فصل: كتاب الأيمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الأيمان

مناسبتها للعتاق من حيث إن كلا منهما لا يؤثر فيه الهزل والإكراه كالطلاق وقدم العتاق عليه لقربه من الطلاق لاشتراكهما في الإسقاط‏.‏ والأيمان جمع يمين وهي في اللغة مشتركة بين الجارحة والقسم والقوة قالوا‏:‏ إنما سمي القسم يمينا لوجهين‏:‏ أحدهما أن اليمين هي القوة والحالف يتقوى بالقسم على الحمل أو المنع‏.‏ والثاني أنهم كانوا يتماسكون بأيديهم عند القسم فسميت بذلك وهذا يفيد أن لفظ اليمين لفظ منقول، ومفهومه - لغة - جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية فخرج بقيد ‏"‏ أولى ‏"‏ نحو زيد قائم زيد قائم فإن الأولى هي المؤكدة بالثانية من التوكيد اللفظي على عكس اليمين، وشمل الجملة الفعلية ك حلفت بالله لأفعلن، أو أحلف، والاسمية سواء كانت مقدمة الخبر كعلي عهد الله، أو مؤخرته نحو لعمرك لأفعلن، وأسماء هذا المعنى التوكيدي ستة‏:‏ الحلف والقسم والعهد والميثاق والإيلاء واليمين وخرج بقيد الإنشائية نحو تعليق الطلاق والعتاق فإن الأولى ليست إنشائية فليست التعاليق أيمانا حقيقة‏.‏ وأما مفهومه الاصطلاحي فجملة أولى إنشائية يقسم فيها باسم الله تعالى أو صفته يؤكد بها مضمون ثانية في نفس السامع ظاهرا، أو يحمل المتكلم على تحقيق معناها - فدخلت بقيد الظهور الغموس -، أو التزام مكروه كفر، أو زوال ملك على تقدير ليمنع عنه، أو محبوب ليحمل عليه فدخلت التعليقات مثل إن فعل فهو يهودي، وإن دخلت فأنت طالق بضم التاء لمنع نفسه وبكسرها لمنعها وإن بشرتني فأنت حر كذا في فتح القدير وعرفها في الكافي بأنها عبارة عن تحقيق ما قصده من البر في المستقبل نفيا، أو إثباتا وعرفها في التبيين بأنها عقد قوي به عزم الحالف على الفعل، أو الترك وفي شرح النقاية بأنها تقوي الخبر بذكر الله تعالى أو بالتعليق وظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا قال؛ لأن محمدا أطلق عليه يمينا، وقوله‏:‏ حجة في اللغة وذكر أن فائدة الاختلاف تظهر فيمن حلف لا يحلف، ثم حلف بالطلاق أو العتاق فعند العامة يحنث وعند أصحاب الظواهر لا يحنث‏.‏ وركنها اللفظ المستعمل فيها وشرطها العقل والبلوغ والإسلام ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها؛ لأن العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم كما صرحوا به وزاد في المحيط ثالثا‏:‏ وهو كون الخبر المضاف إليه اليمين محتملا للصدق والكذب متمثلا بين البر والهتك فيتحقق حكمه وهو وجوب البر ا هـ‏.‏ وهو صحيح لما سيأتي أن إمكان البر شرط لانعقادها عندهما خلافا لأبي يوسف كما في مسألة الكوز، وسببها الغائي تارة إيقاع صدقه في نفس السامع وتارة حمل نفسه أو غيره على الفعل، أو الترك وحكمها شيئان وجوب البر بتحقق الصدق في نفس اليمين والثاني وجوب الكفارة بالحنث كذا في المحيط وهو بيان لبعض أحكامها فإنه سيأتي أن البر يكون واجبا ومندوبا وحراما وأن الحنث يكون واجبا ومندوبا، وفي المحيط والأفضل في اليمين بالله تعالى تقليلها؛ لأن في تكثير اليمين المضافة إلى الماضي نسبة نفسه إلى الكذب، وفي تكثير اليمين المضافة إلى المستقبل تعريض اسم الله تعالى للهتك، واليمين بغيره تعالى مكروه عند البعض للحديث‏:‏ «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليذر» وقال بعضهم إذا أضيف إلى الماضي يكره، وإذا أضيف إلى المستقبل لا يكره وهو الأحسن لما روى «أنه عليه الصلاة والسلام لما لاعن بين العجلاني وبين امرأته قال العجلاني إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم» إلى آخره، وفي التبيين لا تكره عند العامة، وفي الولوالجية من أراد أن يحلف بالله تعالى فقال خصمه لا أريد الحلف بالله تعالى يخشى عليه الكفر ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فحلفه على ماض كذبا عمدا غموس‏)‏ بيان لأنواعها وهي ثلاثة كما في أكثر الكتب‏:‏ الأول الغموس وهو أن يحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه سميت غموسا؛ لأنها تغمس صاحبها في الذنب، ثم في النار وسيأتي حكمها أطلق في الماضي فشمل الفعل والترك كما صرح به صدر الشريعة وقال فإن قلت‏:‏ إذا قيل‏:‏ والله إن هذا حجر كيف يصح أن يقال‏:‏ إن هذا الحلف على الفعل قلت‏:‏ تقدر كلمة كان أو يكون إذا أريد في الزمن الماضي أو المستقبل، وقوله‏:‏ كذبا عمدا حالان من الضمير في حلفه بمعنى كاذبا متعمدا ويصح أن يكونا صفتين لمصدر محذوف أي حلفا، وفي المبسوط إن الغموس ليست بيمين حقيقة؛ لأنها كبيرة محضة، واليمين عقد مشروع، والكبيرة ضد المشروع ولكن سميت يمينا مجازا؛ لأن ارتكاب هذه الكبيرة بصورة اليمين كما سمي بيع الحر بيعا مجازا لوجود صورة البيع فيه ا هـ‏.‏ وقيد المصنف بالماضي في الغموس واللغو قالوا ويتأتيان أيضا في الحال ففي الغموس نحو والله ما لهذا علي دين وهو يعلم خلافه، و والله إنه زيد وهو يعلم أنه عمرو، وفي غاية البيان وما وقع من التقييد بالماضي فهو بناء على الغالب لأن الماضي شرط ا هـ‏.‏ وفي شرح الوقاية فإن قلت‏:‏ الحلف كما يكون على الماضي والآتي يكون على الحال فلم لم يذكره أيضا وهو من أقسام الحلف قلت‏:‏ إنما لم يذكره لمعنى دقيق وهو أن الكلام يحصل أولا في النفس فيعبر عنه باللسان فالإخبار المعلق بزمان الحال إذا حصل في النفس فعبر عنه باللسان فإذا تم التعبير باللسان انعقد اليمين فزمان الحال صار ماضيا بالنسبة إلى زمان انعقاد اليمين فإذا قال كتبت لا بد من الكتابة قبل ابتداء التكلم وأما إذا قال سوف أكتب فلا بد من الكتابة بعد الفراغ من التكلم يعني ابتداء الزمان الذي من ابتداء التكلم إلى آخره فهو زمان الحال بحسب العرف وهو ماض بالنسبة إلى آن الفراغ وهو آن انعقاد اليمين فيكون الحلف عليه الحلف على الماضي ا هـ‏.‏ وإنما لم يقل المصنف الأيمان ثلاثة كما قال غيره؛ لأنها لا تنحصر في الثلاثة؛ لأن اليمين على الفعل الماضي - صادقا - ليس منها، وجواب صدر الشريعة بأن المراد حصر الأيمان التي يترتب عليها الأحكام ليس بدافع؛ لأن هذه اليمين كاللغو لا إثم فيها فكان لها حكم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وظنا لغو‏)‏ أي حلفه على ماض يظن أنه كما قال - والأمر بخلافه - لغو فقوله ظنا معطوف على كذبا سميت به؛ لأنه لا اعتبار بها، واللغو اسم لما لا يفيد يقال لغا إذا أتى بشيء لا فائدة فيه، وفي المغرب اللغو الباطل من الكلام ومنه اللغو في الأيمان لما لا يعقد عليه القلب وقد لغا في الكلام يلغو ويلغي ولغا يلغي ومنه قوله‏:‏ فقد لغوت وقد اختلف في تفسيره شرعا فذكر المصنف تبعا للهداية وكثير أنها الحلف على ماض يظن أنه كما قال من فعل، أو ترك، أو صفة والأمر بضده كقوله والله لقد دخلت الدار والله ما كلمت زيدا أو رأى طائرا من بعيد فظنه غرابا فقال والله إنه غراب، أو قال إنه زيد وهو يظنه كذلك والأمر بخلافه في الكل ومن الصفات ما في الخلاصة رجل حلفه السلطان أنه لم يعلم بأمر كذا فحلف، ثم تذكر أنه كان يعلم أرجو أن لا يحنث ا هـ‏.‏ وقدمنا أنها تكون في الحال أيضا ومثله في المجتبى بقوله والله إن المقبل زيد يظنه زيدا فإذا هو عمرو، وفي البدائع قال أصحابنا‏:‏ هي اليمين الكاذبة خطأ، أو غلطا في الماضي، أو في الحال وهو أن يخبر عن الماضي، أو عن الحال على ظن أن المخبر به كما أخبر وهو بخلافه في النفي، أو في الإثبات وهكذا روى ابن رستم عن محمد أنه قال‏:‏ اللغو أن يحلف الرجل على الشيء وهو يرى أنه حق وليس بحق وقال الشافعي يمين اللغو هي اليمين التي لا يقصدها الحالف وهو ما يجري على ألسن الناس في كلماتهم من غير قصد اليمين من قولهم‏:‏ لا والله وبلى والله سواء كان في الماضي، أو في الحال، أو المستقبل، وأما عندنا فلا لغو في المستقبل بل اليمين على أمر في المستقبل يمين معقودة وفيها الكفارة إذا حنث قصد اليمين، أو لم يقصد‏.‏ وإنما اللغو في الماضي والحال فقط وما ذكر محمد على إثر حكايته عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس من قولهم لا والله وبلى والله فذلك محمول عندنا على الماضي، أو الحال وعندنا ذلك لغو فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين لا يقصدها الحالف في المستقبل فعندنا ليست بلغو وفيها الكفارة وعنده هي لغو ولا كفارة فيها ا هـ‏.‏ وهو أعم مما في المختصر باعتبار أن اليمين التي لا يقصدها الحالف في الماضي، أو الحال جعلها لغوا وعلى تفسير المصنف لا تكون لغوا؛ لأن الحلف على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد لا أن يقال إنه يكون لغوا بالأولى فلا مخالفة فالحاصل أن تفسيرنا اللغو أعم من تفسير الشافعي وأنا نقول بقول الشافعي إلا في المستقبل وذكر الإمام السرخسي في أصوله قال علماؤنا‏:‏ اللغو ما يكون خاليا عن فائدة اليمين شرعا ووضعا فإن فائدة اليمين إظهار الصدق من الخبر فإن أضيف إلى خبر ليس فيه احتمال الصدق كان خاليا عن فائدة اليمين فكان لغوا وقال الشافعي‏:‏ ما يجري على اللسان من غير قصد، ولا خلاف في جواز إطلاق اللفظ على كل واحد منهما ولكن ما قلناه أحق واستدل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه‏}‏ الآية ومعلوم أن مراد المشركين التعنت أي لم تقدروا على المغالبة بالحجة فاشتغلوا بما هو خال عن الفائدة من الكلام ليحصل مقصودكم بطريق المغالبة دون المحاجة ولم يكن مقصودهم التكلم بغير قصد قال صاحب التقويم‏:‏ ولم يرد تكلموا من غير قصد فإن الأمر به لا يستقيم ا هـ‏.‏ وفي المحيط‏:‏ والصحيح قولنا لأن اللغو من الكلام ما ليس بصواب ولا حسن فإن اللغو من الكلام القبيح الفاحش منه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما‏}‏ أي كلاما قبيحا فاللغو هو الكلام القبيح الفاحش والخطأ الذي هو ضد العمد ليس بقبيح فاحش فلا يكون لغوا فأما ما ذكرنا فهو كلام قبيح فاحش فإنه كذب والكذب قبيح؛ لأنه محظور، وأما الخطأ فليس بمحظور ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة والخانية واللغو لا يؤاخذ به صاحبه إلا في الطلاق والعتاق والنذر، وفي فتاوى محمد بن الوليد لو قال إن لم يكن هنا فلان فعلي حجة ولم يكن وكان لا يشك أنه فلان لزمه ذلك ا هـ‏.