فصل: باب الحضانة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الحضانة

بيان لمن يحضن الولد الذي ثبت نسبه وهي بكسر الحاء وفتحها تربية الولد، والحاضنة المرأة توكل بالصبي فترفعه وتربيه وقد حضنت ولدها حضانة من باب طلب وحضن الطائر بيضه حضنا إذا جثم عليه بكنفه يحضنه كذا في المغرب وفي ضياء الحلوم حضنت المرأة ولدها حضانة وحضنت الحمامة بيضها حضونا أي‏:‏ جعلته في حضنها وحضنه عن حاجته أي‏:‏ حبسه وحضنه عن الأمر إذا نحاه عنه والحضن ما دون الإبط ثم اعلم أن الحضانة حق الصغير لاحتياجه إلى من يمسكه فتارة يحتاج إلى من يقوم بمنفعة بدنه في حضانته وتارة إلى من يقوم بماله حتى لا يلحقه الضرر وجعل كل واحد منهما إلى من أقوم به وأبصر فالولاية في المال جعلت إلى الأب والجد؛ لأنهم أبصر وأقوم في التجارة من النساء وحق الحضانة جعل إلى النساء؛ لأنهن أبصر وأقوم على حفظ الصبيان من الرجال لزيادة شفقتهن وملازمتهن للبيوت واتفقوا على أن الأب يجبر على نفقته مطلقا ويجب عليه إمساكه وحفظه وصيانته إذا استغنى عن النساء؛ لأن ذلك حق للصغير عليه واختلفوا في وجوب حضانته على الأم ونحوها من النساء، وفي جبرها إذا امتنعت فصرح في الهداية بأنها لا تجبر؛ لأنها عست أن تعجز عن الحضانة وصححه في التبيين، وفي الولوالجية وعليه الفتوى، وفي الواقعات، والفتوى على عدم الجبر لوجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنها ربما لا تقدر على الحضانة، والثاني‏:‏ أن الحضانة حق الأم والمولى ولا يجبر على استيفاء حقه ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة وقال مشايخنا ولا تجبر الأم عليها وكذلك الخالة إذا لم يكن لها زوج؛ لأنها ربما تعجز عن ذلك ا هـ‏.‏ فأفاد أن غير الأم كالأم في عدم الجبر بل هو بالأولى كما في الولوالجية وذكر الفقهاء الثلاثة أبو الليث والهندواني وخواهر زاده أنها تجبر على الحضانة وتمسك لهم في فتح القدير بما في كافي الحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد لو اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز والشرط باطل؛ لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما كان إليها محتاجا زاد في المبسوط فليس لها أن تبطله بالشرط فهذا يدل على أن قول الفقهاء الثلاثة هو جواب ظاهر الرواية، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى‏}‏ فليس الكلام في الإرضاع بل في الحضانة قال في التحفة ثم الأم وإن كانت أحق بالحضانة فإنه لا يجب عليها الرضاعة؛ لأن ذلك بمنزلة النفقة ونفقة الولد على الوالد إلا أن لا يوجد من ترضعه فتجبر‏.‏ فالحاصل أن الترجيح قد اختلف في هذه المسألة والأولى الإفتاء بقول الفقهاء الثلاثة لكن قيده في الظهيرية بأن لا يكون للصغير ذو رحم محرم فحينئذ تجبر الأم كي لا يضيع الولد أما إذا كان له جدة مثلا وامتنعت الأم من إمساكه ورضيت الجدة بإمساكه فإنه يدفع إلى الجدة؛ لأن الحضانة كانت حقا لها، فإذا أسقطت حقها صح الإسقاط منها وعزا هذا التفصيل إلى الفقهاء الثلاثة وعلله في المحيط بأن الأم لما أسقطت حقها بقي حق الولد فصارت الأم بمنزلة الميتة أو المتزوجة فتكون الجدة أولى وظاهر كلامهم أن الأم إذا امتنعت وعرض على من دونها من الحاضنات فامتنعت أجبرت الأم لا من دونها ولذا قيدوا جواب المسألة بأن رضيت الجدة بإمساكه وذكر في السراجية أن الأم تستحق أجرة على الحضانة إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لأبيه وتلك الأجرة غير أجرة إرضاعه كما سيأتي في النفقات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أحق بالولد أمه قبل الفرقة وبعدها‏)‏ أي‏:‏ في التربية والإمساك لما قدمناه ولما روي‏:‏ «أن امرأة قالت‏:‏ يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال عليه السلام أنت أحق به» ولأن الأم أشفق وإليه أشار الصديق رضي الله عنه بقوله ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته والصحابة رضي الله عنهم حاضرون متوافرون أطلق في الأم وقيدوه بأن تكون أهلا للحضانة فلا حضانة لمرتدة سواء لحقت بدار الحرب أو لا؛ لأنها تحبس وتجبر على الإسلام، فإن تابت فهي أحق به ولا للفاسقة كما في فتح القدير وغيره، وفي القنية الأم أحق بالصغيرة وإن كانت سيئة السيرة معروفة بالفجور ما لم تعقل ذلك ا هـ‏.‏ وينبغي أن يراد بالفسق في كلامهم هنا الزنا المقتضي لاشتغال الأم عن الولد به بالخروج من المنزل ونحوه لا مطلقه الصادق بترك الصلوات لما يأتي أن الذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان فالفاسقة المسلمة بالأولى ولا لمن تخرج كل وقت وتترك البنت ضائعة ولا للأمة وأم الولد والمدبرة والمكاتبة إذا ولدت قبل الكتابة ولا للمتزوجة بغير محرم، وكذلك لو كان الأب معسرا وأبت الأم أن تربي إلا بأجر وقالت العمة أنا أربي بغير أجر فإنه لا حضانة للأم وتكون العمة أولى في الصحيح كما سيأتي وسنذكر أن الكتابية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم أم الأم‏)‏ يعني بعد الأم الأحق أمها وهو شامل لما إذا كانت الأم ميتة أو ليست أهلا للحضانة ففي كل منهما ينتقل الحق إلى أم الأم؛ لأن هذه الولاية مستفادة من قبل الأمهات فكانت التي هي من قبلها أولى وإن علت فالجدة من قبل الأم أولى من أم الأب ومن الخالة وصححه الولوالجي وذكر الخصاف في النفقات، فإن كان للصغير جدة الأم من قبل أبيها وهي أم أبي أمه فهذه ليست بمنزلة من كانت من قرابة الأم من قبل أمها، وكذلك كل من كان من قبل أبي الأم فليس بمنزلة قرابة الأم من قبل أمها ا هـ‏.‏ وفي الولوالجية جدة الأم من قبل الأب وهي أم أبي الأم لا تكون بمنزلة من كانت من قرابة الأم؛ لأن هذا الحق لقرابة الأم ا هـ‏.‏ وظاهره تأخير أم أبي الأم عن أم الأب بل عن الخالة أيضا وقد صارت حادثة للفتوى في زماننا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم أم الأب وإن علت‏)‏ فهي مقدمة على الأخوات والخالات؛ لأنها من الأمهات ولهذا تحرز من ميراثهن السدس ولأنها أوفر شفقة للأولاد، وأما قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي داود‏:‏ «إنما الخالة أم» فيحتمل كونه في ثبوت الحضانة أو غيره إلا أن السياق أفاد إرادة الأول فيبقى أعم من كونه في ثبوت أصل الحضانة أو كونها أحق بالولد من كل من سواها ولا دلالة على الثاني والأول متيقن فيثبت فلا يفيد الحكم بكونها أحق من أحد بخصوصه أصلا ممن له حق في الحضانة فيبقى المعنى الذي عيناه بلا معارض من أن الجدة أم كذا في فتح القدير، وفي القنية صغيرة عند جدة تخون حقها فلعمها أن يأخذها منها إذا ظهرت خيانتها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم الأخت لأب وأم ثم لأم ثم لأب‏)‏ يعني فهن أولى من العمات والخالات؛ لأنهن بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث وتقدم الأخت الشقيقة؛ لأنها أشفق ثم يليها الأخت