مأذونين أو مأجورين والإماء وإن كن حوامل وأمهات أولاده وأولادهما والمدبر والمدبرة، ولو نوى الذكور فقط لم يصدق في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر في عرف الاستعمال ويصدق ديانة مع أن طائفة من الأصوليين على أن جمع الذكور يعم النساء حقيقة وضعا، وفي الذخيرة قال مماليكي كلهم أحرار ونوى الرجال دون النساء لم يذكره وقالوا لا يصدق ديانة بخلاف قوله كل مملوك لي، ونوى التخصيص يصدق ديانة ا هـ‏.‏ فإن قلت‏:‏ ما الفرق وفي الوجهين نية تخصيص العالم فالجواب أن كلهم تأكيد للعام قبله وهو مماليكي؛ لأنه جمع مضاف فيعم وهو يرفع احتمال المجاز غالبا والتخصيص يوجب المجاز فلا يجوز بخلاف قوله كل مملوك لي فإن الثابت به أصل العموم فقط فقبل التخصيص وفي المحيط لو قال لم أنو المدبرين قيل لم يدن قضاء وديانة، والصحيح أنه يصدق ديانة؛ لأنه لا يمكن تخصيص العام إلا باعتبار الوصف فإن الخصوص لا يمتاز عن العام إلا باعتبار الوصف فلو لم يصح التخصيص في حق الوصف ما أمكن تخصيص عام أبدا‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار بعدم تناوله للحمل إلى أنه لا يتناول ما لم يكن مملوكا على الإطلاق فلا يتناول المكاتب؛ لأنه مملوك من وجه إذ هو حر يدا وقدمنا أنه لا يدخل تحت لفظ العبد أيضا ولا يتناول المشترك إلا بالنية ولا عبيد عبده التاجر، وهو قول أبي يوسف سواء كان على العبد دين أو لا وعلى قول محمد عتقوا نواهم أو لا عليه دين أو لا وعلى قول أبي حنيفة إن لم يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم وإلا فلا وإن كان عليه دين لم يعتقوا وإن نواهم كذا في فتح القدير والنهاية وغيرهما وبه علم أن ما في المجتبى من أنه لا يدخل العبد المرهون والمأذون في التجارة سبق قلم، وذكر في المحيط أنه لا يتناول المشترك إلا إذا ملك النصف الآخر بعده فإنه يعتق فيقوله إن ملكت مملوكا فهو حر؛ لأنه وجد الشرط وهو مملوك كامل فلو باع نصيبه، ثم اشترى نصيب شريكه لم يعتق استحسانا؛ لأنه لم يجتمع في ملكه مملوك كامل بخلاف إن ملكت هذا العبد فهو حر فملك نصفه، ثم باعه، ثم ملك النصف الثاني فإنه يعتق النصف الذي في ملكه؛ لأن حالة تعيين المملوك يراد به الملك فيه مطلقا لا مجتمعا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كل مملوك لي أو أملكه فهو حر بعد غد أو بعد موتى يتناول من ملكه منذ حلف فقط‏)‏ لما قدمنا أن قوله كل مملوك لي للحال، وكذا كل مملوك أملكه؛ لأن المضارع للحال كما بيناه فمن كان في ملكه وقت اليمين يصير حرا في المسألتين بعد غد وفي قوله بعد موتى يصير من كان في ملكه وقت اليمين مدبرا في المسألتين فلا يعتق من اشتراه بعد اليمين في التقيد بقوله بعد موتى قيد بكون الظرف ظرفا للحرية؛ لأنه لو جعله ظرفا للملك كما إذا قال كل مملوك أملكه غدا فهو حر ولا نية له ذكر محمد في الجامع أنه يعتق كل من ملكه في غد ومن كان في ملكه قبله، وقال أبو يوسف لا يعتق إلا من استفاد ملكه في غد ولا يعتق من جاء غد وهو في ملكه وهو رواية ابن سماعة عن محمد وعلى هذا الخلاف إذا قال كل مملوك أملكه رأس شهر كذا فهو حر ورأس الشهر الليلة التي يهل فيها الهلال ومن الغد إلى الليل للعرف، وعن أبي يوسف فيمن قال كل مملوك أملكه يوم الجمعة فهو حر قال ليس هذا على ما في ملكه إنما هو على ما يملكه يوم الجمعة، وهذا على أصل أبي يوسف صحيح؛ لأنه أضاف العتق إلى زمان مستقبل، فأما إذا قال كل مملوك أملكه إذا جاء غد فهو حر فهذا على ما في ملكه في قولهم؛ لأنه جعل مجيء الغد شرطا لثبوت العتق لا غير فيعتق من في ملكه، ولكن عند مجيء الغد كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبموته عتق من ملكه بعده من ثلثه أيضا‏)‏ أي بموت المولى يعتق من ملكه بعد قوله كل مملوك لي أو أملكه حر بعد موتي من ثلث ماله كما يعتق من كان في ملكه للحال من ثلث المال فالحاصل أن من كان في ملكه وقت اليمين مدبر مطلق ومن ملكه بعدها، فليس بمدبر مطلق وإنما هو مدبر مقيد فيعتقان بموت المولى عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يعتق من كان في ملكه يوم حلف ولا يعتق ما استفاده بعد يمينه؛ لأن اللفظ حقيقة للحال على ما بينا فلا يعتق به ما سيملكه، ولهذا صار هو مدبرا دون الآخر ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء حتى اعتبر من الثلث وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة والحالة الراهنة ألا ترى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية وفي الوصية لأولاد فلان من يولد له بعدها والإيجاب إنما يصح مضافا إلى الملك أو إلى سببه فمن حيث إنه إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتبارا للحالة الراهنة فيصير مدبرا حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتبارا للحالة المتربصة وهي حالة الموت وقبل الموت حالة التمليك استقبال محض فلا يدخل تحت اللفظ‏.