فصل: باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك

شروع في بيان الأفعال التي يحلف عليها، ولا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها باختيار الفاعل فنذكر القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم والمذكور نوعان أفعال حسية وأمور شرعية وبدأ بالأهم، وهو الدخول ونحوه؛ لأن حالة الحلول في مكان ألزم للجسم من أكله وشربه، وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب من الأفعال خمسة‏:‏ الدخول والخروج والسكنى والإتيان والركوب، والأصل أن الأيمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة اللغوية كما نقل عن الشافعي، ولا على الاستعمال القرآني كما عن مالك، ولا على النية مطلقا كما عن أحمد؛ لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفي أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت في العرف كما أن العربي حال كونه من أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها ثم من المشايخ من جرى على هذا الإطلاق فحكم بالفرع الذي ذكره صاحب الذخيرة والمرغيناني، وهو ما إذا حلف لا يهدم بيتا فهدم بيت العنكبوت أنه يحنث بأنه خطأ، ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم يمكن العمل بحقيقته، ولا يخفى أن هذا يصير المعتبر الحقيقة اللغوية إلا ما كان من الألفاظ ليس له وضع لغوي بل أحدثه أهل العرف، وأن ما له وضع لغوي ووضع عرفي يعتبر معناه اللغوي، وإن تكلم به متكلم من أهل العرف، وهذا يهدم قاعدة حمل الأيمان على العرف فإنه لم يصير المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر، وهذا بعيد إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم إلا بالعرف الذي به التخاطب سواء كان عرف اللغة إن كان من أهل اللغة أو غيرها إن كان من غيرها‏.‏ يعم ما وقع استعماله مشتركا بين أهل اللغة، وأهل العرف تعتبر اللغة على أنها العرف‏.‏ وأما الفرع المذكور فالوجه فيه أنه إن كان نواه في عموم بيتا حنث، وإن لم يخطر له وجب أن لا يحنث لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت وظهر أن مرادنا بانصراف الكلام إلى العرف أنه إذا لم يكن له نية كان موجب الكلام ما هو معنى عرفيا له، وإن كان له نية شيء واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتباره كذا في فتح القدير، وفي الحاوي الحصيري والمعتبر في الأيمان الألفاظ دون الأغراض، وفي الظهيرية من الفصل الثالث من الهبة رجل اغتاظ على غيره فقال‏:‏ إن اشتريت لك بفلس شيئا فامرأته طالق فاشترى له بدرهم شيئا لم يحنث في يمينه فدل على أن العبرة بعموم اللفظ‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الإمام الخلاطي في مختصر الجامع فروعا مبنية على ذلك فقال باب اليمين في المساومة حلف لا يشتريه بعشرة حنث بإحدى عشرة، ولو حلف البائع لم يحنث به؛ لأن مراد المشتري المطلقة، ومراد البائع المفردة، وهو العرف، ولو اشترى أو باع بتسعة لم يحنث؛ لأن المشتري مستنقص، والبائع وإن كان مستزيدا لكن لا يحنث بلا مسمى كمن حلف لا يخرج من الباب أو لا يضربه سوطا أو لا يشتري بفلس أو ليغدينه اليوم بألف فخرج من السطح وضرب بعصا واشترى بدينار وغدى برغيف لم يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التنوير للإمام المسعودي شارحه، والحاصل أنه إذا كان في اليمين ملفوظ به يجوز تعيين أحد محتمليه بالغرض، وأما الزيادة على الملفوظ فلا يجوز بالغرض ففي مسألة لا أبيعه بعشرة فباعه بتسعة إنما لا يحنث البائع، وإن كان غرضه المنع عن النقصان؛ لأن الناقص عن العشرة ليس في لفظه، ولا يحتمله لفظه فلا يتقيد به‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة من الجنس الخامس من اليمين في الشراء، ولو أن البائع هو الذي حلف فقال عبده حر إن بعت هذا منك بعشرة فباعه بعشرة دراهم ودينار أو بأحد عشر درهما لم يحنث، ولو باعه بتسعة لا يحنث أيضا هذا جواب القياس، وفي الاستحسان على عكس هذا فإن العرف بين الناس أن من حلف لا يبيع بعشرة أن لا يبيعه إلا بأكثر من عشرة فإذا باعه بتسعة يحنث استحسانا‏.‏ ا هـ‏.‏ فالحاصل أن بناء الحكم على الألفاظ هو القياس والاستحسان بناؤه على الأغراض وسيأتي أنه هل يعتبر في العرف عند التخاطب أو العمل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ حلف لا يدخل بيتا لا يحنث بدخول البيت والمسجد والبيعة والكنيسة والدهليز والظلة والصفة‏)‏ لما قدمنا أن الأيمان مبنية على العرف والبيت في العرف ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع ما بنيت لها، وأراد بالبيت الكعبة، ولو عبر بها لكان أظهر والبيعة بكسر الباء معبد النصارى والكنيسة معبد اليهود والدهليز بكسر الدال ما بين الباب والدار فارسي معرب كما في الصحاح والظلة الساباط الذي يكون على باب الدار من سقف له جذوع أطرافها على جدار الباب، وأطرافها الأخرى على جدار الجار المقابل له، وإنما قيدنا به؛ لأن الظلة إذا كان معناها ما هو داخل البيت مسقفا فإنه يحنث بدخوله؛ لأنه يبات فيه، وأطلق المصنف في الدهليز والصفة، وهو مقيد بما إذا لم يصلحا للبيتوتة أما إذا كان الدهليز كبيرا بحيث يبات فيه فإنه يحنث بدخوله؛ لأن مثله يعتاد بيتوتته للضيوف في بعض القرى، وفي المدن يبيت فيه بعض الأتباع في بعض الأوقات فيحنث‏.‏ والحاصل أن كل موضع إذا أغلق الباب صار داخلا لا يمكنه الخروج من الدار، وله سعة تصلح للمبيت من سقف يحنث بدخوله، وعلى هذا يحنث بالصفة سواء كان لها أربع حوائط كما هي صفاف الكوفة أو ثلاثة على ما صححه في الهداية بعد أن يكون مسقفا كما هي صفاف ديارنا؛ لأنه يبات فيه غاية الأمر أن مفتحه واسع وسيأتي أن السقف ليس شرطا في مسمى البيت فيحنث، وإن لم يكن الدهليز مسقفا كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفي دار بدخولها خربة، وفي هذه الدار يحنث، وإن بنيت دارا أخرى بعد الانهدام‏)‏ أي في حلفه لا يدخل دارا لا يحنث بدخولها خربة، وفيما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فإنه يحنث بدخولها خربة، وإن بنيت دارا أخرى بعد الانهدام؛ لأن الدار اسم للعرصة عند العرب والعجم يقال دار عامرة ودار غامرة أي خراب، وقد شهدت أشعار العرب بذلك والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو والاسم باق بعد الانهدام، وفي الغائب تعتبر، وأراد بالخربة الدار التي لم يبق فيها بناء أصلا فأما إذا زال بعض حيطانها وبقي البعض فهذه دار خربة فينبغي أن يحنث في المنكر إلا أن يكون له نية، كذا في فتح القدير والأصل أن الوصف في المعين لغو إن لم يكن داعيا إلى اليمين وحاملا عليها، وإن كان حاملا عليها تقيدت به كمن حلف أن لا يأكل هذا البسر فأكله رطبا لم يحنث إلا إذا كانت الصفة مهجورة شرعا فحينئذ لا يتقيد بها، وإن كانت حاملة كمن حلف لا يكلم هذا الصبي لا يتقيد بصباه كما سيأتي قيد باليمين؛ لأنه لو وكله بشراء دار منكرة فاشترى دارا خربة نفذ على الموكل لتعرفها من وجه باعتبار بيان الثمن والمحلة، وإلا لم تصح الوكالة للجهالة المتفاحشة، وهي في اليمين منكرة من كل وجه فافترقا‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يدخل هذا المسجد فهدم فصار صحراء ثم دخله فإنه يحنث، وهو مروي عن أبي يوسف قال هو مسجد، وإن لم يكن مبنيا، وهذا؛ لأن المسجد عبارة عن موضع السجود وذلك موجود في الخرب، ولهذا قال أبو يوسف إن المسجد إذا خرب واستغنى الناس عنه أنه يبقى مسجدا إلى يوم القيامة كذا في البدائع، وقول أبي يوسف يبقى المسجد بعد خرابه هو المفتى به كما صرح به في الحاوي القدسي من كتاب الوقف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن جعلت بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا لا كهذا البيت فهدم أو بني آخر‏)‏ بيان لثلاث مسائل‏:‏ الأولى لو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت فجعلت بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا لا يحنث بدخوله فيه؛ لأنها لم تبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه، وكذا إذا غلب عليها الماء أو جعلت نهرا فدخله قيد بالإشارة مع التسمية؛ لأنه لو أشار، ولم يسم كما إذا حلف لا يدخل هذه، فإنه يحنث بدخولها على أي صفة كانت دارا أو مسجدا أو حماما أو بستانا؛ لأن اليمين عقدت على العين دون الاسم باقية كذا في الذخيرة‏.‏ وأشار إلى أنه لو دخله بعدما انهدم المبنى ثانيا من الحمام، وما معه فإنه لا يحنث أيضا؛ لأنه لا يعود إلى اسم الدارية بالتشديد، وإلى أنه لو بني دارا بعدما انهدم ما بني ثانيا من الحمام وغيره فإنه لا يحنث أيضا؛ لأنه غير تلك الدار التي منع نفسه من الدخول فيها‏.‏ الثانية‏:‏ لو حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم فإنه لا يحنث لزوال اسم البيت فإنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث؛ لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه كما في الهداية؛ لأن البيت الصيفي ليس له سقف، وأشار المصنف إلى أنه لو كان البيت منكرا فإنه لا يحنث بالأولى‏.‏ والحاصل أن البيت لا فرق فيه بين أن يكون منكرا أو معرفا فإذا دخله، وهو صحراء لا يحنث لزوال الاسم بزوال البناء، وأما الدار ففرق فيه بين المنكرة والمعينة كما قدمناه‏.‏ وفي البدائع لو انهدم السقف وحيطانه قائمة فدخله يحنث في المعين، ولا يحنث في المنكر؛ لأن السقف بمنزلة الصفة فيه، وهي في الحاضر لغو، وفي الغائب معتبرة‏.‏ ا هـ‏.‏ الثالثة‏:‏ لو حلف لا يدخل هذا البيت فهدم وبني آخر فدخله لا يحنث؛ لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام، وهذا المبنى غير البيت الذي منع نفسه من دخوله‏.