‏ فقد علمت أن اليمين بالطلاق على غالب الظن إذا تبين خلافه موجب لوقوع الطلاق وقد اشتهر عن الشافعية خلافه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأثم في الأولى دون الثانية‏)‏ أي أثم إثما عظيما كما في الحاوي القدسي في اليمين الأولى وهي يمين الغموس دون اليمين الثانية وهي يمين اللغو والإثم في اللغة الذنب وقد سمي الخمر إثما، وفي الاصطلاح عند أهل السنة استحقاق العقوبة وعند المعتزلة لزوم العقوبة بناء على جواز العفو وعدمه كما أشار إليه الأكمل في تقريره في بحث الحقيقة في بحث «إنما الأعمال بالنيات»، وإنما أثم في الأولى لحديث ابن حبان مرفوعا‏:‏ «من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار» وفي الصحيحين‏:‏ «لقي الله وهو عليه غضبان»، وفي سنن أبي داود قال قال النبي عليه السلام‏:‏ «من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ مقعده من النار»‏.‏ والمراد بالمصبورة الملزمة بالقضاء أي المحبوس عليها؛ لأنها مصبور عليها كذا في فتح القدير، والأولى الاستدلال بحديث البخاري عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس» فإنه أعم من أن يقتطع بها مال امرئ مسلم، أو لا وقد صرح في غاية البيان وغيرها بأن اليمين الغموس كبيرة وهو أعم كما ذكرنا وينبغي أن تكون كبيرة إذا اقتطع بها مال امرئ مسلم، أو أذاه وتكون صغيرة إذا لم يترتب عليها مفسدة، وإنما لم يأثم في الثانية لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم‏}‏ ولهذا جزم المصنف بعدم الإثم في اللغو لكن الإمام محمد بن الحسن لم يجزم به وإنما علقه بالرجاء فقال الأيمان ثلاثة يمين مكفرة ويمين غير مكفرة ويمين نرجو أن لا يؤاخذ بها الله تعالى صاحبها فاعترض عليه بأنه كيف يعلقه بالرجاء مع أنه مقطوع به فاختلف المشايخ في الجواب عنه ففي الهداية إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره ا هـ‏.‏ وتعقبه في فتح القدير بأن الأصح أن اللغو بالتفسيرين الأولين وكذا بالثالث متفق على عدم المؤاخذة في الآخرة وكذا بالدنيا بالكفارة فلم يتم العذر عن التعليق بالرجاء فالأوجه ما قيل إنه لم يرد به التعليق بل التبرك باسم الله تعالى والتأدب فهو كقوله عليه السلام لأهل المقابر «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» وأما بالتفسير الرابع فغير مشهور وكونه لغوا هو اختيار سعيد ا هـ‏.‏ وأراد بالتفسيرين الأولين تفسيرنا وتفسير الشافعي وبالثالث ما عن الشعبي ومسروق لغو اليمين أن يحلف على معصية فينزل لاغيا بيمينه وبالرابع قول سعيد أن يحرم على نفسه ما أحل الله من قول أو عمل‏.‏ والحاصل أن الأولى الجزم كما فعل المصنف لقطعية الدليل كالجزم في نظائره مما في معناه اختلاف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعلى آت منعقدة وفيها كفارة فقط‏)‏ أي حلفه على آت تسمى منعقدة نفيا كان أو إثباتا وحكمها وجوب الكفارة إذا حنث لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته‏}‏ الآية والمراد منها اليمين في المستقبل بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واحفظوا أيمانكم‏}‏ ولا يتصور الحفظ عن الحنث والهتك إلا في المستقبل وقد اعترض في التبيين على المصنف بأنه لا معنى لقوله فقط لأن في اليمين المنعقدة إثما أيضا، ولفظ الكفارة ينبئ عنه؛ لأن معناها الستارة وهي لا تجب إلا لرفع المأثم ا هـ‏.‏ وهو مردود من وجهين أحدهما أن معنى قوله فقط أنه لا كفارة في غيرها من الغموس بيانا لذلك خلافا للشافعي فإنه أوجب الكفارة في الغموس كالمنعقدة لأنها شرعت لدفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة ولنا أنها كبيرة محضة، والكفارة عبادة حتى تتأدى بالصوم ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة فإنها مباحة ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ وما في الغموس ملازم فيمتنع الإلحاق كذا في الهداية‏.‏ وذكر في فتح القدير أن المعقودة عند الشافعي ليست سوى المكسوبة بالقلب، وكون الغموس قارنها الحنث لا ينفي الانعقاد عنده وكونها لا تسمى يمينا؛ لأنها لم تنعقد للبر بعيد؛ إذ لا شك في تسميتها يمينا لغة وعرفا وشرعا بحيث لا يقبل التشكيك فليس الوجه إلا ما قدمناه من أن شرعية الكفارة لدفع ذنب أصغر لا يستلزم شرعها لدفع ذنب أكبر وإذا أدخلها في مسمى المنعقدة وجعل المنعقدة تنقسم إلى غموس وغيرها عسر النظر معه إلا أن يكون لغة، أو سمعا وقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن النبي عليه السلام في حديث مطول قال فيه‏:‏ «خمس ليس فيهن كفارة الشرك بالله وقتل النفس بغير حق ونهب المؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مال مسلم بغير حق» وكل من قال لا كفارة في الغموس لم يفصل بين اليمين المصبورة على مال وغيرها ا هـ‏.‏ ثانيهما‏:‏ أن الإثم ليس لازما للمنعقدة بل قد يكون الحنث واجبا وقد يكون مستحبا فلم يصح إطلاقه كما لا يخفى والعجب منه أنه بعد يسير ناقض نفسه بأن قال لو فعله الحالف وهو مغمى عليه، أو مجنون فإنه يحنث لتحقق الشرط حقيقة ولو كانت الحكمة رفع الذنب فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب كما أدير الحكم على السفر لا على حقيقة المشقة ا هـ‏.‏ فقد علم أنه لا يلزم في الكفارة أن تكون ستارة للذنب بل تجب ولا ذنب أصلا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو مكرها، أو ناسيا‏)‏ أي في المنعقدة كفارة إذا حنث ولو كان حلف مكرها، أو ناسيا لقوله عليه السلام‏:‏ «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين» كذا استدل مشايخنا وتعقبهم في فتح القدير بأنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل؛ لأن المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد لليمين غير راض بحكمه فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرة السبب مختارا والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم يدر ما صنع وكذا المخطئ لم يقصد قط التلفظ به بل بشيء آخر فلا يكون الوارد في الهازل واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا، وإذا كان اللغو بتفسيرهم وهو أن يقصد اليمين مع ظن البر ليس لها حكم اليمين فما لم يقصده أصلا بل هو كالنائم يجري على لسانه طلاق أو إعتاق لا حكم له أولى أن لا يكون له حكم اليمين وأيضا فتفسير اللغو المذكور في حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله، وإن لم يكن هو نفس التفسير الذي فسروا به الناسي فإن المتكلم كذلك في بيته لا يقصد التكلم به بل يجري على لسانه بحكم العادة غير مراد لفظه ولا معناه كان أقرب إليه من الهازل، فحمل الناسي على اللاغي بالتفسير المذكور أولى من حمله على الهازل وهو الذي أدينه وتقدم لنا مثله في الطلاق غافلا ا هـ‏.‏ وفي التبيين والمراد بالناسي المخطئ كما إذا أراد أن يقول اسقني الماء فقال والله لا أشرب الماء وذكر في الكافي أنه المذهول عن التلفظ به بأن قيل له‏:‏ ألا تأتينا فقال‏:‏ بلى والله غير قاصد لليمين، وإنما ألجأنا إلى هذا التأويل؛ لأن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور ا هـ‏.‏ وذكر الشمني أن حقيقته متصورة بأن حلف أن لا يحلف فنسي فحلف ا هـ‏.‏ وهو مردود لأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا إن حلفه كان ناسيا وفي فتح القدير والناسي هو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه ثم تذكر أنه تلفظ به، وفي بعض النسخ الخاطئ وهو من أراد أن يتكلم بكلام غير الحلف فجرى على لسانه الحلف ا هـ‏.‏ وهو الظاهر كما لا يخفى، وفي الخانية رجل حلف أن لا يفعل كذا فنسي أنه كيف حلف بالطلاق، أو بالصوم قالوا لا شيء عليه إلا أن يتذكر ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو حنث كذلك‏)‏ أي مكرها، أو ناسيا؛ لأن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه أو النسيان وهو الشرط وكذا إذا فعله وهو مغمى عليه، أو مجنون لتحقق الشرط حقيقة ولو كان الحكمة رفع الذنب فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب كذا في الهداية ومراده من الشرط السبب؛ لأن الحنث عندنا سبب لوجوب الكفارة لا شرط كما سيأتي كذا في فتح القدير وقد يقال إن فعل المحلوف عليه شرط في الحنث، والحنث سبب للكفارة إلا أن يقال إن الحنث هو عين فعل المحلوف عليه فحينئذ يحتاج إلى التأويل‏.‏ قيد بالحنث؛ لأنه لو لم يحنث كما لو حلف أن لا يشرب فأوجر، أو صب في حلقه الماء مكرها فإنه لا اعتبار به وقيده قاضي خان بأن يدخل في جوفه بغير صنعه فلو صب في فيه وهو مكره فأمسكه، ثم شربه بعد ذلك حنث ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ واليمين بالله تعالى والرحمن والرحيم وجلاله وكبريائه وأقسم وأحلف وأشهد، وإن لم يقل بالله ولعمر الله وايم الله وعهد الله وميثاقه وعلي نذر ونذر الله، وإن فعل كذا فهو كافر‏)‏ بيان لألفاظ اليمين المنعقدة فقوله‏:‏ بالله والرحمن والرحيم بيان للحلف باسم من أسمائه تعالى؛ لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى فصلح ذكره حاملا أو مانعا، وفي المجتبى لو قال والله بغيرها كعادة الشطار فيمين قلت‏:‏ فعل هذا ما يستعمله الأتراك بالله بغير هاء فيمين أيضا ا هـ‏.‏ بلفظه وأفاد بعطف الرحمن على الله أن المراد بالله اللفظ وقيد به احترازا عن بسم الله فإنه ليس بيمين إلا أن ينويه، وفي المنتقى رواية ابن رستم عن محمد أنه يمين مطلقا فليتأمل عند الفتوى ولو قال وبسم الله يكون يمينا كذا في الخلاصة، وفي فتح القدير قال بسم الله لأفعلن المختار أنه ليس بيمين لعدم التعارف وعلى هذا بالواو إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون واسم الله ا هـ‏.‏ والظاهر أن بسم الله يمين كما جزم به في البدائع معللا بأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله ا هـ‏.