‏ وعند الموت يصير كأنه قال كل مملوك أملكه فهو حر بخلاف قوله بعد غد على ما تقدم؛ لأنه تصرف واحد وهو إيجاب العتق وليس فيه إيصاء والحالة محض استقبال فافترقا ولا يقال إنكم جمعتم بين الحال والاستقبال؛ لأنا نقول نعم ولكن بشيئين مختلفين إيجاب عتق ووصية وإنما لا يجوز ذلك لا بسبب واحد كذا في الهداية، وتعقبه في فتح القدير بأن هذا قول للعراقيين غير مرضي في الأصول وإلا لم يمتنع الجمع مطلقا ولم يتحقق خلاف فيه؛ لأن الجمع قط لا يكون إلا باعتبارين بالنظر إلى شيئين، ولو أمكن أن يقال إن لفظه أوجب تقدير لفظ إذا كان وصية وهو ما قدرناه عند موته منقوله كل عبد لي حر فيعتق به ما استحدث ملكه والموجب للتقدير ما ذكرنا من تحقيق مقصود الوصية من الثواب والبر للأصحاب، وهذا الموجب لا يحتاج إلى تقديم تقديره عند ملك العبد وإلا كان مدبرا مطلقا وإنما يحتاج إليه عند موته من قوله فلا تتعلق به عبارته عند ملكه لا الصريحة؛ لأنها لم تتناول إلا الحال ولا المقدرة لتأخير تقديرها إلى ما قبل الموت فلا يكون مدبرا لا مطلقا ولا مقيدا كان رافعا للإشكال ا هـ‏.‏ وحاصله أن عتق ما ملكه بعده بموته ليس من اللفظ المذكور ليلزم الجمع بين الحال والاستقبال وإنما هو من لفظ آخر مقدر دل عليه تحقيق مقصوده من الثواب فلا جمع بلفظ واحد، بل بلفظين مذكور ومقدر وأفاد بقوله من ثلثه أنهما إن خرجا من الثلث عتق جميع كل منهما، وإن ضاق عنهما يضرب كل منهما بقيمته فيه وإن كان على المولى دين مستغرق فإنهما ليسعيان له في جميع قيمتهما كما هو حكم المدبر بعد موت مولاه وأشار المصنف إلى أنه لو قال كل مملوك أملكه إذا مت فهو حر فالحكم كذلك، والله أعلم‏.‏

باب العتق على جعل

أخره لأن الأصل عدمه، والجعل في اللغة بضم الجيم ما يجعل للعامل على عمله ثم سمي به ما يعطى المجاهد ليستعين به على جهاده، وأجعلت له أعطيته له والجعائل جمع جعيلة، أو جعالة بالحركات بمعنى الجعل كذا في المغرب والمراد منه هنا العتق على مال‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ حرر عبده على مال فقبل عتق‏)‏ أي قبل العبد، وذلك مثل أن يقول‏:‏ أنت حر على ألف درهم، أو بألف درهم، أو على أن تعطيني ألفا أو على أن تؤدي إلي ألفا، أو على أن تجيئني بألف، أو على أن لي عليك ألفا، أو على ألف تؤديها إلي، أو قال‏:‏ بعتك نفسك منك على كذا، أو وهبت لك نفسك على أن تعوضني كذا، وإنما توقف على قبوله؛ لأنه معاوضة المال بغير المال؛ إذ العبد لا يملك نفسه ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما في البيع فإذا قبل صار حرا، وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به بخلاف بدل الكتابة؛ لأنه ثبت مع المنافي وهو قيام الرق على ما عرف وكما تصح به الكفالة جاز أن يستبدل به ما شاء يدا بيد؛ لأنه دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز أن يستبدل به كالأثمان ولا خير فيه نسيئة؛ لأن الدين بالدين حرام ولم يقيد القبول بالمجلس لما عرف أنه لا بد لكل قبول من المجلس فإن كان حاضرا اعتبر مجلس الإيجاب وإن كان غائبا يعتبر مجلس علمه فإن قبل فيه صح‏.‏ وإن رد أو أعرض بطل والإعراض عنه إنما يكون بالقيام أو بالاشتغال بعمل آخر يعلم أنه قطع لما قبله كذا في شرح الطحاوي ولم يقيد المصنف العتق بالأداء لأنه يعتق قبله؛ لأنه ليس معلقا على الأداء، وإنما هو معلق على القبول وقد وجد وأفاد بقوله ‏"‏ قبل ‏"‏ أنه لا بد أن يقبل في الكل فلو قال لعبده أنت حر بألف فقال قبلت في النصف فإنه لا يجوز عند أبي حنيفة؛ لأن العتق عنده يتجزأ فلو جاز قبوله في النصف وجب عليه نصف البدل وصار الكل خارجا عن يده لأنه يخرج الباقي إلى العتق بالسعاية، والمولى ما رضي بزوال يده وصيرورته محجورا عن التصرف إلا بألف، وعندهما يجوز ويعتق كله بجميع الألف؛ لأنه لا يتجزأ عندهما فالقبول في النصف قبول في الكل ولو كان ذلك في الطلاق كان القبول في النصف قبولا في الكل اتفاقا وكذا كل ما لا يتجزأ كالدم وغيره ولو قال لمولاه‏:‏ أعتقني على ألف فأعتق نصفه يعتق نصفه بغير شيء ولو كان بالباء يعتق نصفه بخمسمائة عند الإمام كما في الطلاق‏.