‏ وأشار المصنف إلى جنس هذه المسألة من حيث المعنى، وهو ما إذا حلف لا يجلس إلى هذه الأسطوانة أو إلى هذا الحائط فهدما ثم بنيا بنقضهما لم يحنث؛ لأن الحائط إذا هدم زال الاسم عنه، وكذا الأسطوانة فبطلت اليمين، وكذلك لو حلف لا يكتب بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به لا يحنث؛ لأن غير المبري لا يسمى قلما، وإنما يسمى أنبوبا فإذا كسره فقد زال الاسم عنه فبطلت اليمين، وكذلك إذا حلف على مقص فكسره ثم جعله مقصا آخر غير ذلك؛ لأن الاسم قد زال بالكسر، وكذلك كل سكين وسيف، وقدر كسر ثم صنع مثله، ولو نزع مسمار لنقص، ولم يكسره ثم أعاد فيه مسمارا آخر حنث؛ لأن الاسم لم يزل بزوال المسمار، وكذلك إن نزع نصاب السكين وجعل عليه نصابا آخر؛ لأن السكين اسم للحديد‏.‏ ولو حلف على قميص لا يلبسه أو قباء محشوا أو مبطنا أو جبة مبطنة أو محشوة أو قلنسوة أو خفين فنقض ذلك كله ثم أعاد يحنث؛ لأن الاسم بقي بعد النقض يقال قميص مفتوق وجبة مفتوقة واليمين المنعقدة على العين لا تبطل بتغير الصفة مع بقاء اسم العين، وكذلك لو حلف لا يركب بهذا السرج فنقضه ثم أعاده، ولو حلف لا يركب هذه السفينة فنقضها ثم استأنفها بذلك الخشب فركبها لا يحنث؛ لأنها لا تسمى سفينة بعد النقض وزوال الاسم يبطل اليمين، ولو حلف لا ينام على هذا الفراش ففتقه وغسله ثم حشاه بحشو وخلطه ونام عليه حنث؛ لأن فتق الفراش لا يزيل الاسم عنه، ولو حلف لا يلبس شقة غزل بعينها فنقضها وغزلت وجعلت شقة أخرى لا يحنث؛ لأنها إذا نقضت صارت خيوطا وزال الاسم المحلوف عليه، ولو حلف على قميص لا يلبسه فقطعه جبة محشوة فلبسه لا يحنث؛ لأن الاسم قد زال فزالت اليمين، ولو حلف لا يقرأ في هذا المصحف فخلعه ثم ألف ورقه وخرز دفتيه ثم قرأ فيه حنث؛ لأن اسم المصحف باق، وإن فرقه، ولو حلف على نعل لا يلبسها فقطع شراكها وشركها بغيره ثم لبسها حنث؛ لأن اسم النعل يتناولها بعد قطع الشراك‏.‏ ولو حلفت امرأة لا تلبس هذه الملحفة فخيط جانبها فجعلت درعا وجعلت لها جيبا ثم لبستها لم تحنث؛ لأنها درع، وليست بملحفة فإن أعيدت ملحفة فلبستها حنثت؛ لأنها عادت ملحفة بغير تأليف، ولا زيادة، ولا نقصان فهي على ما كانت عليه، وقال ابن سماعة عن محمد في رجل حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه طائفة فدخلها لا يحنث؛ لأن اليمين، وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها، ولو قال مسجد بني فلان ثم زيد فيه فدخل ذلك الموضع الذي زيد فيه حنث، وكذلك الدار؛ لأنه علق يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة، ولو حلف لا يدخل في هذا الفسطاط، وهو مضروب في موضع فقلع وضرب في موضع آخر فدخل فيه حنث، وكذلك القبة من العيدان، وكذلك درج من عيدان أو منبر؛ لأن الاسم في هذه الأشياء لا يزول بنقلها من مكان إلى مكان كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والواقف على السطح داخل، وفي طاق الباب لا‏)‏ أي ليس بداخل؛ لأن السطح من الدار ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد، وإذا حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها من غير دخول من الباب بأن توصل إليه من سطح آخر فإنه يحنث، وقيل في عرفنا لا يحنث، وما في المختصر قول المتقدمين، ومقابله قول المتأخرين ووفق بينهما في فتح القدير بحمل ما في المختصر على ما إذا كان للسطح حضير وحمل مقابله على ما إذا لم يكن له حضير أي ساتر‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو صعد على شجرة داخلها أو قام على حائط فيها فإنه داخل فيحنث، ولو كان الحائط مشتركا بينه وبين جاره لم يحنث كما في الظهيرية، وعلى قول المتأخرين لا والظاهر قول المتأخرين في الكل؛ لأنه لا يسمى داخل الدار عرفا ما لم يدخل جوفها حتى صح أن يقال لم يدخل الدار، ولكن صعد سطحها ونحوه، وفي التبيين والمختار أنه لا يحنث في العجم؛ لأن الواقف على السطح لا يسمى داخلا عندهم‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو نوى في حلفه لا يدخل دار فلان فدخل صحنها فإنه لا يصدق قضاء لكن يصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنهم قد يذكرون الدار ويريدون صحنها فقد نوى ما يحتمله كلامه كما في البدائع، وأفاد بإطلاقه أنه لا فرق في المحلوف عليه بين أن يكون دارا أو بيتا أو مسجدا فإن كان فوق المسجد مسكن فدخله لا يحنث؛ لأنه ليس بمسجد كما في البدائع أيضا‏.‏ وأشار بقوله داخل إلى أن المحلوف عليه دخول الدار فقط للاحتراز عما إذا حلف لا يدخل من باب هذه الدار فإنه إذا دخلها من غير الباب لم يحنث لعدم الشرط، وهو الدخول من الباب فإن نقب للدار بابا آخر فدخل يحنث؛ لأنه عقد يمينه على الدخول من باب منسوبة إلى الدار، وقد وجد والباب الحادث كذلك فيحنث، وإن عنى به الباب الأول يدين فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن لفظه يحتمله، ولا يدين في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر حيث أراد بالمطلق المقيد، وإن عين الباب فقال لا أدخل من هذا الباب فدخل من باب آخر لا يحنث، وهذا مما لا شك فيه؛ لأنه لم يوجد الشرط كذا في البدائع‏.‏ وقيد بالسطح؛ لأنه لو حلف لا يدخل دار فلان فحفر سردابا تحت دار فلان أو قناة فدخل ذلك السرداب أو القناة لم يحنث؛ لأنه لم يدخل، ولو كان للقناة موضع مكشوف في الدار فإن كان كبيرا يستقي منه أهل الدار فإذا بلغ ذلك الموضع حنث؛ لأنه من الدار فإن أهل الدار ينتفعون به انتفاع الدار فيكون من مرافق الدار بمنزلة بئر الماء، وإن كان بئرا لا ينتفع به أهل الدار، وإنما هو للضوء لم يحنث؛ لأنه ليس من مرافق الدار، ولا يعد داخله داخل الدار، ولو اتخذ فلان سردابا تحت داره وجعل بيوتا وجعل لها أبوابا إلى الطريق فدخلها الحالف حنث؛ لأن السرداب تحت الدار من بيوتها كذا في المحيط‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يخرج من هذه الدار فصعد سطحها فإنه لا يحنث؛ لأنه داخل، وليس بخارج كذا في غاية البيان، وفي المحيط لو حلف لا يخرج من هذه الدار، وفي الدار شجرة أغصانها خارج الدار فارتقى تلك الشجرة حتى صار بحال لو سقط سقط في الطريق لا يحنث؛ لأن الشجرة بمنزلة بناء الدار‏.‏ ا هـ‏.‏ وإنما لا يكون داخلا إذا وقف في طاق الباب؛ لأن الباب لإحراز الدار، وما فيها فلم يكن الخارج من الدار والمراد بطاق الباب عتبته التي إذا أغلق الباب كانت خارجة عنه، وهي المسماة بأسكفة الباب، وأما العتبة التي لو أغلق الباب تكون داخلة فهي من الدار فيحنث بالدخول فيها، ولو كان المحلوف عليه الخروج انعكس الحكم كما نص عليه الحاكم، وقيد بكونه واقفا في طاق الباب أي بقدميه؛ لأنه لو وقف بإحدى رجليه على العتبة، وأدخل الأخرى فإن استوى الجانبان أو كان الجانب الخارج أسفل لم يحنث، وإن كان الجانب الداخل أسفل حنث؛ لأن اعتماد جميع بدنه على رجله التي هي في الجانب الأسفل كذا في كثير من الكتب، وفي الظهيرية معزيا إلى السرخسي الصحيح أنه لا يحنث مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو ظاهر؛ لأن الانفصال التام لا يكون إلا بالقدمين، وفي الظهيرية بعده، ولو أدخل رأسه، وإحدى قدميه حنث، وأفاد المصنف رحمه الله دلالة أن حقيقة الدخول الانفصال من الخارج إلى الداخل فلهذا لو أدخل رأسه، ولم يدخل قدميه أو تناول منها لم يحنث ألا ترى أن السارق لو فعل ذلك لم يقطع كما في البدائع، ولو دخل الدهليز فإنه يحنث ففرق بينهما إذا كان المحلوف على دخوله الدار أو البيت ففي الأول يحنث بدخول دهليزه، وفي الثاني لا، وأما صحن الدار أو البيت ففي الكافي لو حلف لا يدخل بيت فلان، ولا نية له فدخل في صحن داره لم يحنث حتى يدخل البيت؛ لأن شرط حنثه الدخول في البيت، ولم يوجد ثم قال‏:‏ وهذا في عرفهم، وأما في عرفنا فالدار والبيت واحد فيحنث إن دخل صحن الدار، وعليه الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية، ولو قام على كنيف شارع أو ظلة شارعة إن كان مفتح الكنيف والظلة في الدار كان حانثا‏.‏ وفي المحيط لو دخل حانوتا مشرعا من هذه الدار إلى الطريق، وليس له باب في الدار فإنه يحنث؛ لأن من جملة الدار ما أحاطت به الدور، وإن دخل بستانا في تلك الدار فإن كان متصلا بها لم يحنث، وإن كان في وسطها حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القنية حلف لا يدخل داره فدخل إصطبله لا يحنث، وفي الخلاصة معزيا إلى فتاوى النسفي لو حلف لا يدخل بيت فلان فجلس على دكان على بابه إن كان ينتفع به المحلوف عليه، وهو تبع لبيته يحنث قال رحمه الله‏:‏، وفيه نظر‏.‏ ا هـ‏.‏ وعلى هذا لو دخل حوشا بجنب البيت يحنث والحاصل أنه إذا حلف لا يدخل هذه الدار أو دار فلان فإنه يحنث بالوقوف على سطحها أو حائطها أو شجرة فيها أو عتبة داخل الباب ودهليزها أو صحنها أو كنيفها أو ظلتها بالشرط المذكور أو بستانها الذي في وسطها ويحنث بدخولها على أي صفة كان الحالف راكبا كان أو ماشيا أو محمولا بأمره حافيا أو منتعلا بشرط أن يكون مختارا لما في الظهيرية، ولو جاء إلى بابها، وهو يشتد في المشي أي يعدو فانعثر أو انزلق فوقع في الدار اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث، وإن دفعته الريح، وأوقعته في الدار اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث إن كان لا يستطيع الامتناع، وإن كان على دابة فجمحت وانفلتت، وأدخلته في الدار، وهو لا يستطيع إمساكها لا يحنث، وإن أدخله إنسان مكرها فخرج منها ثم دخل بعد ذلك مختارا اختلفوا فيه والفتوى على أنه يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ ووجهه أن الشرط لم يوجد بالدخول مكرها بدليل عدم الحنث، وقد وجد بالدخول ثانيا مختارا فحنث وسيأتي بعد ذلك إيضاحه ووضع القدم كالدخول فيما ذكرنا؛ لأنه صار مجازا عن الدخول، وهي مسألة الحقيقة والمجاز في الأصول، وهذا كله باعتبار الدار، وأما باعتبار صفتها بالإضافة إلى فلان فإنه يحنث إذا دخل دارا مضافة إلى فلان سواء كان يسكنها بالملك أو بالإجارة أو بالعارية، وفي المجتبى لو قال إن دخلت دار زيد فعبدي حر، وإن دخلت دار عمرو فامرأتي طالق فدخل دار زيد، وهي في يد عمرو بإجارة يعتق وتطلق إذا لم ينو فإن نوى شيئا صدق‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط لو حلف لا يدخل دار فلان، وله دار يسكنها ودار غلة فدخل دار الغلة لا يحنث إذا لم يدل الدليل على دار الغلة وغيرها؛ لأن داره مطلقا دار يسكنها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخانية لو حلف لا يدخل دار ابنته وابنته تسكن في دار زوجها أو حلف لا يدخل دار أمه وأمه تسكن في بيت زوجها فدخل الحالف حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد وقعت حادثة هي أن رجلا حلف بالطلاق أن أولاد زوجته لا يطلعون إلى بيته فطلع واحد هل يحنث فأجبت بأنه لا يحنث، ولا بد من الجمع؛ لأنه جمع ليس فيه الألف واللام قال في الواقعات إذا قال والله لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فكلم واحدا منهم يحنث؛ لأنه اسم جنس بخلاف قوله رجالا أو نساء‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد علمت أن الجمع المعرف بالألف واللام كالمفرد وغيره على حقيقته، ولا تأثير للإضافة، وعدمها بدليل ما في الواقعات أيضا لو قال والله لا أكلم إخوة فلان والأخ واحد فإن كان يعلم يحنث إذا كلم ذلك الواحد؛ لأنه ذكر الجمع، وأراد الواحد، وإن كان لا يعلم لا يحنث؛ لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب، وليس فيه إلا رغيف واحد، وهو لا يعلم لا يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ بلفظه‏.