فصل: باب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في التأمين خلف الإمام

167- ذكر فيه عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏)‏‏.‏

قال بن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏آمين‏)‏‏)‏‏.‏

168- وعن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إذا قال الإمام ‏(‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏)‏ وقد بان في حديث سمي هذا أن معنى التأمين قول الرجل آمين عند فراغه من قراءة فاتحة الكتاب والدعاء على حسب اختلاف العلماء في ذلك على ما نورده هنا إن شاء الله وكذلك قول بن شهاب أيضا بان به أن قوله ‏(‏‏(‏من وافق تأمينه تأمين الملائكة‏)‏‏)‏ أراد بذلك قول آمين ومعنى آمين الاستجابة أي اللهم استجب لنا واسمع دعاءنا واهدنا سبيل من أنعمت عليه ورضيت عنه وقيل معناها أشهد لله وقيل معناها كذلك فعل الله وفيها لغتان المد والقصر قال الشاعر فقصر ‏(‏آمين فزاد الله ما بيننا بعدا‏)‏ وقال آخر فمد ‏(‏ويرحم الله عبدا قال آمينا‏)‏ وفي حديث بن شهاب هذا - وهو أصح حديث يروى عن النبي -عليه السلام- في هذا الباب - دليل على أن الإمام يجهر بآمين ويقولها من خلفه إذا قالها ولولا جهر الإمام بها ما قيل لهم ‏(‏‏(‏إذا أمن الإمام فأمنوا‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا ومن لا يجهر لا يسمع ولا يخاطب أحد بحكاية من لا يسمع قوله وقول بن شهاب وكان رسول الله يقول آمين تفسير لمعنى التأمين هذا كله معنى قول الشافعي وقد روى المدنيون مثل ذلك عن مالك وفي هذا الحديث من الفقه قراءة أم القرآن في الصلاة ومعناه عندنا في كل ركعة لما قدمنا من الدلائل ومعلوم أن التأمين إنما وقع على قوله ‏(‏اهدنا الصراط المستقيم‏)‏ إلى آخر السورة ويدلك على ذلك قوله في حديث سمي ‏(‏‏(‏إذا قال الإمام ‏(‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ فقولوا آمين‏)‏‏)‏ ولا خلاف أنه لا تأمين في الصلاة في غير هذا الموضع فسقط الكلام فيه وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الإمام أيضا يقول آمين لقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏إذا أمن الإمام فأمنوا‏)‏‏)‏ ومعلوم أن قول المأموم هو آمين فكذلك يجب أن يكون قول الإمام وهذا موضع اختلف فيه العلماء فروى بن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول آمين وإنما يقول ذلك من خلفه دونه وهو قول بن القاسم والمصريين من أصحاب مالك وحجتهم حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- قال ‏(‏‏(‏إذا قال الإمام ‏(‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ فقولوا آمين‏)‏‏)‏ ومثله حديث أبي موسى الأشعري عن النبي - عليه السلام ومثله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏إذا قال الإمام ‏(‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ فقال من خلفه آمين فوافق ذلك قول أهل السماء آمين غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏)‏ هذا لفظ حديث سنيد عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمر وفي هذا الحديث دليل على أن الإمام يقتصر على القراءة بإلى ‏(‏ولا الضالين‏)‏ وأن المأموم يقتصر على التأمين قالوا والدعاء يسمى تأمينا والتأمين دعاء احتجوا بقوله - تعالى - لموسى وهارون ‏(‏قد أجيبت دعوتكما‏)‏ ‏[‏يونس 89‏]‏‏.‏

وإنما كان موسى الداعي وهارون يؤمن كذلك قال أهل العلم بتأويل القرآن فمعنى قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏إذا أمن الإمام فأمنوا‏)‏‏)‏ أراد إذا قال الإمام ‏(‏ اهدنا الصراط المستقيم‏)‏ إلى آخر السورة فأمنوا وقال جمهور أهل العلم يقول الإمام آمين كما يقولها المنفرد والمأموم وهو قول مالك في رواية المدنيين عنه منهم بن الماجشون ومطرف وأبو مصعب وبن نافع وهو قولهم وبه قال أبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي وبن المبارك وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وحجتهم أن ذلك ثابت عن النبي -عليه السلام- من حديث أبي هريرة وحديث وائل بن حجر وحديث بلال يا رسول الله لا تسبقني بآمين وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله عنهم في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وقال الكوفيون وبعض المدنيين لا يجهر بها وهو قول الطبري‏.‏

وقال الشافعي وأصحابه وأبو ثور وأحمد وأهل الحديث يجهر بها وكان أحمد بن حنبل يغلظ على من كره الجهر بها وذكر قول بن جريج قال قال لي عطاء كنت أسمع الأئمة يقولون على أثر أم القرآن آمين هم أنفسهم ومن وراءهم حتى إن للمسجد ضجة‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏)‏ ففيه أقوال منها أنه يحتمل أن يكون أراد فمن أخلص في قوله آمين بنية صادقة وقلب خاشع ليس بساه ولا لاه فوافق الملائكة الذين هكذا دعاؤهم في السماء يستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض ويدعون لهم بنيات صادقة ليس عن قلوب غافلة لاهية - غفر له إن شاء الله - ما تقدم من ذنبه وقال آخرون إنما أراد بقوله ‏(‏‏(‏فمن وافق قوله قول الملائكة وتأمينه تأمين الملائكة‏)‏‏)‏ - الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة فمن دعا للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة فقد وافق قوله وفعله فعل الملائكة وقولهم في ذلك وقوله تعالى ‏(‏اهدنا الصراط المستقيم‏)‏ دعاء للداعي وأهل دينه ويقع التأمين على ذلك فلذلك ندبوا إليه والله أعلم وقال آخرون الملائكة من الحفظة الكاتبين والملائكة المتعاقبون في صلاة الفجر وصلاة العصر يشهدون الصلاة مع المؤمنين فيؤمنون عند قول القارئ ‏(‏ولا الضالين‏)‏ فمن فعل مثل فعلهم غفر له إن شاء الله وقد تكلمنا على حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- قال‏.‏

169- ‏(‏‏(‏إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى ‏(‏1‏)‏ غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏)‏ - في كتاب التمهيد والظاهر في هذا الحديث أن الملائكة المؤمنين على دعاء القارئ ملائكة السماء لما رواه بن جريج عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال إذا أقيمت الصلاة فصف أهل الأرض صف أهل السماء فإذا قال أهل الأرض ‏(‏ولا الضالين‏)‏ قالت الملائكة آمين فوافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل السماء غفر لأهل الأرض ما تقدم من ذنوبهم وروى بن المبارك قال حدثنا عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن عبد الله بن مسعود قال إذا قرأ ‏(‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ ووصل بآمين فإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة استجيب الدعاء وذكر سنيد عن عيسى بن يونس أنه حدثه عن أبيه عن بكر بن ماعز قال سمعت الربيع بن خثيم يقول إذا قرأ الإمام ‏(‏ولا الضالين‏)‏ فاستعن من الدعاء بما أحببت والقول في حديث سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏‏)‏ نحو القول في حديث التأمين وقد مضى القول في سائره فيما مضى من هذا الكتاب والحمد لله‏.‏

باب العمل في الجلوس في الصلاة

170- مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي أنه قال رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة فلما انصرفت نهاني وقال اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فقلت وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وقال هكذا كان يفعل المعاوي منسوب إلى بني معاوية في الأنصار وفي هذا الحديث النهي عن اللعب بالحصباء والعبث بها في الصلاة وهو أمر مجتمع عليه وكذلك غير الحصباء ولا يجوز العبث بشيء من الأشياء في الصلاة وإنما منع بن عمر من أمره المعاوي بالإعادة للصلاة التي يعبث فيها بالحصباء لأن ذلك -والله أعلم- كان منه يسيرا لم يشغله عن صلاته ولا عن إقامة شيء من حدودها والعمل اليسير في الصلاة لا يفسدها وقد جاء في حديث أبي ذر مسح الحصباء مرة واحدة وتركها خير من حمر النعم وقد روي ذلك مرفوعا إلى النبي عليه السلام من حديث أبي ذر وحديث حذيفة وحديث معيقيب الدوسي وفيه في هذا الحديث دليل على أن لليدين عملا في الصلاة تشغلان به فيها وذلك ما وصف بن عمر في الجلوس وهيئته‏.‏