‏ كذا في المحيط وقيد بكون العبد كله له؛ لأنه لو كان له نصفه فقال له أنت حر على ألف فقبل فإنه يعتق نصفه بخمسمائة إلا إذا أجاز الآخر يجب الألف بينهما عند أبي حنيفة؛ لأن العتق يتجزأ عنده بخلاف ما إذا قال‏:‏ أعتقت نصيبي بألف فقبل العبد لزمه الألف للمعتق لا يشاركه فيه الساكت؛ لأن الألف بمقابلة نصيبه كذا في المحيط أيضا وأطلق المصنف في المال فشمل جميع أنواعه من النقد والعروض والحيوان، وإن كان بغير عينه؛ لأنه معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس ولا يضره جهالة الوصف لأنها يسيرة ويلزمه الوسط في تسمية الحيوان والثوب بعد بيان جنسهما من الفرس والحمار والعبد والثوب الهروي ولو أتاه بالقيمة أجبر المولى على القبول ولو لم يسم الجنس بأن قال‏:‏ على ثوب، أو حيوان أو دابة فقبل عتق ولزمه قيمة نفسه كما لو أعتقه على قيمة رقبته فقبل عتق كما في المحيط وأشار المصنف إلى أنه يعتق بالقبول، ولو كان المال ملكا للغير فلو أعتقه على عبد مثلا فاستحق لا ينفسخ العتق فإن كان بغير عينه فعلى العبد مثله في المثلي، والوسط في القيمي، وإن كان معينا رجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد بقيمة المستحق وعلى هذا الخلاف إذا هلك قبل التسليم وكذا على هذا الاختلاف لو رده بعيب وليس للمولى الرد بالعيب اليسير عند أبي حنيفة، وإنما يرده بالعيب الفاحش كالعيب في المهر وقالا باليسير أيضا كذا في البدائع ولو اختلفا في المال جنسه، أو مقداره فالقول للعبد مع يمينه كما لو أنكر أصل المال، وإن أقاما البينة فالبينة للمولى بخلاف ما إذا كان العتق معلقا بالأداء وهي المسألة الآتية فإن القول فيها قول المولى، والبينة بينة العبد كذا في البدائع‏.‏ وشمل إطلاق المال الخمر في حق الذمي فإنها مال عندهم فلو أعتق الذمي عبده على خمر، أو خنزير فإنه يعتق بالقبول ويلزمه قيمة المسمى فإن أسلم أحدهما قبل قبض الخمر فعندهما على العبد قيمته، وعند محمد عليه قيمة الخمر كذا في المحيط وقيد بكون المخاطب بالعتق معينا؛ لأنه لو كان مجهولا كما إذا قال‏:‏ أحدكما حر على ألف، والآخر بغير شيء فقبلا عتقا بلا شيء؛ لأن عتقهما متيقن ومن عليه المال مجهول فلا يجب كرجلين قالا لرجل لك على أحدنا ألف وتمام تفريعاته في المحيط، وفي الذخيرة‏:‏ أنت حر على أن تحج عني فلم يحج فعليه قيمة حج وسط، سئل أبو جعفر عن رجل قال لعبده‏:‏ صم عني يوما وأنت حر وصل عني ركعتين وأنت حر قال عتق وإن لم يصم، وإن لم يصل، ولو قال‏:‏ حج عني وأنت حر لا يعتق حتى يحج؛ لأن الصوم والصلاة مما لا تجري فيهما النيابة، والحج مما يجري فيه النيابة ولأنه لا مؤنة في الصوم والصلاة فلا يدل على اشتراط بدل، والحج فيه مؤنة فدل على أنه شرط ذلك بدلا ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن الإعتاق على مال من جانب المولى تعليق - وهو تعليق العتق بشرط قبول العوض فيراعى فيه من جانبه أحكام التعليق حتى لو ابتدأ المولى لم يصح رجوعه عنه قبل قبول العبد ولا الفسخ ولا النهي عن القبول ولا يبطل بقيامه عن المجلس ولا يشترط حضرة العبد ويصح تعليقه بشرط، وإضافته إلى وقت ولا يصح شرط الخيار له -، ومن جانب العبد معاوضة فتراعى أحكامها فملك الرجوع لو ابتدأ وبطل بقيامه قبل قبول المولى وبقيام المولى ولا يقف على الغائب عن المجلس ولا يصح تعليقه ولا إضافته كما إذا قال‏:‏ اشتريت نفسي مني بألف إذا جاء غد، أو عند رأس الشهر بخلاف ما إذا قال‏:‏ إذا جاء غد فأعتقني على كذا جاز؛ لأن هذا توكيل منه بالإعتاق حتى يملك العبد عزله قبل وجود الشرط وبعده قبل أن يعتقه ولو لم يعزل حتى عتقه نفذ إعتاقه ويجوز شرط الخيار له عند أبي حنيفة ولو قال المولى‏:‏ أعتقتك أمس بألف فلم تقبل فقال العبد‏:‏ قبلت فالقول قول المولى مع يمينه؛ لأنه من جانبه تعليق وهو منكر لوجود الشرط كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو علق عتقه بأدائه صار مأذونا‏)‏ أي بأداء المال كأن يقول‏:‏ إن أديت إلي ألفا فأنت حر فيصح ويعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا؛ لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء وإنما صار مأذونا؛ لأنه رغبه في الاكتساب لطلبه الأداء منه، ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة، وذكر في فتح القدير أنه يخالف المكاتب في إحدى عشرة مسألة الأولى‏:‏ ما إذا مات العبد قبل الأداء وترك مالا فهو للمولى ولا يؤدي منه عنه ويعتق بخلاف الكتابة‏.‏ الثانية‏:‏ لو مات المولى، وفي يد العبد كسب كان لورثة المولى ويباع العبد بخلاف الكتابة‏.