‏ وهو صريح في أن الجمع المضاف كالمنكر لكن قال في القنية إن أحسنت إلى أقاربك فأنت طالق فأحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا‏.‏ ا هـ‏.‏ فيحتاج إلى الفرق إلا أن يدعي أن في العرف فرقا، ولو دخل دارا مملوكة لفلان، وفلان لا يسكنها يحنث، ولو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا مشتركة بينه وبين فلان إن كان فلان يسكنها يحنث، وإلا فلا، ولو حلف لا يدخل دار فلان فآجر فلان داره فدخلها الحالف هل يحنث فيه روايتان قالوا ما ذكره أنه لا يحنث ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن عندهما كما تبطل الإضافة بالبيع تبطل بالإجارة والتسليم، وملك اليد للغير كذا في الظهيرية، وهي مسألة الأصول أيضا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ودوام الركوب واللبس والسكنى كالإنشاء لا دوام الدخول‏)‏ يعني لو حلف لا يركب هذه الدابة، وهو راكبها أو لا يلبس هذا الثوب، وهو لابسه أو لا يسكن هذه الدار، وهو ساكنها فإنه يحنث بالدوام كما لو ابتدأ بها بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار، وهو فيها فإنه لا يحنث بالاستمرار فيها والقياس أن يحنث قياسا على غيره والاستحسان الفرق بين الفصلين، وهو أن الدوام على الفعل لا يتصور حقيقة؛ لأن الدوام هو البقاء والفعل المحدث عرض والعرض مستحيل البقاء فيستحيل دوامه، وإنما يراد بالدوام تجدد أمثاله، وهذا يوجد في الركوب واللبس والسكنى، ولا يوجد في الدخول؛ لأنه اسم للانتقال من العورة إلى الحصن والمكث قرار فيستحيل البقاء تحقيقه أن الانتقال حركة والمكث سكون، وهما ضدان ألا ترى أنه يضرب لها مدة يقال ركبت يوما، ولبست يوما، ولا يقال دخلت يوما قال في التبيين والفارق بينهما أن كل ما يصح امتداده له دوام كالقعود والقيام والنظر ونحوه، وما لا يمتد لا دوام له كالدخول والخروج‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المجتبى والفارق بينهما صحة قران المدة به كاليوم والشهر، وفي فتح القدير ونظير المسألة حلف لا يخرج، وهو خارج لا يحنث حتى يدخل ثم يخرج، وكذا لا يتزوج، وهو متزوج، ولا يتطهر، وهو متطهر فاستدام الطهارة والنكاح لا يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ والمراد بالدوام المكث ساعة على حاله، وقيد به؛ لأنه لو نزل من ساعته أو نزع الثوب فإنه لا يحنث، وقال زفر يحنث لوجود الشرط، وإن قل، ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه زمان تحقيقه وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو قال كلما ركبت فأنت طالق، وهو راكب، ومكث ثلاث ساعات طلقت ثلاثا في كل ساعة طلقة بخلاف ما إذا لم يكن راكبا فركب أنها تطلق واحدة، ولا تطلق بالاستمرار، وفي المجتبى، وإنما يعطى للدوام حكم الابتداء فيما يمتد إذا كانت اليمين حال الدوام أما إذا كان قبله فلا حتى لو قال كلما ركبت هذه الدابة فلله علي أن أتصدق بدرهم ثم ركبها ودام عليها فعليه درهم واحد، ولو قال ذلك حالة الركوب لزمه في كل ساعة يمكنه النزول درهم قلت‏:‏ في عرفنا لا يحنث إلا بابتداء الفعل في الفصول كلها، وإن لم ينو، وفيه عن أبي يوسف ما يدل عليه، وإليه أشار أستاذنا رحمه الله ا هـ‏.‏ فأفاد أن الساعة التي تكون دواما هي ما يمكنه النزول فيها، وأشار المصنف إلى أنه لو حلف ليدخلنها غدا، وهو فيها فمكث حتى مضى الغد حنث؛ لأنه لم يدخلها فيه إذ لم يخرج‏.‏ ولو نوى بالدخول الإقامة فيه لم يحنث، وإلى هنا فرغ المصنف من مسائل الدخول لكنه لم يستوفها ونحن نذكر ما فاته منها تكثيرا للفائدة، ولكثرة الاحتياج إلى مسائل الأيمان ففي الظهيرية لو حلف لا يدخل في هذه السكة فدخل دارا من تلك السكة لا من السكة بل من السطح أو غيره اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث إذا لم يخرج إلى السكة، ولو حلف لا يدخل سكة فلان فدخل مسجدا في تلك السكة، ولم يدخل السكة لا يحنث رجل جالس في البيت من المنزل حلف لا يدخل هذا البيت فاليمين على ذلك البيت الذي كان جالسا فيه؛ لأن ما وراء ذلك البيت يسمى منزلا ودارا هذا إذا كانت اليمين بالعربية فإن كانت بالفارسية فاليمين على دخول ذلك المنزل وتلك الدار فإن قال عنيت ذلك البيت الذي كنت جالسا فيه صدق ديانة لا قضاء؛ لأن في الفارسية خانه اسم للكل هذا إذا لم يشر إلى بيت بعينه فإن أشار إلى بيت بعينه فالعبرة للإشارة امرأة حلفت أن لا يدخل زوجها دارها فباعت دارها فدخل الزوج، وهي تسكنها إن كانت نوت أن لا يدخل دارا تسكنها المرأة لا تبطل اليمين بالبيع، وإن لم يكن لها نية فاليمين على دار مملوكة لها‏.‏ وقال بعضهم يعتبر في جنس هذه المسائل سبب اليمين إن كانت اليمين لغيظ من صاحب الدار تبطل اليمين بالبيع، وإن كانت لضرر الجيران لا تبطل اليمين بالبيع، ولو حلف لا يدخل محلة كذا فدخل دارا لها بابان أحدهما مفتوح في تلك المحلة والآخر مفتوح في محلة أخرى حنث في يمينه؛ لأن الدار تنسب إلى كل واحدة من المحلتين، وعن بعض المشايخ إذا حلف لا يدخل الحمام فدخل المسلخ لا يحنث؛ لأنه لا يراد من دخول الحمام ذلك، ولو حلف لا يدخل دار فلان فمات صاحب الدار ثم دخل الحالف إن لم يكن على الميت دين مستغرق لا يحنث؛ لأنها انتقلت إلى الورثة بالموت، وإن كان عليه دين مستغرق قال محمد بن سلمة يحنث؛ لأنها بقيت على حكم ملك الميت، وقال الفقيه أبو الليث لا يحنث، وعليه الفتوى؛ لأنها لم تبق ملكا للميت من كل وجه، ولو حلف لا يدخل دارا يشتريها فلان فاشترى فلان دارا وباعها من الحالف فدخل الحالف لا يحنث، ولو اشترى فلان دارا، ووهبها للحالف ثم دخل الحالف حنث، ولو حلف لا يدخل قرية كذا فدخل أراضي القرية لا يحنث وتكون اليمين على عمرانها، وكذا لو حلف لا يشرب الخمر في قرية كذا فشرب في كرومها وضياعها لا يحنث إلا أن يكون الكروم والضياع في العمران، وكذلك لو كان الكلام على البلدة‏.‏ ولو حلف لا يدخل كورة كذا أو رستاق كذا فدخل الأراضي حنث، ولو حلف لا يدخل بغداد فمن أي الجانبين دخل حنث، ولو حلف لا يدخل مدينة السلام لا يحنث ما لم يدخل من ناحية الكوفة؛ لأن اسم بغداد يتناول الجانبين، ومدينة السلام لا، ولو حلف لا يدخل الري ذكر شمس الأئمة السرخسي أن الري في ظاهر الرواية يتناول المدينة والنواحي وروي عن هشام عن محمد أنه اسم للمدينة حتى لو استأجر دابة إلى الري، ولم يذكر إلى المدينة، ولا إلى الرستاق بعينه في ظاهر الرواية تفسد الإجارة، وفي رواية هشام لا تفسد، ولو حلف لا يدخل بغداد فمر بها في سفينة روى هشام أنه يحنث، وقال أبو يوسف لا يحنث ما لم يدخل إلى الجدة، وهذا بخلاف الصلاة فإن البغدادي إذا جاء من الموصل في السفينة فدخل بغداد فأدركته الصلاة، وهو في السفينة تلزمه صلاة الإقامة لا صلاة السفر، ولو حلف لا يدخل في الفرات فركب سفينة في الفرات أو كان على الفرات جسر فمر على الجسر لا يحنث ما لم يدخل الماء‏.‏ ولو حلف أن لا يدخل هذه الدار فاشترى صاحبها بجنب الدار بيتا، وفتح باب البيت إلى هذه الدار وجعل طريقه فيها وسد الباب الذي كان للبيت قبل ذلك فدخل الحالف هذا البيت من غير أن يدخل هذه الدار قال محمد يحنث؛ لأن البيت صار من الدار‏.‏ ا هـ‏.‏ ما في الظهيرية والفتوى على قول أبي يوسف في مسألة المرور بالسفينة فيما إذا حلف لا يدخل بغداد كما في الواقعات وذكر في البدائع لو حلف لا يدخل على فلان فدخل عليه بيته فإن قصده بالدخول حنث، وإن لم يقصده لا يحنث، وكذلك إن دخل عليه بيت غيره فإن دخل عليه في مسجد أو ظلة أو سقيفة أو دهليز دار لم يحنث، وإن دخل عليه في فسطاط أو خيمة أو بيت شعر لم يحنث إلا أن يكون الحالف من أهل البادية؛ لأنهم يسمون ذلك بيتا والتعويل في هذا الباب على العرف، وعن محمد لا يدخل على فلان هذه الدار فدخل الدار، وفلان في بيت من الدار لا يحنث، وإن كان في صحن الدار يحنث، وكذا لو حلف لا يدخل على فلان هذه القرية أنه لا يكون داخلا عليه إلا إذا دخل في بيته قال محمد لو حلف لا يدخل على فلان فدخل على فلان بيته، وهو يريد رجلا غيره يزوره لم يحنث؛ لأنه لم يدخل على فلان لما لم يقصده، وإن لم تكن له نية حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة قالوا الصفة إذا لم تكن داعية إلى اليمين إنما لا تعتبر في المعين إذا ذكرت على وجه التعريف أما إذا ذكرت على وجه الشرط تعتبر، وهو الصحيح ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت هذه الدار راكبة فهي طالق فدخلتها ماشية لا تطلق واعتبرت الصفة في المعين لما ذكرت على سبيل الشرط‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الواقعات رجلان حلف كل واحد منهما أن لا يدخل على صاحبه فدخلا في المنزل معا لا يحنثان؛ لأنه لم يدخل واحد منهما على صاحبه قال لأخ امرأته إن لم تدخل بيتي كما كنت تدخل فامرأته طالق فإن كان بينهما كلام يدل على الفور فهو على الفور؛ لأن الحال أوجب التقييد، وإلا كانت اليمين على الأبد ويقع اليمين على الدخول المعتاد قبل اليمين حتى لو امتنع الأخ مرة مما كان المعتاد يحنث؛ لأن اليمين مطلقة فتنصرف إلى الأبد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط والولوالجية وغيرهما لو قال إن أدخلت فلانا بيتي فامرأته طالق فهو على أن يدخل بأمره؛ لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله، ولو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فهو على الدخول بعلم الحالف فمتى علم، ولم يمنع فقد ترك، ولو قال إن دخل فلان بيتي فهو على الدخول أمر الحالف به أو لم يأمر علم به أو لم يعلم؛ لأن الشرط هو الدخول، وقد وجد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط لو قال إن دخل داري هذه أحد فعبدي حر والدار له، ولغيره فدخلها هو لم يحنث؛ لأن المعرفة لا تدخل تحت النكرة كما لو قال زوج بنتي من رجل لا يدخل المأمور تحت هذا الأمر، ولو قال إن دخل هذه الدار أحد يحنث إذا دخل هو، سواء كانت الدار له أو لغيره؛ لأن النكرة تدخل تحت النكرة‏.