وأما القيام فالسنة أن يضع كفه اليمنى على كوع اليسرى وقد قال بن عمر اليدان تسجدان كما يسجد الوجه وقد قيل إن المقصود له في وضع اليدين حيث وصفنا في القيام والجلوس تسكينهما لأن إرسالهما لا يؤمن العبث معه وما وصف بن عمر من وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابع يده تلك كلها إلا السبابة منها فإنه يشير بها ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى مفتوحة مفروجة الأصابع كل ذلك سنة في الجلوس في الصلاة مجتمع عليها لا خلاف - علمته بين العلماء - فيها وحسبك بهذا إلا أنهم اختلفوا في تحريك أصبعه السبابة فمنهم من رأى تحريكها ومنهم من لم يره وكل ذلك مروي في الآثار الصحاح المسندة عن النبي -عليه السلام- وجميعه مباح والحمد لله وروى بن عيينة هذا الحديث عن مسلم بن أبي مريم قال أخبرني علي بن عبد الرحمن المعاوي قال صليت إلى عبد الله بن عمر فقلبت الحصباء فلما فرغ من صلاته قال لا تقلب الحصى فإن تقليب الحصى من الشيطان افعل كما كان رسول الله يفعل فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى فضم أصابعه الثلاث ونصب السبابة ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى قال سفيان وكان يحيى بن سعيد حدثناه عن مسلم ثم لقيته فسمعته منه وزادني فيه قال هي مذبة الشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بأصبعه ويقول هكذا وقد ذكرنا الإسناد إلى بن عيينة في التمهيد‏.‏

171- وأما حديثه عن عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر وصلى إلى جنبه رجل فلما جلس الرجل في أربع تربع وثنى رجليه فلما انصرف عبد الله عاب ذلك عليه فقال الرجل فإنك تفعل ذلك فقال عبد الله بن عمر فإني أشتكي ففيه دليل على أن من لم يقدر على الإتيان بسنة الصلاة أو فريضتها جاء بما يقدر عليه مما لا يباينها والله لا يكلف نفسا إلا وسعها وفيه أن التربع لا يجوز للجالس في صلاته من الرجال إذا كانوا أصحاء واختلف فيه للنساء ودليل ذلك أن بن عمر نهى عن ذلك ابنه عبد الله وقال له‏.‏

172- سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى فقال له إنك تفعل ذلك - وكان يتربع في الصلاة إذا جلس - فقال بن عمر إن رجلي لا تحملاني‏.‏

173- وذكر عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى رجله اليسرى وجلس على وركه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم قال أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر‏.‏

وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك فهذا كله مذهب مالك وأصحابه في الجلوس للتشهدين جميعا في الصلاة وقد اختلف الفقهاء في ذلك فجملة قول مالك أن المصلي يفضي بأليته إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثني رجله اليسرى وجلوس المرأة عنده كجلوس الرجل سواء وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي ينصب اليمنى ويقعد على اليسرى وكذلك قال الشافعي في الجلسة الوسطى وقال في الجلسة الآخرة من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء إذا قعد في الرابعة أماط رجليه جميعا فأخرجهما من وركه الأيمن وأفضى بمقعدته إلى الأرض وأضجع اليسرى ونصب اليمنى وكذلك القعدة عنده في الثالثة من المغرب وفي صلاة الصبح وقال بن حنبل كما قال الشافعي سواء إلا في الجلسة في الصبح وقال الطبري إن فعل هذا فحسن وإن فعل هذا فحسن كل ذلك قد ثبت عن النبي عليه السلام قال أبو عمر قد ذكرنا الأحاديث بذلك كله في التمهيد فالكوفيون يذهبون إلى حديث وائل بن حجر وما كان مثله والشافعي يذهب في الجلسة الآخرة إلى حديث أبي حميد الساعدي ومالك يذهب إلى ما رواه في موطئه وكل ذلك حسن‏.‏

وأما جلوس المرأة فقد ذكرنا عن مالك أن المرأة والرجل في الجلوس في الصلاة سواء لا يخالفها فيما بعد الإحرام إلا في اللباس والجهر وقال الثوري تسدل المرأة رجليها من جانب واحد ورواه عن إبراهيم النخعي وقال الشعبي تقعد كيف تيسر لها‏.‏

وقال الشافعي تجلس المرأة بأستر ما يكون لها‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه تجلس المرأة كأيسر ما يكون لها‏.‏

174- وأما حديث مالك عن صدقة بن يسار عن المغيرة بن حكيم أنه رأى بن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه فلما انصرف ذكر ذلك له فقال له إنها ليست سنة الصلاة وإنما أفعل هذا من أجل أني أشتكي ففيه أن بن عمر قال في انصراف المصلي بين السجدتين على صدور قدميه إنها ليست سنة الصلاة والسنة إذا أطلقت فهي سنة رسول الله حتى تضاف إلى غيره كما قيل سنة العمرين ونحو هذا وهذا الذي يعني بن عمر أن تكون سنة الصلاة هو الإقعاء المنهي عنه عند جماعة العلماء ومن جعل الإقعاء انصراف المصلي بين السجدتين على صدور قدميه من العلماء فليس بسنة لأن النبي -عليه السلام- نهى أن يقعي الرجل في صلاته كما يقعي الكلب وقد روي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي -عليه السلام- قال ‏(‏‏(‏لا تقعين على عقبيك في الصلاة‏)‏‏)‏ وهذا غير صحيح لأن الحارث لم يسمع منه أبو إسحاق غير أربعة أحاديث وليس هذا منها وقد تكلم في الحارث الشعبي وغيره وثقه آخرون وعن أبي هريرة أنه كره الإقعاء وعن قتادة مثله وكره الإقعاء في الصلاة مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد إلا أن أبا عبيد قال الإقعاء جلوس الرجل على أليته ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع وهذا إقعاء مجتمع عليه لا يختلف العلماء فيه وهو تفسير أهل اللغة وطائفة من أهل الفقه قال أبو عبيد‏.‏

وأما أهل الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء أن يجعل أليته على عقبيه بين السجدتين قال أبو عمر قد ذكرنا من قال ذلك أيضا من الفقهاء‏.‏

وأما الذين أجازوا رجوع المصلي على عقبيه وجلوسه على صدور قدميه بين السجدتين فجماعة قال طاوس رأيت العبادلة يقعون بن الزبير وبن عباس وبن عمر وكذلك روى الأعمش عن عطية العوفي قال رأيت العبادلة يقعون في الصلاة بن عباس وبن عمر وبن الزبير قال أبو عمر أما بن عمر فقد ثبت عنه من وجوه نقلها مالك في موطئه أنه لم يفعل ذلك إلا أنه اشتكى وأن رجليه كانتا لا تحملانه وقد قال إن ذلك ليست سنة الصلاة وكفى هذا فهو يخرج في المسند ومعلوم عند أهل السير والعلم بالأخبار أن يهود خيبر فدعوا يديه ورجليه فلم تعد كما كانت فكان يشتكي من أجل ذلك وكانت رجلاه لا تحملانه فكان يتربع وقال حبيب بن أبي ثابت إن بن عمر كان يقعي بعد ما كبر‏.‏

وأما بن عباس فذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه رأى بن عمر وبن عباس وبن الزبير يقعون بين السجدتين وذكر أبو داود قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا يقول قلنا لابن عباس الإقعاء على القدمين في السجود قال هي السنة قال قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال بن عباس هي سنة نبيك عليه السلام وقال إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال سمعت بن عباس يقول من السنة أن تمس عقبيك أليتك فهذا بن عباس يثبت هذا المعنى سنة وهو الذي نفاه بن عمر عن السنة والمثبت أولى من النافي من جهة النظر ومن جهة الأثر أيضا لأن الحديث المسند إنما فيه أن يقعي الرجل كما يقعي الكلب والكلب إنما يقعد على أليته ورجلاه من كل ناحية قال أبو عبيدة معمر بن المثنى هذا هو الإقعاء عند العرب وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ حديث أنس أن النبي -عليه السلام- قال له ‏(‏‏(‏يا بني إذا سجدت فأمكن كفيك وجبهتك من الأرض ولا تنقر نقر الديك ولا تقع إقعاء الكلب ولا تلتفت التفات الثعلب‏)‏‏)‏ فالذي فسر به الإقعاء معمر بن المثنى أولى عندي والله أعلم يقال أقعى الكلب ولا يقال قعد وقعوده إقعاؤه ويقال إنه ليس شيء يكون إذا قام أقصر منه إذا قعد إلا الكلب إذا أقعى فمن انصرف بين السجدتين على هذا الحال وقعد في صلاته على هذه السبيل فهو الإقعاء المنهي عنه المجتمع عليه وذلك أن يقعد على أليته وينصب رجليه من الجانبين فمن فعل هذا فقد فعل ما لا يجوز عند أحد من العلماء ومن أوجب الإعادة على فاعل هذا لم يخرج لأن فعله طابق النهي ففسد والله أعلم ومن لم ير على فاعل ذلك إعادة فلأنها هيئة عمل قد حصل معها الجلوس وهيئة العمل لا يعدم معها العمل وبالله التوفيق‏.‏

