فصل: باب وقوت الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


‏[‏مقدمة‏]‏

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري رحمة الله عليه الحمد لله رب العالمين الذي لا يبلغ وصف صفاته الواصفون ولا يدرك كنه عظمته المتفكرون ويقر بالعجز عن مبلغ قدرته المعتبرون الذي أحصى كل شي عددا وعلما ولا يحيط خلقه بشيء من علمه إلا بما شاء خضعت له الرقاب وتضعضعت له الصعاب أمره في كل ما أراد ماض وهو بكل ما شاء حاكم قاض إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون يقضي بالحق وهو خير الفاصلين ذو الرحمة والطول وذو القوة والحول الواحد الفرد له الملك وله الحمد ليس له ند ولا ضد ولا له شريك ولا شبيه جل عن التمثيل والتشبيه لا إله إلا هو إليه المصير أحمده كثيرا عدد خلقه وكلماته وملء أرضه وسمواته وأسأله الصلاة على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين وعلى جميع النبيين والمرسلين وسلم تسليما أما بعد فإن جماعة من أهل العلم وطلبه والعناية به من إخواننا نفعهم الله وإيانا بما علمنا - سألونا في مواطن كثيرة مشافهة ومنهم من سألني ذلك من آفاق نائية مكاتبا أن أصرف لهم كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ على أبواب ‏(‏‏(‏الموطإ‏)‏‏)‏ ونسقه وأحذف لهم منه تكرار شواهده وطرقه وأصل لهم شرح المسند والمرسل اللذين قصدت إلى شرحهما خاصة في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ بشرح جميع ما في الموطأ من أقاويل الصحابة والتابعين وما لمالك فيه من قوله الذي بنى عليه مذهبه واختاره من أقاويل سلف أهل بلده الذي هم الحجة عنده على من خالفهم وأذكر على كل قول رسمه وذكره فيه ما لسائر فقهاء الأمصار من التنازع في معانيه حتى يتم شرح كتابه ‏(‏‏(‏الموطإ‏)‏‏)‏ مستوعبا مستقصى بعون الله إن شاء الله على شرط الإيجاز والاختصار وطرح ما في الشواهد من التكرار إذ ذلك كله ممهد مبسوط في كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ والحمد لله وأقتصر في هذا الكتاب من الحجة والشاهد على فقر دالة وعيون مبينة ونكت كافية ليكون أقرب إلى حفظ الحافظ وفهم المطالع إن شاء الله‏.‏

وأما أسماء الرجال فقد أفردنا للصحابة - رضوان الله عليهم - كتابا موعبا وكل من جرى ذكره في مسند ‏(‏‏(‏الموطإ‏)‏‏)‏ أو مرسله فقد وقع التعريف به أيضا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وما كان من غيرهم فيأتي التعريف بأحوالهم في هذا الكتاب إن شاء الله وإلى الله أرغب في حسن العون على ذلك وعلى كل ما يرضاه من قول وعمل صالح وأضرع إليه في السلامة من الزلل والخطل وأن يجعلني ممن يريد بقوله وفعله كله وجه ورضاه فهو حسبنا فيما أملناه لا شريك له حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمر القاضي المالكي ببغداد قال حدثنا عبد الواحد بن العباس الهاشمي قال حدثنا عياش بن عبد الله الرقي قال قال عبد الرحمن بن مهدي ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من موطإ مالك بن أنس حدثنا علي بن إبراهيم بن حمويه الشيرازي حدثنا شبابة قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المدني قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال سمعت هارون بن سعيد الأيلي يقول سمعت الشافعي يقول ما كتاب بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك بن أنس حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا يحيى بن مالك قال حدثنا محمد بن سليمان بن الشريف قال حدثنا إبراهيم بن إسماعيل قال حدثنا يوسف بن عبد الأعلى قال الشافعي ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطإ مالك بن أنس حدثنا عبد الله بن محمد القاضي قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا علي بن الحسن القطان قال حدثنا عبد الله بن محمد القروي قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول سمعت الشافعي يقول ما رأيت كتابا ألف في العلم أكثر صوابا من موطإ مالك حدثنا عبد الله بن محمد القاضي حدثنا القاسم بن علي حدثنا إبراهيم بن الحسن السيرافي حدثنا يحيى بن صالح قال سمعت أبي يقول قال بن هب من كتب ‏(‏‏(‏كتاب الموطإ‏)‏‏)‏ لمالك فلا عليه ألا يكتب من الحلال والحرام شيئا حدثنا عبد الله بن محمد القاضي حدثنا القاسم بن علي حدثنا إبراهيم بن الحسن قال سمعت يحيى بن عثمان يقول سمعت بن أبي مريم يقول - وهو يقرأ عليه ‏(‏‏(‏ موطأ مالك‏)‏‏)‏ وكان ابنا أخيه قد رحلا إلى العراق في طلب العلم - فقال لو أن ابني أخي مكثا بالعراق عمرهما يكتبان ليلا ونهارا ما أتيا بعلم يشبه موطأ مالك ولا أتيا بسنة مجمع عليها خلاف موطإ مالك حدثنا عبد الله بن محمد القاضي حدثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال حدثنا أبو طاهر قال حدثنا صفوان عن عمر بن عبد الواحد - صاحب الأوزاعي - قال عرضنا على مالك الموطأ إلى أربعين يوما فقال كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما قلما تتفقهون فيه ‏!‏ ولم أذكر في كتابي هذا شيئا من معاني النقل وغوائله وعلم طرقه وعلله ولا من فضائل مالك - رحمه الله - وأخباره إذ ذاك كله مذكور بأتم ذكر وأكمله في ‏(‏‏(‏كتاب التمهيد‏)‏‏)‏ والحمد لله وقصدت من روايات ‏(‏‏(‏الموطإ‏)‏‏)‏ في كتابي إلى رواية يحيى بن يحيى الأندلسي فجعلت رسوم كتابي هذا على رسوم كتابه ونسق أبوابه للعلة التي ذكرناها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ على أنه سينظم بهذه الرواية كثير من اختلاف الرواية عن مالك في موطئه على حسب ما يقود إليه القول في ذلك بحول الله‏.‏

وأما الإسناد الذي بيني وبين مالك في رواية يحيى بن يحيى فإن أبا عثمان سعيد بن نصر حدثنا بجميع الموطإ قراءة منه علينا من أصل كتابه قال حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ وهب بن مسرة قالا حدثنا بن وضاح قال قال حدثنا يحيى بن يحيى عن مالك‏.‏

وحدثنا به أيضا به أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن البزار قراءة مني عليه عن وهب بن مسرة وبن أبي دليم عن بن وضاح عن يحيى عن مالك‏.‏

وحدثنا به أيضا أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد عن أبي عمر أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن وأحمد بن سعيد بن حزم عن عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى عن مالك وعن وهب بن مسرة أيضا عن بن وضاح عن يحيى عن مالك‏.‏

وأما رواية بن بكير عن مالك فقرأتها على أبي عمر أحمد بن محمد بن أخي عبد الله بن محمد بن عيسى بن رفاعة عن يحيى بن أيوب بن باب حدثنا العلاف عن بن بكير عن مالك وقرأتها أيضا على أبي عمر أحمد بن محمد وأبي القاسم عبد الوارث بن سفيان جميعا عن قاسم بن أصبغ عن مطرف بن عبد الرحمن بن قيس عن يحيى بن عبد الله بن بكير عن مالك‏.‏

وأخبرني بها أيضا أبو القاسم خالد بن سهل الحافظ عن أبي محمد الحسن بن رشيق عن أحمد بن محمد المؤدب والحسن بن محمد جميعا عن بن بكير‏.‏

وأما رواية بن القاسم للموطإ عن مالك فقرأتها على أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني عن أبي العباس تميم بن محمد بن تميم عن عيسى بن مسكين عن سحنون بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك‏.‏

وأما رواية القعنبي عبد الله بن مسلمة فقرأتها على أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد عن أبي بكر أحمد بن محمد المكي عن علي بن عبد العزيز عن القعنبي عن مالك وعن بكر بن العلاء القاضي القشيري عن أحمد بن موسى النسائي عن القعنبي عن مالك‏.‏

وأما رواية مطرف بن عبد الله الساري عن مالك فحدثني بها أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن عمر بن لبابة قال حدثنا يحيى بن إبراهيم بن مرين قال حدثنا مطرف عن مالك بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‏.‏

كتاب وقوت الصلاة

باب وقوت الصلاة

1- مالك عن بن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بهذا أمرت فقال عمر بن عبد العزيز اعلم ما تحدث به يا عروة أو إن جبريل هو الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة قال عروة كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري يحدث عن أبيه‏.‏

2- قال عروة ولقد حدثتني عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر قال أبو عمر هذا الحديث متصل صحيح مسند عند جماعة أهل العلم بالنقل وقد ذكرنا في كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ أن ‏(‏أن‏)‏ في هذا الموضع كعن وأن السند المعنعن محمول على الاتصال حتى يبين الانقطاع وقد بان في هذا الحديث اتصاله لمجالسة بعض رواته بعضا وقد ذكرنا مشاهدة بن شهاب للقصة عند عمر بن عبد العزيز مع عروة بن الزبير في هذا الحديث من أصحاب بن شهاب معمر بن راشد والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وشعيب بن أبي حمزة وبن جريج وقد ذكرنا أحاديثهم ورواياتهم عن بن شهاب - كما وصفت لك - في كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي روايتهم عن بن شهاب أن الصلاة التي أخرها عمر بن عبد العزيز هي صلاة العصر وأن الصلاة التي أخرها المغيرة هي تلك أيضا وليس في روايتهم لهذا الحديث أكثر من أن جبريل صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في أوقاتهن على ما في ظاهر حديث مالك أيضا وليس في شيء من رواية هؤلاء عن بن شهاب ما يدل أن جبريل صلى برسول الله مرتين كل صلاة في وقتين فتكون عشر صلوات كما في سائر الآثار المروية في إمامة جبريل وفي حديث معمر وبن جريج عن بن شهاب في الحديث أن الناس صلوا خلف رسول الله حين صلى به جبريل وقد روي ذلك من غير حديث بن شهاب من وجوه‏.‏