‏ ولو قال إن دخل دارك أحد فالمنسوب إليه خارج عن اليمين؛ لأنه صار معرفا بالإضافة وتمامه فيه، وفي الخانية رجل قال لأمنعن فلانا من دخول داري فمنعه مرة بر في يمينه فإن رآه مرة ثانية، ولم يمنعه لا شيء عليه‏.‏ رجل حلف بطلاق امرأته أنه لم يدخل هذا اليوم ثم قال أوهمت وحلف بطلاق امرأة أخرى أنه قد دخلها اليوم يلزمه طلاق الأولى، ولا يلزمه طلاق الثانية؛ لأنه يقول اليمين الأولى كذب والثانية صدق فلا يحنث في الثانية، ولو حلف بعتق عبده أنه دخل هذه الدار اليوم ثم قال لم أدخله وحلف بعتق عبد آخر أنه لم يدخلها اليوم ثم رجع، وقال قد دخلتها اليوم وحلف بعتق عبد آخر عتق العبيد الثلاث جميعا؛ لأن الأول عتق بالكلام الثاني والوسط عتق بالكلام الثالث، وعتق الثالث بعتق الأول؛ لأن الحالف زعم أنه كاذب في الكل فيلزمه عتق الكل، ولو قال إن دخلت الكوفة، ولم أتزوج فعبدي حر فإن دخل قبل التزوج حنث، ولو قال فلم أتزوج فهذا على أن يكون التزوج بعد الدخول حين يدخل، ولو قال إن دخلت الكوفة ثم لم أتزوج فهو على أن يتزوج بعد الدخول على الأبد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القنية كان في البيت الشتوي فخاصم امرأته فقال‏:‏ إن دخلت هذا البيت إلى العيد فالحلال عليه حرام ثم قال نويت ذلك البيت بعينه يصدق حلف لا يدخل على هؤلاء القوم ثم دخل عتبة الباب فرأى واحدا منهم فرجع لا يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة قال لامرأته إن دخلت دار أبوك فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فدخل دار أبيها ثم إنها حرمت عليه فتزوجها لا تطلق بتلك اليمين؛ لأنها معرفة بإضافة اليمين فلا تدخل تحت النكرة هذا في مجموع النوازل، وفي النوازل قال لامرأته إن دخلت الدار فنساء طوالق فدخلت الدار، وقع الطلاق عليها، وعلى غيرها والاعتماد على هذا دون ما ذكر في مجموع النوازل، ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق بغير خسران يشترط قبولها عند دخول الدار وتفسير غير الخسران إن وهبت المهر ثم دخلت الدار‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي العمدة لو قال لا أدع فلانا يدخل هذه الدار فإن لم تكن الدار ملكا له فالمنع بالقول، وفي الملك بالقول والفعل، ولو حلف لا يدخل دار فلان فاستعار فلان دار جاره واتخذ فيها وليمة ودخلها الحالف لا يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ فقولهم إن المستعارة تضاف إليه معناه إذا سكنها لا إذا اتخذ فيها وليمة، وفي العدة لو قال والله لا أدخل هذه الدار وأدخل هذه الدار فإذا دخل الأولى يحنث، وإن دخل الثانية لا يحنث، ولو قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار بنصب اللام فإن دخل الدار الأولى أولا ثم دخل الثانية يحنث، وإن دخل الثانية أولا ثم دخل الأولى لا يحنث؛ لأن كلمة أو بمنزله حتى‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي مآل الفتاوى قال لا أدخل دار فلان أو دار الفلان لا فرق بينهما عند أبي يوسف، ولو دخل دارا اشتراها بعد اليمين لا يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏

ثم شرع المصنف رحمه الله في الكلام على السكنى؛ لأنها تعقب الدخول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا يسكن هذه الدار أو البيت أو المحلة فخرج وبقي متاعه، وأهله حنث‏)‏؛ لأنه يعد ساكنا ببقاء أهله، ومتاعه فيها عرفا فإن السوقي في عامة نهاره في السوق ويقول أسكن ببلدة كذا والبيت والمحلة بمنزلة الدار والمحلة هي المسماة في عرفنا بالحارة قيد بالثلاثة والسكة كالمحلة؛ لأنه لو كان اليمين على المصر أو البلدة لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل كما روي عن أبي يوسف؛ لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول، وهو المراد بقوله بخلاف المصر والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب كما في الهداية، وأطلق الساكن فشمل من يستقل بسكناه أو لا، وهو مقيد بالمستقل؛ لأن الحالف لو كان سكناه تبعا كابن كبير ساكن مع أبيه أو امرأة مع زوجها فحلف أحدهما لا يسكن هذه فخرج بنفسه وترك أهله، وماله، وهي زوجها، ومالها لا يحنث،‏.‏ وقيده الفقيه أبو الليث أيضا بأن يكون حلفه بالعربية فلو عقد بالفارسية لا يحنث إذا خرج بنفسه وترك أهله وماله، وإن كان مستقلا بسكناه‏.‏ وأشار إلى أنه لو لم يخرج فإنه يحنث بالأولى والكل مقيد بالإمكان، ولذا قالوا لو بقي فيها أياما يطلب منزلا آخر حتى يجده أو خرج واشتغل بطلب دار أخرى لنقل الأهل والمتاع أو خرج لطلب دابة لينقل عليها المتاع فلم يجد أياما لم يحنث، وكذا لو كانت أمتعة كثيرة فاشتغل بنقلها بنفسه، وهو يمكنه أن يستكري دابة فلم يستكر لم يحنث، وكذا لو أبت المرأة أن تنتقل وغلبته وخرج هو، ولم يرد العود إليه أو منع هو من الخروج بأن أوثق أو منع متاعه فتركه أو وجد باب الدار مغلقا فلم يقدر على فتحه، ولا على الخروج منه لم يحنث، وكذا لو قدر على الخروج بهدم بعض الحائط، ولم يهدم لا يحنث، وليس عليه ذلك إنما تعتبر القدرة على الخروج من الوجه المعهود عند الناس كما في الظهيرية بخلاف ما إذا قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فامرأته طالق فقيد، ومنع عن الخروج أو قال لامرأته إن لم تجيئي الليلة إلى البيت فأنت طالق فمنعها والدها حيث تطلق فيهما في الصحيح والفرق أن شرط الحنث في مسألة الكتاب الفعل، وهو السكنى، وهو مكره فيه، وللإكراه تأثير في إعدام الفعل والشرط في تلك المسألة عدم الفعل، ولا أثر للإكراه في إبطال العدم، وإن كان اليمين في الليل فلم يمكنه الخروج حتى أصبح لم يحنث كذا في التبيين وغيره‏.‏ وفي التجنيس رجل قال لامرأته إن سكنت هذه الدار فأنت طالق، وكانت اليمين بالليل فإنها معذورة حتى تصبح؛ لأنها في معنى المكره في هذه السكنى؛ لأنها تخاف الخروج ليلا، ولو قال ذلك لرجل لم يكن معذورا؛ لأنه لا يخاف هذا هو المختار‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا منافاة بينهما؛ لأن ما في التبيين مفروض بأنه لا يمكنه الخروج، وما في التجنيس فيما إذا كان لا يخاف، والواو في قوله وبقي أهله، ومتاعه بمعنى أو؛ لأن الحنث يحصل ببقاء أحدهما من غير توقف عليهما فلو قال نويت التحول ببدني خاصة لم يصدق في القضاء ويدين كما في البدائع، وأفاد أنه لا بد من نقل جميع الأهل والمتاع، وهو في الأهل بالإجماع والمراد بالأهل زوجته، وأولاده الذين معه، وكل من كان يأويه لخدمته والقيام بأمره كما في البدائع‏.‏ وأما في الأمتعة ففيه اختلاف فقال الإمام المتاع كالأهل حتى لو بقي، وقد حنث؛ لأن السكنى تثبت بالكل فتبقى ببقاء شيء منه، وقد صار هذا أصلا للإمام حتى لو بقي صفة السكون في العصير يمنع من صيرورته خمرا وبقاء مسلم واحد في دار ارتد أهلها يمنع من صيرورتها دار حرب، ولا يرد عليه أن الشيء ينتفي بانتفاء جزئه كالعشرة تنتفي بانتفاء الواحد؛ لأن ذلك في الأجزاء أما في الأفراد فلا كالرجال لا ينتفي بانتفاء واحد والفرق بين الفرد والجزء أنه إن صدق اسم الكل على كل واحد فالآحاد أفراد، وإلا فأجزاء كما عرف من بحث العام في الأصول، وقال أبو يوسف يعتبر نقل الأكثر لتعذر نقل الكل في بعض الأوقات، وقال محمد يعتبر نقل ما تقوم به السكنى؛ لأن ما وراءه ليس من السكنى، وقد اختلف الترجيح فالفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير رجح قول الإمام، وأخذ به كما في غاية البيان والمشايخ استثنوا منه ما لا تتأتى به السكنى كقطعة حصير ووتد كما ذكره في التبيين وغيره ورجح في الهداية قول محمد بأنه أحسن، وأرفق بالناس، ومنهم من صرح بأن الفتوى عليه كما في فتح القدير وصرح كثير كصاحب المحيط والفوائد الظهيرية والكافي بأن الفتوى على قول أبي يوسف فقد اختلف الترجيح كما ترى والإفتاء بمذهب الإمام أولى؛ لأنه أحوط، وإن كان غيره أرفق ويتفرع على كون السكنى تبقى ببقاء اليسير من المتاع عنده أنه لو انتقل المودع وترك الوديعة لا غير في المنزل المنتقل عنه لا يضمن، وعندهما يضمن بكل حال ذكره البزازي في فتاواه من كتاب الإجارة من فصل الخياط والنساج، وفي المحيط لو حلف لا يسكن دار فلان هذه فسكن منزلا منها حنث؛ لأن الدار هكذا تسكن عادة فإن عنى أن لا يسكنها كلها لا يحنث حتى يسكنها كلها؛ لأن الدار حقيقة اسم للجميع فقد نوى الحقيقة‏.