‏ والعرف لا اعتبار به في الأسماء كما قدمناه وذكر الولوالجي‏:‏ رجل قال لآخر‏:‏ الله لا تفعلن كذا، أو قال‏:‏ والله لتفعلن كذا وقال الآخر‏:‏ نعم إن أراد المبتدئ أن يحلف وأراد المجيب الحلف يكون كل منهما حالفا لأن قوله نعم جواب والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فيصير كأنه قال‏:‏ نعم والله لأفعلن، وإن أراد المبتدئ الاستحلاف وأراد المجيب الوعد ليس على كل واحد منهما شيء؛ لأن كل واحد منهما نوى ما يحتمله، وإن أراد المبتدئ الاستحلاف وأراد المجيب الحلف فالمجيب الحالف والمبتدئ لا؛ لأن كل واحد منهما نوى ما يحتمله، وإن لم ينو واحد منهما شيئا ففي قوله الله‏:‏ الحالف هو المجيب، وفي قوله والله‏:‏ الحالف هو المبتدئ ا هـ‏.‏ وأفاد بإطلاقه في اليمين بالله تعالى أنه لا يتوقف على النية ولا على العرف بل هو يمين تعارفوه أولا وهو الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح كما في الذخيرة وغيرها إذ لا اعتبار بالعرف عند قيام دلالة النص كذا في المحيط وبه اندفع ما في الولوالجية من أنه لو قال‏:‏ والرحمن لا أفعل كذا إن أراد به السورة لا يكون يمينا لأنه يصير كأنه قال والقرآن، وإن أراد به الله تعالى يكون يمينا ا هـ‏.‏ فإن هذا التفصيل في الرحمن قول بشر المريسي كما في الذخيرة‏.‏ والمذهب أنه يمين من غير نية ومثل الحلف بالله الحلف بالذي لا إله إلا هو ورب السموات والأرض ورب العالمين ومالك يوم الدين والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء كما في فتح القدير وأفاد بعطف الرحيم على الرحمن أنه لا فرق في أسمائه بين أن تكون خاصة، أو مشتركة كالحكيم والعليم والقدير والعزيز فالصحيح أنه لا يتوقف على النية خلافا لبعض المشايخ فيما كان مشتركا؛ لأنه لما كان مستعملا لله تعالى ولغيره لا تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية ورجحه في غاية البيان وهو خلاف المذهب؛ لأن هذه الأسماء، وإن كانت تطلق على الخلق لكن تعين الخالق مرادا بدلالة القسم إذ القسم بغير الله لا يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله حملا لكلامه على الصحة إلا أن ينوي به غير الله فلا يكون يمينا؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيصدق في أمر بينه وبين الله تعالى كذا في البدائع، وفي الذخيرة والولوالجية لو قال‏:‏ والطالب والغالب لا أفعل كذا فهو يمين وهو متعارف أهل بغداد ا هـ‏.‏ وهذا لا يدل على أن كونه يمينا موقوف على التعارف، وإنما بعدما حكم بكونها يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها وبذلك اندفع ما في فتح القدير من أنه يلزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء من الكتاب والسنة فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والله غالب على أمره‏}‏ وأما كونه بناء على القول المفصل في الأسماء ا هـ‏.‏ وأفاد بقوله وجلاله وكبريائه أن الحلف يكون بصفة من صفاته تعالى؛ لأن معنى اليمين وهو القوة حاصل لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى وصفاته ولم يقيد المصنف الحلف بالصفات بالعرف ولا بد منه قال في المحيط‏:‏ وأما الحلف بصفات الله تعالى فقد اختلفت عبارات مشايخنا في ذلك قال عامة مشايخنا‏:‏ من حلف بصفة من صفات الله تعالى صفة ذات، أو صفة فعل ينظر إن تعارف الناس الحلف به يكون يمينا، وإلا فلا لأن صفات الله في الحرمة كذاته تعالى فإنها ليست بأغيار الله بل صفات الله تعالى لا هو ولا غيره لأنها ليست بحادثة في ذاته خلافا لما تقوله الكرامية - هداهم الله -‏:‏ إن لله تعالى صفات حادثة وذاته محل الحوادث وخلافا لما تقوله المعتزلة لعنهم الله إنه ليس لله صفات وعند أهل السنة كثرهم الله صفة ذاته كونه سميعا بصيرا حيا عليما قديرا وهو بجميع صفاته قديم، والقديم لا يجوز أن يكون محل الحوادث وقال مشايخ العراق‏:‏ إن حلف بصفة من صفات الذات يكون يمينا إلا العلم لما تبين، وإن حلف بصفة من صفات الفعل لا يكون يمينا والفاصل بينهما أن كل صفة يوصف بها وبضدها كالرحمة والرأفة والسخط والغضب فهي من صفات الفعل، وكل صفة يوصف بها ولا يوصف بضدها كالقدرة والعزة والعظمة فهي من صفات الذات فألحقوا صفات الذات بالاسم ولم يلحقوا صفات الفعل بالاسم وعلى هذا تخرج المسائل ا هـ‏.‏ وظاهره أن الكرامية مؤمنون والمعتزلة كافرون لدعائه للأولين بالهداية وعلى المعتزلة باللعن، وفي فتح القدير‏:‏ المراد بالصفة اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة بخلاف نحو العظيم وفي التبيين‏:‏ والصحيح عدم الفرق؛ لأن صفات الله كلها صفات ذات وكلها قديمة فلا يستقيم الفرق، والأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ا هـ‏.‏ وفي المسايرة للمحقق ابن الهمام‏:‏ اختلف مشايخ الحنفية والأشاعرة في صفات الأفعال والمراد صفات تدل على تأثير لها أسماء غير اسم القدرة يجمعها اسم التكوين فإن كان ذلك الأثر مخلوقا فالاسم الخالق والصفة الخلق، أو رزقا فالاسم الرازق والصفة الترزيق، أو حياة فهو المحيي، أو موتا فهو المميت فادعى متأخرو الحنفية من عهد أبي منصور أنها صفات قديمة زائدة على الصفات المتقدمة وليس في كلام أبي حنيفة والمتقدمين تصريح بذلك سوى ما أخذوه من قوله كان تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وذكروا له أوجها من الاستدلال، والأشاعرة يقولون ليست صفة التكوين على فصولها سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بتعلق خاص فالتخليق هو القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق والترزيق تعلقها بإيصال الرزق إلى آخر ما ذكره فيها‏.‏ وأما كونه حالفا بقوله أقسم، أو أحلف، أو أشهد، وإن لم يقل بالله فلأن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف وهذه الصيغة للحال حقيقة وتستعمل للاستقبال بقرينة فجعل حالفا للحال والشهادة يمين قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قالوا نشهد إنك لرسول الله‏}‏ ثم قال ‏{‏اتخذوا أيمانهم جنة‏}‏ والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور فيصرف إليه وأشار إلى أنه لو قال‏:‏ حلفت، أو أقسمت، أو شهدت بالله، أو لم يقل بالله فإنه يمين بالأولى وأطلق في كونه يمينا بلفظ المضارع فأفاد أنه لا يتوقف على النية كما في غاية البيان وذكر في الهداية خلافا فيه وصحح في التبيين أنه يكون يمينا بلا نية وأراد المصنف بهذه الألفاظ أن كلا منها يصلح أن يكون قسما فإن ذكر المقسم عليه انعقدت اليمين فيحنث إذا نقضها فتجب عليه الكفارة، وإلا فلا وقد ذكر محمد هذه الألفاظ كلها في الأصل، ثم قال بعدها فهذه كلها أيمان فإذا حلف بشيء منها ليفعلن كذا وكذا فحنث وجبت عليه الكفارة ا هـ‏.‏ وفي المجتبى أشهد ليس بيمين ما لم يعلقه بالشرط، وقوله ‏"‏ علي نذر ‏"‏ يمين، وإن سكت وفي المنتقى وجامع الكرخي ما يشبه خلاف مسألة النذر قلت‏:‏ فعلم بهذا أن هذه الألفاظ لا تكون يمينا ما لم يعلق بشيء ا هـ‏.‏ فظهر بهذا أن ما في النهاية من أن قوله أقسم، أو أشهد، أو علي يمين تنعقد يمينا سواء ذكر المقسم عليه، أو لا مستدلا بما ذكر في الذخيرة أن قوله علي يمين موجب للكفارة فهو سهو كما في غاية البيان وتوهم وخبط كما في فتح القدير، بل لا بد من ذكر المقسم عليه‏.‏ وإنما ترك ذكره في بعض المواضع للعلم به وهو مراد صاحب الذخيرة وتحقيقه أن الكفارة إنما تجب لستر الذنب في نقض اليمين المنعقدة فعلى أي شيء انعقدت اليمين حتى يتصور نقض اليمين فتجب الكفارة وأيضا قوله‏:‏ علي يمين فيه احتمال؛ لأنه يصح عليه أن يكون يمين الغموس أو اليمين المنعقدة، والكفارة لا تثبت بالاحتمال؛ لأنها دائرة بين العبادة والعقوبة، والعقوبات تندرئ بالشبهات وذلك أنه ليس في الغموس كفارة وكذا في المنعقدة عند قيام البر فكيف تتصور الكفارة وأيضا لو وجبت الكفارة بمجرد قوله علي يمين يلزم تقديم المسبب على السبب، وهو فاسد لأن سبب الكفارة الحنث ولم يوجد لعدم انعقاد اليمين على شيء إلى آخر ما في غاية البيان إلا أنه في فتح القدير قال‏:‏ والحق أن قوله علي يمين إذا لم يزد عليه على وجه الإنشاء لا الإخبار يوجب الكفارة بناء على أنه التزام الكفارة بهذه العبارة ابتداء كما يأتي في قوله علي نذر إذا لم يزد عليه فإنه مثله من صيغ النذر ولو لم يكن كذلك لغا بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء ا هـ‏.‏ وفي المجتبى أشهد بفتح الهمزة والهاء، وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ، ثم قال‏:‏ قال‏:‏ علي يمين - يريد به الإيجاب - لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشيء ا هـ‏.‏ وبه ندفع ما في فتح القدير‏.‏ وقيد بقوله أشهد لأنه لو قال اللهم إني عبدك أشهدك وأشهد ملائكتك أني لا أدخل دار فلان فليس بيمين؛ لأن الناس لم يتعارفوا الحلف بهذا بخلاف قوله أشهد، أو أشهد بالله لأن ذلك يمينا عرفا كذا في المحيط‏:‏ وأعزم ك أشهد كما في البدائع ومعناه أوجب فكان إخبارا عن الإيجاب في الحال وهذا معنى اليمين وكذا لو قال‏:‏ عزمت لا أفعل كذا كان حالفا وكذا آليت لا أفعل كذا؛ لأن الألية هي اليمين ا هـ‏.‏ وأما كونه حالفا بقوله لعمر الله فلأن عمر الله بقاؤه فكان صفة له؛ لأنه من صفة الذات؛ لأنه يوصف به لا بغيره فكأنه قال وبقاء الله كقدرته وكبريائه ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون‏}‏ هو بالضم والفتح إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم، وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف والخبر قسمي، أو يميني كذا في المغرب ولا تلحق المفتوحة الواو في الخط بخلاف عمرو العلم فإنها ألحقت للتفرقة بينه وبين عمر، وقيد بكون اللام في أوله؛ لأنه لو لم تدخله اللام فإن القسم فيه محذوف ويكون منصوبا نصب المصادر فتقول‏:‏ عمر الله ما فعلت كما في الله لأفعلن، وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء وينبغي أن لا ينعقد يمينا لأنه حلف بفعل المخاطب وهو إقراره واعتقاده كما في فتح القدير‏.