‏ الثالثة‏:‏ لو كانت أمة فولدت، ثم أدت فعتقت لم يعتق ولدها لأنه ليس لها حكم الكتابة وقت الولادة بخلاف الكتابة‏.‏ الرابعة‏:‏ لو قال العبد للمولى‏:‏ حط عني مائة فحط عنه المولى وأدى تسعمائة لا يعتق بخلاف الكتابة زاد في البدائع أنه لو أدى مكان الدراهم دنانير لا يعتق، وإن قبل لعدم الشرط‏.‏ الخامسة‏:‏ لو أبرأ المولى العبد عن الألف لم يعتق ولو أبرأ المكاتب عتق كذا ذكروها والظاهر أنه لا موقع لها إذ الفرق بعد تحقق الإبراء في الموضعين يكون، والإبراء لا يتصور في هذه المسألة لأنه لا دين على العبد بخلاف الكتابة‏.‏ السادسة لو باع المولى العبد، ثم اشتراه، أو رد عليه بخيار عيب ففي وجوب قبول ما يأتي به خلاف‏:‏ عند أبي يوسف نعم، وعند محمد لا، ولكن لو قبضه عتق بخلاف الكتابة في أنه لا خلاف في أنه يجب أن يقبله ويعد قابضا‏.‏ السابعة أنه يقتصر على المجلس فلا يعتق ما لم يؤد في ذلك المجلس فلو اختلف بأن أعرض أو أخذ في عمل آخر فأدى لا يعتق بخلاف الكتابة هذا إذا كان المذكور من أدوات الشرط لفظة ‏"‏ إن ‏"‏ فإن كان لفظ ‏"‏ إذا ‏"‏، أو ‏"‏ متى ‏"‏ فلا يقتصر على المجلس‏.‏ الثامنة‏:‏ أنه يجوز للمولى بيع العبد بعد قوله ذلك قبل أن يؤدي بخلاف الكتابة‏.‏ التاسعة‏:‏ أن للسيد أن يأخذ ما يظفر به مما اكتسبه قبل أن يأتيه بما يؤديه بخلاف المكاتب‏.‏ العاشرة‏:‏ أنه إذا أدى وعتق وفضل عنده مال مما اكتسبه كان للسيد فيأخذه بخلاف المكاتب‏.‏ الحادية عشرة‏:‏ لو اكتسب العبد مالا قبل تعليق السيد فأداه بعده إليه عتق وإن كان السيد يرجع بمثله على ما سيذكر بخلاف الكتابة لا يعتق بأدائه؛ لأنه ملك المولى إلا أن يكون كاتبه على نفسه وماله فإنه حينئذ يصير أحق به من سيده فإذا أدى منه عتق ا هـ‏.‏ وفي البدائع ذكر محمد في الزيادات إذا قال‏:‏ إن أديت إلي ألفا في كيس أبيض فأنت حر فأداها في كيس أسود لا يعتق، وفي الكتابة يعتق ا هـ‏.‏ وهي الثانية عشرة‏:‏ ولو قال‏:‏ إذا أديت ألفا في هذا الشهر فأنت حر فلم يؤدها في ذلك الشهر وأداها في غيره لم يعتق، وفي الكتابة لا يبطل إلا بحكم الحاكم، أو بتراضيهما كما في البدائع وهي الثالثة عشرة، وفي المحيط لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق لأن الشرط أداؤه ولم يوجد فلا حاجة إلى أداء غيره لأنه قادر على أدائه بخلاف الكتابة؛ لأنها معاوضة حقيقة فيها معنى التعليق فكان الأصل فيها المعاوضة فكان المقصود حصول البدل ا هـ‏.‏ وهي الرابعة عشرة، وفي الذخيرة إذا قال‏:‏ إن أديت إلي ألفا فأنت حر فاستقرض العبد من رجل ألفا فدفعها إلى مولاه عتق العبد ورجع غريم العبد على المولى فيأخذ منه الألف لأنه أحق بها من المولى من قبل أنه عبد مأذون له في التجارة، وغرماء العبد المأذون أحق بماله حتى يستوفوا ديونهم، ولو كان العبد استقرض من رجل ألفي درهم وقيمته ألفا درهم فدفع أحد الألفين إلى مولاه وعتق بها وأكل الألف الأخرى فإن للمقرض أن يأخذ من المولى الألف التي دفعها العبد إليه، ويضمن المولى أيضا للغريم الألف درهم؛ لأن المولى منع العبد بعتقه من أن يباع بما عليه من الدين، وإن شاء المقرض اتبع العبد بجميع دينه أيضا ا هـ‏.‏ قيد بالتعليق لأنه لو لم يأت في الجواب بالفاء لا يتعلق بل يتنجز، سواء كان الجواب بالواو كقوله إن أديت إلي ألفا وأنت حر أو لا كقوله إن أديت إلي ألفا أنت حر لكونه ابتداء لا جوابا لعدم الرابط، وفي الذخيرة قال لعبده أنت حر وأد إلي ألف درهم فهو حر ولا شيء عليه ولو قال أد إلي ألفا وأنت حر لم يعتق حتى يؤدي ولو قال فأنت حر عتق للحال لأن جواب الأمر بالواو لا بالفاء فهي للتعليل أي أد إلي ألفا؛ لأنك حر كقوله أبشر فقد أتاك الغوث، وتمامه في الأصول من بحث الواو وقد قدمنا في بحث عتق الحمل من الظهيرية أنه لو علق عتق الحمل بأدائه ألفا فإنه يتوقف العتق على أدائه فإذا أدى بعد الولادة عتق إذا ولدته لأقل من ستة أشهر وقيد بأداء العبد؛ لأنه لو علق عتقه بأداء أجنبي لا يصير مأذونا له كما إذا قال‏:‏ إذا أديت إلي ألفا فعبدي هذا حر فجاء الأجنبي بألف ووضعها بين يديه لا يجبر المولى على القبول ولا يعتق العبد ولو حلف المولى أنه لم يقبض من فلان ألفا لا يحنث كذا في الخانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعتق بالتخلية‏)‏ لأنه تعليق نظرا إلى اللفظ ومعاوضة نظرا إلى المقصود؛ لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية، والمولى المال بمقابلته بمنزلة الكتابة ولهذا كان عوضا في الطلاق في مثل هذا اللفظ حتى كان بائنا فجعلناه تعليقا في الابتداء عملا