‏ وظاهر كلام المصنف أنه لو نقل أهله، ومتاعه منها فإنه يبر سواء سكن في منزل آخر أو لا، وفيه اختلاف ففي الهداية وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى يبر فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد قالوا لا يبر دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره فلم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة كذا هذا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير‏:‏ وإطلاق عدم الحنث أوجه، وكون وطنه باقيا في حق إتمام الصلاة ما لم يستوطن غيره لا يستلزم تسميته ساكنا عرفا بذلك المكان بل يقطع من العرف فيمن نقل أهله، وأمتعته وخرج مسافرا أنه لا يقال فيه إنه ساكن‏.‏ ا هـ‏.‏ وفصل الفقيه أبو الليث تفصيلا حسنا فقال‏:‏ إن لم يسلم داره المستأجرة إلى أهلها حنث، وإن سلمها لا، وفي الظهيرية والصحيح أنه يحنث ما لم يتخذ مسكنا آخر، ولم يستوف المصنف رحمه الله مسائل اليمين على السكنى فنحن نذكرها تتميما للفائدة ففي البدائع لو حلف لا يسكن هذه الدار، ولم يكن ساكنا فيها فالسكنى فيها أن يسكنها بنفسه وينقل إليها من متاعه ما يبات فيه ويستعمله في منزله فإذا فعل ذلك فهو حانث، وأما المساكنة فإذا كان رجل ساكنا مع رجل في دار فحلف أحدهما أن لا يساكن صاحبه فإن أخذ في النقلة، وهي ممكنة بر، وإلا حنث والنقلة على الخلاف المتقدم فإن لم ينتقل للحال حنث؛ لأن البقاء على المساكنة مساكنة، وهو أن يجمعهما منزل واحد‏.‏ فإن وهب متاعه للمحلوف عليه أو أودعه أو أعاره ثم خرج في طلب منزل فلم يجد منزلا أياما، ولم يأت الدار التي فيها صاحبه قال محمد إن كان وهب له المتاع، وقبضه منه وخرج من ساعته، وليس من رأيه العود فليس بمساكن، وكذلك إن أودعه المتاع ثم خرج لا يريد العود إلى ذلك المنزل، وكذا العارية، ولو كان له في الدار زوجة فراودها الخروج فأبت، ولم يقدر على إخراجها فإنه لا يحنث ببقائها‏.‏ وإذا حلف لا يساكن فلانا فساكنه في عرصة دار أو بيت أو غرفة حنث فإن ساكنه في دار هذا في حجرة، وهذا في حجرة أو هذا في منزل، وهذا في منزل حنث إلا أن تكون دارا كبيرة قال أبو يوسف مثل دار الرقيق ودار الوليد بالكوفة، وكذا كل دار عظيمة فيها مقاصير ومنازل، وعن محمد إذا حلف لا يساكن فلانا، ولم يسم دارا فسكن هذا في حجرة، وهذا في حجرة لم يحنث إلا أن يساكنه في حجرة واحدة فإن سكن هذا في بيت من دار، وهذا في بيت آخر، وقد حلف لا يساكنه، ولم يسم دارا حنث في قولهم؛ لأن بيوت الدار الواحدة كالبيت الواحد، وقال أبو يوسف فإن ساكنه في حانوت في سوق يعملان فيه عملا أو يبيعان تجارة فإنه لا يحنث إلا بالنية أو يكون بينهما كلام يدل عليها قالوا إذا حلف لا يساكن فلانا بالكوفة، ولا نية له فسكن أحدهما في دار والآخر في دار أخرى في قبيلة واحدة أو محلة واحدة أو درب واحد فإنه لا يحنث حتى يجمعهما السكنى في دار؛ لأن المساكنة المخالطة وذكر الكوفة لتخصيص اليمين بها حتى لا يحنث بمساكنته في غيرها، ولو حلف الملاح أن لا يساكن فلانا في سفينة فنزل مع كل أهله، ومتاعه واتخذها منزله حنث، وكذلك أهل البادية إذا جمعتهم خيمة، وإن تفرقت الخيام لم يحنث، وإن تقاربت، وإذا حلف أنه لا يأوي مع فلان أو لا يأوي في مكان أو دار أو بيت فالإيواء الكون ماكثا في المكان أو مع فلان في مكان قليلا كان المكث أو كثيرا ليلا كان أو نهارا فإن نوى أكثر من ذلك فهو على ما نوى فإذا حلف لا يبيت مع فلان أو لا يبيت في مكان كذا فالمبيت بالليل حتى يكون منه أكثر من نصف الليل، وإن كان أقل لم يحنث وسواء نام في الموضع أو لم ينم‏.‏ فلو حلف لا يبيت الليلة في هذه الدار، وقد ذهب ثلثا الليل ثم بات بقية ليلته قال محمد لا يحنث؛ لأن البيتوتة إذا كانت تقع على أكثر الليل فقد حلف على ما لا يتصور فلم تنعقد يمينه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الواقعات حلف لا يساكن فلانا فنزل منزله فمكث فيه يوما أو يومين لا يحنث؛ لأنه لا يكون ساكنا معه حتى يقيم معه في منزله خمسة عشر يوما، وهذا بمنزلة ما لو حلف لا يسكن الكوفة فمر بها مسافرا فنوى أربعة عشر يوما لا يحنث فإن نوى خمسة عشر يوما يحنث، ولو سافر الحالف فسكن فلان مع أهله قال أبو حنيفة يحنث، وقال أبو يوسف لا، وعليه الفتوى؛ لأن الحالف لم يساكنه حقيقة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية لو حلف لا يساكن فلانا فدخل فلان دار الحالف غصبا فأقام الحالف معه حنث علم الحالف بذلك أو لم يعلم، وإن خرج الحالف بأهله، وأخذ بالنقل حين نزل الغاصب لم يحنث، ولو حلف لا يساكن فلانا فساكنه في مقصورة أو في بيت واحد من غير أهل ومتاع لا يحنث، ولو حلف لا يساكن فلانا في دار وسمى دارا بعينها فتقاسماها وضرب كل واحد بينهما حائطا، وفتح كل واحد منهما لنفسه بابا فسكن الحالف في طائفة والآخر في طائفة حنث الحالف، ولو لم يعين الدار في يمينه، ولكن ذكر دارا على التنكير وباقي المسألة بحالها لا يحنث، ولو حلف لا يساكن فلانا شهر كذا فساكنه ساعة في ذلك الشهر حنث؛ لأن المساكنة مما لا يمتد، ولو قال لا أقيم بالرقة شهرا لا يحنث ما لم يقم جميع الشهر، ولو حلف لا يسكن الرقة شهرا فسكن ساعة حنث، ولو حلف لا يبيت الليلة في هذا المنزل فخرج بنفسه وبات خارج المنزل، وأهله ومتاعه في المنزل لا يحنث، وهذه اليمين تكون على نفسه لا على المتاع، ولو حلف لا يبيت على سطح هذا البيت، وعلى البيت غرفة، وأرض الغرفة سطح هذا البيت يحنث إن بات عليه، ولو حلف لا يبيت على سطح فبات على هذا لا يحنث‏.‏ ولو قال والله لا أبيت في منزل فلان غدا فهو باطل إلا أن ينوي الليلة الجائية، وكذا لو قال بعدما مضى أكثر الليلة، ولو قال لا أكون غدا في منزل فلان فهو على ساعة من الغد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة لو قال والله لا أسكن هذه الدار ثلاثين يوما أو قال لأسكنن هذه الدار ثلاثين يوما له أن يفرق، ولو حلف لا يسكن هذه القرية فذهب على ما هو الشرط ثم عاد وسكن يحنث هذا في الفتاوى الصغرى، وأفتى القاضي الإمام أنه إن نوى الفور لا يحنث إذا عاد وسكن، وكذا إذا كان هناك مقدمة الفور، وفي المحيط حلف لا يقعد في هذه الدار، ولا نية له قالوا إن كان ساكنا فيها فهو على السكنى، وإن لم يكن ساكنا فهو على القعود حقيقة، ولو قال والله لا يجمعني، وإياك سقف بيت فهذا على المجالسة فإن جالسه في بيت أو فسطاط أو سفينة أو خيمة حنث، وإن صلى في مسجد جماعة فصلى الآخر معه في القوم لم يحنث، وإن كان أحدهما في المسجد فجاء الآخر فجلس إليه فقد حنث، وإن جلس بعيدا منه، ولم يجلس إليه لم يحنث، وكذلك البيت الواحد إذا كان يجلس هذا في مكان، وهذا في مكان غير مجالس له لا يحنث ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا يخرج فأخرج محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا‏)‏ أي لا يحنث، وهو شروع في بعض مسائل الحلف على الخروج فإذا حلف لا يخرج من المسجد مثلا فأمر إنسانا فحمله، وأخرجه حنث؛ لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر فصار كما إذا ركب دابة فخرجت، ولو أخرجه مكرها لم يحنث؛ لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الأمر، ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث في الصحيح؛ لأن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضا، وإذا لم يحنث فيهما لا تنحل في الصحيح لعدم فعله، وقال السيد أبو شجاع تنحل، وهو أرفق بالناس ويظهر أثر هذا الاختلاف فيما لو دخل بعد هذا الإخراج هل يحنث فمن قال انحلت قال لا يحنث، وهذا بيان كونه أرفق بالناس، ومن قال لا تنحل قال حنث ووجبت الكفارة، وهو الصحيح كذا في فتح القدير وصوابه إن كان الحلف بأنه لا يخرج إن يظهر فيما لو دخل بعد هذا الإخراج ثم خرج، وإن كان الحلف بأنه لا يدخل فنعم‏.‏ قيد بكونه أخرج مكرها أي حمله المكره، وأخرجه؛ لأنه لو خرج بنفسه مكرها، وهو الإكراه المعروف، وهو أن يتوعده حتى يفعل فإنه حينئذ يحنث لما عرف أن الإكراه لا يعدم الفعل عندنا ونظيره ما لو حلف لا يأكل هذا الطعام فأكره عليه حتى أكله حنث، ولو أوجر في حلقه لا يحنث كذا في فتح القدير وبهذا ظهر أن هذا الحكم لا يختص بالحلف على الخروج؛ لأنه لو حلف لا يدخل فأدخل محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا، وفي المجتبى لو هبت به الريح، وأدخلته لم يحنث، وفي الانحلال كلام، وفيمن زلق فوقع فيها أو كان راكبا دابة فانفلتت، ولم يستطع إمساكها فأدخلته خلاف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع الخروج هو الانفصال من الحصن إلى العودة على مضادة الدخول فلا يكون المكث بعد الخروج خروجا كما لا يكون المكث بعد الدخول دخولا ثم الخروج كما يكون من البلدان والدور والمنازل والبيوت تكون من الأخبية والفساطيط والخيم والسفن لوجود حده والخروج من الدور المسكونة أن يخرج الحالف بنفسه، ومتاعه، وعياله كما إذا حلف لا يسكن والخروج من البلدان والقرى أن يخرج الحالف ببدنه خاصة، ولو قال والله لا أخرج، وهو في بيت من الدار فخرج إلى صحن الدار لم يحنث إلا أن ينوي فإن نوى الخروج إلى مكة أو خروجا من البلد لم يصدق قضاء، ولا ديانة؛ لأن غير المذكور لا يحتمل التخصيص، ولو قال إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت منها من الباب أي باب كان، ومن أي موضع كان من فوق حائط أو سطح أو نقب حنث لوجود الشرط، وهو الخروج من الدار، ولو قيد بباب هذه الدار لم يحنث بالخروج من غير الباب قديما كان الباب أو حادثا، ولو عين بابا في اليمين تعين، ولا يحنث بالخروج من غيره ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كلا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجة‏)‏ يعني لا يحنث؛ لأن الموجود خروج مستثنى والمضي بعد ذلك ليس بخروج، وفي البدائع لو قال إن خرجت من هذه الدار إلا إلى المسجد فأنت طالق فخرجت تريد المسجد ثم بدا لها فذهبت إلى غير المسجد لم تطلق لما ذكرنا، وأشار المصنف إلى أنه لو قال إن خرجت من هذه الدار مع فلان فأنت طالق فخرجت وحدها أو مع فلان آخر ثم خرج فلان، ولحقها فإنه لا يحنث؛ لأن كلمة مع للقران فيقتضي مقارنتها للخروج، ولم يوجد؛ لأن المكث