باب التشهد في الصلاة

ذكر مالك في التشهد عن عمر وبن عمر وعائشة وليس عنده منها شيء مرفوع إلى النبي عليه السلام وإن كان غيره قد دفع ذلك ومعلوم أنه لا يقال بالرأي ولو كان رأيا لم يكن ذلك القول من الذكر أولى من غيره من سائر الذكر والله أعلم ولما علم مالك أن التشهد لا يكون إلا توقيفا عن النبي -عليه السلام- اختار تشهد عمر لأنه كان يعلمه للناس وهو على المنبر من غير نكير عليه من أحد من الصحابة وكانوا متوافرين في زمان وأنه كان يعلم ذلك من لم يعلمه من التابعين وسائر من حضره من الداخلين في الدين ولم يأت عن أحد حضره من الصحابة أنه قال ليس كما وصفت وفي تسليمهم له ذلك مع اختلاف رواياتهم عن النبي - عليه السلام في ذلك - دليل على الإباحة والتوسعة فيما جاء عنه من ذلك عليه السلام مع أنه متقارب كله قريب المعنى بعضه من بعض إنما فيه كلمة زائدة في ذلك المعنى أو ناقصة فتشهد عمر كما حكاه مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ‏.‏

175- أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول قولوا التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويتشهد عمر هذا قال مالك وأصحابه ومعنى التحية الملك وقيل التحية العظمة لله والصلوات هي الخمس والطيبات الأعمال الزكية وتشهد بن مسعود ثابت أيضا من جهة النقل عند جميع أهل الحديث مرفوع إلى النبي عليه السلام وهو التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبه قال الثوري والكوفيون وأكثر أهل الحديث وكان أحمد بن خالد بالأندلس يختاره ويميل إليه ويتشهد به‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور أحب التشهد إلينا تشهد بن مسعود الذي رواه عن النبي عليه السلام وهو قول أحمد وإسحاق وداود‏.‏

وأما الشافعي وأصحابه والليث بن سعد فذهبوا إلى تشهد بن عباس الذي رواه عن النبي عليه السلام قال الشافعي هو أحب التشهد إلي رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن بن عباس قال كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول ‏(‏‏(‏التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ‏(‏1‏)‏ وروي عن أبي موسى الأشعري مرفوعا وموقوفا نحو تشهد بن مسعود وروي عن علي أكمل من هذه الروايات كلها وفي الموطإ عن بن عمر وعائشة ما قد علمت واختيار العلماء من ذلك ما ذكرت لك وكل حسن إن شاء الله والذي أقول به - وبالله التوفيق - أن الاختلاف في التشهد وفي الأذان والإقامة وعدد التكبير على الجنائز وما يقرأ ويدعى به فيها وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي في ركوع الصلاة وفي التكبير على الجنائز وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وسدل اليدين وفي القنوت وتركه وما كان مثل هذا كله - اختلاف في مباح كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثا إلا أن فقهاء الحجاز والعراق الذين تدور عليهم وعلى أتباعهم الفتوى - يتشددون في الزيادة على أربع تكبيرات على الجنائز ويأبون من ذلك وهذا لا وجه له لأن السلف كبر سبعا وثمانيا وستا وخمسا وأربعا وثلاثا وقال بن مسعود كبر ما كبر إمامك وبه قال أحمد بن حنبل وهم أيضا يقولون إن الثلاث في الوضوء أفضل من الواحدة السابغة وكل ما وصفت لك قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون بإحسان عن السابقين نقلا لا يدخله غلط ولا نسيان لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمنا بعد زمن لا يختلف في ذلك علماؤهم وعوامهم من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وهلم جرا فدل على أنه مباح كله إباحة توسعة ورحمة والحمد لله واختلف الفقهاء في وجوب التشهد وفي حكم صلاة من لم يتشهد فقال مالك من نسي التشهد رجع إليه فعمله إن كان قريبا ولم يتباعد ولم ينتقض وضوءه ثم سجد لسهوه بعد السلام وإن تباعد أو انتقض وضوءه فأرجو أن تجزيه صلاته قال وليس كل أحد يعرف التشهد فإذا ذكر الله أجزأ عنه ورواه بن وهب وغيره عن مالك وقال الأوزاعي من نسي التشهد سجد للسهو أربع سجدات لأن مذهبه أن لكل سهو سجدتين وقال الثوري لا يسجد إلا سجدتين في السهو عن التشهدين وكذلك من سها مرارا وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة في سجدتي السهو أنهما للسهو كله‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قعد مقدار التشهد ولم يتشهد تمت صلاته وإن لم يقعد مقدار التشهد فسدت صلاته‏.‏

وقال الشافعي من ترك التشهد الآخر ساهيا أو عامدا فعليه إعادة الصلاة إلا أن يكون الساهي قريبا فيعود إلى تمام صلاته ويتشهد ويصلي على النبي -عليه السلام- في آخر صلاته عن التشهد قبله ولا يغني عنه ما كان قبله من التشهد قال أبو عمر لا أعلم أحدا أوجب الصلاة على النبي -عليه السلام- فرضا في التشهد الآخر إلا الشافعي ومن سلك سبيله وسنذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله‏.‏

وقال أبو ثور من لم يتشهد في الركعة الثانية والرابعة فلا صلاة له إن كان ترك ذلك عامدا وإن كان ساهيا فترك تشهد الركعة الثانية سجد سجدتي السهو قبل التسليم وإن كان في الرابعة استقبل القبلة وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو بعد التسليم وقال أبو مصعب الزهري من ترك التشهد بطلت صلاته وروى ذلك أبو مصعب عن أهل المدينة منهم مالك وغيره وروي عن جماعة من السلف المتقدمين منهم علي وطائفة من التابعين من رفع رأسه من آخر سجده في الركعة الرابعة فقد تمت صلاته‏.‏

وقال أحمد بن حنبل إن ترك الجلوس والتشهد في الرابعة بطلت صلاته وقال الزهري وقتادة وحماد صلاته تامة والحجة لمالك ومن رأى أن سجود السهو ينوب عن التشهد لمن سها عنه - حديث بن بحينة في القيام من اثنتين والسجود في ذلك فإذا ناب له السجود عن الجلسة الوسطى والتشهد فأحرى أن ينوب له عن التشهد إذا جلس ولم يتشهد ساهيا عنه ومعلوم أن الفرض في الصلاة لا ينوب عنه سجود السهو دون الإتيان به وقد أجمعوا أن من ترك الجلسة الوسطى عامدا أن صلاته فاسدة وعليه الإعادة ومن أفسد الصلاة بترك التشهد الآخر فإنه جعله من البيان لمجملات الصلاة التي هي فروض كلها في عمل البدن إلا الجلسة الوسطى فإنها مخصوصة بالسنة لحديث بن بحينة والمغيرة بن شعبة وللكلام في هذه المسألة لكل فرقة موضع غير هذا وقد أتينا منه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ بما فيه كفاية والحمد لله وقد روي عن عمر أنه قال من لم يتشهد فلا صلاة له وقال نافع مولى بن عمر من لم يتكلم بالتحية فلا صلاة له ومن حجة الشافعي أيضا ومن وافقه ما رواه سفيان بن عيينة عن الأعمش ومنصور عن أبي وائل عن بن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبريل فذكر حديث التشهد قال أبو عمر لم يقل أحد في حديث بن مسعود هذا بهذا الإسناد ولا بغيره قبل أن يفرض التشهد والله أعلم حدثنا عبد الله حدثنا حمزة حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله المخزومي قال حدثنا سفيان فذكره وحجة أبي حنيفة أيضا أن الذكر كله في الصلاة فيما عدا القراءة في الأوليين - سنة واستحباب عنده وعمل البدن فيها فرض فإذا قعد مقدار التشهد فيها فقد أتى بالفرض فيها وسجد للسهو لسقوط الفريضة فيها وسجد للسهو لسقوط التشهد وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم والإعلان به جهل وبدعة‏.‏