وأما بن أبي ذئب ففي روايته لهذا الحديث عن بن شهاب بإسناده أنه صلى به مرتين في يومين على مثل ما ذكر عن بن شهاب أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز وقد ذكرت هناك الاختلاف في وقت الإسراء وكيف كان فرض الصلاة حينئذ ولم تختلف الآثار ولا اختلف أهل العلم بالخبر والسير أن الصلاة إنما فرضت على النبي -عليه السلام- بمكة حين أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء ثم أتاه جبريل من الغد فصلى به الصلوات لأوقاتها إلا أنهم اختلفوا في هيئتها حين فرضت فروي عن عائشة أنها فرضت ركعتين ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا ومن رواة حديثنا هذا من يقول زيد فيها بالمدينة وأقرت صلاة السفر على ركعتين وبذلك قال الشعبي والحسن البصري في رواية وميمون بن مهران ومحمد بن إسحاق وروي عن بن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وقال نافع بن جبير بن مطعم وكان أحد علماء قريش بالنسب وأيام العرب والفقه وهو راوية من رواة بن عباس وهو يروي عنه إمامة جبريل بالنبي -عليه السلام- أن الصلاة فرضت في أول ما فرضت أربعا إلا المغرب فإنها فرضت ثلاثا والصبح ركعتين وكذلك قال الحسن البصري في رواية وهو قول بن جريج وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك القشيري ما يدل على ذلك وهو قوله إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ووضع لا يكون إلا من تمام قبله وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر بن الخطاب قال فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وقد ذكرنا هذا الخبر في باب قصر الصلاة وذكرنا علة إسناده وهو حديث حسن فدل هذا كله على أن القصر كان من أربع إلى اثنتين وعلى أن الأصل كان أربعا لا ركعتين والله أعلم فإن قيل إن حديث عائشة صحيح من جهة النقل وهو أصح إسنادا من حديث القشيري وغيره وأصح من حديث بن عباس فالجواب أنا لا حاجة بنا إلى أصل الفرض إلا من طريق القصر ولا وجه لقول من قال إن حديث عائشة يعارضه قول الله تعالى ‏(‏وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلواة‏)‏ ‏[‏النساء 101‏]‏‏.‏

وقد أجمع العلماء أنه لا يكون القصر من ركعتين في شيء من السفر في الأمن لأن حديث عائشة قد أوضح أن الصلاة زيد فيها في الحضر ومعلوم أن الفرض فيها كان بمكة والزيادة كانت بالمدينة وأن سورة النساء متأخرة فلم يكن القصر مباحا إلا بعد تمام الفرض وذلك يعود إلى معنى واحد في أن القصر إنما ورد بعد تمام الصلاة أربعا ولا حاجة إلى أصل الفرض اليوم لأن الإجماع منعقد بأن صلاة الحضر تامة غير مقصورة وبالله التوفيق وقد أوضحنا هذا المعنى في حديث مالك عن صالح بن كيسان في باب قصر الصلاة من هذا الكتاب والحمد لله وقد مضى في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ أيضا اختلافهم فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل في صلاته وهو بمكة وذلك على قولين عن السلف مرويين أحدهما أنه كان يستقبل بمكة الكعبة لصلاته على ما كانت عليه صلاة إبراهيم وإسماعيل فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم وجهه الله إلى الكعبة وهذا أصح القولين عندي لما حدثناه سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالوا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا عبد الله بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال كان أول ما نسخ الله من القرآن القبلة وذلك أن النبي -عليه السلام- لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله بضعة عشر شهرا وكان عليه السلام - يحب قبلة إبراهيم وكان يدعو الله وينظر إليها فأنزل الله ‏(‏قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها‏)‏ إلى قوله ‏(‏فولوا وجوهكم شطره‏)‏ ‏[‏البقرة 144‏]‏‏.‏

يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله تعالى ‏(‏قل لله المشرق والمغرب‏)‏ ‏[‏البقرة 142‏]‏‏.‏ وقال ‏(‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏)‏ ‏[‏البقرة 115‏]‏‏.‏ وقال تعالى ‏(‏وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه‏)‏ ‏[‏البقرة 143‏]‏‏.‏

قال بن عباس ليميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة وقال تعالى ‏(‏وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله‏)‏ ‏[‏البقرة 143‏]‏‏.‏ يعني تحويلها على أهل الشك لا على الخاشعين يعني المصدقين بما أنزل الله‏.‏

وحدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن سليمان الحداد ببغداد قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله عز وجل ‏(‏وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ‏[‏البقرة 144‏]‏‏.‏

يعلمون أن الكعبة المسجد الحرام كانت قبلة إبراهيم والأنبياء عليهم السلام ولكنهم تركوها عمدا وقوله ‏(‏وإن فريقا منهم ليكتمون الحق‏)‏ ‏[‏البقرة 146‏]‏‏.‏

يكتمون صفة محمد عليه السلام ويكتمون أن الكعبة البيت الحرام ثم قال لنبيه عليه السلام ‏(‏فلا تكونن من الممترين‏)‏ ‏[‏البقرة 147‏]‏‏.‏

يقول لا تكن في شك يا محمد أن الكعبة قبلتك وكانت قبلة الأنبياء قبلك وبهذا الإسناد عن أبي العالية أن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام وكانت الكعبة قبلته وكانت الصخرة بين يديه فقال اليهود بي بيننا وبينك مسجد صالح النبي عليه السلام فقال له أبو العالية فإني صليت في مسجد صالح وقبلته الكعبة قال الربيع‏.‏

وأخبرني أبو العالية أنه رأى مسجد ذي القرنين وقبلته الكعبة ولم يختلفوا في أنه استقبل في حين قدومه المدينة بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وقد ذكرنا اختلافهم في تاريخ صرف القبلة هناك أيضا ويأتي ذلك مجودا في موضعه في هذا الكتاب عند قول سعيد بن المسيب وصرفت القبلة قبل بدر بشهرين إن شاء الله حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا أحمد بن عبد الله العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن بن إسحاق قال ثم إن جبريل أتى النبي -عليه السلام- حين افترضت الصلاة عليه فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت له عين ماء فتوضأ جبريل ومحمد ينظر فوضأ وجهه واستنشق ومضمض ومسح برأسه وأذنيه وغسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين ونضح فرجه ثم قام فصلى ركعتين وأربع سجدات وهذا إنما أخذه بن إسحاق -والله أعلم- من حديث زيد بن حارثة وهو حديث حدثناه أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا الحسن بن موسى قال حدثنا عبد الله بن لهيعة قال حدثنا عقيل بن خالد عن بن شهاب عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة ‏(‏‏(‏ أن النبي -عليه السلام- في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل فعلمه الوضوء فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه‏)‏‏)‏ ومعنى قوله في أول ما أوحي إليه أي أوحي إليه في الصلاة وهذا يدل على أنه لم يصل صلاة قط بغير طهور ولهذا قال مالك في حديثه عن عبد الرحمن بن القاسم حديث عقد عائشة حين فقدوا الشمس وهم على غير ماء فنزلت آية التيمم ولم يقل فنزلت آية الوضوء وآية الوضوء وإن كانت مدنية فإنما كان سبب نزولها التيمم وسنوضح هذا المعنى في موضعه في هذا الكتاب إن شاء الله ويدل على صحة قول من قال فنزلت آية التيمم ولم يقل نزلت آية الوضوء فرارا من أن تكون صلاته عليه السلام بغير وضوء مع حديث زيد بن حارثة وهو معنى قول بن إسحاق مع ما ثبت عنه -عليه السلام- من نقل الآحاد العدول في ذلك - قوله ‏(‏‏(‏لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول‏)‏‏)‏‏.‏

حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن يوسف قال حدثنا أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن يوسف بمكة قال حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم الترمذي قال حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن عبد الله بن عمر عن النبي عليه السلام قال ‏(‏‏(‏لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول‏)‏‏)‏ وذكرنا في التمهيد كيف كان وجه تأخير بني أمية للصلاة وذكرنا الخبر بذلك مسندا وغير مسند من وجوه شتى ونذكر ها هنا طرفا من ذلك بعون الله تعالى حدثنا خلف بن قاسم الحافظ قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق قال حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال كانوا يؤخرون الصلاة في أيام الوليد بن عبد الملك ويستحلفون الناس أنهم ما صلوا فأتي عبد الله بن أبي زكريا فاستحلف أنه ما صلى فحلف ما صلى وقد كان صلى وأتى مكحول فقيل له فقال فلم جئنا إذا فذكر سنيد حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسماعيل قال رأيت سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح - وأخر الوليد بن عبد الملك الصلاة - فرأيتهما يومئان في وقت الصلاة ثم جلسنا حتى صليا معه وذكر بن أبي شيبة حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن بن صالح عن إبراهيم بن مهاجر قال كان الحجاج يؤخر الجمعة فكنت أصلي أنا وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير الظهر ثم نتحدث وهو يخطب ثم نصلي ونجعلها نافلة قال‏.‏

وحدثنا محمد بن عبيد عن الزبرقان قال قلت لشقيق إن الحجاج يميت الجمعة قال تكتم علي قلت نعم قال صلها في بيتك لوقتها ولا تدع الجماعة قال‏.‏

وحدثنا إسماعيل بن عتبة عن بن عون عن محمد بن سيرين قال أطال بعض الأمراء الخطبة فنكأت يدي حتى أدميتها ثم قمت وخرجت وأخذتني السياط فمضيت وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ أن الوليد بن عقبة وزيادا وغيرهما أخروها قبل حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق وأحمد بن زهير قالا حدثنا الوليد الطيالسي قال حدثنا أبو هاشم الزعفراني عمار بن عمارة قال حدثني صالح بن عبيد عن قبيصة بن وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم فصلوا معهم ما صلوا إلى القبلة‏)‏‏)‏‏.‏

حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا بن أبي سبرة عن المنذر بن عبد قال ولى عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الجمعة فأنكرت حاله في العصر وقد أوضحنا جهل عمر بن عبد العزيز والمغيرة بن شعبة لنزول جبريل - بمواقيت الصلاة في كتاب ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ وأنهما إنما جهلا من ذلك نزول جبريل بفرض أوقات الصلوات وكانوا يعتقدون ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القرآن ليس فيه آية مفصحة بذلك ترفع الإشكال ولو كانت فيه آية تتلى ما جهلها عمر بن عبد العزيز ولا مثله من العلماء وقد جاز على كثير منهم جهل كثير من السنن الواردة على ألسنة خاصة العلماء ولا أعلم أحدا من الصحابة إلا وقد شذ عنه بين علم الخاصة واردة بنقل الآحاد أشياء حفظها غيره وذلك على من بعدهم أجوز والإحاطة ممتنعة على كل أحد وفي هذا الحديث دليل على أن وقت الصلاة من فرائضها وأنها لا تجزئ قبل وقتها وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء روي عن أبي موسى الأشعري وعن بعض التابعين وقد انعقد الإجماع على خلافه فلم نر لذكره وجها لأنه لا يصح عندي عنهم وقد صح عن أبي موسى خلافه بما يوافق الجماعة فصار اتفاقا صحيحا والوقت أول فرائض الصلاة لأنه لا يلزم الوضوء لها إلا بعد دخول وقتها والمتوضئ قبل الوقت متبرع مبادر إلى فضل ومتأهب لفرض ومن الدليل أيضا على أن الأوقات أيضا من فرائض الصلوات مع ما ذكرنا من حديث الباب والإجماع - قول الله تعالى ‏(‏أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا‏)‏ ‏[‏الإسراء 78‏]‏‏.‏

قال مالك أوقات الصلاة في كتاب الله قوله تعالى ‏(‏أقم الصلاة لدلوك الشمس‏)‏ يعني الظهر والعصر ‏(‏إلى غسق الليل‏)‏ يعني المغرب والعشاء ‏(‏وقرءان الفجر‏)‏ يعني صلاة الفجر وقد قال ذلك قبله جماعة من العلماء بتأويل القرآن منهم بن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم وروي عن بن عباس أيضا وطائفة أنهم قالوا أوقات الصلوات في كتاب الله تعالى قوله ‏(‏ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون‏)‏ ‏[‏الروم 17‏]‏‏.‏ ف حين تمسون‏)‏ المغرب والعشاء وحين تصبحون‏)‏ الصبح ‏(‏وعشيا‏)‏ ‏[‏الروم 18‏]‏‏.‏

العصر وحين تظهرون‏)‏ الظهر ثم قال ‏(‏ومن بعد صلاة العشاء‏)‏ ‏[‏النور 58‏]‏‏.‏

وهذا كله قد جاء عن السلف وليس فيه ما يقطع به ولا يعتمد عليه لأن التسبيح إذا أطلق عليه فإنما يراد به الذكر قول سبحان الله وهي كلمة تنزيه الله - تبارك اسمه - عن كل ما نزه عنه نفسه وكذلك ظاهر قوله ‏(‏أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل‏)‏ ‏[‏الإسراء 78‏]‏‏.‏

لو تركنا وظاهر هذا القول لوجبت الصلاة من الزوال عند من جعل دلوكها زوالها إلى غسق الليل فليس في محكم القرآن في أوقات الصلوات شيء واضح يعتمد عليه وأصبح ذلك نزول جبريل -عليه السلام- بأوقات الصلوات مفسرة وهي في الكتاب مجملة وكذلك الصلاة والزكاة مجملات أوضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها كما أمره الله بقوله ‏(‏وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم‏)‏ ‏[‏النمل 44‏]‏‏.‏

فبينها -عليه السلام- بالقول والعمل فمن بيانه -عليه السلام- ما نقله الآحاد العدول ومنها ما أجمع عليه السلف والخلف فقطع العذر ومنها ما اختلفوا فيه ونحن ذاكرون ما وصل إلينا علمه من إجماعهم في مواقيت الصلاة وما اختلفوا فيه من ذلك بعون الله لا شريك له أجمع علماء المسلمين أن أول وقت صلاة الظهر زوال الشمس عن كبد السماء ووسط القبلة إذا استوقن ذلك في الأرض بالتفقد والتأمل وذلك ابتداء زيادة الظل بعد تناهي نقصانه في الشتاء والصيف وإن كان الظل مخالفا في الصيف له في الشتاء فإذا تبين زوال الشمس بما ذكرنا أو بغيره فقد دخل وقت الظهر هذا ما لم يختلف فيه العلماء أن زوال الشمس وقت الظهر وذلك تفسير لقوله تعالى ‏(‏ أقم الصلوات لدلوك الشمس‏)‏ ‏[‏الإسراء 78‏]‏‏.‏

ودلوكها ميلها عند أكثر أهل العلم ومنهم من قال دلوكها غروبها واللغة محتملة للقولين والأول أكثر وكان مالك يستحب لمساجد الجماعات أن يؤخروها بعد الزوال حتى يكون الفيء ذراعا على ما كتب به عمر إلى عماله وذلك عند مالك فيما روى عنه بن القاسم صيفا وشتاء وروى غيره عن مالك أن أحب الأمر إليه في أوقات الصلوات البدار إليها في أوائل أوقاتها إلا الظهر في شدة الحر فإنه يبرد بها قال أبو الفرج قال مالك أول الوقت أفضل في كل صلاة إلا الظهر في شدة الحر وفي كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن صل الظهر إذا زاغت الشمس وسنبين معنى الحديثين عن عمر بعد إن شاء الله واختلفوا في آخر وقت الظهر فقال مالك وأصحابه آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله بعد الغدو الذي زالت عليه الشمس وهو أول وقت العصر وبذلك قال بن المبارك وجماعة واستحب مالك لمساجد الجماعات أن يؤخروا العصر بعد هذا المقدار قليلا وهذا كله آخر الوقت المختار وكذلك هو ما دامت الشمس بيضاء نقية لأهل الرفاهية‏.‏

وأما أهل الضرورات ومن لهم الاشتراك في الأوقات فسيأتي ذكر حكمهم في موضعه إن شاء الله وفي الأحاديث الواردة بإمامة جبريل ما يوضح لك أن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر لأنه صلى بالنبي عليهما السلام - الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس‏.‏

وقال الشافعي وأبو ثور وداود آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله إلا أن بين آخر وقت الظهر وأول وقت العصر فاصلة وهي أن يزيد الظل أدنى زيادة على المثل وحجتهم حديث أبي قتادة عن النبي عليه السلام أنه قال ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وهذا عندهم فيما عدا الصبح للإجماع في الصبح أنها يخرج وقتها بطلوع الشمس فإن لم يدخل وقت الأخرى فلا ومن حجتهم أيضا حديث عبد الله بن عمرو عن النبي -عليه السلام- أنه قال وقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر وقد ذكرنا حديث أبي قتادة وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طرق في كتاب التمهيد وقال الثوري والحسن بن صالح وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله ثم يدخل وقت العصر ولم يذكروا فاصلة إلا أن قولهم ثم يدخل وقت العصر يقتضي الفاصلة‏.‏

وقال أبو حنيفة آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثليه فخالف الآثار والناس لقوله بالمثلين في آخر وقت الظهر وخالفه أصحابه في ذلك وذكر الطحاوي رواية أخرى عن أبي حنيفة أنه قال آخر وقت الظهر حين يصير ظل كل شيء مثله مثل قول الجماعة ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فترك بين الظهر والعصر وقتا مفردا لا يصلح لأحدهما وهذا لم يتابع عليه أيضا‏.‏

وأما أول وقت العصر فقد تبين من قول مالك ما ذكرنا فيه ومن قول الشافعي ومن تابعه على ما وصفناه ومن قول سائر العلماء أيضا في مراعاة الميل من الظل ما قد بيناه وهو كله معنى متقارب‏.‏

وقال أبو حنيفة أول وقت العصر من حين يصير الظل مثلين وهذا خلاف الآثار وخلاف الجمهور وهو قول عند الفقهاء من أصحابه وغيرهم مهجور واختلفوا في آخر وقت العصر فقال مالك آخر وقت العصر أن يكون ظل كل شي مثليه بعد القدر الذي زالت الشمس عليه وهذا عندنا محمول من قوله على الاختيار وما دامت الشمس بيضاء نقية فهو وقت مختار أيضا لصلاة العصر عنده وعند سائر العلماء وأجمع العلماء أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية لم تدخلها صفرة فقد صلاها في وقتها المختار وفي ذلك دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب قال بن عبد الحكم عن مالك في آخر وقت العصر أن يكون ظل كل شيء مثليه بعد القدر الذي زالت عليه الشمس وقال محمد ابنه القامتان في وقت العصر مذكورتان عن النبي -عليه السلام- وعن بعض الصحابة قال وهو قول مالك وأصحابه وبه نأخذ وفي المدونة قال بن القاسم لم يكن مالك يذكر القامتين في وقت العصر ولكنه كان يقول والشمس بيضاء نقية وقال بن القاسم عن مالك آخر وقت العصر اصفرار الشمس وقال بن وهب عن مالك الظهر والعصر آخر وقتهما غروب الشمس وهذا كله لأهل الضرورات كالحائض والمغمى عليه ومن يعيد في الوقت وقال الثوري إن صلاها ولم تتغير الشمس فقد أجزأه وأحب إلى أن يصليها إذا كان ظله مثله إلى أن يكون ظله مثليه‏.‏

وقال الشافعي أول وقتها في الصيف إذا جاوز ظل كل شيء مثله بشيء ما كان ومن أخر العصر حتى يجاوز ظل كل شيء مثليه في الصيف أو قدر ذلك في الشتاء فقد فاته وقت الاختيار ولا يجوز أن يقال فاته وقت العصر مطلقا كما جاز على الذي أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شيء مثله قال وإنما قلت ذلك لحديث أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- أنه قال من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وحجة من ذهب إلى هذا المعنى الأحاديث في إمامة جبريل مع حديث العلاء عن أنس وحديث أبي هريرة هذا وعلى هذا التأويل تستعمل الأحاديث كلها ومذهب مالك يدل أيضا على ذلك وقال أبو يوسف ومحمد وقت العصر إذا كان ظل كل شيء قامته فيزيد على القامة إلى أن تتغير الشمس‏.‏