بعد الخروج ليس بخروج كما في البدائع أيضا، ولو خرج في مسألة الكتاب لغير الجنازة فإنه يحنث لوجود الشرط، والاعتبار للقصد عند الخروج قال في الظهيرية لو قال لها إن خرجت إلى منزل أبيك فأنت كذا فهو على الخروج عن قصد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط حلفت المرأة أن لا تخرج إلى أهلها قال أبو يوسف أهلها أبواها، وليس أحد سواهما أهلها فإن لم يكن لها أبوان فأهلها كل ذي رحم محرم منها فإن لم يكن لها إلا أم مطلقة فأهلها منزل أمها فإن كان الأب متزوجا والأم متزوجة فالأهل منزل الأب دون منزل الأم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع يحنث، وفي لا يأتيها لا‏)‏ أي لا يحنث والفرق بين الخروج والإتيان أن الخروج على قصد مكة قد وجد وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج، وأما الإتيان فعبارة عن الوصول قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين‏}‏ واختلف في الذهاب فقيل هو كالإتيان، وقيل كالخروج، وهو الأصح؛ لأنه عبارة عن الزوال أطلق في الحنث بالخروج، وهو مقيد بما إذا جاوز عمران مصره على قصدها فلو خرج قاصدا مكة، ولم يجاوز عمرانه لا يحنث كما في الظهيرية وغيرها كأنه ضمن لفظ أخرج معنى أسافر للعلم بأن المضي إليها سفر لكن على هذا لو لم يكن بينها وبينه مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل كما في فتح القدير، وفي المحيط حلف لا يخرج إلى بغداد اليوم فخرج من باب داره يريد بغداد ثم بدا له فرجع لا يحنث ما لم يجاوز عمران مصره بهذه النية بخلاف ما إذا حلف لا يخرج إلى جنازة فلان والمسألة بحالها يحنث، والفرق أن الخروج إلى بغداد سفر والمرء لا يعد مسافرا ما لم يجاوز عمران مصره، ولا كذلك في الخروج إلى الجنازة، ولو كان في منزل من داره في المسألة الثانية فخرج إلى صحن الدار ثم رجع لا يحنث ما لم يخرج من باب الدار؛ لأنه لا يعد خارجا في جنازة فلان ما دام في داره كما لا يعد خارجا إلى بغداد ما دام في مصره فاستوت المسألتان معنى‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع قال عمر بن أسد سألت محمدا عن رجل حلف ليخرجن من الرقة ما الخروج قال إذا جعل البيوت خلف ظهره؛ لأن من حصل في هذه المواضع جاز له القصر‏.‏ ا هـ‏.‏ فالحاصل أن الخروج إن كان من البلد فلا يحنث حتى يجاوز عمران مصره سواء كان إلى مقصده مدة سفر أو لا، وإن لم يكن خروجا من البلد فلا يشترط مجاوزة العمران‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو حلف أن لا يخرج إلى مكة ماشيا فخرج من أبيات المصر ماشيا يريد به مكة ثم ركب حنث، ولو خرج راكبا ثم نزل فمشى لا يحنث كذا في الظهيرية، وفيها أيضا رجل قال والله لأخرجن مع فلان العام إلى مكة إذا خرج مع فلان حتى جاوز البيوت وصار بحيث يباح له قصر الصلاة بر في يمينه، وإن بدا له أن يرجع رجع من غير ضرر، ولو حلف أن لا يخرج من بغداد فخرج مع جنازة والمقابر خارجة من بغداد يحنث، ولو قال لامرأته إن خرجت من هاهنا اليوم فإن رجعت إلى سنة فأنت طالق ثلاثا فخرجت اليوم إلى الصلاة أو غيرها ثم رجعت فإن كان سبب اليمين خروج الانتقال أو السفر لا تطلق‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القنية انتقل الزوجان من الرستاق إلى قرية فلحقه رب الديون فقال لها اخرجي معي إلى حيث كنا فيه فأبت إلى الجمعة فقال‏:‏ إن لم تخرجي معي فكذا فإن كان قد تأهب للخروج فهو على الفور، وإلا فلا، وإن خرجت معه في الحال إلى درب القرية ثم رجعت بر في يمينه، وإن أراد زوجها الخروج أصلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط ولو حلف لا يخرج من الري إلى الكوفة فخرج من الري يريد مكة وجعل طريقه إلى الكوفة ينظر إن كان حيث خرج نوى أن يمر بالكوفة حنث، وإن نوى أن لا يمر بالكوفة ثم بدا له بعدما خرج فصار إلى موضع آخر تقصر فيه الصلاة فقصد أن يمر بالكوفة لا يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم في الخروج والذهاب تشترط النية عند الانفصال للحنث كما قدمناه، وفي الإتيان لا يشترط بل إذا وصل إليها يحنث نوى أو لم ينو؛ لأن الخروج متنوع يحتمل الخروج إليها، وإلى غيرها، وكذا الذهاب فلا بد من النية عند ذلك كالخروج إلى الجنازة بخلاف الإتيان؛ لأن الوصول غير متنوع، وفي المحيط ليأتينه فأتاه فلم يأذن له لا يحنث‏.‏ وفي الذخيرة إذا حلف الرجل أن لا تأتي امرأته عرس فلان فذهبت قبل العرس، وكانت ثمة حتى مضى العرس لا يحنث هكذا ذكر في المنتقى، وعلله فقال؛ لأنها ما أتت العرس بل العرس أتاها، ولو حلف لا يأتي فلانا فهو على أن يأتي منزله أو حانوته لقيه أو لم يلقه، وإن أتى مسجده لم يحنث رواه إبراهيم عن محمد، وفي المنتقى رجل لزم رجلا وحلف الملتزم ليأتينه غدا فأتاه في الموضع الذي لزمه فيه لا يبر حتى يأتي منزله فإن كان لزمه في منزله فحلف ليأتينه غدا فتحول الطالب من منزله فأتى الحالف المنزل الذي كان فيه الطالب فلم يجده لا يبر حتى يأتي المنزل الذي تحول إليه، ولو قال إن لم آتك غدا في موضع كذا فعبدي حر فأتاه فلم يجده فقد بر إنما هذا على إتيان ذلك الموضع، وهذا بخلاف ما إذا قال إن لم أوفك غدا في موضع كذا فأتى الحالف ذلك الموضع فلم يجده حيث يحنث؛ لأن هذا على أن يجتمعا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بالإتيان؛ لأن العيادة والزيارة لا يشترط فيهما الوصول، ولذا قال في الذخيرة إذا حلف ليعودن فلانا أو ليزورنه فأتى بابه فلم يؤذن له فرجع، ولم يصل إليه لا يحنث، وإن أتى بابه، ولم يستأذن حنث قال في المحيط، وعلى قياس من قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فمنع أو قيد حنث فيجب أن يحنث هنا في الوجهين، وهو المختار لمشايخنا‏.‏ ا هـ‏.‏ ولو قال إن لم أرسل إليك نفقتك هذا الشهر فأنت طالق فأرسل بها على يد إنسان وضاعت من يد الرسول لا يحنث؛ لأنه قد أرسل، وكذا إذا قال إن لم أبعث إليك نفقة هذا الشهر، ولو قال إن لم تجيئيني غدا بمتاع كذا فأنت طالق فبعثت به مع إنسان قال إن كان مراده وصول عين المتاع إليه لا يحنث، وإن كان غرضه أن تحمل بنفسها يحنث، ولو قال الرجل لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب بهم بعض الطريق فأخذهم العسس فحبسهم لا تطلق امرأته هكذا حكي عن الفقيه أبي جعفر قال الفقيه أبو الليث هذا الجواب يوافق قولهما في مسألة الكوز، وقد مر في أول النوع اختيار الصدر الشهيد في جنس هذه المسائل بخلاف هذا‏.‏ ا هـ‏.‏ ما في الذخيرة‏.‏ ولم أر من صرح بلفظ الرواح من أئمتنا، وهو كثير الوقوع في كلام المصريين، وفي أيمانهم لكن قال الأزهري لغة العرب أن الرواح الذهاب سواء كان أول الليل أو آخره أو في الليل قال النووي في شرح مسلم من كتاب الجمعة بعد نقله، وهذا هو الصواب‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلى هذا إذا حلف لا يروح إلى كذا فهو بمعنى لا يذهب، وهو بمعنى الخروج يحنث بالخروج عن قصده وصل أو لا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏‏)‏ ‏(‏‏:‏ ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته‏)‏؛ لأن البر قبل ذلك موجود، ولا خصوصية للإتيان بل كل فعل حلف أنه يفعله في المستقبل، وأطلقه، ولم يقيده بوقت لم يحنث حتى يقع الإياس عن البر مثل ليضربن زيدا أو ليعطين فلانة أو ليطلقن زوجته وتحقق اليأس عن البر يكون بفوت أحدهما فلذا قال في غاية البيان، وأصل هذا أن الحالف في اليمين المطلقة لا يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين لتصور البر فإذا فات أحدهما فإنه يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر أن الضمير في قوله حتى مات يعود إلى أحدهما أيهما كان سواء كان الحالف أو المحلوف عليه لا أنه خاص بالحالف كما هو المتبادر من العبارة، وقيد باليمين المطلقة؛ لأنها لو كانت مقيدة كقوله إن لم أدخل هذه الدار اليوم فعبده حر فإن الحنث معلق بآخر الوقت حتى إذا مات الحالف قبل خروج الوقت، ولم يدخل الدار لا يحنث، وأما إذا مضى الوقت قبل دخوله، وهو حي عتق العبد كذا في غاية البيان ثم اعلم أن اليمين المطلقة لا تكون على الفور إلا بقرينة ففي الظهيرية في الفصل السابع، ولو حلف إن رأى فلانا ليضربنه فالرؤية على القريب والبعيد والضرب متى شاء إلا أن يعني الفور، وفي فتاوى أبي الليث رجل أراد أن يواقع امرأته، وكانت امرأته على باب الدار فقال لها إن لم تدخلي معي في الدار فأنت طالق فدخلت بعدما سكنت شهوته وقع الطلاق عليها، وإن دخلت قبل ذلك لم تطلق، وفي الفصل الخامس حلف ليضربن غلامه في كل حق، وليس له نية فهو على أن يضربه كل ما شكي إليه بحق أو باطل، ولا يكون يمينه على فور الشكاية ما لم ينو ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي تمام مسائل الفور إن شاء الله تعالى قريبا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ليأتينه إن استطاع فهي استطاعة الصحة‏)‏؛ لأنها المرادة في العرف، وهي سلامة الآلات وصحة الأسباب، وفسرها محمد رحمه الله بقوله إذا لم يمرض، ولم يمنعه السلطان، ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه فلم يأته حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلى هذا المراد بسلامة الآلات صحة الجوارح فالمريض ليس بمستطيع والمراد بصحة الأسباب تهيئة لإرادة الفعل على وجه الاختيار فخرج الممنوع، ولذا ذكر في الاختيار أنها سلامة الآلات ورفع الموانع، وفي المبسوط الاستطاعة رفع الموانع‏.‏ ا هـ‏.