176- وأما ما حكاه عن بن شهاب ونافع فيمن دخل مع الإمام وقد سبقه بركعة أنه يتشهد معه في الركعتين والأربع وإن كان ذلك له وترا قال مالك وهو الأمر عندنا ولا أعلم في ذلك خلافا وكل من حفظت قوله لا يوجبون عليه التشهد آخر صلاته في الركعة التي يقضيها أو فيما يقضي على حسب ما ذكرنا من أصولهم في إيجاب فرضا وإيجابه سنة قال أبو عمر هذا موضع ذكر السلام لأنه لا باب له في الموطإ ولا أورد فيه مالك أثرا مرفوعا وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في كيفية السلام من الصلاة هل هو واحدة أو اثنتان واختلفت الآثار في ذلك أيضا واختلف الفقهاء أئمة الفتوى هل السلام من فروض الصلاة أو من سننها ونحن نذكر ها هنا ما بلغنا عنهم في ذلك مختصرا موعبا بفضل الله وعونه لا شريك له قال مالك وأصحابه والليث بن سعد يسلم المصلي من صلاته نافلة كانت أو فريضة تسليمة واحدة السلام عليكم ولا يقول ورحمة الله قال بن وهب عن مالك يسلم تلقاء وجهه السلام عليكم قال أشهب عن مالك إنه سئل عن تسليم المصلي وحده فقال يسلم واحدة عن يمينه فقيل وعن يساره فقال ما كانوا يسلمون إلا واحدة قال وإنما حدثت التسليمتان في زمن بني هاشم قال مالك والمأموم يسلم تسليمة عن يمينه وأخرى عن يساره ثم يرد على الإمام وقال بن القاسم عن مالك من صلى لنفسه سلم عن يمينه وعن يساره قال‏.‏

وأما الإمام فيسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه ويتيامن بها قليلا قال أبو عمر فتحصيل رواية بن القاسم هذه عن مالك في ذلك إن الإمام يسلم واحدة تلقاء وجهه ويتيامن بها قليلا وأن المصلي لنفسه يسلم اثنتين وفي غير رواية بن القاسم أن المأموم يسلم ثلاثة إن كان عن يساره أحد واختلف قوله في موضع رد المأموم على الإمام فمرة قال يسلم عن يمينه وعن يساره ثم يرد على الإمام ومرة قال يرد على الإمام بعد أن يسلم عن يمينه ثم يسلم عن يساره وقد روى أهل المدينة عن مالك وبعض المصريين أن الإمام والمنفرد سواء يسلم كل واحد منهما تسليمة واحدة تلقاء وجهه ويتيامن بها قليلا ولم يختلف قول مالك أن المسبوق لا يقوم إلى القضاء حتى يفرغ الإمام من التسليمتين إذا كان ممن يسلم التسليمتين‏.‏

وأما الليث بن سعد فقال أدركت الأئمة والناس يسلمون تسليمة واحدة السلام عليكم وكان الليث يبدأ بالرد على الأمام ثم يسلم عن يمينه وعن يساره وقال الليث في المسبوق ببعض الصلاة لا أرى بأسا أن يقوم بعد التسليمة الأولى قال أبو عمر روي أن النبي -عليه السلام- كان يسلم تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث عائشة ومن حديث أنس إلا أنها معلولة لا يصححها أهل العلم بالحديث لأن حديث سعد أخطأ فيه الدراوردي فرواه على غير ما رواه الناس تسليمة واحدة وغيره يروي فيه تسليمتين وهو حديث رواه الدراوردي عبد العزيز بن محمد عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة وهذا وهم عندهم وغلط وإنما الحديث كما رواه بن المبارك وغيره عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه ويساره وقد روي هذا الحديث عن سعد من غير طريق مصعب بن ثابت حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصايغ قال حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه ويساره السلام عليكم ورحمة الله‏.‏

وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم حدثنا بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشير العبدي حدثنا محمد بن عمرو عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد قال كان رسول الله يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده وكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف لفظ الدراوردي في هذا الحديث وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا بن المبارك عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن شماله كأني أنظر إلى صفحة خده فقال الزهري ما سمعنا هذا من حديث رسول الله فقال له إسماعيل بن محمد أكل حديث رسول الله قد سمعته قال لا قال فنصفه قال لا قال فاجعل هذا في النصف الذي لم تسمع‏.‏

وأما حديث عائشة عن النبي -عليه السلام- ‏(‏‏(‏أنه كان يسلم تسليمة واحدة‏)‏‏)‏ فلم يرفعه أحد إلا زهير بن محمد وحده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي -عليه السلام- ورواه عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره وزهير بن محمد ضعيف عند الجميع كثير الخطإ لا يحتج به وذكر يحيى بن معين هذا الحديث فقال عمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد ضعيفان لا حجة فيهما‏.‏

وأما حديث أنس فلم يأت إلا من طريق أيوب السختياني عن أنس ولم يسمع أيوب من أنس عندهم شيئا قال أبو عمر قد روي من مرسل الحسين أن النبي -عليه السلام- وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة ذكره وكيع عن الربيع عن الحسن وروي عن عثمان وعلي وبن عمر وبن أبي أوفى وأنس وأبي وائل شقيق بن سلمة ويحيى بن وثاب وعمر بن عبد العزيز والحسن وبن سيرين وأبي العالية وأبي رجاء وسويد بن غفلة وقيس بن أبي حازم وبن أبي ليلى وسعيد بن جبير أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة وقد اختلف عن أكثرهم فروي عنهما التسليمتان كما رويت الواحدة والعمل المشهور بالمدينة التسليمة الواحدة وهو عمل قد توارثه أهل المدينة كابرا عن كابر ومثله يصح فيه الاحتجاج بالعمل في كل بلد لأنه لا يخفى لوقوعه في كل يوم مرارا وكذلك العمل بالكوفة وغيرها مستفيض عندهم بالتسليمتين متوارث عندهم أيضا وكل ما جرى هذا المجرى فهو اختلاف في المباح كالأذان ولذلك لا يروى عن عالم بالحجاز ولا بالعراق ولا بالشام ولا بمصر إنكار التسليمة الواحدة ولا إنكار التسليمتين بل ذلك عندهم معروف وإن كان اختيار بعضهم فيه التسليمة الواحدة وبعضهم التسليمتين على حسب ما غلب على البلد من عمل أهله إلا أن الأعم والأكثر بالمدينة التسليمة الواحدة والأكثر والأشهر بالعراق التسليمتان السلام عليكم ورحمة الله على اليمين السلام عليكم ورحمة الله على اليسار وقال الثوري إذا كنت إماما فسلم عن يمينك وعن يسارك السلام عليكم ورحمة الله وإذا كنت غير إمام فإذا سلم الإمام فسلم عن يمينك وعن يسارك تنوي به الإمام والملائكة ومن معك من المسلمين‏.‏

وقال الشافعي نأمر كل مصل أن يسلم عن يمينه وعن يساره إماما كان أو منفردا أو مأموما ويقول في كل واحدة منهما السلام عليكم ورحمة الله وينوي بالأولى من عن يمينه وبالثانية من عن يساره وينوي الإمام بالتسليمة التي إلى ناحيته في اليمين أو في اليسار قال ولو لم ينو المصلي بسلامه أحدا ونوى الخروج من الصلاة أجزأه ولا شيء عليه قال ولو اقتصر على التسليمة الواحدة لم تكن عليه إعادة‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه يسلم الإمام والمأموم والمنفرد تسليمتين عن يمينه ثم عن يساره ويقول لكل واحد منهما السلام عليكم ورحمة الله‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه يسلم الإمام والمأموم والمنفرد تسليمتين عن يمينه ثم عن يساره ويقول لكل واحد منهما السلام عليكم ورحمة الله وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي والحسن بن الصالح بن حي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد وداود والطبري إلا أن أصحاب الظاهر اختلفوا في وجوبها هل تجب التسليمتان جميعا أو الواحدة منهما على ظاهر قوله ‏(‏‏(‏تحليلها التسليم‏)‏‏)‏ وقال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي السلام ليس بفرض قالوا ويخرج من الصلاة بما شاء من الكلام وغيره وهو قول النخعي‏.‏