من الأم؛ لأن الحق لهن من قبل الأم، وأما الأخت لأب فذكر المصنف أنها مقدمة على الخالة اعتبارا لقرب القرابة وتقديم المدلي بالأم على المدلي بالأب عند اتحاد مرتبتهما قربا وهذه رواية كتاب النكاح، وفي رواية كتاب الطلاق الخالة أولى؛ لأنها تدلي بالأم وتلك بالأب ولم يذكر المصنف أولاد الأخوات؛ لأن فيهم تفصيلا فأولاد الأخوات لأب وأم أو لأم أحق من الخالات والعمات باتفاق الروايات، وأما أولاد الأخوات لأب ففي أحد الروايتين أحق من الخالات اعتبارا بالأصل‏.‏ والصحيح أن الخالات أولى من أولاد الأخوات لأب والأخت لأم أولى من ولد الأخت لأب وأم وبنات الأخت أولى من بنات الأخ؛ لأن الأخت لها حق في الحضانة دون الأخ فكان المدلي بها أولى وإذا اجتمع من له حق الحضانة في درجة فأورعهم أولى ثم أكبرهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم الخالات كذلك‏)‏ أي‏:‏ فهن أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم وينزلن كما نزلت الأخوات فترجح الخالات لأب وأم ثم لأم ثم لأب وهو المراد بقوله كذلك والخالة هي أخت أم الصغير لا مطلق الخالة؛ لأن خالة الأم مؤخرة عن عمة الصغير وكذلك خالة الأب كما سنبينه وأفاد كلامه أن الخالة أولى من بنت الأخ؛ لأنها تدلى بالأم وتلك بالأخ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم العمات كذلك‏)‏ أي تقدم العمة لأب وأم ثم لأم ثم لأب ولم يذكر المصنف بعد العمات أحدا من النساء والمذكور في غاية البيان وفتح القدير وغيرهما أن بعد العمات خالة الأم لأب وأم ثم لأم ثم لأب ثم بعدهن خالة الأب لأب وأم ثم لأم ثم لأب ثم بعدهن عمات الأمهات والآباء على هذا التفصيل والترتيب ولم يذكر المصنف أيضا بنات الأخ، وفي التبيين أن بنات الأخ أولى من العمات ولم يذكر أيضا أولاد الخالة والعمة في الحضانة؛ لأنه لا حق لبنات العمة والخالة في الحضانة؛ لأنهن غير محرم وكذلك بنات الأعمام والأخوال بالأولى كذا في كثير من الكتب، وفي غاية البيان والعمة أحق من ولد الخالة وهو تسامح؛ لأنه لا حق لولد الخالة أصلا كما نقلناه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن نكحت غير محرم سقط حقها‏)‏ أي‏:‏ غير محرم من الصغير كالأم إذا تزوجت بأجنبي منه لقوله‏:‏ «عليه الصلاة والسلام أنت أحق به ما لم تتزوجي» ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيا يعطيه نزرا وينظر إليه شزرا فلا نظر له والنزر الشيء القليل والشزر نظر البغض ولذا قال في القنية الأم إذا تزوجت بزوج آخر وتمسك الصغير معها أم الأم في بيت الراب فللأب أن يأخذه منها ا هـ‏.‏ فعلى هذا تسقط الحضانة إما بتزوج غير المحرم أو بسكناها عند المبغض له لكن وقع لي تردد في أن الخالة ونحوها إذا سكنت عند أجنبي من الصغير ولم تكن متزوجة هل تسقط حضانتها قياسا على الجدة إذا سكنت في بيت بنتها المتزوجة أو هذا خاص ببيت زوج الأم باعتبار بغضه له كما هو العادة والذي يظهر الأول؛ لأنه يتضرر بالسكنى في بيت أجنبي عنه، وكذا اختلف في أجرة المسكن الذي يحضن فيه الصبي فقيل يجب في ماله إن كان له مال وإلا فعلى من تجب عليه نفقته وفي التفاريق لا تجب كذا في خزانة الفتاوى قيد بغير المحرم؛ لأن الزوج لو كان ذا رحم محرم للصغير كالجدة إذا كان زوجها الجد أو الأم إذا كان زوجها عم الصغير أو الخالة إذا كان زوجها عمه لا يسقط حقها لانتفاء الضرر عن الصغير ودخل تحت غير المحرم الرحم الذي ليس بمحرم