‏ فينبغي أنه إذا نسي اليمين لا يحنث؛ لأن النسيان مانع، وكذا لو جن فلم يأته حتى مضى الغد كما لا يخفى، ولذا قال في غاية البيان وحدها التهيؤ لتقييد الفعل على إرادة المختار‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن نوى القدرة دين‏)‏ أي صدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن حقيقتها فيما يقارن الفعل ويطلق الاسم على سلامة الآلات وصحة الأسباب في المتعارف فعند الإطلاق ينصرف إليه وتصح نية الأول ديانة؛ لأنه حقيقة كلامه وظاهر كلامه أنه لا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وقيل يصدق قضاء أيضا؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، وإذا صدق لا يتصور حنثه أبدا؛ لأنها لا تسبق الفعل ورجح في فتح القدير الأول بأنه أوجه؛ لأنه، وإن كان مشتركا بينهما لكن تعورف استعماله عند الإطلاق عن القرينة لأحد المعنيين بخصوصه، وهو سلامة آلات الفعل وصحة أسبابه فصار ظاهرا فيه بخصوصه فلا يصدقه القاضي في خلاف الظاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد أظهر الزاهدي في المجتبى اعتزاله في هذا المحل كما أظهره في القنية في موضعين من ألفاظ التكفير، وعبارته في المجتبى قلت‏:‏ وفي قوله حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل نظر قوي؛ لأنه بناه على مذهب الأشعرية والسنية أن القدرة تقارن الفعل، وإنه باطل إذ لو كان كذلك لما كان فرعون، وهامان وسائر الكفرة الذين ماتوا على الكفر قادرين على الإيمان، وكان تكليفهم بالإيمان تكليفا بما لا يطاق، وكان إرسال الرسل والأنبياء، وإنزال الكتب والأوامر والنواهي والوعد والوعيد ضائعة في حقهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو غلط؛ لأن التكليف ليس مشروطا بهذه القدرة حتى يلزم ما ذكره، وإنما هو مشروط بالقدرة الظاهرة، وهي سلامة الآلات وصحة الأسباب كما عرف في الأصول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا تخرجي إلا بإذني شرط لكل خروج إذن بخلاف إلا أن وحتى‏)‏ أي بخلاف لا تخرجي إلا أن آذن لك أو حتى أن آذن لك فأذن لها مرة انتهت اليمين حتى لو خرجت بإذنه ثم خرجت بعده بغير إذنه لا يحنث والفرق في الأول أن المستثنى خروج مقرون بالإذن؛ لأنه مفرغ للمتعلق فصار المعنى إلا خروجا ملصقا به فما لم يكن ملصقا بالإذن فهو داخل في اليمين لعموم النكرة فيحنث به، وفي الثاني الإذن غاية أما في حتى فظاهر، وأما في إلا أن فتجوز بإلا فيها لتعذر استثناء الإذن من الخروج وبالمرة يتحقق فينتهي المحلوف عليه، وأما لزوم تكرار الإذن في دخول بيوته عليه السلام مع تلك الصيغة ‏{‏إلا أن يؤذن لكم‏}‏ فبدليل خارجي، وهو تعليله بالأذى ‏{‏إن ذلكم كان يؤذي النبي‏}‏ وتمامه في الأصول في بحث الباء، ولا يرد أن إلا أن آذن بمعنى إلا بإذني؛ لأن أن والفعل في تأويل المصدر، ولا بد من تقدير الباء، وإلا صار المعنى إلا خروجا إذني فصار كالمسألة الأولى؛ لأنه يلزم أحد الأمرين أما ما ذكر من تقدير الباء محذوفة أو ما قلنا من جعلها بمعنى حتى مجازا أي حتى آذن لك، وعلى الأول يكون كالأول، وعلى الثاني ينعقد على إذن واحد، وإذا لزم في إلا أن أحد المجازين وجب الراجح منهما، ومجاز غير الحذف أولى من مجاز الحذف عندهم؛ لأنه تصرف في وصف نفس اللفظ، ومجاز الحذف تصرف في ذاته بالإعدام مع الإرادة‏.‏ وأشار المصنف بقوله شرط أنه لو نوى الإذن مرة واحدة لم يصدق قضاء، وعليه الفتوى كما في الولوالجية لكنه يصدق ديانة؛ لأنه نوى محتمل كلامه فيستعار بمعنى حتى لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي بخلاف ما إذا نوى التعدد في المسألة الثانية حيث يصدق قضاء؛ لأنه محتمل كلامه، وفيه تشديد على نفسه، ومثل قوله إلا بإذن بغير إذني فيشترط لكل خروج إذن؛ لأن المعنى فيهما واحد مع وجود الباء والرضا والأمر والعلم كالإذن فيما ذكرنا، وكذلك إن خرجت إلا بقناع أو بملحفة، ولو قال لها أذنت لك في الخروج كلما أردت فخرجت مرة بعد أخرى لا يحنث فإن نهاها عن الخروج بعد ذلك صح النهي، وهذا قول محمد وبه أخذ الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل، ولو أذن لها في الخروج ثم قال لها كلما نهيتك فقد أذنت لك فنهاها لا يصح نهيه إياها، ولو أذن لها بالعربية، ولا عهد لها بالعربية فخرجت حنث كما لو أذن لها، وهي نائمة أو غائبة لم تسمع فخرجت حنث، وقال بعضهم هذا قول أبي حنيفة ومحمد أما على قول أبي يوسف وزفر يكون إذنا، وقال بعضهم الإذن يصح بدون العلم والسماع في قولهم، وإنما الخلاف بينهم في الأمر على قول أبي حنيفة ومحمد لا يثبت الأمر بدون العلم والسماع والصحيح أن على قولهما لا يكون الإذن إلا بالسماع؛ لأن الإذن إيقاع الخبر في الإذن وذلك لا يكون إلا بالسماع، وأجمعوا أن إذن العبد في التجارة لا يكون إلا بالسماع، ولو كنست البيت هذه المرأة فخرجت إلى باب الدار لكنس الباب حنث؛ لأنها خرجت بغير إذنه‏.‏ ولو أذن لها في الخروج إلى بعض أهلها فلم تخرج ثم خرجت في، وقت آخر إلى بعض أهلها قال الفقيه أبو الليث أخاف أن يحنث، ولو أن المرأة سمعت سائلا يسأل شيئا بعدما منعها زوجها عن الخروج إلا بإذنه فقال لها الزوج ادفعي هذه الكسرة إليه فإن كان السائل بحيث لا تقدر المرأة على الدفع إليه إلا بالخروج فخرجت لا يحنث، وإلا فيحنث، ولو قالت لزوجها تريد أن أخرج حتى أصير مطلقة فقال الزوج نعم فخرجت طلقت؛ لأن كلام الزوج هذا للتهديد لا للإذن‏.‏ ولو قال لها اخرجي أما والله لو خرجت ليخزينك الله تعالى ونحو ذلك قال محمد لا يكون إذنا، وكذا لو غضبت المرأة وتأهبت للخروج فقال الزوج دعوها تخرج لم يكن إذنا إلا أن ينوي الإذن، وكذا لو قال الزوج في غضبه اخرجي ينوي التهديد والتوعيد يعني اخرجي حتى تطلقي لم يكن ذلك إذنا، ولو قال لامرأته إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت قبل أن يقول الزوج طالق لم يحنث حتى تخرج مرة أخرى إلا أن يكون ابتداء اليمين مخاشنة كانت بينهما في الخروج فمتى كانت كذلك لا يحنث، وإن خرجت بعد ذلك؛ لأن اليمين كانت على الخروج الأول الكل من الظهيرية، وفي المبتغى بالغين المعجمة، وفي قوله لها إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق لا يحنث بخروجها لوقوع غرق أو حرق غالب فيها، وكذا في القنية‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القنية لو حلف لا يشرب خمرا بغير إذنها فأذنت له أن يشربها في دار كذا فشربها في غيرها حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي باب آخر منها إن دفعت شيئا بغير إذني فأنت طالق فدفعت من مال نفسها بغير إذنه لم يقع‏.‏ ا هـ‏.‏ وينبغي أن ينظر إلى السبب الداعي إلى اليمين كما لا يخفى‏.‏ ثم اعلم أن في المسألة الأولى إذا كانت اليمين بالطلاق ثم خرجت بغير إذن ووقع الطلاق ثم خرجت مرة ثانية بغير إذن لا يقع شيء لانحلال اليمين بوجود الشرط، وليس فيها ما يدل على التكرار كما في الظهيرية، ولو أذن لها أن تخرج في المسألة الأولى عشرة أيام فدخلت وخرجت مرارا في العشرة لا يحنث، ولا فرق في المسألة الأولى بين أن يكون المخاطب الزوجة أو العبد حتى لو قال المولى لعبده إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني فأنت حر فإنه يشترط لكل خروج إذن فلو قال له أطع فلانا في جميع ما يأمرك به فأمره فلان بالخروج فخرج فالمولى حانث لوجود شرط الحنث، وهو الخروج من غير إذن المولى؛ لأن المولى لم يأذن له بالخروج، وإنما أمره بطاعة فلان، وكذلك لو قال المولى لرجل ائذن له في الخروج فأذن له الرجل فخرج؛ لأنه لم يأذن له بالخروج، وإنما أمر فلانا بالإذن، وكذلك لو قال له قل يا فلان مولاك قد أذن لك في الخروج فقال له فخرج فإن المولى حانث؛ لأنه لم يأذن له، وإنما أمر فلانا بكذب، ولو قال المولى لعبده بعد يمينه ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فأمره الرجل بالخروج فخرج فالمولى حانث؛ لأن مقصود المولى من هذا أن لا يخرج إلا برضاه فإذا قال ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فهو لا يعلم أن فلانا يأمره بالخروج والرضا بالشيء بدون العلم به لا يتصور فلم يعلم كون هذا الخروج مرضيا به فلم يعلم كونه مستثنى فبقي تحت المستثنى منه، ولو قال المولى للرجل قد أذنت له في الخروج فأخبر الرجل به العبد لم يحنث المولى‏.‏ ولو قال لامرأته إن خرجت إلا بإذني ثم قال لها إن بعت خادمك فقد أذنت لك لم يكن منه هذا إذنا؛ لأنه مخاطرة كذا في البدائع، وقيد بالزوجة والعبد؛ لأنه لو قال لا أكلم فلانا إلا بإذن فلان أو حتى يأذن أو إلا أن يأذن أو إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم أو قال لرجل في داره والله لا تخرج إلا بإذني فإنه لا يتكرر الإذن في هذا كله؛ لأن قدوم فلان لا يتكرر عادة والإذن في الكلام يتناول كلما يوجد من الكلام بعد الإذن، وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة بخلاف الإذن للزوجة فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه لا كل خروج إلا بنص صريح فيه مثل أذنت لك أن تخرجي كلما أردت الخروج ونحوه فكان الاقتصار في هذا الوجود الصارف عن التكرار لا؛ لأن العرف في الكل على التفصيل المذكور كذا في فتح القدير‏.