وقال مالك والليث والحسن بن صالح بن حي والشافعي السلام فرض وتركه يفسد الصلاة إلا أن الحسن بن حي أوجب التسليمتين معا وقال أبو جعفر الطحاوي لم يجد عند أحد من أهل العلم الذين ذهبوا إلى التسليمتين أن الثانية من فرائضها غيره قال أبو عمر من حجة الحسن بن صالح في إيجابه التسليمتين جميعا وقوله إن من أحدث بعد الأولى وقبل الثانية فسدت صلاته - قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏تحليلها التسليم‏)‏‏)‏ ثم بين كيف التسليم من حجة من أوجب التسليمة الواحدة دون الثانية وقال يخرج بالأولى من صلاته وجعل الثانية سنة قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏تحليلها التسليم‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا والواحدة يقع عليها اسم تسليم وممن احتج بهذا الشافعي وطائفة من أهل الظاهر قال أبو عمر روي عن النبي -عليه السلام- أنه كان يسلم تسليمتين من وجوه كثيرة منها حديث بن مسعود وهو أكثرها تواترا ومنها حديث وائل بن حجر وحديث عمار وحديث البراء بن عازب وحديث بن عمر وحديث سعد وقد تقدم ذكره فأما حديث بن مسعود فرواه علقمة والأسود وأبو الأحوص وزر بن حبيش ذكرها كلها أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر بن الصايغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل ركوع وسجود ورفع ووضع وأبو بكر وعمر وعثمان يسلمون عن أيمانهم وعن شمائلهم السلام عليكم ورحمة الله وهكذا رواه زهير عن أبي إسحاق وحديث البراء رواه وكيع عن حريث عن الشعبي عن البراء وحديث وائل بن حجر رواه شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن عبد الرحمن بن اليحصبي عن وائل بن حجر ورواه سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر وحديث عمار رواه أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار وحديث بن عمر رواه عمرو بن يحيى المازني عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال قلت لابن عمر حدثني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كانت فذكر التكبير كلما رفع رأسه وكلما وضعه وذكر السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله عن يساره رواه بن جريج وسليمان بن بلال وعبد العزيز بن محمد الدراوردي كلهم عن عمرو بن يحيى المازني وهو إسناد مدني صحيح وكذلك حديث سعد أيضا وقد تقدم وسائر أسانيد هذه الآثار مذكورة في غير هذا الموضع قال أبو عمر ورويت التسليمتان عن علي وبن مسعود من وجوه صحاح ذكرها أبو بكر بن أبي شيبة وغيره وعن علقمة بن أبي قيس وخيثمة بن عبد الرحمن وأبى وائل وشقيق بن سلمة وإبراهيم النخعي وأبي عبد الرحمن السلمي ومسروق بن الأجدع وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن ميمون وعطاء وغيرهم وذكر أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن أشعث عن الشعبي أن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص كانا يسلمان تسليمتين والقول في ذلك على ما تقدم ذكره من الإباحة‏.‏

باب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام

177- مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن مليح بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة أنه قال الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام فإنما ناصيته بيد شيطان هكذا هو في ‏(‏‏(‏ الموطإ‏)‏‏)‏ عند جماعة رواته - فيما علمت - موقوفا على أبي هريرة ولم يرفعه وروى شعبة وحماد بن زيد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- قال ‏(‏‏(‏أما يخشى الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار‏)‏‏)‏ فهذا وعيد شديد لمن فعل هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم لمن صحبه ولسائر أمته إذا كان فعله ذلك عامدا غير ساه‏.‏

وقال مالك السنة فيمن سها ففعل ذلك في ركوعه وسجوده أن يرجع راكعا أو ساجدا ولا ينتظر الإمام وذلك ممن فعله خطبا لأن النبي -عليه السلام- قال ‏(‏‏(‏إنما جعل الإمام ليوتم به فلا تختلفوا عليه‏)‏‏)‏ وقال أبو هريرة الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام فإنما ناصيته بيد شيطان قال أبو عمر ظاهر قول مالك هذا لا يوجب الإعادة على من فعله عامدا لقوله وذلك خطأ ممن فعله لأن الساهي الإثم عنه موضوع وللعلماء فيمن تعمد ذلك قولان أحدهما أن صلاته فاسدة إن فعل ذلك فيها كلها أو في أكثرها عامدا وهو قول أهل الظاهر لأنه فعل فعلا طابق النهي ففسد مع قوله -عليه السلام- ‏(‏‏(‏من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏)‏ يعني مردودا ومن تعمد خلاف إمامه عالما بأنه مأمور باتباعه منهي عن مخالفته لقوله -عليه السلام- ‏(‏‏(‏إذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا فإن الإمام يركع قبلكم قبلكم يرفع قبلكم‏)‏‏)‏ وقوله ‏(‏‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه‏)‏‏)‏ - فقد استخف بصلاته وخالف ما أمر به فواجب ألا تجزئ عنه صلاته تلك وذكر سنيد قال قال بن علية عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الورد الأنصاري قال صليت إلى جنب بن عمر فجعلت أرفع قبل الإمام وأضع قبله فلما سلم الإمام أخذ بن عمر بيدي فلواني وجذبني فقلت ما لك قال من أنت قلت فلان بن فلان قال أنت من أهل بيت صدق فما منعك أن تصلي قلت أو ما رأيتني إلى جنبك قال قد رأيتك ترفع قبل الإمام وتضع قبله وإنه لا صلاة لمن خالف الإمام وقال الحسن بن حي لا ينبغي لأحد صلى مع الإمام أن يسبق الإمام في ركوع ولا سجود فإن فعل فأدركه الإمام راكعا أو ساجدا ثم رفع الإمام ورفع برفعه من الركوع والسجود ووافقه في ذلك أجزأه وإن ركع أو سجد قبل الإمام ثم رفع من ركوعه أو سجوده قبل أن يركع الإمام أو يسجد لم يعتد بذلك ولم يجزه وقال أكثر الفقهاء من فعل ذلك فقد أساء ولم تفسد صلاته لأن الأصل في صلاة الجماعة والائتمام فيها سنة حسنة فمن خالفها بعد أن أدى فرض صلاته بطهارتها وركوعها وسجودها وفرائضها فليس عليه إعادتها وإن أسقط بعض سننها لأنه لو شاء أن ينفرد قبل إمامه تلك الصلاة أجزأت عنه وبئس ما فعل في تركه الجماعة قالوا ومن دخل في صلاة الإمام فركع بركوعه وسجد بسجوده ولم يركع في ركعة وإمامه في أخرى فقد اقتدى به وإن كان يرفع قبله ويخفض قبله لأنه يركع بركوعه ويسجد بسجوده ويرفع برفعه وهو في ذلك متبع له إلا أنه مسيء في ذلك بخلاف سنة المأموم المجتمع عليها‏.‏

باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهي

178- 179- ذكر فيه مالك حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين مسندا من طريقين عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة وعن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة وفيهما جميعا قوله - عليه وسلم - ‏(‏‏(‏أصدق ذو اليدين‏)‏‏)‏‏.‏

180- 181- وذكر الحديث عن بن شهاب بإسنادين مرسلين وقال فيه فقال ذو الشمالين مرتين وفيه فقال ‏(‏‏(‏أصدق ذو اليدين‏)‏‏)‏ أيضا وليس يأتي ذكر ذي الشمالين في هذا الحديث إلا عن بن شهاب ولم يتابع عليه والله أعلم وسائر الآثار إنما فيها ذو اليدين ليس فيها ذو الشمالين قال بن وضاح قد قيل إن ذا اليدين استشهد يوم بدر وإسلام أبي هريرة كان يوم خيبر قال أبو عمر هو كما قال بن وضاح إلا أن الذي استشهد يوم بدر ذو الشمالين لا ذو اليدين ونحن نبين ما في ذلك من معاني العلم هنا إن شاء الله أجمع المسلمون أن الكلام في الصلاة عمدا إذا كان المصلي يعلم أنه في صلاة ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته تفسد صلاته إلا الأوزاعي فإنه قال من تكلم في صلاته لإحياء نفس أو مثل ذلك من الأمور الجسام - لم تفسد بذلك صلاته ومضى عليها وذكر الوليد بن مزيد وغيره عنه قال لو نظر المصلي إلى غلام يريد أن يسقط في بئر أو مكان فصاح به لم يكن عليه بأس أن يتم صلاته قال وكذلك لو رأى ذئبا يثب على غنمه فصاح به أتم ما بقي من صلاته قال أبو عمر لم يتابعه أحد على قوله هذا وهو قول ضعيف ترده السنن والأصول قال الله تعالى ‏(‏وقوموا لله قانتين‏)‏ ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

قال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت ‏(‏وقوموا لله قانتين‏)‏ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقال بن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن مما أحدث إلا تكلموا في الصلاة‏)‏‏)‏ وقال معاوية بن الحكم السلمي سمعت رسول الله يقول ‏(‏‏(‏إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام إنما هو التسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد وأجمعوا على أن تحريم الكلام في الصلاة جملة إلا ما نذكره بعد عنهم إن شاء الله وليس قول الأوزاعي بشيء لأن إغاثة الملهوف وما أشبهه ليس تمنع من استئناف الصلاة ولا يوجب البناء على ما مضى منها إذ ذلك الفعل مباين لها مفسد قاطع فإنه يطابق النهي وفي موافقة الأوزاعي للجماعة فيمن تكلم عامدا في صلاته بغير ما ذكر أنها قد فسدت عليه ويلزمه استئنافها - ما يدل على فساد قوله لأن النهي عن كلام الناس فيها عام فما لم يخرج منه بالدليل الواضح فهو على أصل التحريم وبالله التوفيق‏.‏