كابن العم فهو كالأجنبي هنا ولو ادعى أن الأم تزوجت وأنكرت فالقول لها وينبغي أن يكون مع اليمين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم تعود بالفرقة‏)‏ أي‏:‏ تعود الحضانة لزوال المانع فقولهم سقط حقها معناه منع مانع منه؛ لأنه من باب زوال المانع لا من عود الساقط كالناشزة لا نفقة لها ثم تعود بالعود إلى منزل الزوج وأراد بالفرقة الطلاق البائن وأما الطلاق الرجعي فإنه لا يعود حقها به حتى تنقضي عدتها لقيام الزوجية، وفي الظهيرية وغيرها لو أقرت بالتزوج وادعت أنه طلقها وعاد حقها فيها، فإن أبهمت الزوج كان القول قولها وإن عينت لا يقبل قولها في دعوى الطلاق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم العصبات بترتيبهم‏)‏ يعني إن لم يكن للصغير أحد من محارمه من النساء واختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيبا؛ لأن الولاية للأقرب فيقدم الأب ثم الجد أب الأب وإن علا ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب، وكذا كل من سفل من أولادهم ثم العم شقيق الأب ثم لأب، وأما أولاد الأعمام فإنه يدفع إليهم الغلام فيبدأ بابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب ولا تدفع إليهم الصغيرة؛ لأنهم غير محارم، وكذا لا تدفع إلى الأم التي ليست بمأمونة وللعصبة الفاسق ولا إلى مولى العتاقة تحرزا عن الفتنة وبهذا علم أن إطلاق المصنف في محل التقييد لكن ينبغي أن يكون محل عدم الدفع إلى ابن العم ما إذا كانت الصغيرة تشتهى وهو غير مأمون أما إذا كانت لا تشتهى كبنت سنة مثلا فلا منع؛ لأنه لا فتنة، وكذا إذا كانت تشتهى وكان مأمونا قال في غاية البيان معزيا إلى تحفة الفقهاء‏:‏ وإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم فالاختيار إلى القاضي إن رآه أصلح تضم إليه وإلا توضع على يد أمينة ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف الدفع إلى ذوي الأرحام قالوا إذا لم يكن للصغير عصبة يدفع إلى الأخ لأم ثم إلى ولده ثم إلى العم لأم ثم إلى الخال لأب وأم ثم لأب ثم لأم؛ لأن لهؤلاء ولاية عند أبي حنيفة في النكاح وبهذا علم أن مرادهم بذوي الأرحام هنا، وفي باب ولاية الإنكاح قرابة ليست بعصبة لا المذكور في الفرائض أنه قريب ليس بذي سهم ولا عصبة؛ لأن بعض أقارب الفروض داخل في ذوي الأرحام هنا كالأخ لأم وإذا اجتمع مستحقو الحضانة في درجة كالإخوة والأعمام فأصلحهم أولى، فإن تساووا فأورعهم، فإن تساووا فأسنهم، وفي البدائع لا حق للرجال من قبل الأم وهو محمول على ما إذا كان من قبل الأب من هو موجود‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والأم والجدة أحق بالغلام حتى يستغني وقدر بسبع‏)‏؛ لأنه إذا استغنى يحتاج إلى تأديب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم والأب أقدر على التأديب والتعنيف وما ذكره المصنف من التقدير بسبع قول الخصاف اعتبارا للغالب؛ لأن الظاهر أن الصغير إذا بلغ السبع يهتدي بنفسه إلى الأكل والشرب واللبس والاستنجاء وحده فلا حاجة إلى الحضانة فلا مخالفة بين تقدير الاستغناء بالسن وبين أن يقدره على الأشياء الأربعة وحده كما هو المذكور في الأصل ولم يذكر الاستنجاء في المبسوط وذكره في السير الكبير وزاد في نوادر ابن رشيد ويتوضأ وحده ثم من المشايخ من قال المراد من الاستنجاء تمام الطهارة بأن يطهر وجهه وحده بلا معين ومنهم من قال بل من النجاسة وإن لم يقدر على تمام الطهارة وهو المفهوم من ظاهر كلام الخصاف‏.