‏ وأما ايم الله فمعناه أيمن الله، وهو جمع يمين على قول الأكثر فخفف بالحذف حتى صار ايم الله ثم خففت أيضا فقيل‏:‏ م الله لأفعلن كذا فتكون ميما واحدة وبهذا نفى سيبويه أن يكون جمعا؛ لأن الجمع لا يبقى على حرف واحد ويقال‏:‏ من الله بضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما، وهمزة أيمن بالقطع، وإنما وصلت في الوصل تخفيفا لكثرة الاستعمال ومذهب سيبويه أنها همزة وصل اجتلبت ليمكن بها النطق كهمزة ابن وامرئ من الأسماء الساكنة الأوائل، وإنما كان يمينا لحديث البخاري‏:‏ «وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة» كما في فتح القدير وأشار المصنف إلى أنه لو قال‏:‏ يمين الله لا أفعلن كذا فهو يمين صرح به في المجتبى، وأما كونه حالفا بعهد الله وميثاقه فلأن العهد في الأصل هي المواعدة التي تكون بين اثنين لوثوق أحدهما على الآخر وهو الميثاق وقد استعمل في اليمين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم‏}‏ الآية فقد جعل العهد في القرآن يمينا كما ترى والميثاق في معناه وكذا الحلف بالذمة ولذا يسمى الذمي معاهدا وأطلقه فشمل ما إذا لم ينو لغلبة الاستعمال للعهد والميثاق في معنى اليمين فينصرفان إليه إلا إذا قصد غير اليمين فيدين، وفي الذخيرة لو قال‏:‏ إن فعلت كذا فعلي يمين إن شاء فلان ففعل ذلك الفعل وشاء فلان لزمه كما قال‏.‏ وأما كونه حالفا بقوله‏:‏ علي نذر ونذر الله فيشترط أن يذكر المحلوف عليه لكونها يمينا منعقدة نحو أن يقول‏:‏ علي نذر الله لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا حتى إذا لم يف بما حلف عليه لزمته كفارة اليمين وأما إذا لم يسم شيئا بأن قال‏:‏ علي نذر الله فإنه لا يكون يمينا؛ لأن اليمين إنما تتحقق لمحلوف عليه ولكن تلزمه الكفارة فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة كذا في فتح القدير وهذا كله إذا لم ينو بهذا النذر المطلق شيئا من القرب كحج، أو صوم فإن كان نوى بقوله ‏"‏ علي نذر إن فعلت كذا ‏"‏ قربة مقصودة يصح النذر بها ففعل لزمته تلك القربة لما ذكره الحاكم بقوله فإن حلف بالنذر فإن نوى شيئا من حج أو عمرة فعليه ما نوى، وإن لم يكن له نية فعليه كفارة اليمين ا هـ‏.‏ فيحمل الحديث‏:‏ «من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين» على ما إذا لم تكن له نية وقيد بلفظ النذر احترازا عن صيغة النذر كأن يقول‏:‏ لله علي كذا صلاة ركعتين، أو صوم يومين مطلقا عن الشرط، أو معلقا به كما سيأتي الكلام عليه قريبا وقد خلط الزيلعي مسألة لفظ النذر بصيغة النذر وبينهما فرق تطلع عليه إن شاء الله في الولوالجية وغيرها لو قال‏:‏ لله علي أن لا أكلم فلانا أنها ليست بيمين إلا أن ينوي؛ لأن الصيغة للنذر مع احتمال معنى اليمين ا هـ‏.‏ وأما مسألة الحلف بالتعليق بالكفر فلأنه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد اعتقده واجب الامتناع وقد أمكن القول بوجوبه لغيره بجعله يمينا كما نقول في تحريم الحلال ولا فرق بين أن يعلقه بالكفر، أو بالتهود، أو التنصر أو قال هو بريء من الإسلام أو من القرآن، أو القبلة، أو صوم رمضان، أو أنا بريء مما في المصحف، أو أعبد من دون الله أو أعبد الصليب كما في المجتبى والمحيط، أو يعقد الزنا على نفسه كما يعقد النصارى كما في الظهيرية ولو قال‏:‏ أنا بريء من كل آية في المصحف فهو يمين واحدة ولو رفع كتابا فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم فقال‏:‏ إنا بريء مما فيه إن فعلت كذا فهو يمين ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا بريء من حجتي التي حججت ومن الصلاة التي صليت فليس بيمين بخلاف قوله أنا بريء من القرآن الذي تعلمته؛ لأنه في الأول تبرأ عن الفعل الذي فعل لا عن الحجة المشروعة وفي الثاني تبرأ عن القرآن الذي تعلمه والقرآن قرآن، وإن تعلمه فيكون التبري عنه كفرا‏.‏ ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا بريء من شهر رمضان فإذا أراد البراءة عن فرضه فهو يمين كما إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا بريء من الإيمان، وإن أراد البراءة عن أجرها لا يكون يمينا؛ لأنه شيء غيب، وإن لم يكن له نية لا يكون يمينا في الحكم كذا في المحيط، وفي المجتبى لو قال صلاتي وصيامي لهذا الكافر إن فعلت كذا فليس بيمين، وفي الولوالجية‏:‏ لو قال‏:‏ إن فعلت كذا فاشهدوا علي بالنصرانية فعليه كفارة يمين؛ لأنه بمنزلة إن فعلت كذا فأنا نصراني ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا بريء من الكتب الأربعة فعليه كفارة واحدة؛ لأنها يمين واحدة ولو قال‏:‏ أنا بريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور وبريء من الفرقان فعليه أربع كفارات؛ لأنها أربعة أيمان ولو قال‏:‏ أنا بريء من الله ورسوله فعليه كفارة واحدة إن حنث؛ لأنها يمين واحدة ولو قال‏:‏ أنا بريء من الله وبريء من رسوله فعليه كفارتان إن حنث؛ لأنهما يمينان ا هـ‏.‏ ثم قال‏:‏ ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا بريء من الله ورسوله، والله ورسوله بريئان منه ففعل فعليه أربع كفارات؛ لأنها أربعة أيمان ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكونا يمينين؛ الأولى أنا بريء من الله ورسوله كما تقدم، والثانية والله ورسوله بريئان منه لأن لفظ البراءة مذكور مرتين إلا أن يقال‏:‏ إنها في الثانية مذكورة مرتين بسبب التثنية فيكون عليه ثلاث كفارات، وأما الأربع فلم يظهر لي وجهها، ثم رأيت بعد ذلك المسألة في الظهيرية مصورة بتكرار لفظ البراءة بقوله إن فعل كذا فهو بريء من الله وبريء من رسوله والله ورسوله بريئان منه فتعين أن يكون ما في الولوالجية كذلك والحذف من الكاتب ثم قال في الظهيرية‏.‏ والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى تعددت صيغة البراءة تعددت الكفارة، وإذا اتحدت اتحدت وصحح في المجتبى والذخيرة أنهما يمينان قال‏:‏ ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فأنا بريء من الله ألف مرة ففعل لزمته كفارة واحدة ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية أيضا ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فلا إله في السماء يكون يمينا ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فهو بريء من المؤمنين قالوا يكون يمينا لأن البراءة من المؤمنين تكون لإنكار الإيمان ا هـ‏.‏ وينبغي أن الحالف إذا قصد نفي المكان عن الله أنه لا يكون يمينا لأنه حينئذ ليس بكفر بل هو الإيمان، وفي الذخيرة قال هو يمين ولا يكفر وفيها لو قال إن فعلت كذا فأنا بريء من الشفاعة الأصح أنه ليس بيمين وعلله في الظهيرية بأن الشفاعة، وإن كانت حقا لكن من أنكرها صار مبتدعا لا كافرا ا هـ‏.‏ وفيها أيضا سئل نجم الدين عمن قال‏:‏ إن كلمت فلانا فهو شريك الكفار فيما قالوا على الله تعالى مما لا يليق به فكلمه ماذا يجب عليه قال‏:‏ كفارة اليمين ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه إذا فعل المحلوف عليه لا يكون كافرا؛ لأنه صار يمينا وقيد بكونه علقه على فعل في المستقبل؛ لأنه لو قال ذلك لشيء قد فعله في الماضي كأن قال‏:‏ إن كنت فعلت كذا فهو كافر وهو عالم أنه قد فعل فهو يمين الغموس لا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار وهل يكفر حتى تكون التوبة اللازمة عليه التوبة من الكفر وتجديد الإسلام قيل لا وقيل نعم لأنه تنجيز معنى؛ لأنه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء هو كافر والصحيح أنه إن كان عالما أنه يمين إما منعقدة، أو غموس لا يكفر بالماضي، وإن كان جاهلا وعنده أنه يكفر بالحلف في الغموس أو بمباشرة الشرط في المستقبل يكفر فيهما؛ لأنه لما أقدم عليه وعنده أنه يكفر فقد رضي بالكفر كذا في كثير من الكتب، وفي المجتبى والذخيرة والفتوى على أنه إن اعتقد الكفر به يكفر وإلا فلا في المستقبل والماضي جميعا، وفي قولهم يعلم الله أنه فعل كذا ولم يفعل كذا وهو يعلم خلافه فيه اختلاف المشايخ، وعامتهم على أنه يكفر، ثم رقم في المجتبى رقما آخر لو قال‏:‏ الله يعلم أني ما فعلت كذا وهو يعلم أنه كاذب فقيل‏:‏ لا يكفر وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأنه قصد ترويج الكذب دون الكفر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا بعلمه وغضبه وسخطه ورحمته‏)‏ أي لا يكون اليمين بعلم الله ونحوه؛ لأن الحلف بهذه الألفاظ غير متعارف، والعرف معتبر في الحلف بالصفات ولأن العلم يذكر ويراد به المعلوم ويقال‏:‏ اللهم اغفر علمك فينا أي معلومك ولأن الرحمة يراد بها أثرها وهو المطر والجنة، والغضب والسخط يراد بهما العقوبة، وفي البدائع‏:‏ وأما الصفة فصفات الله تعالى مع أنها كلها لذاته على ثلاثة أقسام منها ما لا يستعمل في عرف الناس وعاداتهم إلا في الصفة نفسها فالحلف بها يكون يمينا ومنها ما يستعمل في الصفة وفي غيرها استعمالا على السواء والحلف بها يكون يمينا أيضا ومنها ما يستعمل في الصفة وفي غيرها لكن استعمالها في غير الصفة هو الغالب فالحلف بها لا يكون يمينا ومن مشايخنا من قال ما تعارفه الناس يمينا يكون يمينا إلا ما ورد الشرع بالنهي عنه وما لم يتعارفوه لا يكون يمينا وبيان هذه الجملة إذا قال‏:‏ وعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه يكون حالفا وكذا وقدرة الله ما لم ينو المقدور وكذا وقوته، وإرادته ومشيئته ورضاه ومحبته وإرادته وكلامه بخلاف الرحمة والغضب والسخط والعلم إلا إذا أراد به الصفة، وأما وسلطان الله فقال القدوري إن أراد به القدرة كان حالفا، وإلا فلا ولو قال وأمانة الله ذكر في الأصل أنه يكون يمينا خلافا للطحاوي؛ لأنها طاعته، ووجه ما في الأصل أن الأمانة المضافة إلى الله تعالى عند القسم يراد بها صفته‏.‏ ولو قال‏:‏ ووجه الله فهو يمين؛ لأن الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات ولو قال‏:‏ لا إله إلا الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا إلا أن ينوي وكذا قوله‏:‏ سبحان الله والله أكبر لا أفعل كذا لعدم العادة وملكوت الله وجبروته يمين لأنه من صفاته تعالى التي لا تستعمل إلا في الصفة ا هـ‏.