وقال أبو ثور أول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله بعد الزوال وزاد على الظل زيادة تتبين إلى أن تصفر الشمس وقول أحمد بن حنبل آخر وقت العصر ما لم تصفر الشمس وقال إسحاق بن راهويه آخر وقت العصر أن يدرك المصلي منها ركعة قبل الغروب وهو قول داود لكل الناس معذور وغير معذور صاحب ضرورة وصاحب رفاهية إلا أن الأفضل غيره وعند إسحاق بن راهويه أيضا أول الوقت وقال الأوزاعي إن ركع ركعة قبل غروبها وركعة بعد غروبها فقد أدركها وحجته حديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر واختلفوا في آخر وقت المغرب بعد إجماعهم على أن وقتها غروب الشمس فالظاهر من قول مالك أن وقتها وقت واحد عند مغيب الشمس وبهذا تواترت الروايات عنه إلا أنه قال في الموطأ فإذا غاب الشفق فقد خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وبن حي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري كل هؤلاء يقولون آخر وقت المغرب مغيب الشفق والشفق عندهم الحمرة وحجتهم في ذلك حديث أبي موسى الأشعري ومثله حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله عليه السلام صلاها عند سؤال السائل عن مواقيت الصلوات فلم يرد عليه شيئا وأمر بلالا فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يعرف بعضهم بعضا ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول طلعت الشمس أو كادت ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من العصر ثم أخر العصر حتى خرج منها والقائل يقول احمرت الشمس ثم أخر المغرب حتى كان سقوط الشفق ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل ثم أصبح فدعا السائل فقال له الوقت فيما بين هذين وقد ذكرنا إسناد الحديث وحديث بريدة وغيرهما بهذا المعنى في التمهيد قالوا وهذه الآثار أولى من آثار إمامة جبريل لأنها متأخرة بالمدينة وإمامة جبريل كانت بمكة والآخر من فعله أولى لأنه زيادة على الأولى واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه ووقت المغرب ما لم يسقط الشفق وحديث أبي بصرة الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى العصر قال لا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد والشاهد النجم وحديث عائشة وأنس بن مالك عن النبي عليه السلام إذا حضرت العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء وكل ذلك يدل على سعة الوقت وقد قرأ فيها بالطور وبالصافات والأعراف وقد ذكرنا الآثار بها كلها في التمهيد‏.‏

وقال الشافعي في وقت المغرب قولين أحدهما أنه ممدود إلى مغيب الشفق كما نزع إليه مالك في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ والآخر - وهو المشهور عنه - أن وقتها واحد لا وقت لها غيره في الاختيار وذلك حين تجب الشمس قال وذلك بين في إمامة جبريل قال ولو جاز أن تقاس المواقيت لقيل لا تفوت حتى يدخل أول وقت العشاء قبل أن يصلي منها ركعة كما قال في العصر ولكن المواقيت لا تؤخذ قياسا وقال الثوري وقت المغرب إذا غربت الشمس فإن حبسك عذر فأخرتها إلى أن يغيب الشفق في السفر فلا بأس بها وكانوا يكرهون تأخيرها قال أبو عمر المشهور من مذهب مالك ما ذهب إليه الشافعي والثوري في وقت المغرب والحجة لهم أن كل حديث ذكرناه في التمهيد في إمامة جبريل - على تواترها - لم تختلف في أن للمغرب وقتا واحدا وقد روي مثل ذلك عن النبي -عليه السلام- من حديث أبي هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاص وكلهم صحبة بالمدينة وحكي عنه صلاته بها وأنه لم يصل المغرب في الوقتين لكن في وقت واحد وسائر الصلوات في وقتين على أن مثل هذا يؤخذ عملا لأنه لا يغفل عنه ولا يجوز جهله ولا نسيانه وقد حكى محمد بن خويز منداد البصري المالكي في كتابه في ‏(‏‏(‏الخلاف‏)‏‏)‏ أن الأمصار كلها بأسرها لم يزل المسلمون فيها على تعجيل المغرب والمبادرة إليها في حين غروب الشمس ولا نعلم أحدا من المسلمين آخر إقامة المغرب في مسجد جماعة عن وقت غروب الشمس وفي هذا ما يكفي مع العمل بالمدينة في تعجيلها ولو كان وقتها واسعا لعلم المسلمون فيها كعملهم في العشاء الآخرة وسائر الصلوات من أذان واحد من المؤذنين بعد ذلك وغير ذلك مما يحملهم عليه اتساع الوقت وفي هذا كله دليل على أن النبي -عليه السلام- لم يزل يصليها وقتا واحدا إلى أن مات عليه السلام ولو وسع لهم لاتسعوا لأن شأن العلماء الأخذ بالتوسعة وهذا كله على وقت الاختيار والترغيب في هذه الصلاة فالبدار إلى الوقت المختار وقد زدنا هذا المعنى بيانا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وذكرنا الآثار المسندة بهذا المعنى هناك أيضا والحمد لله وأجمعوا على أن وقت العشاء الآخرة للمقيم مغيب الشفق الذي هو الحمرة هذا قول مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأكثر العلماء في الشفق‏.‏

وقال أحمد بن حنبل أما في الحضر فأحب إلي ألا يصلي حتى يذهب البياض‏.‏

وأما في السفر فيجزئه أن يصلي إذا ذهبت الحمرة واختلفوا في آخر وقتها فالمشهور من مذهب مالك في آخر وقت العشاء في السفر والحضر لغير أصحاب الضرورات ثلث الليل ويستحب لأهل مساجد الجماعات ألا يعجلوا بها في أول وقتها إذا كان ذلك غير مضر بالناس وتأخيرها قليلا أفضل عنده وقد روي عنه ما قدمناه أن أوائل الأوقات أحب إليه في كل صلاة إلا في الظهر في شدة الحر فإنها يبرد بها‏.‏

وأما رواية بن وهب عن مالك قال وقتها من حين يغيب الشفق إلى أن يطلع الفجر - فإنما ذلك لمن له الاشتراك من أهل الضرورات‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه المستحب في وقتها إلى ثلث الليل ويكره تأخيرها إلى بعد نصف الليل ولا تفوت إلا بطلوع الفجر‏.‏

وقال الشافعي آخر وقتها أن يمضي ثلث الليل فإذا مضى ثلث الليل فلا أراها إلا فائتة يعني وقتها المختار لأنه ممن يقول بالاشتراك لأهل الضرورات‏.‏

وقال أبو ثور وقتها من مغيب الشفق إلى ثلث الليل وقال داود وقتها من مغيب الشفق إلى طلوع الفجر قال أبو عمر في أحاديث إمامة جبريل من رواية بن عباس وجابر - ثلث الليل وكذلك في حديث أبي موسى بالمدينة للسائل وفي حديث أبي مسعود الأنصاري وحديث أبي هريرة - ساعة من الليل وفي حديث عبد الله بن عمر ونصف الليل وحديث علي مثله وحديث بن عمر مثله وكلها مسندة وقد ذكرتها في كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ بأسانيدها وروى أبو سعيد الخدري وأبو هريرة عن النبي -عليه السلام- قال ‏(‏‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل‏)‏‏)‏ وفي حديث أبي هريرة إلى ثلث الليل وهذا يحتمل الوجهين لأنه يدل على أن الاختيار التعجيل خوف المشقة وأجمعوا على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وانصداعه وهو البياض المعترض في الأفق الشرقي في آخر الليل وهو الفجر الثاني الذي ينتشر ويظهر وأن آخر وقتها طلوع الشمس إلا أن بن القاسم روى عن مالك آخر وقتها الإسفار وكذلك حكى عنه بن عبد الحكم أن آخر وقتها الإسفار الأعلى وقال بن وهب آخر وقتها طلوع الشمس وهو قول الثوري والجماعة إلا أن منهم من شرط إدراك ركعة منها قبل الطلوع على حسب ما مضى في العصر قال الشافعي لا تفوت صلاة الصبح حتى تطلع الشمس قبل أن يدرك منها ركعة بسجودها فمن لم تكمل له ركعة قبل طلوع الشمس فقد فاتته وهو قول أبي ثور وأحمد وإسحاق وداود والطبري وأبي عبيد‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم يفسدون صلاة من طلعت عليه الشمس وهو يصليها وسيأتي ذكر حجتهم والحجة عليهم في حديث زيد بن أسلم‏.‏

وأما قول عروة ‏(‏‏(‏ولقد حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر - فمعناه عندهم قبل أن يظهر الظل على الجدار يريد قبل أن يرتفع ظل حجرتها على جدرها وكل شيء علا شيئا فقد ظهر عليه قال الله تعالى ‏(‏فما اسطاعوا أن يظهروه‏)‏ ‏[‏الكهف 97‏]‏‏.‏

أي يعلوا عليه وقال النابغة الجعدي‏:‏

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا *** وإنا لنرجو فوق ذلك مظهر