باللفظ ودفعا للضرر عن المولى حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاسبه ولا يسري إلى الولد المولود قبل الأداء وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند الأداء دفعا للضرر عن العبد حتى يجبر المولى على القبول فعلى هذا يدور الفقه، وتخرج المسائل، نظيره الهبة بشرط العوض والتخلية رفع الموانع بأن يضعه بين يديه بحيث لو مد يده أخذه فحينئذ يحكم القاضي بأنه قد قبضه فيه، وفي ثمن المبيع وبدل الإجارة وسائر الديون وهذا معنى قولهم أجبره الحاكم على قبضه أي حكم به لا أنه يجبره على قبضه بحبس ونحوه ولو حلف المولى أنه لم يؤد إليه الألف حنث كما في الخانية‏.‏ وإنما ذكر التخلية ليفيد أنه يعتق بحقيقة القبض بالأولى ويستثنى من إطلاق ما في المختصر مسائل لا يعتق فيها بالتخلية‏:‏ الأولى‏:‏ لو كان المال مجهولا بأن قال إذا أديت إلي دراهم فأنت حر لا يجبر على القبول؛ لأن مثل هذه الجهالة لا تكون في المعاوضة ولا يمكن حملها على الكتابة فتكون يمينا محضا ولا جبر فيها كما في التبيين، وفي المحيط لو قال‏:‏ إن أديت إلي كر حنطة فأنت حر فجاء بكر جيد يجبر على القبول؛ لأن الكر المطلق إنما ينصرف إلى الوسط لدفع الضرر من الجانبين فإذا أتاه بالجيد فقد أحسن في القضاء ورضي بهذا الضرر فبطل التعيين وتعلق العتق بحنطة مطلقة ولو قال‏:‏ كر حنطة وسط فأتاه بكر جيد لا يجبر لأنه نص على التعليق بكر موصوفة، وفي الشروط يعتبر التنصيص ما أمكن كما في مسألة الكيس الأبيض ولو قال‏:‏ أعتق عني عبدا وأنت حر فأعتق عبدا مرتفعا لا يعتق، ولو قال‏:‏ أد إلي عبدا وأنت حر فأدى إليه عبدا مرتفعا يعتق كما في الكر، والفرق أن في الأداء يكون المولى راضيا بالزيادة؛ لأنه إدخال شيء في ملكه فيكون نفعا محضا فلا ضرر، وأما العتق إخراج عن ملكه؛ لأن كسبه مملوك للمولى ا هـ‏.‏ الثانية‏:‏ لو كان العتق معلقا على أداء الخمر لا يجبر على القبول، وإن كان يعتق بقبوله لأن المسلم ممنوع عنها لحق الله تعالى‏.‏ والثالثة‏:‏ لو كان معلقا على أداء ثوب، أو دابة لا يجبر على القبول ولو أتى بثوب وسط، أو جيد لأنه مجهول الجنس فلم يصلح عوضا ولذا لو وصفه أجبر على قبوله بأن قال‏:‏ ثوبا هرويا‏.‏ الرابعة‏:‏ لو قال‏:‏ إن أديت إلي ألفا، أو دابة فحججت بها أو وحججت بها لا يعتق بتسليم الألف إليه ما لم يقبل لأنه علق العتق بشرطين فلا ينزل بوجود أحدهما بخلاف ما لو قال‏:‏ إن أديت إلي ألفا أحج بها فإنه يعتق بتخلية الألف ويكون قوله ‏"‏ أحج بها ‏"‏ لبيان الغرض ترغيبا للعبد في الأداء حيث يصير كسبه مصروفا إلى طاعة الله تعالى لا على سبيل الشرط كذا في البدائع ولو قال لعبدين له‏:‏ إن أديتما إلي ألفا فأنتما حران فأدى أحدهما حصته لم يعتق أحدهما لأنه علق العتق بأداء الألف ولم يوجد وكذا لو أدى أحدهما الألف كله من عنده وإن أدى أحدهما الألف وقال‏:‏ خمسمائة من عندي وخمسمائة بعث بها صاحبي ليؤديها إليك عتقا لوجود الشرط حصة أحدهما بطريق الأصالة وحصة الآخر بطريق النيابة؛ لأن هذا باب تجري فيه النيابة فقام أداؤه مقام أداء صاحبه ولو أدى عنهما رجل آخر لم يعتقا إلا إذا قال‏:‏ أؤديها إليك على أنهما حران فقبلها المولى على ذلك عتقا ويرد المال إلى المؤدي لأن المولى لا يستحق المال بعتق عبده قبل الغير بخلاف الطلاق، والفرق في البدائع وقدمنا عن المحيط أنه لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق مع تصريح صاحب البدائع في مسألة العبدين بأن النيابة تجري في هذا الباب إلا أن يوفق بينهما بأن ما في المحيط إنما هو في الأمر من غير إعطاء شيء من العبد وما في البدائع فيما إذا بعث مع غيره المال فلا إشكال، وفي الهداية ولو أدى البعض يجبر على القبول إلا إنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط كما إذا حط البعض وأدى الباقي ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها ولو كان اكتسبها بعده لم يرجع عليه؛ لأنه مأذون من جهته بالأداء منه ا هـ‏.