‏ ومن الغريب ما في الظهيرية لو قال وقدرة الله لا يكون يمينا، وإن كان الله تعالى لا يوصف بضدها؛ لأن المراد بالقدرة المذكورة التقدير عرفا على ما عرف في الزيادات والله عز وجل قد يقدر وقد لا يقدر ا هـ‏.‏ وهو مردود لما في الولوالجية وغيرها لو قال‏:‏ وقدرة الله كان يمينا؛ لأن استعمال القدرة على المقدور به لم يكثر ككثرة استعمال العلم على المعلوم حتى لو نوى المقدور لا يكون يمينا ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى إنه لو قال‏:‏ وعذاب الله وثوابه ورضاه ولعنة الله وأمانته أنه لا يكون يمينا، وفي الخانية لو قال‏:‏ بصفة الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا لأن من صفاته ما يذكر في غيره فلا يكون ذكر الصفة كذكر الاسم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والنبي والقرآن والكعبة‏)‏ أي لا يكون حالفا بها؛ لأن الحلف بالنبي والكعبة حلف بغير الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليذر» والحلف بالقرآن غير متعارف مع أنه يراد به الحروف والنقوش، وفي فتح القدير‏:‏ ثم لا يخفى أن الحلف بالقرآن الآن متعارف فيكون يمينا كما هو قول الأئمة الثلاثة وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى؛ لأنه مخلوق لأنه حروف، وغير المخلوق هو الكلام النفسي منع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ولا يخفى أن المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة وما ثبت قدمه استحال عدمه غير أنهم أوجبوا ذلك لأن العوام إذا قيل لهم‏:‏ إن القرآن مخلوق تعدوا إلى الكلام مطلقا‏.‏ وأما الحلف بكلام الله تعالى فيجب أن يدور مع العرف، وأما الحلف بجان مريد ومثله الحلف بحياة رأسك وحياة رأس السلطان فذلك إن اعتقد أن البر فيه واجب يكفر، وفي تتمة الفتاوى قال علي الرازي‏:‏ أخاف على من قال بحياتي وحياتك أنه يكفر ولولا أن العامة يقولونه ولا يعلمونه لقلت‏:‏ إنه شرك وعن ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغير الله صادقا ا هـ‏.‏ قيد بالحلف بهذه الأشياء؛ لأن التبري منها يمين كقوله هو بريء من النبي إن فعل كذا كما قدمنا تفاصيله وأشار المصنف إلى أنه لو قال‏:‏ ودين الله وطاعته، أو حدوده أو شريعته، أو المصحف أنه لا يكون يمينا بالأولى كما في الخانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وحق الله‏)‏ أي لا يكون يمينا وهو قول أبي حنيفة وهو قول محمد، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينا؛ لأن الحق من صفات الله تعالى وهو حقيقة فصار كأنه قال‏:‏ والله الحق، والحلف به متعارف ولهما أنه يراد به طاعة الله؛ إذ الطاعات حقوقه فيكون حلفا بغير الله تعالى وذكر في الاختيار أن المختار أنه يكون يمينا اعتبارا بالعرف ا هـ‏.‏ قيد بالحق المضاف؛ لأنه لو قال‏:‏ والحق يكون يمينا ولو قال حقا لا يكون يمينا؛ لأن المنكر منه يراد به تحقيق الوعد فكأنه قال‏:‏ أفعل كذا حقيقة لا محالة وهذا قول البعض والصحيح أنه إن أراد به اسم الله تعالى يكون يمينا كذا في الخانية، وفي المجتبى وحقا، أو حقا اختلاف المشايخ والأكثر على أنه ليس بيمين‏.‏ والحاصل أن الحق إما أن يكون معرفا، أو منكرا، أو مضافا فالحق معرفا سواء كان بالواو أو بالباء يمين اتفاقا كما في الخانية والظهيرية ومنكرا يمين على الأصح إن نوى، ومضافا إن كان بالباء فيمين اتفاقا؛ لأن الناس يحلفون به، وإن كان بالواو ففيه الاختلاف السابق والمختار أنه يمين كما سبق وبهذا علم أن المختار أنه يمين في الألفاظ الثلاثة مطلقا وأشار المصنف إلى أنه لو قال بحق الرسول، أو بحق الإيمان أو بحق المساجد، أو بحق الصوم أو الصلاة لا يكون يمينا كذا في الخانية، وفي المجتبى ‏"‏ وحرمة الله ‏"‏ نظير قوله ‏"‏ وحق الله ‏"‏، وفي فتاوى النسفي بحرمة شهد الله وبحرمة لا إله إلا الله ليس بيمين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن فعلته فعلي غضب الله وسخطه، أو أنا زان وسارق أو شارب خمر، أو آكل ربا‏)‏ أي لا يكون يمينا أما في الأول فلأنه دعا على نفسه ولا يتعلق ذلك بالشرط ولأنه غير متعارف وأما في قوله هو زان إلى آخره فلأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل فلم تكن في معنى حرمة اسم الله تعالى ولأنه ليس بمتعارف كذا في الهداية والأولى الاقتصار على أنه ليس بمتعارف؛ لأن كون الحرمة تحتمل الارتفاع، أو لا تحتمله لا أثر له مع أنه لا حاجة إلى التعليل بعدم التعارف أيضا لأن معنى اليمين أن يعلق ما يوجب امتناعه عن الفعل بسبب لزوم وجوده عند الفعل وليس بمجرد وجود الفعل يصير زانيا أو سارقا؛ لأنه لا يصير كذلك إلا بفعل مستأنف يدخل في الوجود، ووجود هذا الفعل ليس لازما لوجود المحلوف عليه حتى يكون موجبا امتناعه عنه فلا يكون يمينا بخلاف الكفر فإنه بالرضا به يكفر من غير توقف على عمل آخر، أو اعتقاد والرضا يتحقق بمباشرة الشرط فيوجب عنده الكفر لولا قول طائفة من العلماء بالكفارة كما في فتح القدير، وفي المجتبى لو قال‏:‏ هو يأكل الميتة إن فعل كذا أو يستحل الخمر، أو الخنزير فليس بيمين أصله أن التعليق بما تسقط حرمته بحال ما كالميتة والخمر والخنزير لا يكون يمينا وما لا يسقط كألفاظ الكفر فيمين ولو قال‏:‏ جميع ما فعله المجوس، أو اليهود فعلى عنقي إن فعلت كذا ففعل لا شيء عليه ا هـ‏.‏ وهو يفيد أن استحلال الخمر والخنزير ليس بكفر إلا أن يقال‏:‏ إن جزاء الشرط هو الاستحلال في المستقبل بخلاف ما لو قال إن فعلت كذا فأنا مستحل للخمر والخنزير، وفي الولوالجية، وأما في الاستحلال فلأن استحلال الدم لا يكون كفرا لا محالة فإن حالة الضرورة يصير حلالا وكذلك لحم الخنزير ا هـ‏.‏ فأفاد أن ما يباح للضرورة لا يكفر مستحله، وفي الظهيرية لو قال‏:‏ عصيت الله تعالى إن فعلت كذا، أو قال عصيت الله في كل ما افترض علي لا يكون يمينا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وحروفه الباء والواو والتاء‏)‏ أي وحروف القسم ولو عاد الضمير على اليمين لأنثه؛ لأنها مؤنثة سماعا كقوله‏:‏ والله وبالله وتالله؛ لأن كل ذلك معهود في الأيمان ومذكور في القرآن قال تعالى‏:‏ ‏{‏فورب السماء والأرض إنه لحق‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏تالله لقد أرسلنا‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏بالله إن الشرك لظلم عظيم‏}‏ وفيه احتمال كونه متعلقا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تشرك‏}‏‏.‏ وقدم الباء قالوا هي الأصل؛ لأنها صلة الحلف والأصل أحلف، أو أقسم بالله وهي للإلصاق تلصق فعل القسم بالمحلوف به، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال مع فهم المقصود ولأصالتها دخلت في المظهر والمضمر نحو بك لأفعلن‏.‏ ثم ثنى بالواو لأنها بدل منها للمناسبة المعنوية وهي ما في الإلصاق من الجمع الذي هو معنى الواو ولكونها بدلا انحطت عنها بدرجة فدخلت على المظهر لا على المضمر ولا يجوز إظهار الفعل معها لا تقول أحلف بالله كما تقول أحلف والله‏.‏ وأما التاء فبدل عن الواو؛ لأنها من حروف الزيادة وقد أبدلت كثيرا منها كما في تجاه وتخمة وتراث فانحطت درجتين فلم تدخل على المظهر إلا على اسم الله تعالى خاصة وما روي من قولهم‏:‏ تربي وترب الكعبة لا يقاس عليه وكذا تحياتك ولا يجوز إظهار الفعل معها لا تقول‏:‏ أحلف تالله ولم يذكر المصنف كغيره أكثر من الثلاثة وذكر في التبيين أن له حروفا أخر وهي لام القسم وحرف التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل والميم المكسورة والمضمومة في القسم، ومن كقوله لله وها الله وم الله ومن الله واللام بمعنى التاء ويدخلها معنى التعجب وربما جاءت التاء لغير التعجب دون اللام ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏‏)‏‏:‏ ‏(‏وقد تضمر‏)‏ أي حروف القسم فيكون حالفا كقوله الله لا أفعل كذا؛ لأن حذف الحرف متعارف بينهم اختصارا، ثم إذا حذف الحرف ولم يعوض عنه ها التنبيه ولا همزة الاستفهام ولا قطع ألف الوصل لم يجز الخفض إلا في اسم الله بل ينصب بإضمار فعل، أو يرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر إلا في اسمين فإنه التزم فيهما الرفع وهما أيمن الله ولعمر الله كذا في التبيين‏.‏ وإنما قال المصنف‏:‏ تضمر ولم يقل تحذف للفرق بينهما؛ لأن الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف وعلى هذا ينبغي أن يكون في حالة النصب الحرف محذوفا؛ لأنه لم يظهر أثره، وفي حالة الجر مضمرا لظهور أثره وهو الجر في الاسم، وفي الظهيرية بالله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها، أو رفعها يكون يمينا ولو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء، أو نصبها لا يكون يمينا إلا أن يعربها بالجر فيكون يمينا وقيل يكون يمينا مطلقا ولو قال بله بكسر اللام لا أفعل كذا قالوا لا يكون يمينا إلا إذا أعرب الهاء بالكسر وقصد اليمين ا هـ‏.