وأما اختلاف فقهاء الأمصار في الذي يتكلم وقد سلم من صلاته قبل أن يتمها وهو يظن أنه قد أتمها فإن مالكا وأصحابه اختلفوا في ذلك فروى سحنون عن بن القاسم عن مالك قال لو أن قوما صلى بهم رجل ركعتين وسلم ساهيا فسبحوا به فلم يفقه فقال له رجل من خلفه ممن هو معه في الصلاة إنك لم تتم فأتم صلاتك فالتفت إلى القوم فقال أحق ما يقول هذا فقالوا نعم - قال يصلى بهم الإمام ما بقي من صلاتهم ويصلون معه بقية صلاتهم من تكلم منهم ومن لم يتكلم ولا شيء عليهم ويفعلون في ذلك ما فعل النبي -عليه السلام- يوم ذي اليدين هذا قول بن القاسم في كتبه ‏(‏‏(‏الأسدية‏)‏‏)‏ وروايته عن مالك وهو المشهور من مذهب مالك عند أكثر أصحابه وبه قال إسماعيل بن إسحاق واحتج له في كتاب رده على محمد بن الحسن وكذلك روى عيسى عن بن القاسم قال عيسى سألت بن القاسم عن إمام فعل اليوم كفعل النبي يوم ذي اليدين وتكلم أصحابه على نحو ما تكلم أصحاب النبي -عليه السلام- يوم ذي اليدين فقال بن القاسم يفعل كما فعل النبي -عليه السلام- يوم ذي اليدين ولا يخالفه في شيء من ذلك لأنها سنة سنها عليه السلام زاد العتبي في هذه عن عيسى عن بن القاسم قال وليرجع الإمام فيما شك فيه إليهم ويتم معهم وتجزيهم قال عيسى قال بن القاسم لو أن إماما قام من أربع أو جلس في ثالثة فسبح به فلم يفقه فكلمه رجل ممن خلفه كان محسنا وأجزته صلاته قال عيسى وقال بن كنانة لا يجوز لأحد اليوم ما جاز لمن كان يومئذ مع النبي -عليه السلام- لأن ذا اليدين ظن أن الصلاة قد قصرت فاستفهم عن ذلك وقد علم الناس اليوم أن قصرها لا ينزل فعلى من تكلم الإعادة قال عيسى فقرأته على بن القاسم فقال ما أرى في هذا حجة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن فقالوا له بلى فقد كلموه عمدا بعد علمهم أنها لم تقصر قال عيسى وقال لي بن وهب إنما ذلك كان في أول الإسلام ولا أرى لأحد أن يفعله اليوم قال أبو عمر أما كلام القوم للنبي -عليه السلام- بعد أن سمعوه يقول ‏(‏‏(‏لم تقصر الصلاة ولم أنس‏)‏‏)‏ فمختلف فيه ولا حجة لمن نزع به لأن حماد بن زيد - هو أثبت الناس في أيوب - روي حديث ذي اليدين عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة قال فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏أحق ما يقول ذو اليدين‏)‏‏)‏ فأومؤوا أي نعم فبان بهذا أنهم لم يتكلموا بعد أن سمعوا النبي -عليه السلام- يقول ‏(‏‏(‏لم تقصر الصلاة ولم أنس‏)‏‏)‏ ولكنهم أومؤوا أي نعم فعبر المحدث عن الإيمان بالقول والعرب قد تفعل ذلك فيما لا يصح منه القول فالإيماء بذلك أحرى ممن يصح قوله إذا منع من الكلام وتحريم الكلام في الصلاة مجتمع عليه فلا يباح برواية مختلف فيها وقال يحيى بن يحيى عن بن نافع لا أحب لأحد أن يفعل مثل ذلك اليوم فإن فعل لم آمره أن يستأنف وروى أبو قرة موسى بن طارق عن مالك مثل قول بن نافع خلاف رواية بن القاسم قال أبو قرة سمعت مالكا يستحب إذا تكلم الرجل في الصلاة أن يعود لها ولا يبني قال وقال لنا مالك إنما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم أصحابه معه يومئذ لأنهم ظنوا أن الصلاة قد قصرت ولا يجوز ذلك لأحد اليوم وروى أشهب عن مالك أنه قيل له أبلغك أن ربيعة بن عبد الرحمن صلى خلف إمام فأطال التشهد فخاف ربيعة أن يسلم - وكان على الإمام سجود السهو قبل السلام - فكلمه ربيعة فقال انهما قبل السلام فقال ما بلغني ولو بلغني ما تكلمت به أنتكلم في الصلاة وقد ذكرنا في التمهيد وجوه الروايات عن مالك وأصحابه في هذا الباب وروى بن وضاح عن الحارث بن مسكين قال أصحاب مالك كلهم على خلاف ما رواه بن القاسم عن مالك في مسألة ذي اليدين ولم يقل بقوله إلا بن القاسم وحده وغيره يأبونه ويقولون إنما كان ذلك في أول الإسلام‏.‏

وأما الآن فقد عرف الناس الصلاة فمن تكلم فيها أعادها‏.‏

وأما الشافعي فقال في حديث ذي اليدين لا يشك مسلم أن النبي -عليه السلام- لم ينصرف إلا وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة وظن ذو اليدين أن الصلاة قد قصرت بحادث من الله ولم يقبل رسول الله من ذي اليدين إذ سأل غيره ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلام ذي اليدين فيكون في معنى ذي اليدين واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي -عليه السلام- رده عليه كان في معنى ذي اليدين من أنه لم يدر أقصرت الصلاة أم نسي فأجابه ومعناه معنى ذي اليدين مع أن الفرض عليهم جوابه ألا ترى أن النبي -عليه السلام- لما أخبروه فقبل قولهم - لم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم قال فلما قبض رسول الله -عليه السلام- تناهت الفرائض فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبدا قال فهذا فرق ما بيننا وبينه إذا كان أحدنا إماما اليوم قال أبو عمر أما قول الشافعي مع أن الفرض عليهم جوابه فموجود في حديث أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى قضيت صلاتي فأتيته فقال ‏(‏‏(‏ما منعك أن تجيبني‏)‏‏)‏ قلت كنت أصلي قال ألم يقل الله ‏(‏ استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم‏)‏ وهو حديث يرويه شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص عن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى وهو محفوظ من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة لأبي بن كعب وقد تقدم فيما مضى من هذا الكتاب وفيه أن مجاوبة النبي -عليه السلام- واجبة على العموم في الصلاة وغيرها وفي ذلك دليل على أن ذا اليدين وأصحابه مخصوصون بذلك ما كان -عليه السلام- حيا فيهم وقد يحتمل أن تكون إجابته في الصلاة إشارة كما كان -عليه السلام- يضع في الصلاة وهو في مسجد قباء بالأنصار إذ دخلوا فسلموا عليه وهو يصلي فكان يشير قال أبو عمر الخلاف بين مالك والشافعي في هذه المسألة إنما هو أن مالكا يقول في رواية بن القاسم عنه لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان ذلك في صلاحها وشانها وهو قول ربيعة وبن القاسم وإليه ذهب إسماعيل بن إسحاق‏.‏

وقال الشافعي وأصحابه وسائر أصحاب مالك إن المصلي إذا تعمد الكلام وهو في الصلاة عالما أنه لم يتمها فقد أفسد صلاته فإن تكلم ساهيا أو تكلم وهو يظن أنه قد أكمل صلاته وأنه ليس في صلاة عند نفسه فهذا يبني ولا يفسد عليه كلامه ذلك صلاته‏.‏

وقال أحمد بن حنبل فيما حكى عنه أبو بكر الأثرم ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لا يفسد عليه صلاته وإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه صلاته وقال في موضع آخر سمعت أحمد بن حنبل يقول في قصة ذي اليدين إنما تكلم ذو اليدين وهو يرى أن الصلاة قد قصرت وتكلم النبي -عليه السلام- وهو دافع لقول ذي اليدين وكلم القوم فأجابوه لأنه كان عليهم أن يجيبوه قال أبو عمر وهذا نحو ما قاله الشافعي في ذلك وذكر الخرقي أن مذهب أحمد بن حنبل الذي تحصل عليه - قوله فيمن تكلم عامدا أو ساهيا في صلاته بطلت صلاته إلا الإمام خاصة فإنه إذا تكلم ليصلح صلاته لم تبطل صلاته وقد ذكرنا مذهب الأوزاعي فيما مضى وقال الأوزاعي أيضا لو أن رجلا قال لإمام جهر بالقراءة في العصر إنها العصر لم يكن عليه شيء قال أبو عمر لو كان هذا ما احتاج أحد إلى التسبيح في الصلاة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من نابه شيء في صلاته فليسبح‏)‏‏)‏ وقال عليه السلام ‏(‏‏(‏إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح وتلاوة القرآن‏)‏‏)‏ وكلام الأوزاعي في هذا الباب عند الفقهاء وهم وخطأ ليس بصواب وقد أجمع العلماء على أن السلام في الصلاة قبل تمامها عمدا يفسدها فالكلام بذلك أحرى والله أعلم‏.‏