أي مرتقى وعلوا وقيل معناه أن يخرج الظل من قاعة حجرتها وكل شيء خرج أيضا فقد ظهر والحجرة الدار وكل ما أحاط به حائط فهو حجرة وفي الحديث دليل على قصر بنيانهم وحيطانهم لأن الحديث إنما قصد به تعجيل العصر وذلك إنما يكون مع قصر الحيطان وإنما أراد عروة بذلك ليعلم عمر بن عبد العزيز عن عائشة أن النبي كان يصلي العصر قبل الوقت الذي أخرها إليه عمر وقد ذكرنا في كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ عن الحسن البصري قال كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا محتلم فأنال سقفها بيدي وذلك في خلافة عثمان وقال الأوزاعي كان عمر بن عبد العزيز يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة حين يدخل حدثني بذلك عاصم بن رجاء بن حيوة قال أبو عمر هذه حاله إذ صار خليفة وحسبك به اجتهادا في خلافته روى الليث بن سعد عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت ‏(‏‏(‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها‏)‏‏)‏ ورواه بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ‏(‏‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس في حجرتي بيضاء نقية لم يظهر الفيء بعد‏)‏‏)‏ وفي رواية معمر لهذا الحديث عن بن شهاب قال قال عمر لعروة انظر ما تقول يا عروة ‏!‏ أو أن جبريل هو سن وقت الصلاة فقال له عروة كذلك حدثني بشير بن أبي مسعود الأنصاري فما زال عمر يعتلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا وقد روي أنه ولى بعد الجمعة فأنكرت حاله في العصر وفيه دليل على قبول خبر الواحد لأن عمر قبل خبر عروة وحده فيما جهل من أمر دينه - وهذا منا على التنبيه فإن قبول خبر الواحد مستفيض عند الناس مستعمل لا على سبيل الحجة لأنا لا نقول إن خبر الواحد حجة في قبول خبر الواحد على من أنكره وقد أفردنا للحجة في خبر الواحد كتابا والحمد لله وفيه ما كان عليه العلماء من صحبة الأمراء وكان عمر بن عبد العزيز يصحبه جماعة من العلماء منهم رجاء بن حيوة وبن شهاب وعروة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وأخلق بالأمير إذا صحب العلماء أن يكون عدلا فاضلا وروى حماد بن زيد عن محمد بن الزبير قال دخلت على عمر بن عبد العزيز فسألني عن الحسن كما يسأل الرجل عن ولده فقال كيف طعمته وهل رأيته يدخل على عدي بن أرطأة وأين مجلسه منه وهل رأيته يطعم عند عدي قلت نعم وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب ‏(‏‏(‏جامع العلم وفضله‏)‏‏)‏ وما ينبغي في روايته وحمله كانوا يقولون خير الأمراء من صحب العلماء وشر العلماء من صحب الأمراء إلا من قال بالحق وأمر بالمعروف وأعان الضعيف ‏(‏حديث ثان‏)‏‏.‏

3- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الصبح قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر ثم قال ‏(‏‏(‏أين السائل عن وقت الصلاة‏)‏‏)‏‏.‏

قال ها أنذا يا رسول الله ‏!‏ فقال ‏(‏‏(‏ما بين هذين وقت‏)‏‏)‏ لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد يتصل معناه من وجوه شتى من حديث جابر وحديث أبي موسى وحديث عبد الله بن عمر وحديث بريدة الأسلمي إلا أن فيها سؤال السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة جملة وإجابته فيها كلها على حسب ما ذكرناه من ذلك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفيها كلها في الصبح معنى حديث مالك هذا وقد روي حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رجلا سأل النبي -عليه السلام- عن صلاة الصبح فذكر مثل مرسل عطاء بن يسار هذا سواء وقد ذكرنا حديث حميد من وجوه في التمهيد‏)‏‏)‏ وبلغني أن سفيان بن عيينة حدث بهذا الحديث عن زيد بن أسلم عن عطاء عن يسار عن أنس بن مالك عن النبي عليه السلام والصحيح في حديث عطاء الإرسال كما رواه مالك وحديث حميد عن أنس متصل صحيح في هذا الحديث من الفقه تأخير البيان عن وقت السؤال وقت آخر يجب فيه فعل ذلك فأما تأخير البيان عن حين تكليف الفعل والعمل حتى ينقضي وقته فغير جائز عند الجميع وهذا باب طال فيه الكلام بين أهل النظر من أهل الفقه وقد أوضحناه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وقد يكون البيان بالفعل - فيما سبيله العمل - أثبت في النفوس من القول دليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ليس الخبر كالمعاينة‏)‏‏)‏ رواه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يروه غيره وفي هذا الحديث أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وأن آخر وقتها ممدود إلى آخر الإسفار على ما مضى في الحديث الذي قبل هذا ولا خلاف بين علماء المسلمين في أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر على ما في هذا الحديث وظهوره للعين والفجر هو أول بياض النهار الظاهر في الأفق الشرقي المستطير المنير المنتشر تسميه العرب الخيط الأبيض قال الله عز وجل ‏(‏حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏‏.‏

يريد بياض النهار من سواد الليل وقال أبو دؤاد الإيادي‏:‏

فلما أضاءت لنا سدفة *** ولاح من الصبح خيط أنار

وقال آخر‏:‏

قد كاد يبدو أو بدت تباشره *** وسدف الليل البهيم ساتره

وسمته أيضا الصديع ومنه قولهم انصدع الفجر قال بشر بن أبي خازم أو عمرو بن معد يكرب‏:‏

به السرحان مفترشا يديه *** كأن بياض لبته الصديع

وشبهه الشماخ بمفرق الرأس لمن فرق شعره فقال‏:‏

إذا ما الليل كان الصبح فيه *** أشق كمفرق الرأس الدهين

ويقولون للأمر الواضح هذا كفلق الصبح وتباشير الصبح وكانبلاج الفجر وقد زدنا هذا بيانا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ما بين هذين وقت‏)‏‏)‏ دليل على سعة الوقت في الصبح وفي غيرها من الصلوات على ما قد أوضحنا فيما مضى من الأوقات ونزع بقوله ‏(‏‏(‏ما بين هذين وقت‏)‏‏)‏ إلى جعل أول الوقت كآخره في الفضل ومال إلى ذلك بعض أصحاب مالك وقال به أهل الظاهر وخالفهم جمهور العلماء ونزعوا بأشياء قد ذكرتها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وعمدتها أن المبادر إلى أداء فرضه في أول الوقت - أفضل من المتأني به وطالب الرخصة في السعة فيه بدليل قوله عز وجل ‏(‏ فاستبقوا الخيرات‏)‏ ‏[‏البقرة 148‏]‏‏.‏

وقوله ‏(‏سابقوا إلى مغفرة من ربكم‏)‏ ‏[‏الحديد 31‏]‏‏.‏

وقال عليه السلام - ‏(‏‏(‏أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله‏)‏‏)‏ وقال - عليه السلام أفضل الأعمال ‏(‏‏(‏الصلاة لأول وقتها‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا الحديث في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ واختلف الفقهاء في الأفضل من صلاة الصبح فذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأكثر العراقيين إلى أن الإسفار بها أفضل من التغليس في الأزمنة كلها الشتاء والصيف واحتجوا بحديث رافع بن خديج عن النبي عليه السلام ‏(‏‏(‏أسفروا بالصبح فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر وقد ذكرنا هذا الحديث وبينا علته على مذهب من علله في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وذكروا عن علي وبن مسعود أنهما كانا يسفران بالصبح جدا وكان مالك والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي يذهبون إلى أن التغليس بصلاة الصبح أفضل وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وداود بن علي وأبي جعفر الطبري ومن حجتهم حديث عائشة ‏(‏‏(‏أن رسول الله -عليه السلام- كان يصلي فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس‏)‏‏)‏ وذكروا عن أبي بكر وعمر أنهما كانا يغلسان وأنه لما قتل عمر أسفر بها عثمان ولم يختلف المسلمون في فضل البدار إلى المغرب وكذلك سائر الصلوات في القياس عند تعارض الآثار وقد أوضحنا معنى الإسفار في قوله أسفروا بالفجر في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ واختصار ذلك أن الإسفار التبين والتبين بالفجر إذا انكشف واتضح ليلا يصلي في مثله من دخول الوقت ومن ذلك قول العرب أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفت عنه ‏(‏حديث ثالث‏)‏‏.‏

4- مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس وروى يحيى بن يحيى ‏(‏‏(‏متلففات‏)‏‏)‏ بالفاء وتابعة طائفة من رواة الموطإ وأكثر الرواة على ‏(‏‏(‏ متلفعات‏)‏‏)‏ بالعين والمعنى واحد والمروط أكسية الصوف وقد قيل المرط كساء صوف سداه شعر وفي هذا الحديث التغليس بصلاة الصبح وهو الأفضل عندنا لأنها كانت صلاة رسول الله وأبي بكر وعمر ولفظ حديث عائشة هذا يدل على أنه كان الأغلب من فعله والذي كان يداوم عليه لقولها كان رسول الله يصلي الصبح في وقت كذا أو على صفة كذا يدل على أن ذلك فعله دهره أو اكثر دهره والله أعلم وإلى التغليس بها ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وعامة فقهاء الحجاز وهو الأفضل عندهم وبه قال داود وذهب الكوفيون إلى الإسفار بها على ما قدمنا ذكره عنهم وهو أفضل عندهم من قول طاوس وإبراهيم وجماعة وقال الطحاوي إنما تتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله عليه السلام - مغلسا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرا وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس ولو قرأ -عليه السلام- بالسور الطوال ما انصرف الناس إلا وهم قد أسفروا بل دخلوا في الإسفار جدا ألا ترى إلى أبي بكر حين قرأ بالبقرة في ركعتي صلاة الصبح فانصرف فقيل له كادت الشمس أن تطلع فقال لو طلعت لما وجدتنا غافلين ورواه بن عيينة وغيره عن بن شهاب عن أنس أنه صلى خلف أبي بكر فذكره وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أي حين أحب إليك أن أصلي الصبح إماما وخلوا قال حين ينفجر الفجر الآخر ثم تطول القراءة والركوع والسجود حتى تنصرف منها وقد تبلج النهار وتتام الناس ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب كان يصليها حين ينفجر الفجر الآخر وكان يقرأ في إحدى الركعتين بسورة يوسف‏.‏

وأما قول عطاء الفجر الآخر فهو مأخوذ -والله أعلم- من حديث مرسل ذكره بن وهب عن بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رسول الله -عليه السلام- قال هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرم‏.‏

وأما المستطير الذي يأخذ الأفق فبه تحل الصلاة ويحرم الطعام على الصائم وقد غلط بعض من ألف في شرح الموطإ فزعم أن هذا الحديث رواه ثوبان عن النبي -عليه السلام- وهذا غلط بين أرسله محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وليس بينه وبين ثوبان مولى رسول الله نسب وروى الإسفار والتنوير بالفجر عن علي وبن مسعود وأصحابهما وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وذكر بن أبي شيبة عن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال صلى بنا معاوية بغلس فقال أبو الدرداء أسفروا بهذه الصلاة فإنه أفقه لكم وقال إسحاق بن منصور سألت أحمد بن حنبل عن الإسفار ما هو فقال الإسفار أن يتضح الفجر فلا تشك أنه طلع الفجر قال وقال إسحاق بن راهويه هو كما قال أحمد حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا الحسن بن سلمة بن المغل قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج قال حدثنا أحمد بن حنبل فذكره قال وقال لي إسحاق بن راهويه مثله وبهذا الإسناد مسائل أحمد وإسحاق كلها في هذا الكتاب ‏(‏حديث رابع‏)‏‏.‏

5- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر‏)‏‏)‏ وفي ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ ذكر وفاة عطاء بن يسار وبسر والأعرج وسن كل واحد منهم وحاله وفي كتاب الصحابة ذكر أبي هريرة وروي عن حفص عن ميسرة هذا الحديث عن زيد بن أسلم عن الأعرج وبسر بن سعيد وأبي صالح عن أبي هريرة فجعل مكان عطاء أبا صالح ورواه أبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ولم يذكر عطاء غيره ورواه إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم عن الأعرج وحده عن أبي هريرة وجوده مالك - رحمه الله - وكان حافظا متقنا وهو إسناد مجمع على صحته وكلهم رواه عن أبي هريرة والإدراك في هذا الحديث إدراك الوقت لا أن ركعة من الصلاة من أدركها ذلك الوقت أجزته من تمام صلاته وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ من قال في هذا الحديث من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ثم صلى تمام صلاته بعد غروبها فقد أدرك ومن صلى ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس وصلى ما بقي بعد طلوعها فقد أدرك أيضا وهذا إجماع من المسلمين لا يختلفون أن معنى هذا الحديث ما وصفناه وفي هذا أن حديث مالك ليس على ظاهره فإن معناه فقد أدرك إن أتم ما بقي عليه بعد طلوع الشمس وغروبها وهذا الحديث أيضا ورد بلفظه الإباحة في صلاة الصبح وصلاة العصر في ذينك الوقتين وليس هو أيضا على ظاهره في ذلك المعنى بدليل ما ذكرنا من صلاته -عليه السلام- فيما مضى من كتابنا هذا أنها كانت في العصر والشمس بيضاء نقية وعند القامتين ونحو ذلك على حديث إمامة جبريل في المثلين من ظل كل قائم على ما أوضحناه فيما سلف من هذا الكتاب وكذلك الصلاة في الصبح لم تكن كلها إلا قبل طلوع الشمس أبدا فدل ذلك كله مع حديث مالك عن العلاء عن أنس عن النبي -عليه السلام- أنه قال في الذي يؤخر صلاة العصر حتى تصفر الشمس وتكون بين قرني الشيطان ‏(‏‏(‏أنها صلاة المنافقين على أن هذا الحديث ليس معناه الإباحة وأنه خرج على أصحاب الضرورات كالمغمى عليه يفيق والحائض تطهر والكافر يسلم في ذلك الوقت أنه مدرك للوقت وقد أجمع المسلمون على أن من كان له عذر في ترك الصلاة إلى ذلك الوقت ثم قدر على أدائها كلها فيه لزمته فكذلك يلزمه إذا أدرك منها ركعة بدليل هذه السنة الواردة في ذلك لأنه -عليه السلام- جعل مدرك ركعة منها في ذلك الوقت مدركا لوقتها كما جعل مدرك الركعة من الصلاة مدركا لحكمها وفضلها وسيأتي هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقد تقدم ما للعلماء من الاختلاف في وقت العصر ووقت الصبح فلا وجه لإعادته وجرى فيه قول من جهل هذا الحديث على عمومه في ذي ضرورة وغيره ومن اقتصر على أصحاب العذر والضرورة فمن كان عنده على الضرورات فمن الضرورات في ذلك السفر وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فذهب مالك وأصحابه إلى ظاهره فقالوا من خرج مسافرا وقد بقي عليه من النهار مقدار ركعة بعد أن جاز بيوت القرية أو المصر ولم يكن صلاها صلى العصر ركعتين ولو خرج وقد بقي عليه مقدار ثلاث ركعات ولم يكن صلى الظهر والعصر صلاهما جميعا مقصورتين وهكذا عندهم حكم المغرب والعشاء يراعى فيهما مقدار ركعة من كل واحدة منهما على أصله فمن سافر وقد بقي عليه مقدار ركعة فإنه يقصر تلك الصلاة ولو قدم من سفره في ذلك الوقت أتم‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري إذا خرج من مصره قبل خروج الوقت صلى ركعتين وإن قدم قبل خروج الوقت أتم وهذا نحو قول مالك إلا أنهم لم يحدوا الركعة وقال زفر إن جاوز بيوت القرية أو المصر ولم يبق عليه من الوقت إلا مقدار ركعة فإنه مفرط وعليه أن يصلي العصر أربعا وإن قدم من سفره فدخل مصره ولم يبق عليه إلا ركعة واحدة أتم الصلاة أيضا أخذا له في ذلك بالثقة وقال الحسن بن حي والليث بن سعد والشافعي إذا خرج بعد دخول الوقت أتم لأن الصلاة تجب عندهم بأول الوقت وليست السعة في الوقت بمسقطة عنه ما وجب عليه في أوله قالوا وإن قدم المسافر قبل خروج الوقت أتم أخذوا في ذلك بالثقة والاحتياط لزوال عليه السفر وأصل الشافعي في القصر أنه رخصة وسنة فمن شاء أتم في السفر عنده ومن شاء قصر ما دام مسافرا وسيأتي بيان ذلك وما للعلماء من التنازع فيه ووجوه أقوالهم في باب قصر الصلاة إن شاء الله وروى بن وهب عن الليث بن سعد في الرجل تزول عليه الشمس وهو يريد سفرا فلم يصل حتى خرج قال يصلي صلاة المقيم لأن الوقت دخل عليه قبل الخروج ولو شاء أن يصلي صلى‏.‏

وأما اختلاف الفقهاء في صلاة الحائض والمغمى عليه ومن جرى مجراهما فقال مالك في المغمى عليه من أغمي عليه في وقت صلاة فلم يفق حتى ذهب وقتها ظهرا كانت أو عصرا قال والظهر والعصر وقتهما إلى مغيب الشمس - فلا إعادة عليه قال وكذلك المغرب والعشاء وقتهما الليل كله قال مالك إذا طهرت الحائض قبل الغروب فإن كان قد بقي عليها من النهار قدر ما تصلي خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن لم يكن بقي عليها من النهار قدر ما تصلي خمس ركعات صلت العصر فإذا طهرت قبل الفجر فكان ما بقي عليها من الليل قدر ما تصلي أربع ركعات ثلاثا للمغرب وركعة للعشاء - صلت المغرب والعشاء وإن لم يبق عليها إلا مقدار ثلاث ركعات صلت العشاء ذكره بن القاسم وبن وهب وأشهب وبن عبد الحكيم عن مالك قال أشهب وسئل مالك عن النصراني يسلم والمغمى عليه يفيق أهما مثل الحائض تطهر قال نعم يقضي كل واحد منهما ما كان في وقته وما فات وقته لم يقضه قال بن وهب وسألت مالكا عن المرأة تنسى أو تغفل عن صلاة الظهر فلا تصليها حتى تغشاها الحيضة قبل غروب الشمس فقال مالك لا أرى عليها قضاء للظهر ولا للعصر إلا أن تحيض بعد غروب الشمس فإن حاضت بعد غروب الشمس ولم تكن صلت الظهر والعصر - رأيت عليها القضاء قال ولو نسيت الظهر والعصر حتى اصفرت الشمس ثم حاضت فليس عليها قضاء فإن لم تحض حتى غابت الشمس فعليها القضاء قال ولو طهرت قبل غروب الشمس واشتغلت بالغسل مجتهدة غير مفرطة حتى غابت الشمس لم تقض شيئا وروى الوليد بن مزيد عن أبيه عن الأوزاعي معنى قول مالك هذا في الحائض سواء‏.‏

وقال الشافعي إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشمس بركعة أعادت الظهر والعصر وكذلك إن طهرت قبل الفجر بركعة أعادت المغرب والعشاء واحتج بقول النبي -عليه السلام- ‏(‏‏(‏من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر‏)‏‏)‏ ولجمعه -عليه السلام- بين الصلاتين في أسفاره وبعرفة والمزدلفة في وقت إحداهما - صلاتي الليل وصلاتي النهار وجعل الوقت لهما معا وقتا واحدا وللشافعي في هذه المسألة أقوال أحدها هذا والثاني مثل قول مالك مراعاة ركعة للعصر وأربع ركعات للظهر وأربع ركعات للمغرب والعشاء وما دون ذلك للعشاء والقول الثالث قاله في المغمى عليه إذا أفاق وقد بقي عليه من النهار مقدار ما يكبر تكبيرة الإحرام أعاد الظهر والعصر وكذلك إن أفاق قبل طلوع الفجر بقدر تكبيرة قضى المغرب والعشاء وكذلك الصبح قبل طلوع الشمس والقول الأول أشهرها عنه وعنده أنه لا تعيد الحائض ولا المغمى عليه إلا ما أدركا وقته وما فات وقته فلا إعادة فيه عليهما ولا على من جرى مجراهما كالكافر يسلم والصبي يحتلم فأقل إدراك يكون لمن لم يدرك إلا مقدار تكبيرة وقال فيمن ذهب عقله فيما لا يكون به عاصيا قضى كل صلاة فاتته على حال زوال عقله وذلك مثل السكران وشارب السم لا السكران عامدا لذهاب العقل قال أبو عمر قوله -عليه السلام- ‏(‏‏(‏من أدرك ركعة‏)‏‏)‏ يقتضي فساد قول من قال من أدرك تكبيرة لأن دليل الخطاب أنه من لم يدرك من الوقت مقدار ركعة فقد فاته ومن فاته فقد سقطت عنه صلاة الوقت إذ كان مثل الحائض والمغمى عليه ومن كان مثلهما وما احتج به بعض أصحاب الشافعي لهذه القولة حيث قال إنما أراد -عليه السلام- بذكر الركعة البعض من الصلاة فكأنه قال من أدرك عمل بعض الصلاة في الوقت ومعلوم أن تكبيرة الإحرام بعض الصلاة والدليل على أنه أراد البعض من الصلاة قوله في بعض الأحاديث ‏(‏‏(‏من أدرك ركعة‏)‏‏)‏ وفي بعضها ‏(‏‏(‏من أدرك ركعتين‏)‏‏)‏ وفي بعضها ‏(‏‏(‏من أدرك سجدة‏)‏‏)‏ فدل أنه أراد بعض الصلاة والتكبيرة بعض الصلاة فمن أدركها فكأنه أدرك ركعة من الصلاة قال أبو عمر هذا ينتقض فليس بشيء لأنه ينتقض عليه بذلك ما أصله في الجمعة لأنه لم يختلف في أنه من لم يدرك ركعة بسجدتها من الجمعة لم يدركها وهو ظاهر الخبر لأن قوله من أدرك ركعة من الصبح أو من العصر يريد من وقتهما في معنى قوله من أدرك ركعة من الصلاة وقوله في جماعة أصحابه من لم يدرك ركعة تامة من الجمعة أتمها ظهرا أربعا وهذا يقتضي على سائر أقواله وهو أصحها وهو قول مالك‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه - وهو قول بن عليه ومن طهرت من الحيض أو بلغ من الصبيان أو أسلم من الكفار لم يكن عليه أن يصلي شيئا مما فات وقته وإنما يقضي ما أدرك وقته بمقدار ركعة فما زاد إلا أنهم لا يقولون باشتراك الأوقات لا في صلاتي الليل ولا في صلاتي النهار وسيأتي ذكر مذهبهم في الجمع بين الصلاتين في السفر في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقول حماد بن أبي سليمان في هذا كقول أبي حنيفة ذكر غندر عن شعبة قال سألت حمادا عن المرأة تطهر في وقت العصر قال تصلي العصر فقط‏.‏