‏ وينبغي أنه إذا نصب أن يكون يمينا بلا خلاف؛ لأن أهل اللغة لم يختلفوا في جواز كل واحد من الوجهين ولكن النصب أكثر كما ذكره عبد القاهر في مقتصده كذا في غاية البيان وبه اندفع ما في المبسوط من أن النصب مذهب أهل البصرة والخفض مذهب أهل الكوفة إلا أن يكون مراده أن الخلاف في الأرجحية لا في أصل الجواز فيه، قيد بإضمار الحروف؛ لأنه لا يضمر في المقسم عليه حرف التأكيد وهو اللام والنون بل لا بد من ذكرهما لما في المحيط والحلف بالعربية أن تقول في الإثبات‏:‏ والله لا أفعلن كذا ووالله لقد فعلت كذا مقرونا بكلمة التوكيد، وفي النفي تقول والله لا أفعل كذا ووالله ما فعلت كذا حتى لو قال والله أفعل كذا اليوم فلم يفعل لا تلزمه الكفارة ويكون بمعنى قوله لا أفعل كذا فتكون كلمة لا مضمرة فيه؛ لأن الحلف في الإثبات عند العرب لا يكون إلا بحرف التأكيد وهو اللام والنون كقوله والله لا أفعلن كذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏تالله لأكيدن أصنامكم‏}‏ وإضمار الكلمة في الكلام استعملته العرب كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واسأل القرية‏}‏ أي أهلها فأما إضمار بعض الكلمة في البعض ما استعملته العرب ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكفارته تحرير رقبة، أو إطعام عشرة مساكين كما في الظهار، أو كسوتهم بما يستر عامة البدن‏)‏ أي وكفارة اليمين بمعنى القسم أو الحلف لما قدمنا أنها مؤنثة، والأصل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، أو تحرير رقبة‏}‏ وكلمة ‏"‏ أو ‏"‏ للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة والتخيير لا ينافي التكليف؛ لأن صحته بإمكان الامتثال وهو ثابت؛ لأنه بفعل أحدها يبطل قول من قال إن التخيير يمنع صحة التكليف فأوجب خصال الكفارة مع السقوط بالبعض كما أشار إليه في التحرير، وفي شرح المنار لو أدى الكل لا يقع عن الكفارة إلا واحد وهو ما كان أعلى قيمة ولو ترك الكل يعاقب على واحد منها وهو ما كان أدنى قيمة؛ لأن الفرض يسقط بالأدنى، وهي من الكفر بمعنى الستر، وإضافتها إلى اليمين إضافة إلى الشرط مجازا لأن السبب عندنا الحنث كما سيأتي وعبر بالتحرير بمعنى الإعتاق دون العتق اتباعا للآية وليفيد أن الشرط الإعتاق فلو ورث من يعتق عليه فنوى عن الكفارة لا يجوز وأفاد بقوله كما في الظهار أي التحرير والإطعام هنا كالتحرير والإطعام في كفارة الظهار أنه يجوز الرقبة مسلمة كانت أو كافرة ذكرا كان، أو أنثى صغيرة كانت، أو كبيرة ولا يجوز فائت جنس المنفعة ولا المدبر وأم الولد ولا المكاتب الذي أدى بعض شيء ويجوز في الإطعام التمليك والإباحة فإن ملك أعطى نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير لكل مسكين، وإن أباح غداهم وعشاهم فإن كان بخبز البر لا يحتاج إلى الإدام وإن كان بغير خبز البر احتاج إليه على التفاصيل المتقدمة في كفارة الظهار، وفي الخلاصة لو أعطى عشرة مساكين كل مسكين ألف من من الحنطة عن كفارة الأيمان لا يجوز إلا عن كفارة واحدة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وكذا في كفارة الظهار، وفي نسخة الإمام السرخسي لو أطعم خمسة مساكين وكسا خمسة مساكين أجزأه ذلك عن الطعام إن كان الطعام أرخص من الكسوة، وعلى القلب لا يجوز وهذا في طعام الإباحة أما إذا ملك الطعام فيجوز ويقوم مقام الكسوة ولو أدى إلى مسكين مدا من حنطة ونصف صاع من شعير يجوز ا هـ‏.‏ وخرج السراويل بقوله بما يستر عامة البدن وصححه في الهداية؛ لأن لابسه يسمى عريانا في العرف ولذا قال في الخانية لو حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلبس من غزلها سراويل لم يحنث في يمينه لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار القيمة فلا بد أن يعطيه قميصا، أو جبة، أو إزارا أو قباء سابلا بحيث يتوشح به عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وإلا فهو كالسراويل ولا تجزئ العمامة إلا أنه إن أمكن أن يتخذ منها ثوب يجزئ مما ذكرنا جاز أما القلنسوة فلا تجزئ بحال قال الطحاوي هذا كله إذا دفع إلى الرجل أما إذا دفع إلى المرأة فلا بد من الخمار مع الثوب؛ لأن صلاتها لا تصح بدونه قال في فتح القدير‏:‏ وهذا يشابه الرواية عن محمد في دفع السراويل أنه للمرأة لا يكفي وهذا كله خلاف ظاهر الجواب، وإنما ظاهر الجواب ما يثبت به اسم المكتسي وينتفي عنه اسم العريان وعليه بني عدم إجزاء السراويل لا صحة الصلاة وعدمها فإنه لا دخل له في الأمر بالكسوة؛ إذ ليس معناه إلا جعل الفقير مكتسيا ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة‏:‏ وفي الثوب يعتبر حال القابض إن كان يصلح للقابض يجوز وإلا فلا وقال بعض مشايخنا‏:‏ إن كان يصلح لأوساط الناس يجوز قال شمس الأئمة‏:‏ وهذا أشبه بالصواب ولو أعطى ثوبا خليقا عن كفارة اليمين إن أمكن الانتفاع به أكثر من نصف مدة الجديد يعني أكثر من ثلاثة أشهر جاز ا هـ‏.‏ واعلم أنه لا بد من النية لصحة التكفير في الأنواع الثلاثة كما صرح به في فتح القدير وأن مصرفها مصرف الزكاة قال في الخانية كل من لا يجوز صرف الزكاة إليه لا يجوز صرف الكفارة إليه فلا يعطيها لأبيه، وإن علا ولا لولده، وإن سفل وكذا الصدقة المنذورة ولو أعطى كفارة يمينه لامرأته وهي أمة لغيره ومولاها فقير لا يجوز ذلك؛ لأن الصدقة تتم بقبولها لا بقبول المولى وهي ليست بمحل لأداء كفارته فلا يجوز كما لو أعطى أباه وأمه وهما مملوكان لفقير لا يجوز ذلك ا هـ‏.‏ ويرد على الكلية المذكورة الدفع إلى الذمي فإنه جائز في الكفارة دون الزكاة، وفي الخانية أيضا لو أعطى في كفارة اليمين عشرة مساكين كل مسكين مدا مدا ثم استغنوا، ثم افتقروا ثم أعاد عليهم مدا مدا عن أبي يوسف لا يجوز ذلك؛ لأنهم لما استغنوا صاروا بحال لا يجوز دفع الكفارة إليهم فبطل ما أدى كما لو أدى إلى مكاتب مدا، ثم رده في الرق، ثم كوتب ثانيا، ثم أعطاه مدا لا يجوز ذلك‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن عجز عن أحدها صام ثلاثة أيام متتابعة‏)‏ أي إن لم يقدر على الإعتاق والإطعام والكسوة كفر بالصوم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام‏}‏ وشرطنا التتابع عملا بقراءة ابن مسعود متتابعات وقراءته كروايته وهي مشهورة جاز الزيادة بها على القطعي المطلق وأشار بالعجز إلى أنه لو كان عنده واحد من الأصناف الثلاثة لا يجوز له الصوم، وإن كان محتاجا إليه ففي الخانية ولا يجوز التكفير بالصوم إلا لمن عجز عما سوى الصوم فلا يجوز لمن يملك ما هو منصوص عليه في الكفارة، أو يملك بدله فوق الكفاف، والكفاف منزل يسكنه وثوب يلبسه ويستر عورته وقوت يومه ومن الناس من قال قوت شهر، وإن كان له عبد وهو محتاج إلى الخدمة لا يجوز له التكفير بالصوم؛ لأنه قادر على الإعتاق ومن ملك مالا وعليه دين مثل ذلك ووجبت عليه الكفارة فقضى دينه بذلك المال جاز له التكفير بالصوم، وإن صام قبل قضاء الدين اختلفوا فيه قال بعضهم يجوز له الصوم وقال بعضهم لا يجوز، وفي الكتاب إشارة إلى القولين ولو كان له مال غائب، أو دين على رجل وليس في يده ما يكفر عن يمينه جاز له الصوم قال هذا إذا لم يكن المال الغائب عبدا فإن كان عبدا يجوز في الكفارة ولا يجوز له التكفير بالصوم؛ لأنه قادر على الإعتاق ا هـ‏.‏ وفي المجتبى ظاهر المذهب إذا فضل عن حاجته قدر ما يكفر به لا يجوز له الصوم ا هـ‏.‏ والاعتبار في العجز وعدمه وقت الأداء لا وقت الحنث فلو حنث وهو معسر، ثم أيسر لا يجوز له الصوم، وفي عكسه يجوز ويشترط استمرار العجز إلى وقت الفراغ من الصوم فلو صام المعسر يومين، ثم أيسر لا يجوز له الصوم كذا في الخانية‏.‏ وقيد بالتتابع لأنه لو صام الثلاثة متفرقة لا يجوز له ولم يستثن العذر لما في الخلاصة ولو حاضت المرأة في الثلاثة استقبلت بخلاف كفارة الفطر وأشار المصنف بالعجز إلى أن العبد إذا حنث لا يكفر إلا بالصوم؛ لأنه عاجز عن الثلاثة ولو أعتق عنه مولاه أو أطعم، أو كسا لا يجزئه وكذا المكاتب والمستسعى ولو صام العبد فعتق قبل أن يفرغ ولو بساعة فأصاب مالا وجب عليه استئناف الكفارة بالمال كذا في فتح القدير، وفي المجتبى‏:‏ كفر بالصوم، وفي ملكه رقبة، أو ثياب أو طعام قد نسيه قيل يجزئه عند أبي حنيفة ومحمد والصحيح أنه لا يجزئه وفي الجامع الأصغر وهب ماله وسلمه، ثم صام، ثم رجع بالهبة أجزأه الصوم والمعتبر في التكفير حال الأداء لا غير ا هـ‏.‏ وهذا يستثنى من قولهم إن الرجوع في الهبة فسخ من الأصل وفي المجتبى أيضا بذل ابن المعسر لأبيه مالا ليكفر به لا تثبت القدرة به إجماعا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يكفر قبل الحنث‏)‏ أي لا يصح التكفير قبل الحنث في اليمين سواء كان بالمال، أو بالصوم؛ لأن الكفارة لستر الجناية ولا جناية، واليمين ليست بسبب لأنها مانعة من الحنث غير مفضية إليه بخلاف التكفير بعد الجرح قبل الموت؛ لأنه مفض، ثم إذا كفر قبله لا يسترده من الفقير لوقوعه صدقة‏.‏

ولم يذكر المصنف مسألة تعداد الكفارة لتعدد اليمين وهي مهمة قال في الظهيرية ولو قال‏:‏ والله والرحمن والرحيم لا أفعل كذا ففعل ففي الروايات الظاهرة يلزمه ثلاث كفارات ويتعدد اليمين بتعدد الاسم لكن يشترط تخلل حرف القسم وروى الحسن عن أبي حنيفة أن عليه كفارة واحدة وبه أخذ مشايخ سمرقند وأكثر المشايخ على ظاهر الرواية ولو قال‏:‏ والله والرحمن لا أفعل كذا ففعل يلزمه كفارتان في قولهم جميعا والفرق على قول أولئك المشايخ أن الواو إذا اتحد ذكره يحتمل أن تكون واو عطف ويحتمل أن تكون واو القسم ولا يثبت القسم بالشك والاحتمال بخلاف ما إذا تعدد ذكره؛ لأن أحدهما للعطف والآخر للقسم ولو قال والله والله يتعدد اليمين في ظاهر الرواية وروى ابن سماعة عن محمد أن في الاسم الواحد لا يتعدد اليمين ولو قال‏:‏ والله الله، أو قال‏:‏ والله الرحمن تكون يمينا واحدة ا هـ‏.‏ وفي الولوالجية إذا أدخل بين اسمين حرف عطف كانا يمينين وإن كان بغير حرف العطف كان على سبيل الصفة والتأكيد تكون يمينا واحدة ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة معزيا إلى الأصل إذا حلف على أمر أن لا يفعله، ثم حلف في ذلك المجلس، أو في مجلس آخر أن لا يفعله أبدا، ثم فعله إن نوى يمينا مبتدأ، أو التشديد أو لم ينو فعليه كفارة يمينين أما إذا نوى بالثاني الأول فعليه كفارة واحدة‏.