وأما الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري فذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة على كل حال سهوا كان أو عمدا لصلاح كان أو لغير ذلك يفسد الصلاة واختلف أصحاب أبي حنيفة في السلام فيها ساهيا قبل تمامها فبعضهم أفسد صلاة المسلم فيها ساهيا وجعله كالمتكلم عامدا وبعضهم لم يفسدها بالسلام ساهيا وكلهم يفسدها بالكلام عامدا وهو قول إبراهيم النخعي وعطاء والحسن وحماد بن أبي سليمان وقتادة وزعم أصحاب أبي حنيفة أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث زيد بن أرقم وبن مسعود الذي ذكرنا قالوا وفي حديث زيد بن أرقم وبن مسعود بيان أن الكلام كان مباحا في الصلاة ثم نسخ قالوا فحديث أبي هريرة منسوخ في قصة ذي اليدين بما جاء في حديث بن مسعود وزيد بن أرقم قالوا وإن كان أبو هريرة متأخر الإسلام فإنه أرسل حديث ذي اليدين عن النبي -عليه السلام- كما كان يفعله هو وغيره من الصحابة بما سمعه بعضهم من بعض لأنه جائز للصاحب إذا حدثه صاحب من الصحابة بما سمعه من رسول الله - أن يحدث به عن رسول الله إذا لم يقل سمعت واحتجوا بأن بن عباس ومن كان مثله قد حدثوا عن رسول الله بما أخبروا عن أصحابه عنه وهو عند الجميع مسند صحيح ألا ترى إلى حديث أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- فيمن أدركه الفجر وهو جنب ‏(‏ ‏(‏إنه لا صوم له‏)‏‏)‏ فلما وقف عليه سئل هل سمعته من رسول الله قال لا علم لي إنما أخبرنيه مخبر وقال أنس ما كل ما نحدثكم به عن رسول الله سمعناه منه ولكن منه ما سمعنا ومنه ما أخبرنا أصحابنا وكل حديث الصحابة مقبول عند جماعة العلماء على كل حال قالوا فغير نكير أن يحدث أبو هريرة بقصة ذي اليدين وإن لم يشهدها قالوا ومما يدل على أن حديث أبي هريرة في ذلك منسوخ أن ذا اليدين قتل يوم بدر واحتجوا بما رواه بن وهب عن العمري عن نافع عن بن عمر أن إسلام أبي هريرة كان بعد موت ذي اليدين قالوا وهذا الزهري مع علمه بالأثر والسير وهو الذي لا نظير له بالأثر في ذلك يقول إن قصة ذي اليدين كانت قبل بدر حكاه معمر وغيره عن الزهري قال الزهري ثم استحكمت الأمور بعد قال أبو عمر أما ما ادعاه العراقيون من أن حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين منسوخ بحديث بن مسعود وزيد بن أرقم فغير مسلم لهم ما ادعوا من نسخه ولكنه خص من تحريم الكلام معنى ما تضمنه لأن حديث أبي هريرة يوم ذي اليدين كان في المدينة وقد شهده أبو هريرة وإسلامه كان عام خيبر هذا مما لا خلاف بين العلماء فيه فإن قيل كيف يصح الاحتجاج بحديث بن مسعود في تحريم الكلام في الصلاة بمكة وزيد بن أرقم رجل من الأنصار يقول كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه في الحاجة حتى نزلت ‏(‏وقوموا لله قانتين‏)‏ ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ومعلوم أن سورة البقرة مدينة فالجواب أن بن مسعود ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة في جماعة من هاجر إليها من الصحابة وأنه من الجماعة المنصرفين من الحبشة إلى مكة حين بلغهم أن قريشا دخلوا في الإسلام وكان الخبر كاذبا فأقبلوا إلى مكة في حين كون بني هاشم وبني المطلب في الشعب ووجدوا قريشا أشد ما كانوا على النبي وأصحابه ثم أمره رسول الله فيمن امر من أصحابه بالهجرة إلى المدينة ‏(‏فهاجر إلى المدينة‏)‏ ثم شهد بدرا مع من شهدها منهم إلا أن حديثه من رواية عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عنه أن رسول الله لم يرد عليه السلام يومئذ بمكة وهو يصلي فقال له ‏(‏‏(‏إن الله أحدث ألا تكلموا في الصلاة‏)‏‏)‏ قد وهم في ألفاظه عاصم وكان سيئ الحفظ عندهم كثير الخطأ لا يحتج بحديثه فيما خولف فيه وحديثه حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال كنا نسلم على النبي -عليه السلام- في الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة فيرد علينا فلما رجعنا سلمت عليه وهو يصلي فلم يرد علي فآخذني ما قرب وما بعد فجلست حتى قضى النبي -عليه السلام- صلاته فقال يا رسول الله سلمت عليك وأنت تصلي فلم ترد على فقال ‏(‏‏(‏إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة‏)‏‏)‏‏.‏

قال سفيان هذا أجود ما وجدنا عند عاصم في هذا الوجه قال أبو عمر قد روى هذا الحديث شعبة عن عاصم على خلاف معنى حديث بن عيينة ولم يقل فيه إن ذلك كان منه في حين انصرافه من أرض الحبشة بل ظاهره ومساقه يحتمل أن يكون كان ذلك منه بالمدينة فيكون في معنى حديث بن أرقم حدثنا سعيد حدثنا قاسم حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال أتيت النبي -عليه السلام- وهو يصلي فسلمت فلم يرد علي فلما قضى صلاته قال ‏(‏‏(‏إن الله يحدث ما شاء وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة فلم يذكر شعبة أن كلامه ذلك كان منه بمكة وقد رواه الأعمش عن أبي وائل عن بن مسعود فذكر انصرافه من أرض الحبشة إلى مكة ولم يذكر أن سلامه على رسول الله في الصلاة كان بمكة وقد روي عن الأعمش بخلاف ذلك في الإسناد والمعنى حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال حدثنا فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا نسلم على النبي -عليه السلام- وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا وقال لنا ‏(‏‏(‏إن في الصلاة لشغلا‏)‏‏)‏ وهذا الحديث إنما فيه كراهية السلام على المصلي وقد روى هذا الحديث كلثوم بن المصطلق الخزاعي عن بن مسعود ولم يقل فيه إن ذلك كان منه في حين انصرافه من أرض الحبشة أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال أخبرنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال أخبرنا بن أبي عيينة والقاسم بن زيد الجرمي عن سفيان عن الزبير بن عدي عن كلثوم عن عبد الله بن مسعود وهذا الحديث للقاسم قال كنت آتي النبي -عليه السلام- وهو يصلي فأسلم عليه فيرد علي فأتيته وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي فلما سلم أشار إلى القوم فقال ‏(‏‏(‏إن الله أحدث في الصلاة ألا تكلموا فيها إلا بذكر الله وأن تقوموا لله قانتين‏)‏‏)‏ وهذا حديث مستقيم صحيح في معنى حديث زيد بن أرقم ليس فيه ما يخالفه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت ‏(‏وقوموا لله قانتين‏)‏ ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

ثم أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام قال أبو عمر زيد بن أرقم أنصاري وسورة البقرة مدنية حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا يحيى بن سعيد قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد قال حدثنا الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كان الرجل يكلم صاحبه في الصلاة بالحاجة على عهد النبي -عليه السلام- حتى نزلت ‏(‏وقوموا لله قانتين‏)‏ ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

فأمرنا بالسكوت‏.‏

وأما قولهم إن أبا هريرة لم يشهد ذلك لأنه كان قبل بدر وإسلام أبي هريرة كان عام خيبر فالجواب أن أبا هريرة أسلم عام خيبر كما ذكرنا ولكنه قد شهد هذه القصة وحضرها لأنها لم تكن قبل بدر وحديث أبي هريرة يوم ذي اليدين محفوظ من رواية الحفاظ الثقات وليس تقصير من قصر عن ذكر ذلك في حديثه في قصة ذي اليدين بحجة على من حفظه وذكره‏.‏

182- ‏(‏معاد‏)‏ - وهذا مالك قد ذكر في موطئه عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد قال سمعت أبا هريرة يقول صلى لنا رسول الله -عليه السلام- العصر فسلم في ركعتين وذكر الحديث هكذا حدث به في الموطأ عنه بن القاسم وبن وهب وبن بكير والقعنبي والشافعي وقتيبة بن سعيد ولم يقل يحيى وطائفة معه في حديث داود بن حصين صلى لنا رسول الله وإنما قال صلى رسول الله‏.‏