‏ ولم أر صريحا أنه لو حجر على هذا العبد المأذون هل يصح حجره وقد يقال‏:‏ إنه لا يصح حجره؛ لأن الإذن له ضروري لصحة التعليق بالأداء وقد يقال‏:‏ إنه يصح لما أنه يملك بيعه فيملك حجره بالأولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن قال أنت حر بعد موتي بألف فالقبول بعد موته‏)‏ لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت فصار كما إذا قال‏:‏ أنت حر غدا على ألف درهم وأشار المصنف بتأخير العتق عن الموت إلى أنه لا يعتق بقبوله فلا يعتق إلا بإعتاق الوارث، أو الوصي أو القاضي إذا امتنع الوارث؛ لأن العتق تأخر عن الموت إلى أن يقبل، والعتق متى تأخر عن الموت لا يثبت إلا بإعتاق واحد من هؤلاء؛ لأنه صار بمنزلة الوصية بالإعتاق ذكره الإمام العتابي وجزم به الإسبيجابي، وقال‏:‏ إن الوارث يملك عتقه تنجيزا وتعليقا والوصي يملكه تنجيزا فقط ولو أعتقه الوارث عن كفارة يمينه جاز عن الميت لا عن الكفارة، والولاء للميت لا للوارث وصرح الصدر الشهيد بأن الأصح أنه لا يعتق بالقبول بل لا بد من إعتاق الوارث، وفي الهداية قالوا‏:‏ لا يعتق، وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الوارث لأن الميت ليس بأهل للإعتاق وهذا صحيح ا هـ‏.‏ وتعقبه في غاية البيان بأنه ينبغي أن يعتق حكما لكلام صدر من الأهل مضافا إلى المحل، وإن كان الميت ليس بأهل للإعتاق ولأن القبول لم يعتبر في حال الحياة فإذا لم يعتق بالقبول بعد الوفاة إلا بإعتاق واحد منهم لا يكون معتبرا بعد الوفاة أيضا فلا يبقى فائدة لقبوله بعد الموت ا هـ‏.‏ وجوابه أن العتق الحكمي، وإن كان لا يشترط فيه الأهلية يشترط قيام الملك وقته وهنا قد خرج عن ملك المعلق وبقي للوارث ومتى خرج عن ملكه لا يقع بوجود الشرط مع وجود الأهلية فما ظنك عند عدمها وقوله أنه لا فائدة للقبول بعد الموت ممنوع؛ لأنه لولا القبول لم يصح إعتاق الوصي والقاضي لعدم الملك لهما ولم يلزم الوارث الإعتاق‏.‏ والحاصل‏:‏ أن المسألة مختلف فيها فظاهر إطلاق المتون أنه يعتق بالقبول بعد الموت من غير توقف على إعتاق أحد وهو قول البعض كما يشير إليه لفظ الأصح وله أصل في الرواية كما في غاية البيان وصحح المتأخرون أنه لا يعتق بالقبول كما قدمناه ولا فرق في المسألة بين أن يؤخر ذكر المال، أو يقدمه كأن يقول‏:‏ أنت حر على ألف درهم بعد موتي كما في غاية البيان لكنه نقل الإجماع وقد علمت أن الخلاف ثابت وظهر بهذا أن قول الزيلعي وقاضي خان في الفتاوى - أنه لو قال له‏:‏ أنت حر على ألف درهم بعد موتي - ‏"‏ إن القبول فيه للحال ‏"‏ ليس بصحيح؛ إذ لا فرق بينه وبين مسألة الكتاب وقيد بأنت حر؛ لأنه لو قال‏:‏ أنت مدبر على ألف درهم فالقبول فيه للحال فإذا قبل صار مدبرا ولا يلزمه المال؛ لأن الرق قائم والمولى لا يستوجب على عبده دينا إلا أن يكون مكاتبا وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام بحثا حسنا فراجعه‏.‏ وفي الخانية أن القبول فيه بعد الموت كمسألة الكتاب وفي المحيط لو قال لعبده حج عني حجة بعد موتي وأنت حر ولا مال له سواه يحج عنه حجا وسطا، ثم يعتقه الورثة ويسعى في ثلثي قيمته؛ لأنه عتق بغير مال فيعتبر من الثلث فإن أوصى الميت مع هذا بثلث ماله لرجل قسم الثلث بين العبد والموصى له على أربعة ثلاثة أرباعه منها للعبد ويسعى للموصى - له - في ربع ثلث رقبته - وللورثة - في ثلثي قيمته؛ لأن العبد موصى له بعتق جميع رقبته فيضرب بجميع الرقبة والموصى له يضرب بالثلث فصار الثلث بينهما على أربعة أسهم وجميع الرقبة على اثني عشر فسلم للعبد ثلاثة ويسعى للموصى له في سهم، وللورثة ثمانية ولو قال‏:‏ ادفع إلى الوصي قيمة حج يحج بها عني فدفع فعلى الورثة أن يعتقوه ولا ينتظر الحج؛ لأنه عتق بمال والحج مشورة وليس بشرط فإن كانت قيمة الحج أقل من قيمته نظر إن كانت مقدار ثلثي قيمته جاز؛ لأن الوصية بالعتق نافذة في الثلث وإن كانت أقل من ثلثي قيمته فعليه أن يسعى إلى تمام الثلثين، ثم يدفع إلى الورثة أو إلى الوصي مقدار حجة فإن أجازت الورثة الحج فحج بذلك كله فثلثاه للورثة والثلث يحج به عنه من حيث يبلغ‏.‏ ولو قال لعبده‏:‏ ادفع إلى الوصي قيمة حجة فإذا دفعتها إليه فحج بها عني فأنت حر لا يعتق العبد ما لم يحج عن الميت ولو قال حج عني بعد الموت وأنت حر فمات وأبى الورثة خروجه للحج ولا مال للميت غيره فلهم ذلك حتى يخدمهم مقدار ثلثي ما يحتاج إليه للخروج إلى الحج؛ لأن مقدار ثلثيه صار حقا للورثة رقبة ومنفعة، وإذا خرج اشتغل عن خدمتهم، وإذا حج وجب إعتاقه فيبطل حق الورثة عن منفعته وخدمته فيحبسونه ويستخدمونه إلى العام القابل استيفاء لحقهم فإن قال الورثة‏:‏ اخرج في هذا العام فقال أخدمكم العام وأخرج السنة الثانية فليس للعبد ذلك فإن أمكنه الخروج في العام، وإلا أبطل القاضي وصيته فإن لم يطلب منه الورثة حتى مضت السنة فله أن يحج في السنة الثانية إن لم يكن الميت قال‏:‏ حج عني في هذه السنة، ولو قال‏:‏ حج عني بعد موتي بخمس سنين وأنت حر فأبى الورثة أن يتركوه إلى خمس سنين فليس لهم ذلك ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة‏:‏ رجل قال لعبده‏:‏ أنت حر بعد موتي إن لم تشرب الخمر فأقام أشهرا، ثم شرب الخمر قبل أن يعتق بطل عتقه وإن رفع الأمر إلى القاضي بعد موت المولى قبل أن يشرب فأمضى فيه العتق، ثم شرب الخمر بعد ذلك لم يرد إلى الرق ولو قال لعبده أنت حر على أن لا تشرب الخمر فهو حر شرب الخمر، أو لم يشرب ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو قال لعبده‏:‏ إن شئت فأنت حر بعد موتي فإن المشيئة له بعد موته وكذا إذا قال إذا جاء غد فأنت حر إن شئت كانت المشيئة إليه بعد طلوع الفجر من الغد وكذا إذا قال أنت حر غدا إن شئت كانت المشيئة في الغد ولو قال‏:‏ إن شئت فأنت حر غدا كانت المشيئة للحال في قول أبي يوسف ومحمد وظاهر الرواية عن أبي حنيفة كذا في الخانية‏.‏ وفي البدائع‏:‏ لو قال أنت حر غدا إن شئت فالمشيئة في الغد ولو قال‏:‏ أنت حر إن شئت غدا فالمشيئة إليه في الحال؛ لأن في الفصل الأول علق الإعتاق المضاف إلى الغد بالمشيئة فيقتضي المشيئة في الغد وفي الفصل الثاني أضاف الإعتاق المعلق بالمشيئة إلى الغد فيقتضي تقدم المشيئة على الغد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو حرره على خدمته سنة فقبل عتق وخدمه‏)‏ يعني من ساعته لأن الإعتاق على الشيء يشترط فيه وجود القبول في المجلس لا وجود المقبول كسائر العقود وعليه أن يخدمه المدة المعينة وهو المراد بالسنة سنة، أو أقل، أو أكثر، ونص الحاكم الشهيد أن الخدمة هي الخدمة المعروفة بين الناس قيد بالمدة؛ لأنه لو حرره على خدمته من غير مدة عتق وعليه أن يرد قيمة نفسه؛ لأن الخدمة مجهولة وكذا لو قال لجاريته‏:‏ أنت حرة على أن تخدمني فلانة فقبلت عتقت وردت قيمتها، وقال محمد‏:‏ ترد قيمة الخدمة شهرا كذا في الذخيرة ونقل في الظهيرية عن بعضهم أنها إن خدمته عمره، أو عمرها لا شيء عليها وإن أبت أن تخدمه عمره أو عمرها تسعى في قيمتها ا هـ‏.‏ وقد وقع الاستفتاء عما إذا حرره على خدمته مدة معينة وقبل العبد وعتق وكان له زوجة وأولاد فما حكم نفقته ونفقتهم إذا لم يكن له مال فإنه لا يتفرغ للاكتساب بسبب خدمة المولى هذه المدة فلم أر فيه نقلا وينبغي أن يشتغل بالاكتساب لأجل الإنفاق على نفسه وعياله إلى أن يستغني عن الاكتساب فيخدم المولى المدة المعينة؛ لأنه الآن معسر عن أداء البدل فصار كما إذا أعتقه على مال ولا قدرة له عليه فإنه يؤخر إلى الميسرة، قيد بكونه حرره على خدمته كأن قال له‏:‏ أعتقتك على أن تخدمني؛ لأنه لو قال إن خدمتني كذا مدة فأنت حر لا يعتق حتى يخدمه؛ لأنه معلق بشرط، والأول معاوضة ولم يصرحوا هنا بأنه يكون مأذونا؛ لأنه لا ضرورة إليه؛ إذ الخدمة لا تتوقف على اكتساب المال بخلاف إن أديت إلي ألفا فأنت حر كما قدمناه وفي الذخيرة لو قال اخدمني سنة وأنت حر عتق الساعة ولا شيء عليه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف‏:‏ لا يعتق إلا بالخدمة قبل أو لم يقبل، وفي الظهيرية لو قال لأمته عند وصيته‏:‏ إذا خدمت ابني وابنتي حتى يستغنيا فأنت حرة فإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يدركا فإن أدرك أحدهما دون الآخر تخدمهما جميعا وإن كانا مدركين تخدم البنت حتى تتزوج والابن حتى يحصل له ثمن جارية فإذا زوجت البنت وبقي الابن تخدمهما جميعا، وإن مات أحدهما وهما كبيران أو صغيران بطلت الوصية ا هـ‏.‏ وفي شرح النقاية في مسألة ‏"‏ إن خدمتني كذا ‏"‏‏:‏ لو خدمه أقل منها أو أعطاه مالا عن خدمته لا يعتق وكذا لو قال إن خدمتني وأولادي سنة فمات بعض الأولاد لا يعتق ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فلو مات تجب قيمته‏)‏ أي لو مات المولى أو العبد قبل الخدمة وجبت قيمة العبد عليه عندهما وقال محمد‏:‏ عليه قيمة الخدمة في المدة وقد قدمناه فيما إذا أعتقه على مال فاستحق وسووا بين موت المولى وموت العبد وقد طعن عيسى وقال‏:‏ هذا غلط فيما إذا مات المولى بل يخدم الورثة ما بقي منها؛ لأن الخدمة دين فيخلفه وارثه فيه بعد موته كما لو أعتقه على ألف درهم فاستوفى بعضها ومات ولكن في ظاهر الرواية لا فرق بينهما؛ لأن الخدمة عبارة عن المنفعة وهي لا تورث فلا يمكن إبقاء عين المنفعة بعد موت المولى، أو لأن الناس يتفاوتون فيها فإن خدمة الفقراء أسهل من غيرهم، وخدمة الشيخ ليست كخدمة الشاب - وقد تكون الورثة كثيرين -، وخدمة الواحد أسهل من خدمة الجماعة وقيدنا بموته قبل الخدمة؛ لأنه لو خدمه بعض المدة كسنة من أربع سنين، ثم مات فعلى قولهما عليه ثلاثة أرباع قيمته وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته ثلاث