‏ وفي التجريد عن أبي حنيفة إذا حلف بأيمان فعليه لكل يمين كفارة والمجلس والمجالس سواء ولو قال‏:‏ عنيت بالثاني الأول لم يستقم ذلك في اليمين بالله تعالى ولو حلف بحجة، أو عمرة يستقيم وفي الأصل أيضا ولو قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا يمين واحدة ولو قال‏:‏ هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا فهما يمينان، وفي النوازل قال لآخر‏:‏ والله لا أكلمه يوما، والله لا أكلمه شهرا، والله لا أكلمه سنة إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاثة أيمان، وإن كلمه بعد الغد فعليه يمينان، وإن كلمه بعد الشهر فعليه يمين واحدة، وإن كلمه بعد سنة فلا شيء عليه ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير‏:‏ وعرف في الطلاق أنه لو قال لها‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وقع ثلاث تطليقات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن حلف على معصية ينبغي أن يحنث‏)‏ بيان لبعض أحكام اليمين وحاصلها أن المحلوف عليه أنواع‏:‏ فعل معصية، أو ترك فرض فالحنث واجب وهو المراد بقوله ينبغي أن يحنث أي يجب عليه الحنث لحديث البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»‏.‏ وحديث البخاري أيضا‏:‏ «وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك»، ثم اليمين في الحديث بمعنى المقسم عليه؛ لأن حقيقة اليمين جملتان إحداهما مقسم به والأخرى مقسم عليه فذكر الكل وأريد البعض وقيل ذكر اسم الحال وأريد المحل؛ لأن المحلوف عليه محل اليمين ولأن فيما قلناه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده‏.‏ وأطلق في المعصية فشمل النفي والإثبات فالأول مثل أن لا يصلي، أو لا يكلم أباه فيجب الحنث بالصلاة وكلام الأب، والثاني نحو ليقتلن فلانا كما في الهداية ولا بد أن تكون اليمين موقتة بوقت كاليوم وغدا لأنها لو كانت مطلقة لم يتصور الحنث باختياره لأنه لا يحنث إلا في آخر جزء من أجزاء حياته فيوصي بالكفارة حينئذ إذا هلك الحالف ويكفر عن يمينه إذا هلك المحلوف عليه كذا في غاية البيان الثاني أن يكون المحلوف عليه شيئا غيره أولى منه كالحلف على ترك وطء زوجته شهرا، أو نحوه فالحنث أفضل لأن الرفق أيمن ودليله الحديث المتقدم وكذا لو حلف ليضربن عبده، وهو يستأهل ذلك أو ليشكون مديونه إن لم يوافه غدا؛ لأن العفو أفضل وكذا تيسير المطالبة‏.‏ الثالث أن يحلف على شيء وضده مثله كالحلف لا يأكل هذا الخبز، أو لا يلبس هذا الثوب فالبر في هذا وحفظ اليمين أولى ولو قال قائل إنه واجب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واحفظوا أيمانكم‏}‏ على ما هو المختار في تأويلها أنه البر فيها أمكن كذا في فتح القدير ولم يذكر القسم الرابع وهو أن يكون المحلوف عليه يجب فعله قيل‏:‏ اليمين كحلفه ليصلين الظهر اليوم لظهور أن البر فرض ومنه إذا كان المحلوف عليه ترك معصية فإن البر واجب فيثبت وجوبان لأمرين الفعل والبر فحاصله أن المحلوف عليه إما فعل أو ترك وكل منهما على خمسة أوجه؛ لأنه إما أن يكون معصية أو واجبا، أو هو أولى من غيره أو غيره أولى منه، أو مستويان وقد علمت أحكام العشرة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا كفارة على كافر، وإن حنث مسلما‏)‏ لما قدمنا أن شرط انعقادها الإسلام؛ لأنه ليس بأهل لليمين؛ لأنها تعقد لتعظيم الله تعالى ومع الكفر لا يكون معظما ولا هو للكفارة أهل ودليله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنهم لا أيمان لهم‏}‏، وأما قوله‏:‏ بعده ‏{‏نكثوا أيمانهم‏}‏ فيعني صورة الأي مان التي أظهروها‏.‏ والحاصل أنه لا بد من التأويل أما في ‏{‏لا أيمان لهم‏}‏ كما قال الشافعي‏:‏ إن المراد لا إيفاء لهم بها، أو في نكثوا أيمانهم على قول أبي حنيفة‏:‏ إن المراد ما هو صورة الأيمان دون حقيقتها الشرعية ويرجح الثاني بالفقه وهو أنا نعلم من كان أهلا لليمين يكون أهلا للكفارة وليس الكافر أهلا لها، أطلقه فشمل المرتد وأشار المصنف إلى أن الكفر يبطل اليمين فلو حلف مسلما، ثم ارتد والعياذ بالله تعالى، ثم أسلم، ثم حنث لا يلزمه شيء بعد الإسلام ولا قبله قالوا‏:‏ ولو نذر الكافر بما هو قربة لا يلزمه شيء وأما تحليفه القاضي وقوله‏:‏ عليه السلام‏:‏ «تبرئكم يهود بخمسين يمينا» فالمراد كما قلنا صورة الأيمان فإن المقصود منها رجاء النكول؛ لأنه يعتقد في نفسه تعظيم اسم الله تعالى، وإن كان لا يقبل منه ولا يثاب عليه وهو المراد بقولهم ومع الكفر لا يكون معظما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن حرم ملكه لم يحرم‏)‏ أي لا يصير حراما عليه لذاته؛ لأنه قلب المشروع وتغييره ولا قدرة له على ذلك بل الله تعالى هو المتصرف في ذلك بالتبديل وغيره إن استباحه كفر أي عامله معاملة المباح بأن فعل ما حرمه الله فإنه يلزمه كفارة اليمين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏}‏ الآيتين فبين الله تعالى أن نبيه عليه السلام حرم شيئا مما هو حلال وأنه فرض له تحلته فعبر عن ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏تحلة أيمانكم‏}‏ فعلم أن تحريم الحلال يمين موجب للكفارة وما في بعض الروايات من أنه يحلف صريحا فليس هو في الآية ولا في الحديث الصحيح إلى آخر ما في فتح القدير ولو ذكر المصنف بدل الملك الشيء بأن قال‏:‏ ومن حرم شيئا ثم فعله كفر لكان أولى ليشمل الأعيان والأفعال وملكه وملك غيره وما كان حلالا وما كان حراما فيدخل فيه ما إذا قال كلامك علي حرام، أو معي أو الكلام معك حرام كما في المبتغى وكذا إذا قال دخول هذا المنزل علي حرام ونحوه كما في المجتبى ولو قال لقوم‏:‏ كلامكم علي حرام أيهم كلم حنث، وفي مجموع النوازل وكذا كلام فلان وفلان علي حرام يحنث بكلام أحدهما وكذا كلام أهل بغداد وكذا أكل هذا الرغيف علي حرام يحنث بأكل لقمة بخلاف ما لو قال‏:‏ والله لا أكلمهم لا يحنث حتى يكلمهم‏.‏ وفي الخلاصة لو قال‏:‏ هذا الرغيف علي حرام حنث بأكل لقمة، وفي فتاوى قاضي خان قال مشايخنا‏:‏ الصحيح أنه لا يكون حانثا لأن قوله هذا الرغيف علي حرام بمنزلة قوله والله لا آكل هذا الرغيف ولو قال هكذا لم يحنث بأكل البعض ا هـ‏.‏ مع أن حرمة العين المراد منها تحريم الفعل فإذا قال هذا الطعام علي حرام فالمراد أكله وكذا إذا قال هذا الثوب علي حرام فالمراد لبسه إلا إذا نوى غيره كما في الخلاصة ولو قال لدراهم في يده هذه الدراهم علي حرام إن اشترى بها حنث، وإن تصدق بها أو وهبها لم يحنث بحكم العرف كما في المحيط وغيره ولا خصوصية للدراهم بل لو وهب ما جعله حراما، أو تصدق به لم يحنث؛ لأن المراد بالتحريم حرمة الاستمتاع، وفي المحيط لو قال مالي علي حرام فأنفق منه شيئا حنث وكذا مال فلان علي حرام فأكل منه، أو أنفق حنث ويدخل فيه ما إذا قال هذا الطعام علي حرام لطعام لا يملكه فيصير به حالفا حتى لو أكله حلالا أو حراما لزمته الكفارة إلا إذا قصد به الإخبار عنها وهو لا يدخل تحت عبارة المصنف أيضا ويدخل فيه أيضا ما إذا قال‏:‏ هذه الخمر علي حرام فإذا شربه كفر ففي فتاوى قاضي خان من فصل الأكل‏:‏ الصحيح أنه إذا قال‏:‏ الخمر علي حرام، أو الخنزير علي حرام كان يمينا حتى إذا فعله كفر وذكر في فصل تحريم الحلال إذا قال‏:‏ هذه الخمر علي حرام فيه قولان والفتوى على أنه ينوى في ذلك فإن أراد به الخبر لا تلزمه الكفارة‏.‏ وإن أراد به اليمين تلزمه الكفارة وعند عدم النية لا تلزمه الكفارة ا هـ‏.‏ وعبر المصنف بمن المفيدة للعموم ليشمل الذكر والأنثى فلذا قال في المجتبى والخلاصة قالت لزوجها‏:‏ أنت علي حرام، أو قالت‏:‏ حرمتك على نفسي فيمين حتى لو طاوعته في الجماع، أو أكرهها لزمتها الكفارة بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل فإنه لا يحنث ا هـ‏.‏ وقيد بكونه حرمه على نفسه؛ لأنه لو جعل حرمته معلقة على فعله فإنه لا يلزمه الكفارة لما في الخلاصة لو قال‏:‏ إن أكلت هذا الطعام فهو علي حرام فأكله لا حنث عليه، وفي المحيط، وفي المنتقى إذا قال لغيره كل طعام آكله في منزلك فهو علي حرام ففي القياس لا يحنث إذا أكله هكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف، وفي الاستحسان يحنث والناس يريدون بهذا أن أكله حرام، وفي الحيل‏:‏ إن أكلت عندك طعاما أبدا فهو حرام فأكله لم يحنث ا هـ‏.‏ وفي القنية‏:‏ إن دخلت عليك فما أخذت بيميني فحرام فإن دخل عليه صار يمينا فإن ملك شيئا ولو شربة ماء تلزمه كفارة اليمين ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب‏)‏ والقياس أن يحنث كما فرع؛ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه وهذا قول زفر وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يحصل مع اعتبار العموم وإذا سقط اعتباره ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل فيما يتناول عادة فيحنث إذا أكل، أو شرب ولا يتناول المرأة إلا بالنية فلا يحنث بجماع زوجته لإسقاط اعتبار العموم وإذا نواها كان إيلاء ولا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب وهذا كله جواب ظاهر الرواية كذا في الهداية مع أن عبارة الحاكم في الكافي إذا قال الرجل كل حل علي حرام سئل عن نيته فإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها ولا تدخل امرأته في ذلك إلا أن ينوي فإن نواها دخلت فإن أكل أو شرب، أو قرب امرأته حنث وسقط عنه الإيلاء، وإن لم يكن له نية فهو يمين يكفرها لا تدخل امرأته فيها ولو نوى به الطلاق فالقول فيه كالقول في الحرام أي يصح ما نوى، وإن نوى الكذب فهو كذب ا هـ‏.‏ تقتضي أن الأمر موقوف على النية وأنه لو نوى الكذب لا يلزمه شيء وهو غير مستفاد من عبارة الهداية كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والفتوى على أنه تبين امرأته من غير نية‏)‏ لغلبة الاستعمال كذا في الهداية، وإن لم تكن له امرأة ذكر في النهاية معزيا إلى النوازل أنه يحنث وعليه الكفارة ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ إذا أكل، أو شرب لانصرافه عند عدم الزوجة إلى الطعام والشراب لا كما يفهم من ظاهر العبارة‏.‏ وقال البزدوي في مبسوطه هكذا قال بعض مشايخ سمرقند ولم يتضح لي عرف الناس في هذا؛ لأن من لا امرأة له يحلف به كما يحلف ذو الحليلة ولو كان العرف مستفيضا في ذلك لما استعمله إلا ذو الحليلة فالصحيح أن يقيد الجواب في هذا فنقول إن نوى الطلاق يكون طلاقا فأما من غير دلالة فالاحتياط أن يقف الإنسان فيه ولا يخالف المتقدمين واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا بل المتعارف فيه حرام علي كلامك ونحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة العامة وتعارفوا أيضا الحرام يلزمني ولا شك في أنهم يريدون الطلاق معلقا فإنهم يزيدون بعده لا أفعل كذا ولأفعلن وهو مثل تعارفهم ‏"‏ الطلاق يلزمني لا أفعل كذا ‏"‏ فإنه يراد إن فعلت كذا فهي طالق ويجب إمضاؤه عليهم‏.