‏ وفي غاية البيان والتبيين والكافي أن الفتوى على قول الخصاف من التقدير بالسبع؛ لأن الأب مأمور بأن يأمره بالصلاة إذا بلغها وإنما يكون ذلك إذا كان الولد عنده ولو اختلفا فقال ابن سبع وقالت ابن ست لا يحلف القاضي أحدهما ولكن ينظر إن كان يأكل وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده دفع وإلا فلا كذا في الظهيرية واستغنى بذكر الأكل عن الشرب ولذا ذكر الشرب في الخلاصة وجمع بين الأربعة في التبيين، وأما ما في فتح القدير والخلاصة من عدم ذكر الاستنجاء فسهو وأشار المصنف رحمه الله بذكر الأم والجدة إلى أن غيرهما أولى فلو قال والحاضنة أحق به حتى يستغني لكان أصرح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبها حتى تحيض‏)‏ أي‏:‏ الأم والجدة أحق بالصغيرة حتى تحيض؛ لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أقدر وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى وبه علم أنه لو قال حتى تبلغ لكان أولى وعن محمد أنها تدفع إلى الأب إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة قال في النقاية وهو المعتبر لفساد الزمان، وفي نفقات الخصاف وعن أبي يوسف مثله، وفي التبيين وبه يفتى في زماننا لكثرة الفساد، وفي الخلاصة وغياث المفتي والاعتماد على هذه الروايات لفساد الزمان‏.‏ فالحاصل أن الفتوى على خلاف ظاهر الرواية فقد صرح في التجنيس بأن ظاهر الرواية أنها أحق بها حتى تحيض واختلف في حد الشهوة، وفي الولوالجية وليس لها حد مقدر؛ لأنه يختلف باختلاف حال المرأة، وفي التبيين وغيره وبنت إحدى عشرة سنة مشتهاة في قولهم جميعا وقدره أبو الليث بتسع سنين وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى أنها لو زوجت قبل أن تبلغ لا تسقط حضانتها وقال في القنية الصغيرة إذا لم تكن مشتهاة ولها زوج لا يسقط حق الأم في حضانتها ما دامت لا تصلح للرجال إلا في رواية عن أبي يوسف إذا كانت يستأنس بها ا هـ‏.‏ وظاهره أنها إذا صلحت للرجال قبل البلوغ وقد زوجها أبوها فإنه لا حضانة لأمها اتفاقا فيحتاج إطلاق المختصر إلى تقييد نعم على المفتى به فهو ظاهر ولم أر حكم ما إذا اختلف الأب والأم في حيضها فقالت الأم لم تحض وقال الأب حاضت أو في البلوغ بالسن وينبغي أن يكون القول قول الأم كما لو ادعى تزوجها وأنكرت بجامع أنه يدعي سقوط حقها وهي تنكر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وغيرهما أحق بها حتى تشتهى‏)‏ أي‏:‏ غير الأم والجدة أحق بالصغيرة حتى تشتهى فيأخذها الأب، وفي الجامع الصغير حتى تستغني؛ لأنها لا تقدر على استخدامها ولهذا لا تؤجرها للخدمة فلا يحصل المقصود بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه شرعا وأطلق في الجدة فشمل جدته من أمه ومن أبيه كما في فتح القدير، وفي الظهيرية، ولو أن امرأة جاءت بالصبي تطلب النفقة من أبيه فقالت هذا ابن ابنتي منك وقد ماتت أمه فأعطني نفقته فقال الأب صدقت هذا ابني من ابنتك فأما أمه فلم تمت وهي في منزلي وأراد أخذ الصبي منها لم يكن له ذلك حتى يعلم القاضي أمه وتحضر هي فتأخذه؛ لأنه لما أقر أنها جدة الصبي فقد أقر أن لها حق الحضانة ثم يدعي قيام من هو أولى منها وذا محتمل، فإن أحضر الأب امرأة فقال هذه ابنتك، وهذا ابني منها وقالت الجدة ما هذه ابنتي وقد ماتت ابنتي أم هذا الصبي فالقول في هذا قول الرجل والمرأة التي معه ويدفع الصبي إليه؛ لأن الفراش لهما فيكون الولد لهما‏.