سنين كذا في شرح الطحاوي، وفي الحاوي القدسي‏:‏ وبقول محمد نأخذ ولم أر حكم ما إذا مرض العبد مرضا لا يمكن معه الخدمة وينبغي أن يكون كالموت‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو قال‏:‏ أعتقها بألف على أن تزوجنيها ففعل وأبت أن تتزوجه عتقت مجانا‏)‏ أي لو قال أجنبي لمالك جارية إلى آخره، وحاصله أمره المخاطب بإعتاق أمته وتزويجها منه على عوض معين مشروط على الأجنبي عن الأمة وعن مهرها فلما لم تتزوجه بطلت عنه حصة المهر عنها، وأما حصة العتق فباطلة أيضا؛ إذ لا يصح اشتراط بدل العتق على الأجنبي بخلاف الخلع؛ لأن الأجنبي فيه كالمرأة لم يحصل لها ملك ما لم تكن تملكه بخلاف العتق فإنه يثبت للعبد فيه قوة حكمية هي ملك البيع والشراء والإجارة والتزويج وغير ذلك ولا يجب العوض إلا على من حصل له المعوض فمعنى قوله مجانا أنها تعتق بغير شيء يلزمها أو يلزم الآمر أي لا يلزم أحدا شيء وأطلق فشمل ما إذا قال بألف علي، أو لم يقل علي وكان الأولى ذكرها كما في بعض نسخ الهداية ليفيد عدم الوجوب عند عدم ذكرها بالأولى وأفاد بقوله وأبت أن لها الامتناع من تزوجه؛ لأنها ملكت نفسها بالعتق وقيد بإبائها لأنها لو تزوجته قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها فما أصاب قيمتها سقط عنه لما ذكرناه وما أصاب مهرها وجب لها عليه فإن استويا بأن كان قيمتها مائة ومهرها مائة سقط عنه خمسمائة ووجب لها خمسمائة عليه‏.‏ وإن تفاوتا كأن كان قيمتها مائتين والمهر مائة سقط عنه ستمائة وستة وستون وثلثان ووجب لها ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث كذا في فتح القدير وبهذا علم أن المصنف لو حذف قوله وأبت لكان أولى؛ لأنها تعتق مجانا سواء أبت، أو تزوجته وأما وجوب المهر فشيء آخر وكذا قوله‏:‏ على أن تزوجنيها ليس بقيد؛ لأنها تعتق مجانا لو قال‏:‏ أعتقها بالألف علي ففعل لكن إنما ذكره ليفرع عليه المسألة الثانية، وفي المحيط لو قالت لعبدها‏:‏ أعتقتك على ألف على أن تتزوجني على عشرة فقبل ذلك ثم أبى أن يتزوجها فعليه الألف فإن كانت قيمته أكثر من الألف سعى في تمام القيمة لأنه لم يف، وإن قالت‏:‏ أعتقتك على أن تتزوجني وتمهرني ألفا فقبل، ثم أبى ذلك عتق وعليه أن يسعى في قيمته وإن تزوجها على مائة ورضيت بذلك فلا سعاية عليه؛ لأنه وفى لها بالتزوج وهي رضيت بدون ما شرطت عليه من المهر ولو دعاها العبد على أن يتزوجها على ألف فأبت المرأة فلا سعاية عليه؛ لأنه قد وفى لها بما شرطت عليه فجاء الامتناع من قبلها ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو زاد ‏"‏ عني ‏"‏ قسم الألف على قيمتها ومهر مثلها ويجب ما أصاب القيمة فقط‏)‏ أي لو قال أعتقها عني بألف درهم على أن تزوجنيها فأبت أن تتزوجه قسمت الألف على قيمتها وعلى مهر مثلها فما أصاب القيمة أداه الآمر للمأمور وما أصاب المهر سقط عنه؛ لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف في الأصول والفروع لكن ضم إلى رقبتها تزويجها وقابل المجموع بعوض هو ألف فانقسمت عليها بالحصة ومنافع البضع، وإن لم تكن مالا لكن أخذت حكم المال؛ لأنها متقومة حالة الدخول وإيراد العقد عليها ولم يبطل البيع باشتراط النكاح؛ لأنه مقتضي لصحة العتق فلا يراعى فيه شرائط البيع بل شرائط العتق وهو المقتضي - بالكسر - حتى يعتبر في الآمر أهلية الإعتاق بخلاف ما إذا قال أعتق عبدك عني بغير شيء فأعتقه حيث لا يسقط القبض عندهما خلافا لأبي يوسف وقد قدمناه قبيل نكاح الكافر، وفي الولوالجية رجل قال‏:‏ جاريتي هذه لك على أن تعتق عني عبدك فلانا فرضي بذلك ودفع الجارية إليه لا تكون له حتى يعتق عبده؛ لأنه طلب منه تمليك العبد يقتضي الإعتاق بتمليك الجارية فما لم يعتق لم يوجد تمليك العبد فلا يتملك الجارية ا هـ‏.‏ وقيد بإبائها في الثانية أيضا؛ لأنها لو تزوجته فما أصاب قيمتها فهو للمولى وما أصاب مهر مثلها كان مهرا لها وقيد المصنف باشتراط التزوج من الأجنبي لأنه لو أعتق أمته على أن زوجه نفسها فزوجته نفسها كان لها مهر مثلها عند أبي حنيفة ومحمد لأن العتق ليس بمال فلا يصلح مهرا وعند أبي يوسف يجوز جعل العتق صداقا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أعتق صفية ونكحها وجعل عتقها مهرها» قلنا كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالنكاح بغير مهر فإن أبت أن تتزوجه فعليها قيمتها في قولهم جميعا، وفي الخانية أم الولد إذا أعتقها مولاها على أن تزوج نفسها منه فقبلت عتقت فإن أبت أن تزوج نفسها منه لا سعاية عليها والله أعلم‏.‏