‏ وأشار المصنف بالمسألة الثانية إلى أنه لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار إلا أن ينسى فدخلها ناسيا ثم دخل بعد ذلك ذاكرا لم يحنث بخلاف ما إذا قال إن دخل هذه الدار إلا ناسيا فدخلها ناسيا ثم دخلها ذاكرا فإنه يحنث؛ لأنه استثنى من كل دخول دخولا بصفة فبقي ما سواه داخلا تحت اليمين بخلاف الأول فإنه يعني حتى فلما دخلها ناسيا انتهت اليمين، وإلى أنه لو قال عبدي حر إن دخلت هذه الدار دخلة إلا أن يأمرني فلان فأمره فلان مرة واحدة فإنه لا يحنث، وقد سقطت اليمين بخلاف ما إذا قال إلا أن يأمرني بها فلان بزيادة بها فأمره فدخل ثم دخل بعد ذلك بغير أمره فإنه يحنث، ولا بد من الأمر في كل دخلة كقوله إلا بأمر فلان كالمسألة الأولى كما في البدائع أيضا، وفي الظهيرية قال لامرأته إن دخلت من هذه الدار إلا لأمر لا بد منه فأنت طالق، وللمرأة حق على رجل فأرادت أن تدعي ذلك وخرجت لأجله قالوا إن كانت تقدر على أن توكل بذلك حنث الحالف، وإن لم تقدر على أن توكل لا يحنث، ولو حلف أن لا تخرج امرأته إلا بعلمه فخرجت، وهو يراها فمنعها لم يحنث، ولو أذن لها بالخروج فخرجت بغير علمه لا يحنث، وإن لم يأذن لها فخرجت، وهو يراها لا يحنث أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم انعقاد اليمين على الإذن في قوله إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق أو والله لا تخرجين إلا بإذني مقيد ببقاء النكاح؛ لأن الإذن إنما يصح ممن له المنع فلو أبانها ثم تزوجها فخرجت بلا إذن لم يحنث، وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا؛ لأنها لم تنعقد إلا على مدة بقاء النكاح، وكذا في العبد يشترط بقاء ملك المولى وسيأتي بيانه أيضا في قوله حلف ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته، وهذا بخلاف ما إذا حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار، ولا عبده فبانت منه أو خرج العبد عن ملكه ثم خرج فإنه يحنث، ولا يتقيد بحال قيام الزوجية والملك لانعدام دلالة التقييد، وهي قوله‏:‏ إلا بإذنه فيعمل بعموم اللفظ فإن عنى به ما دامت امرأته دين فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يدين في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وكذلك من طولب بحق فحلف أن لا يخرج من دار مطالبه حنث بالخروج زال ذلك الحق أو لم يزل لما قلنا كذا في البدائع، وفي المحيط رجل حلفه ثلاثة رجال أنه لا يخرج من بخارى إلا بإذنهم فجن أحدهم قال لا يخرج، وإن مات أحد الثلاثة فخرج لم يحنث؛ لأنه ذهب الإذن الذي وقعت عليه اليمين، ولو قال إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت اليمين عندهما خلافا لأبي يوسف بناء على أن فوات المعقود عليه يمنع بقاء اليمين عندهما، وعنده لا يمنع‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أرادت الخروج فقال‏:‏ إن خرجت أو ضرب العبد فقال‏:‏ إن ضربت تقيد به كاجلس فتغد عندي فقال‏:‏ إن تغديت‏)‏ بيان ليمين الفور مأخوذ من فور القدر إذا غلت واستعير للسرعة ثم سميت بها الحال التي لا ريث فيها فقيل جاء فلان من فوره أي من ساعته وسميت هذه اليمين به باعتبار فوران الغضب انفرد أبو حنيفة بإظهارها، وكانت اليمين في عرفهم قسمين مؤبدة، وهي أن يحلف مطلقا ومؤقتة، وهي أن يحلف أن لا يفعل كذا اليوم أو هذا الشهر فأخرج أبو حنيفة يمين الفور قال في المحيط، ولم يسبقه أحد في تسميتها، ولا في حكمها، ولا خالفه أحد فيه بعد ذلك فإن الناس كلهم عيال أبي حنيفة في هذا‏.‏ ا هـ‏.‏ بل الناس عيال أبي حنيفة في الفقه كله، وهي يمين مؤبدة لفظا موقتة معنى تتقيد بالحال أو تكون بناء على أمر حالي فمن الثاني امرأة تهيأت للخروج فحلف لا تخرج فإذا جلست ساعة ثم خرجت لا يحنث؛ لأن قصده أن يمنعها من الخروج الذي تهيأت له فكأنه قال إن خرجت أي الساعة، ومنه من أراد أن يضرب عبده فحلف عليه لا يضربه فإذا تركه ساعة بحيث يذهب فور ذلك ثم ضربه لا يحنث لذلك بعينه، ومن الأول اجلس فتغد عندي فيقول إن تغديت فعبدي حر تقيد بالحال فإذا تغدى في يومه في منزله لا يحنث؛ لأنه يمين وقع جوابا تضمن إعادة ما في السؤال والمسئول الغد الحالي فينصرف الحلف إلى الغداء الحالي لتقع المطابقة‏.‏ وهذا كله عند عدم نية الحالف، وقيد بكونه قال إن تغديت، ولم يزد عليه؛ لأنه لو زاد بأن قال إن تغديت اليوم أو معك فعبدي حر فتغدى في بيته أو معه في وقت آخر فإنه يحنث؛ لأنه زاد على حرف الجواب فيكون مبتدأ، ولا يقال إن موسى عليه السلام زاد في الجواب حين سئل عن العصا، ولم يكن مبتدأ؛ لأنا نقول لما سئل بما، وهي تقع على ذات ما لا يعقل، والصفات فاشتبه عليه الحال فأجاب بهما حتى يكون مجيبا عن أيهما كان، وأشار المصنف إلى أنه لو قال لامرأته عند خروجها من المنزل إن رجعت إلى منزلي فأنت طالق ثلاثا ثم جلست فلم تخرج زمانا ثم خرجت ورجعت والرجل يقول نويت الفور فالظاهر أنه يصدق؛ لأنه لو قال إن خرجت، ولا نية له ينصرف إلى هذه الخرجة فكذا إذا قال إن رجعت ونوى الرجوع بعد هذه الخرجة كان أولى أن ينصرف إلى الرجوع عن هذه الخرجة كذا في المحيط ثم اعلم أن التقييد تارة يثبت صريحا وتارة يثبت دلالة والدلالة نوعان دلالة لفظية ودلالة حالية فدلالة اللفظ نحو ما إذا حلف لا يدخل على فلان تقيد بحال حياة المحلوف عليه والدلالة الحالية كما في الكتاب‏.‏ وفي المحيط أصله أن الحالف متى أعقب الفعل فعلا بحرف العطف، وهو الفاء والواو فإن كان الفعل الثاني في العادة يفعل على فور الأول، ولم يفعل حنث، وإن لم يكن يفعل على فور الأول لا يحنث ما لم يمت، وإن ذكر الفعل الثاني بحرف الشرط أو التراخي، وهو حرف ثم فهو على الأبد؛ لأن المشروط لا يتحقق إلا بعد وجود الشرط، وكلمة ثم على التراخي فلو قال إن ضربتني فلم أضربك أو لقيتك فلم أسلم عليك، وإن كلمتني فلم أجبك فهو على الفور باعتبار العادة، وكذا لو قال إن استعرت دابتك فلم تعرني أو دخلت الدار فلم أقعد، وإن ذكر بحرف الواو بأن قال إن كلمتك ولم تكلمني فهذا يحتمل قبل وبعد فتعتبر نيته، ولو قال إن ركبت دابتي فلم أعطك دابتي فهو على الفور، ولو قال إن أتيتني فلم آتك أو إن زرتني فلم أزرك فهو على الأبد إلى آخر ما ذكره ثم قال لو قال لامرأته إن لم تقومي الساعة وتجيئي إلى دار والدي فأنت طالق ثلاثا فقامت الساعة، ولبست الثياب وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت هي أيضا، وأتت دار والده بعدما أتاها الزوج لا يحنث؛ لأن رجوع المرأة وجلوسها ما دامت في تهيؤ الخروج لا يكون تركا للفور ألا ترى أنه لو أخذها البول فبالت قبل لبس الثياب ثم لبست الثياب لم يحنث ألا ترى أن الرجل إذا قال لامرأته إن لم تجيئي إلى الفراش هذه الساعة فأنت طالق، وهما في التشاجر فطال بينهما كان على الفور حتى لو ذهبت إلى الفراش لا يحنث فإن خافت فوت الصلاة فصلت قال نصر بن يحيى حنث الرجل؛ لأن الصلاة عمل آخر فينقطع به فور الأول، وعلى قياس الحسن بن زياد لا يحنث، وعليه الفتوى، ولو اشتغلت بالوضوء للصلاة المكتوبة أو اشتغلت بالصلاة المكتوبة لا يحنث؛ لأنه عذر شرعا فصار مستثنى من يمينه شرعا، وعرفا، ولو اشتغلت بالتطوع أو بالوضوء أو أكلت أو شربت حنث؛ لأن هذا ليس بعذر شرعا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القنية قال لها في الخصومة الحلال علي حرام إن لم تخرجي، وقال ما أردت به الخروج للحال ثم خرجت بعد ساعات يحنث إن كانت الخصومة في الخروج، وإلا فلا، وفي الجامع لو قال لها إن لم أضربك فأنت طالق فهي على أربعة أقسام فإن كان فيه دلالة الفور بأن قصد ضربها فمنع انصرف إلى الفور، وإن نوى الفور بدون الدلالة يصدق أيضا؛ لأن فيه تغليظا، وإن نوى الأبد أو لم تكن له نية انصرف إلى الأبد، وإن نوى اليوم أو الغد لم تقبل نيته، ولو قال لها إن أخذت من مالي شيئا، ولم تخبريني فكذا فأخذت، ولم تخبره في الحال، ولا قبله، وإنما أخبرته بعد أيام لا يحنث إن رأيت سارقا فلم أخبرك فهو على الفور، وإن قال‏:‏ ولم أخبرك، وإن لم أخبرك فعلى التراخي، ولا بد من الشرطين‏.‏ ا هـ ما في القنية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومركب عبده مركبه إن ينو، ولا دين‏)‏ يعني لو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد فلان فإنه يحنث بشرطين الأول أن ينويها الثاني أن لا يكون عليه دين أي مستغرق فإن لم ينو لا حنث مطلقا؛ لأن الملك، وإن كان للمولى إلا أنه يضاف إلى العبد عرفا، وكذا شرعا قال عليه السلام‏:‏ «من باع عبدا، وله مال» الحديث، فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية فإن نواها، ولا دين على العبد أو كان دينه غير مستغرق حنث؛ لأنه شدد على نفسه بنيته، وإن كان الدين مستغرقا فلا حنث، وإن نوى؛ لأنه لا ملك للمولى في كسب عبده المديون المستغرق عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف يحنث في الوجوه كلها إذا نوى؛ لأن الملك للمولى لكن الإضافة إليه قد اختلت لما ذكرنا فلا يدخل إلا بالنية، وقال محمد يحنث في الوجوه كلها نوى أو لم ينو اعتبارا للحقيقة؛ لأن العبد، وما في يده ملك المولى حقيقة عنده ونظير هذا الاختلاف ما لو قال كل مملوك لي حر فعند أبي يوسف لا يدخل عبيد عبده التاجر إلا بالنية سواء كان على العبد دين أو لا، وعند محمد عتقوا نواهم أو لا كان عليه دين أو لا، وعند أبي حنيفة إن لم يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم، وإلا فلا، وإن كان على العبد دين لم يعتقوا، وإن نواهم، وفي المحيط، ولو ركب دابة مكاتبه لا يحنث؛ لأن ملكه ليس بمضاف إلى المولى لا ذاتا، ولا يدا‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف رحمه الله من مسائل الركوب غير هذه المسألة، ولا بأس بذكر بعض مسائله قال في الواقعات حلف لا يركب فاليمين على ما يركب الناس من الفرس والبغل وغير ذلك فلو ركب ظهر إنسان ليعبر النهر لا يحنث؛ لأن أوهام الناس لا تسبق إلى هذا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية حلف أن لا يركب دابة، ولم ينو شيئا فركب حمارا أو فرسا أو برذونا أو بغلا حنث فإن ركب غيرها نحو البعير والفيل لا يحنث استحسانا إلا أن ينوي، ولو حلف لا يركب فرسا فركب برذونا لا يحنث، وكذلك لو حلف لا يركب برذونا فركب فرسا؛ لأن الفرس اسم للعربي والبرذون للعجمي والخيل ينتظم الكل، وهذا إذا كانت اليمين بالعربية، وإن كانت بالفارسية يحنث بكل حال، ولو حلف لا يركب دابة فحمل على الدابة مكرها لا يحنث، وإن حلف لا يركب أو لا يركب مركبا فركب سفينة أو محملا أو دابة حنث، ولو ركب آدميا ينبغي أن لا يحنث، ولو حلف لا يركب على هذا السرج فزيد فيه أو نقص عنه فركب عليه حنث‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة قال كلما ركبت دابة فلله علي أن أتصدق بها فركب دابة يلزمه التصدق بها فإن تصدق بها ثم اشتراها فركب مرة أخرى لزمه التصدق بها مرة أخرى ثم وثم بخلاف مسألة التنجيز حيث يبطل التعليق أما لو قال لأجنبية كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثا فتزوجها تطلق ثلاثا فلو تزوجت بآخر، وعادت إليه فتزوجها تطلق ثلاثا ثم وثم‏.‏ ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