‏ وصار هذا كالزوجين إذا كان بينهما ولد فقالت المرأة‏:‏ هو ابني من زوج آخر وقال الرجل‏:‏ هو ابني من امرأة أخرى فإنه يحكم بكونه ابنا لهما؛ لأن الفراش لهما فيكون الولد لهما وكذلك الجدة لو حضرت وقالت‏:‏ هذا ابن ابنتي من هذا الرجل وقد ماتت أمه فقال الرجل هذا ابني من غير ابنتك من امرأة لي فالقول قوله ويأخذ الصبي منها، ولو أحضر الرجل امرأة وقال هذا ابني من هذه لا من ابنتك وقالت الجدة ما هذه أمه بل أمه ابنتي وقالت التي أحضرها الرجل صدقت ما أنا بأمه وقد كذب هذا الرجل ولكني امرأته فإن الأب أولى به فيأخذه، وعلل الخصاف رحمه الله في الكتاب فقال‏:‏ لأنه لما قال هذا ابني من هذه المرأة فقد أنكر كونها جدة له فيكون منكرا الحق لها في الحضانة أصلا وهي أقرت له بالحق ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا حق للأمة وأم الولد ما لم يعتقا‏)‏ لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى وإذا أعتقتا صارتا حرتين أوان ثبوت الحق ودخل تحت الأمة المدبرة لوجود الرق فيها، وكذا المكاتبة داخلة تحت الأمة بالنسبة إلى الولد المولود قبل الكتابة، وأما إذا ولدته بعد الكتابة فهي أولى بحضانته من غيرها؛ لأنه صار داخلا في كتابتها وأراد بالحق المنفي حق الحضانة قالوا ولا يفرق بينه وبين أمه للنهي عن ذلك ولم يذكر المصنف أن الحق في حضانة ولد الأمة للمولى أو لغيره والحق التفصيل، فإن كان الصغير رقيقا فمولاه أحق به حرا كان أبوه أو عبدا، وكذا لو عتقت أمه بعد وضعه فلا حق لها في حضانته إنما الحق للمولى سواء كانت منكوحة أبيه أو فارقها؛ لأنه مملوكه، وأما إذا كان حرا فالحضانة لأقربائه الأحرار إن كانت أمه أمة لا لمولاها ولا لمولاه الذي أعتقه وإن أعتقت كانت الحضانة لها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان‏)‏؛ لأن الحضانة تبتنى على الشفقة وهي أشفق عليه فيكون الدفع إليها أنظر له، فإذا عقل الأديان ينزع منها لاحتمال الضرر وأطلق الذمية فشمل الكتابية والمجوسية كما في غاية البيان وغيره وقيد بها للاحتراز عن المرتدة؛ لأنه لا حق لها فيها؛ لأنها تحبس وتضرب فلا تتفرغ له ولا في دفعه إليها نظر، فإذا أسلمت وتابت يسلم الولد إليها وقد جمع في الهداية بين شيئين فقال‏:‏ ما لم يعقل الأديان أو يخف أن يألف الكفر فظاهره أنه إذا خيف أن يألف الكفر نزع منها وإن لم يعقل دينا وهي واردة على المصنف المقتصر على الأول، وفي شرح النقاية لو خيف أن تغذيه بلحم خنزير أو خمر لم ينزع منها بل يضم إلى ناس من المسلمين، والتقييد بالأم اتفاقي؛ إذ كل حاضنة ذمية كذلك كما صرح في خزانة الأكمل وأم الأم بمنزلة الأم مسلمة كانت أو كتابية أو مجوسية، وكذا كل كافرة من نساء القرابة فهي بمنزلة الأم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا خيار للولد عندنا ذكرا كان أو أنثى‏)‏ وقال الشافعي لهما الخيار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير ولنا أنه لقصور عقله يختار من عنده الدعة والراحة لتخليته بينه وبين اللعب فلا يتحقق النظر وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخيروا، وأما الحديث قلنا قد قال عليه الصلاة والسلام اللهم اهده فوفق لاختيار الأنظر بدعائه عليه السلام أو يحمل على ما إذا كان بالغا والمراد بعدم تخييره عندنا أنه إذا بلغ السن الذي ينزع من الأم يأخذه الأب ولا خيار للصغير، وفي فتح القدير والمعتوه لا يخير ويكون عند الأم وينبغي أن يكون عند من يقول بتخيير الولد، وأما عندنا والمعتوه إذا بلغ السن المذكور يكون عند الأب ولم يذكر المصنف رحمه الله حكم الولد إذا بلغ هل ينفرد بالسكنى أو يستمر عند الأب‏؟