وأما المغمى عليه فإن أبا حنيفة وأصحابه ذهبوا فيمن أغمي عليه خمس صلوات فأقل ثم أفاق أنه يقضيها ومن أغمي عليه أكثر من ذلك ثم أفاق أنه لا يقضي شيئا وهو قول الثوري إلا أنه قال أحب إلي أن يقضي وقال الحسن بن حي إذا أغمي عليه خمس صلوات فما دون قضى ذلك كله إذا أفاق وإن أغمي عليه أياما قضى خمس صلوات ينظر حين يفيق فيقضي ما يليه وقال زفر في المغمى عليه يفيق والحائض تطهر والنصراني يسلم والصبي يحتلم إنه لا يجب على أحد منهم قط صلاة إلا بأن يدركوا من وقتهما مقدار الصلاة كلها بكمالها كما لا يجب عليهم من الصيام إلا ما أدركوا وقته بكماله وقول زفر هذا خلاف حديث أبي هريرة ‏(‏‏(‏من أدرك ركعة من الصبح أو من العصر وقول أبي ثور في هذا الباب كله كقول مالك سواء‏.‏

وقال أحمد بن حنبل في الحائض تطهر والكافر يسلم والغلام يحتلم مثل ذلك أيضا وقال في المغمى عليه يقضي الصلوات كلها التي كانت في إغمائه وهو قول عبيد الله بن الحسن لا فرق عندهما بين النائم والمغمى عليه في أن كل واحد منهما يقضي ما فاته بالنوم والإغماء وهو قول عطاء بن أبي رباح وروي مثل ذلك عن عمار بن ياسر وعمران بن حصين وروى بن رستم عن محمد بن الحسن أن النائم إذا نام أكثر من يوم وليلة فلا قضاء عليه قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال هذا القول من الفقهاء غير محمد بن الحسن في هذه الرواية عنه والمشهور عنه في كتبه غير ذلك كسائر العلماء ورواية بن رستم عنه خلاف السنة فيمن نام أو نسي أنه يقضي وقد أجمعوا أنه من نام خمس صلوات فدون أن يقضي فكذلك في القياس ما زاد على الخمس وكذلك قول من قال في المغمى عليه أنه يقضي خمس صلوات ولا يقضي ما زاد - لاحظ له في النظر ولا حجة لهم في حديث عمار لأنه قضى صلاة يوم وليلة إذ أغمي عليه ولم يقل إنه لو أغمي علي أكثر لم أقض ولا فرق في القياس بين خمس وأكثر من خمس وأصح ما في المغمى عليه يفيق أنه لا قضاء عليه لما فات وقته وهو قول بن شهاب والحسن وبن سيرين وربيعة ومالك والشافعي وأبي ثور وهو مذهب عبد الله بن عمر أغمي عليه فلم يقض شيئا فات وقته وهو القياس وسنبين ذلك عند حديث بن عمر إن شاء الله‏.‏

وأما مراعاة مالك للحائض الفراغ من غسلها فإن الشافعي خالفه في ذلك فجعلها إذا طهرت كالجنب وألزمها إذا طهرت قبل خروج وقت الصلاة ولم تشتغل بشيء غير غسلها ففاتها الوقت ما يلزم الجنب من تلك الصلاة وهو قول بن عليه قالا وشغلها بالاغتسال لا يضع عنها ما لزمها بطهرها من فرض الصلاة لأن الصلاة إنما تسقط عنها ما دامت حائضا فإذا طهرت فليست بحائض بل هي كالجنب‏.‏

وقال الشافعي وبن علية لو أن امرأة حاضت في أول وقت الظهر بمقدار ما تمكنها فيه صلاة الظهر ولم تكن صلت لزمها قضاء تلك الصلاة لأن الصلاة تجب بأول الوقت وليست السعة في الوقت تسقط ما وجب بأوله فإن لم تدرك من أول الوقت إلا مقدار ركعة أو مقدار ما لا تتم فيه الصلاة حتى حاضت لم تلزمها الصلاة وقال بعض أصحاب الشافعي لم يجز أن يجعل أول الوقت ها هنا كآخره فنلزمها بإدراك ركعة الصلاة كلها أو الصلاتين كما فعلنا في آخر وقت لأن البناء في آخر الوقت يتهيأ على الركعة ولا يتهيأ البناء في أول الوقت لأن تقديم ذلك قبل دخول الوقت لا يجوز‏.‏

وأما الوجه الثاني من حديث أبي هريرة هذا فهو جواز من صلى من الصبح ركعة قبل طلوع الشمس وركعة بعدها فإن العلماء اختلفوا في ذلك فقال الكوفيون لا يقضي أحد صلاة عند طلوع الشمس ولا عند قيام الظهيرة ولا عند غروب الشمس إلا عصر يومه خاصة فإنه لا يأمن أن يصليها عند غروب الشمس من يومها لأنه يخرج إلى وقت لا تجوز فيه الصلاة ولا يؤمر بتأخير صلاة إلى ذلك الوقت إلا أنه لو دخل في صلاة العصر فاصفرت الشمس أتمها إذا كانت عصر يومه خاصة ولو دخل في صلاة الفجر فلم يكملها حتى طلعت الشمس بطلت عليه واستقبلها بعد ارتفاع الشمس وحجتهم حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها رواه جماعة من أئمة أهل الحديث منهم بن وهب عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال ‏(‏‏(‏ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة ‏(‏1‏)‏ حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع الشمس وحين تطفل الشمس حتى تغرب وجعلوا نهيه عن ذلك عموما كنهيه عن صيام يوم الفطر والأضحى فلا يجوز لأحد أن يقضي فيهما فرضا ولا يتطوع بصيامهما وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخر الصلاة - إذ نام عنها في الوادي لأنه انتبه عند طلوع الشمس وذكروا عن أبي بكرة وكعب بن عجرة أن كل واحد منهما نام عن صلاة الصبح فلم يصلها - وقد انتبه عند طلوع الشمس - حتى ارتفعت وقد ذكرنا خبريهما ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وقد اختلف عن أبي بكرة في ذلك ولم يختلف عن كعب بن عجرة فيما علمت‏.‏

وقال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي - وهو قول عامة العلماء - من أهل الحديث والفقه من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بوجه من وجوه الفوت ثم ذكرها عند طلوع الشمس واستوائها أو غروبها أو بعد الصبح أو العصر - صلاها أبدا متى ذكرها على ما ثبت عن النبي -عليه السلام- من حديث أبي هريرة فيمن أدرك ركعة من الصبح أو العصر قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا الآثار بذلك من طرق في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وأوضحنا القول فيه من جهة تهذيب الآثار ومعلوم أن النسخ لا يكون إلا فيما يتدافع ويتعارض ولو قال عليه السلام لا صلاة بعد الصبح ولا بعد العصر ولا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا استوائها إلا من نسي صلاة أو نام عنها فإنه يصليها في كل وقت - لم يكن في ذلك تناقض ولا تدافع فتدبر هذا الأصل وقف عليه ولا فرق بين أن يكون كلامه -عليه السلام- ذلك كله في وقت واحد أو وقتين وقد تقصينا الاحتجاج على الكوفيين في هذه المسألة في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ ولا وجه لادعائهم على رسول الله أنه إنما أخر الصلاة يوم نومه عن الصبح من أجل انتباهه عند طلوع الشمس لأنه قد ثبت أنهم لم يستيقظوا يومئذ حتى أيقظهم حر الشمس ولا تكون لها حرارة إلا والصلاة تجوز ذلك الوقت وقد ذكرنا الخبر بذلك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ والحمد لله ‏(‏حديث خامس‏)‏‏.‏

6- مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا إلى أن يكون ظل أحدكم مثله والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس والمغرب إذا غربت الشمس والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل فمن نام فلا نامت عينه فمن نام فلا نامت عينه فمن نام فلا نامت عينه والصبح والنجوم بادية مشتبكة هكذا روى مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله فذكر مثله بمعناه وفي حديث غير هذا ما كان عليه من الاهتبال بأمور المسلمين إذ ولاه الله أمرهم وإنما خاطب العمال لأن الناس تبع لهم كما جاء في المثل ‏(‏‏(‏الناس على دين الملك‏)‏‏)‏ وروي عن النبي -عليه السلام- أنه قال ‏(‏‏(‏صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس هم الأمراء والعلماء‏)‏‏)‏ ومن استرعاه الله رعية لزمه أن يحوطها بالنصيحة ولا نصيحة تقدم على النصيحة في الدين لمن لا صلاة له ولا دين لمن لا صلاة له روي عن النبي -عليه السلام- أنه قال ‏(‏‏(‏من استرعاه الله رعية فلم يحطها بالنصيحة لم يرح رائحة الجنة‏)‏‏)‏ وكان عمر لرعيته كالأب الحدب لأنه كان يعلم أن كل راع مسؤول عن رعيته‏.‏