‏ والحاصل أن المعتبر في انصراف هذه الألفاظ عربية كانت، أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه فإن لم يتعارف سئل عن نيته وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره لا يصدقه القاضي وفيما بينه وبين الله تعالى هو مصدق هكذا قال في فتح القدير‏.‏ والحاصل أنه على ظاهر الرواية يحنث بالأكل والشرب فقط ولا يقع عليه طلاق وعلى المفتى به إن لم يكن له امرأة فكذلك، وإن كان له امرأة وقع الطلاق عليها ولا يحنث بالأكل والشرب، وفي الظهيرية‏:‏ رجل قال‏:‏ كل حل علي حرام، أو قال‏:‏ كل حلال علي حرام، أو قال حلال الله، أو قال حلال المسلمين وله امرأة ولم ينو شيئا قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل والفقيه أبو جعفر وأبو بكر الإسكاف وأبو بكر بن سعيد تبين امرأته بتطليقة وإن نوى ثلاثا فثلاث‏.‏ وإن قال‏:‏ لم أنو الطلاق لا يصدق قضاء؛ لأنه صار طلاقا عرفا ولهذا لا يحلف به إلا الرجال فإن كان له امرأة واحدة تبين بتطليقة، وإن كن ثلاثا، أو أربعا يقع على كل واحدة واحدة بائنة، وإن حلف بهذا اللفظ إن كان فعل كذا وقد كان فعل وله امرأة واحدة أو أكثر بن جميعا، وإن لم يكن له امرأة لا يلزمه شيء؛ لأنه جعل يمينا بالطلاق ولو جعلناه يمينا بالله فهو غموس وإن حلف بهذا على أمر في المستقبل ففعل ذلك ليس له امرأة كان عليه الكفارة لأن تحريم الحلال يمين، وإن كان له امرأة وقت اليمين فماتت قبل الشرط، أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط لا تلزمه الكفارة؛ لأن يمينه انصرف إلى الطلاق وقت وجودها وإن لم تكن له امرأة وقت اليمين، ثم تزوج امرأة ثم باشر الشرط اختلفوا فيه قال الفقيه أبو جعفر‏:‏ تبين المتزوجة وقال غيره‏:‏ لا تبين وبه أخذ الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى لأن يمينه جعل يمينا بالله تعالى وقت وجودها فلا يكون طلاقا بعد ذلك ا هـ‏.‏ وقيد بصيغة العموم لأنه لو قال لزوجته أنت علي حرام فقد قدم في باب الإيلاء أنه ينصرف للزوجة فتطلق من غير نية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن نذر نذرا مطلقا، أو معلقا بشرط ووجد وفى به‏)‏ أي وفى بالمنذور لقوله عليه السلام‏:‏ «من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى» وهو بإطلاقه يشمل المنجز والمعلق ولأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده أطلقه فشمل ما إذا علقه بشرط يريد كونه أو لا وعن أبي حنيفة أنه رجع عنه فقال‏:‏ إن فعلت كذا فعلي حجة، أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه أجزأه عن ذلك كفارة يمين وهو قول محمد ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا إذا كان شرطا لا يريد كونه؛ لأن فيه معنى اليمين وهو المنع وهو بظاهره نذر فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه قال في الهداية وهذا التفصيل هو الصحيح وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد كما في الظهيرية وقال الولوالجي‏:‏ مشايخ بلخ وبخارى يفتون بهذا وهو اختيار شمس الأئمة - ولكثرة البلوى في هذا الزمان - وظاهر الرواية كما في المختصر للحديث المتقدم، ووجه الصحيح حديث مسلم‏:‏ «كفارة النذر كفارة اليمين» وهو يقتضي السقوط بالكفارة مطلقا فتعارضا فيحمل مقتضى الإيفاء بعينه على المنجز، أو المعلق بشرط يريد كونه وحديث مسلم على المعلق بشرط لا يريد كونه لأنه إذا علقه بشرط لا يريده يعلم منه أنه لم يرد كونه المنذور حيث جعله مانعا من فعل ذلك الشرط، مثل دخول الدار وكلام زيد؛ لأن تعليقه حينئذ لمنع نفسه عنه بخلاف الشرط الذي يريد كونه إذا وجد الشرط فإنه في معنى المنجز ابتداء فيندرج في حكمه وهو وجوب الإيفاء، ثم اعلم أن هذا التفصيل، وإن كان قول المحقق فليس له أصل في الرواية؛ لأن المذكور في ظاهر الرواية لزوم الوفاء بالمنذور عينا منجزا كان أو معلقا، وفي رواية النوادر هو مخير فيهما بين الوفاء وبين كفارة اليمين قال في الخلاصة وبه يفتى فتحصل أن الفتوى على التخيير مطلقا ولذا اعترض في العناية على تصحيح الهداية ا هـ‏.‏ وأراد بقوله وفى أنه يلزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه لما قدمناه أنه لو عين درهما، أو فقيرا أو مكانا للتصديق، أو للصلاة فإن التعيين ليس بلازم وقدمنا تفاريع النذر في الصلاة، وفي آخر الصوم، وأن شرائطه أربعة‏:‏ أن لا يكون معصية لذاته فخرج النذر بصوم يوم النحر لصحة النذر به لأنه لغيره، وأن يكون من جنسه واجب، وأن يكون ذلك الواجب عبادة مقصودة، وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها وبه عرف أن إطلاق المصنف في محل التقييد في الخلاصة لو التزم بالنذر أكثر مما يملكه لزمه ما يملكه هو المختار كما إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة ففعل وهو لا يملك إلا مائة لا يلزمه إلا المائة؛ لأنه فيما لم يملك لم يوجد في الملك ولا مضافا إلى سببه فلم يصح كقوله مالي في المساكين صدقة ولا مال له لا يصح فكذا هذا كذا في الولوالجية‏.‏ وفي الخلاصة أيضا لو قال‏:‏ لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر بخلاف قوله لأهدين ولو نوى اليمين كان يمينا ا هـ‏.‏ فعلى هذا لا بد أن يزاد شرط خامس‏:‏ وهو أن لا يكون ما التزمه ملكا للغير إلا أن يقال إن النذر به معصية لكن ليس معصية لذاته، وإنما هو لحق الغير، وفي الخلاصة لو قال‏:‏ لله علي إطعام المساكين فهو على عشرة عند أبي حنيفة، لله علي إطعام مسكين يلزمه نصف صاع من حنطة استحسانا ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة لكل مسكين درهم واحد فحنث وتصدق بالكل على مسكين واحد جاز ولو قال‏:‏ لله علي أن أعتق هذه الرقبة وهو يملكها فعليه أن يفي بذلك ولو لم يف يأثم ولكن لا يجبره القاضي، وفي مجموع النوازل‏:‏ لو قال‏:‏ وهو مريض إن برئت من مرضي هذا ذبحت شاة، أو علي شاة أذبحها فبرئ لا يلزمه شيء ولو قال‏:‏ علي شاة أذبحها وأتصدق بلحمها لزمه ولو قال‏:‏ لله علي أن أذبح‏.‏ جزورا وأتصدق بلحمه فذبح مكانه سبع شياه جاز ا هـ‏.‏ وهو يدل على أن مرادهم بالواجب الفرض من قولهم وأن يكون من جنسه واجب؛ لأن الأضحية واجبة وهو الذبح لا التصدق مع أنه صريح بأنه لا يصح النذر بالذبح من غير تصريح بالتصدق بلحمه وقدمنا في باب الاعتكاف ما يجب فيه التتابع من المنذور وكذا في أول كتاب الصوم وفي الولوالجية لو قال‏:‏ لله علي أن أتصدق بمائة درهم فأخذ إنسان فمه فلم يتم الكلام وهو يريد أن يقول‏:‏ إن فعلت كذا فالاحتياط أن يتصدق فرق بين هذا وبين اليمين بالطلاق فإن ثمة إذا وصل الشرط بعدما رفع يده عن فمه لا يقع الطلاق، والفرق أن الطلاق محظور فيكلف لعدمه ما أمكن وقد أمكن بجعل هذا الانقطاع غير فاصل كما لو حصل الانقطاع بالعطاس، أما الصدقة عبادة فلا يكلف لعدمها ولو قال‏:‏ إن دخلت الدار فلله علي أن أتصدق مثلا فدخل لا يلزمه شيء؛ لأن المثل بمنزلة التشبيه وليس في التشبيه إيجاب فلا يجب إلا أن يريد به الإيجاب ولو قال‏:‏ إن فعلت كذا فلله علي أن أكفن الميت، أو أن أضحي لا يكون يمينا؛ لأن تكفين الميت ليس بقربة مقصودة، وأما التضحية فلأن التضحية واجبة عليه ولو قال‏:‏ لله علي ثلاثون حجة كان عليه بقدر عمره ا هـ‏.‏ وأشار بقوله وفى به إلى أنه معين مسمى فلو لم يكن مسمى كقوله إن فعلت كذا فعلي نذر فإن نوى قربة من القرب التي يصح النذر بها نحو الحج والعمرة فعليه ما نوى؛ لأنه يحتمله لفظه فجعل ما نوى كالمنطوق به، وإن لم يكن له نية فعليه كفارة اليمين وكذا إن قال‏:‏ إن كلمت أبي فعلي نذر أو إن صليت الظهر فإن نوى معينا لزمه، وإلا كفر، وفي الولوالجية‏:‏ وإذا حلف بالنذر وهو ينوي صياما ولم ينو عددا معلوما فعليه صيام ثلاثة أيام إذا حنث؛ لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى من الصيام، وأدنى ذلك ثلاثة أيام، وفي كفارة اليمين وإن نوى صدقة ولم ينو عددا فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع لما ذكرنا ا هـ‏.‏ وفي القنية‏:‏ نذر أن يتصدق بدينار على الأغنياء ينبغي أن لا يصح قلت‏:‏ وينبغي أن يصح إذا نوى أبناء السبيل؛ لأنهم محل الزكاة ولو قال‏:‏ إن قدم غائبي فلله علي أن أضيف هؤلاء الأقوام وهم أغنياء لا يصح ولو نذر أن يقول دعاء كذا في دبر كل صلاة عشر مرات لم يصح ولو قال‏:‏ لله علي أن أصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في كل يوم كذا يلزمه وقيل‏:‏ لا يلزمه ولو قال‏:‏ إن ذهبت هذه العلة عني فلله علي كذا فذهبت، ثم عادت إلى ذلك الموضع لا يلزمه شيء ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو وصل بحلفه إن شاء الله تعالى بر‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من حلف على يمين وقال‏:‏ إن شاء الله تعالى فقد بر في يمينه» إلا أنه لا بد من الاتصال؛ لأنه بعد الفراغ رجوع، ولا رجوع في اليمين إلا إذا كان انقطاعه لتنفس، أو سعال ونحوه فإنه لا يضر وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن اليمين منعقدة إلا أنه لا حنث عليه أصلا لعدم الاطلاع على مشيئة الله تعالى وهذا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند أبي حنيفة ومحمد - رحمة الله تعالى عليهما - أن التعليق بالمشيئة إبطال ولذا قال في التبيين وأراد بقوله بر عدم الانعقاد لأن فيه عدم الحنث كالبر فأطلق عليه ا هـ‏.‏ وقد قدمنا فائدة الاختلاف في آخر باب التعليق من كتاب الطلاق وأشار المصنف رحمة الله تعالى عليه إلى أن النذر كذلك أيضا إذا وصله بالمشيئة لم يلزمه شيء وظاهر كلامهم أن كل شيء تعلق بالقول فالمشيئة المتصلة به مبطلة له عبادة، أو معاملة بخلاف المتعلق بالقلب كالنية كما قدمناه في الصوم، والله تعالى أعلم‏.‏