‏ وفي الظهيرية فإذا بلغت الجارية مبلغ النساء، فإن كانت بكرا كان للأب أن يضمها إلى نفسه وإن كانت ثيبا فليس له ذلك إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها والغلام إذا عقل واجتمع رأيه واستغنى عن الأب ليس للأب أن يضمه إلى نفسه إلا إذا لم يكن مأمونا على نفسه كان له أن يضمه إلى نفسه وليس عليه نفقته إلا أن يتبرع، ومتى كانت الجارية بكرا يضمها إلى نفسه وإن كان لا يخاف عليها الفساد إذا كانت حديثة السن أما إذا دخلت في السن واجتمع لها رأي وعقلت فليس للأولياء حق الضم ولها أن تنزل حيث أحبت حيث لا يتخوف عليها، وإن كانت ثيبا مخوفا عليها وليس لها أب ولا جد ولكن لها أخ أو عم ليس له ولاية الضم إلى نفسه بخلاف الأب والجد، والفرق أن الأب والجد كان لهما ولاية الضم في الابتداء فجاز أن يعيداها إلى حجرهما إذا لم تكن مأمونة أما غير الأب والجد فلم يكن له ولاية الضم في الابتداء فلا يكون له ولاية الإعادة أيضا ا هـ‏.‏ وإن لم يكن لها أب ولا جد ولا عصبة أو كان لها عصبة مفسد فللقاضي أن ينظر في حالها، فإن كانت مأمونة خلاها تنفرد بالسكنى سواء كانت بكرا أو ثيبا وإلا وضعها عند امرأة أمينة ثقة تقدر على الحفظ؛ لأنه جعل ناظرا للمسلمين كذا في التبيين وذكر الإسبيجابي أن للأب أن يؤدب ولده البالغ إذا وقع منه شيء، وفي الولوالجية الابن إذا بلغ يتخير بين الأبوين، فإن كان فاسقا يخشى عليه شيء فالأب أولى من الأم، وفي الخلاصة امرأة خرجت من منزلها وتركت صبيا لها في المهد فسقط المهد ومات الصغير لا شيء عليها؛ لأنها لم تضيع فلا تضمن كما لو خرجت من منزلها فجاء طرار فطر في البيت فلا ضمان عليها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا تسافر مطلقة بولدها إلا إلى وطنها وقد نكحها ثم‏)‏؛ لأن في السفر به إضرارا بأبيه، فإذا خرجت به إلى وطنها وقد كان تزوجها الزوج فيه فلها ذلك؛ لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا قال عليه السلام‏:‏ «من تأهل ببلدة فهو منهم» ولهذا يصير الحربي به ذميا كذا في الهداية ودفعه في الكافي بأن المصرح به أن الحربي لا يصير بتأهله في دار الإسلام ذميا لإمكان أن يطلقها ثم يعود إلى دار الحرب وإنما ذلك في الحربية إذا تزوجت فإنها تصير ذمية وما في التبيين من إبدال الحربي بالحربية لا يناسب المقام؛ لأن الكلام في الرجل‏.‏ وشرط المصنف لجواز سفرها به أمرين واتفقوا أنه ليس لها السفر به إلى مصر لم يتزوجها فيه واختلفوا فيما إذا أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها وقد كان التزوج فيه أشار في الكتاب إلى أنه ليس لها ذلك، وهذا رواية كتاب الطلاق وذكر في الجامع الصغير أن لها ذلك؛ لأن العقد متى وجد في مكان يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه، ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد وجه الأول أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفا وهذا أصح كذا في الهداية، وفي شرح النقاية وإنما قال المصنف تسافر دون أن تخرج؛ لأنه لو كان بين الموضعين تقارب بحيث يتمكن الأب من مطالعة ولده والرجوع إليه في نهاره جاز لها أن تنتقل إليه سواء كان وطنا لها أو لم يكن وقع العقد فيه أو لم يقع؛ لأن الانتقال إلى قريب بمنزلة الانتقال من محلة إلى محلة في بلدة واحدة ا هـ‏.