وأما قوله حفظها - فحفظها علم ما لا تتم إلا به من وضوئها وسائر أحكامها‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏وحافظ عليها‏)‏‏)‏ فتحتمل المحافظة على أوقاتها والمسابقة إليها والمحافظة إنما تكون على ما أمر به العبد من أداء فريضة ولا تكون إلا في ذلك أو في معناه من فعل ما أمر به العبد أو ترك ما نهي عنه ومن هنا لا يصلح أن تكون المحافظة من صفات الباري ولا يجوز أن يقال محافظ ومن صفاته حفيظ وحافظ جل وتعالى علوا كبيرا‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعا‏)‏‏)‏ فإنه أراد فيء الإنسان أن يكون ذراعا زائدا على القدر الذي تزول عليه الشمس صيفا وشتاء وذلك ربع قامة ولو كان القائم ذراعا لكان مراد عمر من ذلك ربع ذراع ومعناه - على ما قدمناه - لمساجد الجماعات لنا يلحق الناس من الاشتغال ولاختلاف أحوالهم فمنهم الخفيف والثقيل في حركاته وقد مضى في حديث بن شهاب في أول الكتاب من معاني الأوقات ما يغني عن القول ها هنا في شيء منها ودخول الشمس صفرة معلومة في الأرض تستغني عن التفسير والفرسخ ثلاثة أميال واختلف في الميل وأصح ما قيل فيه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع وهذا كله من عمر على التقريب وليس في شيء من ذلك تحديد ولكنه يدل على سعة الوقت وما قدمنا في الأوقات يغني والحمد لله‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏وآخر العشاء ما لم تنم‏)‏‏)‏ فكلام ليس على ظاهره ومعناه النهي عن النوم قبلها لأنه قد ثبت النهي عن النوم قبلها واشتهر عند العلماء شهرة توجب القطع أن عمر لا يجهل ذلك ومن تأول على عمر إباحة النوم قبل العشاء فقد جهل ويدلك على ذلك دعاؤه على من نام قبل أن يصلي العشاء وألا تنام عينه فكرر ذلك ثلاثا مؤكدا‏.‏

وأما الصبح فقد قدمنا أنه كان من مذهبه ومذهب أبي بكر التغليس بالصبح ويشهد لذلك قوله ‏(‏‏(‏والنجوم بادية مشتبكة‏)‏‏)‏ وهذا على إيضاح الفجر لا على الشك فيه لإجماع المسلمين على أن من صلى وهو شاك في الفجر فلا صلاة له‏.‏

وأما تأويل أصحابنا في حديث عمر هذا إلى عماله أنه أراد مساجد الجماعات فلحديث مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري ‏(‏‏(‏أن صل الظهر إذا زاغت الشمس‏)‏‏)‏ فهذا على المنفرد لئلا يتضاد خبره أو يكون على الإعلام بأول الوقت ليعلم بذلك رعيته وأهل العلم لا يرون النوم قبل العشاء ولا الحديث بعدها وقد رخص فيه قوم وسيأتي هذا المعنى مجودا في موضعه إن شاء الله وقد ذكر الساجي أبو يحيى قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الشهيدي قال حدثنا حفص عن أشعث عن كردوس قال خرج بن مسعود وأبو مسعود وحذيفة وأبو موسى من عند الوليد وقد تحدثوا ليلا طويلا فجاؤوا إلى سرة المسجد فتحدثوا حتى طلع الفجر قال أبو عمر هذا معناه عندي أن تكون ضرورة دعتهم إلى هذا في حين شكوى أهل الكوفة بالوليد بن عقبة وابتداء طعنهم على عثمان وقد جاء في الحديث ‏(‏‏(‏لا سمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر أو دارس علم‏)‏‏)‏ وما كان في معنى هذه الثلاثة مما لا بد منه فله حكمها والأصل في هذا حديث أبي المنهال سيار بن سلامة عن أبي برزة الأسلمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوخر العشاء التي تدعونها العتمة ويكره النوم قبلها‏)‏‏)‏ والحديث بعدها رواه عن أبي المنهال شعبة وعوف وغيرهما ومن هذا الباب قول حذيفة جدب لنا عمر السمر بعد العتمة يعني عابه علينا كذلك شرحه أبو عبيدة وغيره وعن عمر أيضا فيه حديث آخر ‏(‏‏(‏أنه كان يقول لهم إذا صلى العتمة انصرفوا إلى بيوتكم‏)‏‏)‏ ذكره أبو عبيدة أيضا وسائر ما في حديث أبي سهيل هو في حديث نافع وحديث نافع أتم وقد مضى فيه القول وأمره لأبي موسى بأن يقرأ في الصبح سورتين طويلتين من المفصل - على الاختيار لا على الوجوب ولا واجب في القراءة غير فاتحة الكتاب وغير ذلك مسنون مستحب وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عمر في ذلك قوله أن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل فإن أخرت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين وقد مضى في آخر وقت المختار من الأحاديث المسندة ثلث الليل ونصف الليل وعلى ذلك اختلاف العلماء الذي ذكرنا فمن ذهب إلى ثلث الليل تأول قوله ‏(‏ولا تكن من الغافلين‏)‏ ‏[‏الأعراف 25‏]‏‏.‏

فتؤخرها إلى شطر الليل ومن ذهب إلى أن آخر وقتها المختار نصف الليل تأول ولا تكن من الغافلين فتؤخرها بعد شطر الليل أو إلى أن يخرج وقتها ولعله ذهب إلى أن آخر وقتها الذي صلاها فيه رسول الله شطر الليل وأن ما بعد ذلك فوت لقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏ما بين هذين وقت‏)‏‏)‏ ولست أقول إن من صلاها قبل الفجر صلاها قاضيا بعد خروج وقتها لدلائل منها حديث أبي هريرة إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ولأنها لو فاتت بانقضاء شطر الليل ما لزمت الحائض تطهر والمغمى عليه يفيق إذا أدركا من وقتها ركعة قبل الفجر كما لا تلزمهما بعد الفجر ولا الصبح بعد طلوع الشمس ‏(‏حديث سادس‏)‏‏.‏

7- مالك عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة أنا أخبرك صل الظهر إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان ظلك مثليك والمغرب إذا غربت الشمس والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل وصل الصبح بغبش يعني الغلس وهذا الحديث موقوف من رواية مالك عن أبي هريرة وقد ذكرناه عن أبي هريرة في ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ مرفوعا واقتصر فيه على ذكر أواخر الأوقات المستحبة دون أوائلها فكأنه قال له صل الظهر من الزوال إلى أن يكون ظلك مثلك والعصر من ذلك الوقت إلى أن يكون ظلك مثليك وجعل للمغرب وقتا واحدا على ما مضى من اختيار أكثر العلماء وذكر من العشاء أيضا آخر الوقت المستحب وذلك لعلمه بفهم المخاطب عنه ولاشتهار الأمر بذلك والعمل ولقوله تعالى ‏(‏أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل‏)‏ ‏[‏الإسراء 78‏]‏‏.‏

وقد تقدم في الأوقات ما فيه شفاء فلا وجه لتكريره هنا ورواية عبيد الله عن أبيه بغبس بالسين ورواية بن وضاح بغبش بالشين المنقوطة وكذلك رواه سحنون عن بن القاسم عن مالك وكذلك رواه أكثر الرواة للموطأ ومعناهما متقارب وهو اختلاط النور بالظلمة ‏(‏حديث سابع‏)‏‏.‏

8- مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر وقد ذكرنا من أسنده عن مالك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وهذا يدل على معنيين أحدهما تعجيل رسول الله للصلاة في أول وقتها والثاني سعة الوقت وبنو عمرو بن عوف على ثلثي فرسخ من المدينة من رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه‏.‏

9- مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وقد ذكرنا في ‏(‏ ‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ أيضا من أسند هذا الحديث عن مالك فقال فيه عن بن شهاب عن أنس بن مالك قال ‏(‏‏(‏كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم يذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة ولم يختلف عن مالك أنه قال فيه إلى قباء ولم يتابعه أحد من أصحاب بن شهاب وسائر أصحاب بن شهاب يقولون فيه ثم يذهب الذاهب إلى العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث والمعنى متقارب في ذلك والعوالي مختلفة المسافة فأقربها إلى المدينة ميلان وثلاثة وأبعدها ثمانية ونحوها والمعنى الذي له أدخل مالك هذا الحديث في موطئه تعجيل العصر خلافا لأهل العراق الذين يقولون بتأخيرها فنقل ذلك خلفهم عن سلفهم بالبصرة والكوفة قال الأعمش كان إبراهيم يؤخر العصر وقال أبو قلابة إنما سميت العصر لتعتصر‏.‏

وأما أهل الحجاز فعلى تعجيل العصر سلفهم وخلفهم وقد ذكرنا الآثار عنهم بذلك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي اختلاف أحوال أهل المدينة والعوالي في صلاة العصر ما يدل على سعة وقتها ما دامت الشمس بيضاء نقية وقد أوردنا من الآثار عند ذكر هذا الحديث في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ ما يوضح ذلك والحمد لله ‏(‏حديث ثامن‏)‏‏.‏

10- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أنه قال ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي قال مالك يريد الإبراد بالظهر قال وأهل الأهواء يصلون الظهر عند الزوال بخلاف ما حمل عمر الناس عليه وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا بن أبي أويس قال قال مالك سمعت أن عمر بن الخطاب قال لأبي محذورة إنك بأرض حارة فأبرد ثم أبرد ثم ابرد ثم نادني وكأني عندك وكان مالك يكره أن تصلي الظهر عند زوال الشمس ولكن بعد ذلك ويقول تلك صلاة الخوارج قال أبو عمر الإبراد يكون في الحر وقد تقدم في معناه ما فيه كفاية وهذا كله استحباب واختيار والأصل في المواقيت ما ذكرناه في سائر هذا الباب والله الموفق سبحانه‏.‏