‏ والذي يظهر عدم صحة التعبير بالسفر أو بالخروج على الإطلاق؛ لأن السفر إن كان المراد به الشرعي لم يصح؛ إذ لا يشترط في منعها عن الخروج به أن يكون بين الوطنين ثلاثة أيام وإن كان المراد به السفر اللغوي لم يصح أيضا؛ لأنه إذا كان بين المكانين تقارب لا تمنع مطلقا فهو كالانتقال من محلة إلى أخرى، وكذا التعبير بمطلق الخروج لا يصح والعبارة الصحيحة ليس لها الخروج بالولد من بلدة إلى أخرى بينهما تفاوت كما ذكرناه إلا إذا انتقلت من القرية إلى المصر فإن لها ذلك؛ لأن فيه نظرا للصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر وليس فيه ضرر بالأب وهي واردة على المصنف، وفي عكسه ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك مطلقا‏.‏ ويستثنى من جواز نقله إذا وجد الأمران في دار الحرب فليس لها أن تنقله إليها إذا كان وطئها ونكحها فيه لما فيه من الإضرار بالولد والوالد المسلم أو الذمي حتى لو كان الوالد والوالدة حربيين لها ذلك وقيد بالمطلقة؛ لأن المنكوحة ليس لها الخروج به من بلد إلى آخر مطلقا؛ لأن حق السكنى للزوج بعد إيفاء المعجل خصوصا بعدما خرجت معه وأراد بالمطلقة المبانة بعد انقضاء عدتها؛ لأن المطلقة رجعيا حكمها حكم المنكوحة، ومعتدة البائن ليس لها الخروج قبل انقضاء العدة مطلقا وقيد بالأم؛ لأن الأم لو ماتت وصارت الحضانة للجدة فليس لها أن تنتقل إلى مصرها بالولد؛ لأنه لم يكن بينهما عقد، وكذا أم الولد إذا أعتقت لا تخرج الولد من المصر الذي فيه الغلام؛ لأنه لا عقد بين الأب وأم الولد كذا في فتح القدير وغير الجدة كالجدة بالأولى وأطلق في الوطن فشمل القرية فلها أن تنقله من مصر إلى قرية وقع العقد بها وهي قريتها كما في شرح الطحاوي وهو المنصوص عليه في الكافي للحاكم الشهيد فما في شرح البقالي من أنه ليس لها ذلك ضعيف وقيد بالمرأة؛ لأن الأب ليس له إخراج الولد من بلد أمه حيث كان لها حق في الحضانة قال في الظهيرية‏.‏ وفي المنتقى ابن سماعة عن أبي يوسف رجل تزوج امرأة بالبصرة فولدت له ولدا ثم إن هذا الرجل أخرج ولده الصغير إلى الكوفة وطلقها وخاصمته في ولدها وأرادت رده عليها قال إن كان الزوج أخرجه إليها بأمرها فليس عليه أن يرده ويقال لها اذهبي إليه وخذيه قال وإن كان إخراجه بغير أمرها فعليه أن يجيء به إليها ابن سماعة عن أبي يوسف في رجل خرج مع المرأة وولدها من البصرة إلى الكوفة ثم رد المرأة إلى البصرة ثم طلقها فعليه أن يرد ولدها فيؤخذ بذلك لها ا هـ‏.‏ وفي الحاوي القدسي وإذا تزوجها في قرية من رستاق لها قرى قريبة بعضها من بعض فأرادت أن تخرج بولدها من قرية إلى قرية لها ذلك ما لم تقطعه من أبيه إذا أراد أن يبصر ولده كل يوم، وكذا الأب إذا أراد أن يخرجه إلى مثل ذلك وليس له أن يخرجه من المصر إلى القرى بغير رضا أمه إذا كان صغيرا ا هـ‏.‏ وفي المجمع ولا يخرج الأب بولده قبل الاستغناء ا هـ‏.‏ وعلله في الشرح بأنه لما فيه من الإضرار بالأم بإبطال حقها في الحضانة وهو يدل على أن حضانتها إذا سقطت جاز له السفر به، وفي الفتاوى السراجية سئل إذا أخذ المطلق ولده من حاضنته لزواجها هل له أن يسافر به فأجاب بأنه له أن يسافر به إلى أن يعود حق أمه ا هـ‏.‏ وهو صريح فيما قلنا وهي حادثة الفتوى في زماننا والله أعلم‏.‏