وأما في حديث مالك عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة فليس ذلك عند أحد من رواة الموطإ وإنما فيه أن رسول الله انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين قال أبو عمر قول أبي هريرة في حديث ذي اليدين صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بنا وبينا نحن مع رسول الله محفوط من نقل الحفاظ فمن ذلك حديث شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر فسلم من اثنتين فقال له رجل من بني سليم وذكر الحديث وحديث ضمضم بن جوس الهفاني عن أبي هريرة قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وذكر الحديث وحديث بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشي وكذلك رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وكذلك رواه بن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة وكذلك رواه حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة ورواه - كما رواه أبو هريرة عبد الله بن عمر وعمران بن حصين ومعاوية بن خديج وبن مسعدة صاحب الحبوس وكلهم لم يصحب النبي -عليه السلام- إلا بالمدينة حاشا بن عمر منهم وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث وأسانيدها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وهي صحاح كلها والحمد لله وليس في أخبار الآحاد أكثر طرقا من حديث ذي اليدين هذا إلا قليلا وأحسن الناس سياقة له حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكير حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى وخرج سرعان الناس وقالوا قصرت الصلاة قصرت الصلاة وفي الناس أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه فقام رجل - وكان رسول الله يسميه ذا اليدين - فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال ‏(‏‏(‏لم أنس ولم تقصر‏)‏‏)‏‏.‏

قال بل نسيت يا رسول الله فأقبل رسول الله على القوم فقال ‏(‏‏(‏أصدق ذو اليدين‏)‏‏)‏ فأومؤوا أن نعم فرجع رسول الله إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر قال فقيل لمحمد سلم في السهو قال لم أحفظه ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم قال أبو داود وكل من روى هذا الحديث لم يقل فيه فأومؤوا إلا حماد بن زيد قال أبو عمر من ها هنا قال أحمد بن حنبل - والله أعلم إن الإمام وحده إن تكلم في شأن صلاته لم يضر ذلك صلاته وإن تكلم غيره أفسد صلاته‏.‏

وأما قولهم إن ذا اليدين قتل يوم بدر فغير صحيح وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين ولسنا ندافعهم ولا ننكر قولهم إن ذا الشمالين قتل ببدر إن ذكروا ذا الشمالين لأن بن إسحاق وغيره من أهل السير ذكروه فيمن قتل ببدر من المسلمين وقال حماد بن سلمة عن علي عن سعيد بن المسيب قال قتل يوم بدر من قريش خمسة رجال من المهاجرين عبيدة بن الحارث وعمير بن أبي وقاص وذو الشمالين وبن بيضاء ومهجع مولى عمر بن الخطاب قال أبو عمر إنما قال بن المسيب أنهم من قريش لأن الحليف والمولى يعد من القوم فمهجع مولى عمر وذو الشمالين حليف بني زهرة قال بن إسحاق ذو الشمالين هو عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان بن سليم بن مالك بن أفصى بن خزاعة حليف لنبي زهرة قال أبو عمر ذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر بدليل ما في حديث أبي هريرة ومن ذكرنا معه من حضورهم تلك الصلاة ممن كان إسلام بعد بدر وكان المتكلم يومئذ رجلا من بني سليم ذكر ذلك يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال عمران بن حسين رجل طويل اليدين يقال له الخرباق وممكن أن يكون رجلان أو ثلاثة وأكثر يقال لكل واحد منهم ذو اليدين وذو الشمالين ولكن المقتول ببدر غير المتكلم في حديث أبي هريرة حين سلم رسول الله من اثنتين قال أبو بكر الأثرم سمعت مسدد بن مسرهد يقول الذي قتل ببدر إنما هو ذو الشمالين بن عبد عمرو حليف بني زهرة وذو اليدين رجل من العرب كان يكون بالبادية فيجيء فيصلي مع النبي - عليه السلام قال أبو عمر قول مسدد هذا قول أئمة أهل الحديث والسير وهذا على ما ذكرنا عنهم‏.‏

وأما قول الزهري في هذا الحديث إنه ذو الشمالين فلم يتابع عليه وحمله الزهري على أنه المقتول يوم بدر فوهم فيه وغلط والغلط لا يسلم منه أحد وقد اضطرب الزهري في إسناد حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين اضطرابا كثيرا قد ذكرناه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وكان يقول لم يسجد رسول الله السجدتين يومئذ فجهل ذلك وقد صح عن أبي هريرة من وجوه أن رسول الله سجد يوم ذي اليدين بعد السلام سجدتين لم يختلف عن أبي هريرة في ذلك وإنما اختلف عنه في السلام من السجدتين وقد خفي ذلك على الزهري مع جلالته ولا أعلم أحدا من المصنفين عول على بن شهاب في حديث ذي اليدين وإنما أخرجوه من غير روايته لاضطرابه وقد تبين غلطه أنه المقتول ببدر ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن بن مليكة أنه سمع عبيد بن عمير - وذكر خبر ذي اليدين - قال فأدركه ذو اليدين أخو بني سليم وقد قيل إن ذا اليدين عمر إلى خلافة معاوية وإنما توفي بذي خشب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا علي بن بحر حدثنا معدي بن سليمان الشغنثي البصري قال حدثني شعيب بن مطير ومطير حاضر يصدقه قال يا أبتاه أخبرتني أن ذا اليدين لقيك بذي خشب فأخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وخرج سرعان الناس فلحقه ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال ‏(‏‏(‏ما قصرت الصلاة ولا نسيت‏)‏‏)‏ ثم أقبل رسول الله على أبي بكر وعمر فقال ‏(‏‏(‏أحق ما يقول ذو اليدين‏)‏‏)‏‏.‏

قالا صدق يا رسول الله فرجع رسول الله وثاب الناس فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو وقد ذكرنا هذا الخبر من طرق شتى في التمهيد ومطير هذا مطير بن سليم من أهل وادي القرى روى عن ذي اليدين وذي الزوائد وأبي الشموس البلوي وغيره وروى عنه ابناه شعيب وسليم وهو معروف عند أهل العلم لم يذكره أحد بجرحه ومعدي بن سليمان صاحب الطعام بصري يكنى أبا سليمان يقال إنه كان من الأبدال الفضلة روى عنه العباس بن يزيد وبندار محمد بن بشار وعلي بن بحر بن بري وبشر بن علي ومحمد بن المثنى ولو صح للمخالفين ما ادعوه من نسخ حديث أبي هريرة بتحريم الكلام في الصلاة لم يكن لهم في ذلك حجة لأن النهي عن الكلام في الصلاة إنما توجه إلى العامد القاصد لا إلى الناسي لأن النسيان متجاوز عنه والناسي والساهي ليسا ممن دخل تحت النهي لاستحالة ذلك في النظر فإن قيل إنكم تجيزون الكلام في الصلاة عمدا إذا كان في شأن صلاحها قيل لقائل ذلك أجزناه من باب آخر قياسا على ما نهي عنه من التسبيح في غير موضعه من الصلاة وإباحته للتنبيه على ما أغفله المصلي من صلاة ليستدركه استدلالا بقصة ذي اليدين قال أبو عمر نزع أبو الفرج وغيره من أصحابنا بما وصفنا وليس ذلك عندي بشيء لأن التسبيح لا يقاس بالكلام لأن الصلاة محرم فيها الكلام ومباح فيها التسبيح وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من نابه شيء في صلاته فليسبح‏)‏‏)‏ يريد ولا يتكلم وقال ‏(‏‏(‏صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح وتلاوة القرآن‏)‏‏)‏ وقد نهى عن القراءة في الركوع ولو قرأ في الركوع أحد لم تفسد صلاته‏.‏

وأما أصحاب أبي حنيفة الذين لم يجيزوا الكلام في شأن إصلاح الصلاة فيلزمهم ألا يجيزوا المشي للراعف والخروج من المسجد للوضوء وغسل الدم في الصلاة لضرورة الرعاف فإن أجازوا ذلك فليجيزوا الكلام في شأن إصلاح الصلاة والله أعلم وممن قال من السلف بمعنى حديث ذي اليدين ورأى البناء جائزا لمن تكلم في صلاته وهو يظن أنه ليس في صلاة عبد الله بن عباس وبن الزبير وعروة وعطاء والحسن وقتادة والشعبي وروي أيضا عن الزبير بن العوام وأبي الدرداء وروي مثل قول الكوفين في هذا الباب عن إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وقتادة على اختلاف عنه وفي هذا الحديث أيضا إثبات حجة مالك وأصحابه في قولهم إذا نسي الحاكم حكمه فشهد عليه عنده شاهدان إنه ينفذه ويمضيه وإن لم يذكره لأن النبي -عليه السلام- رجع إلى قول ذي اليدين ومن شهد معه إلى شيء لم يذكره‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة لا ينفذه حتى يذكر حكمه به على وجهه لأنه لا يقبل الشهود إلا على غيره لا على نفسه لأنهم لو شهدوا عنده بخلاف علمه لم يحكم بشهادتهم ولا حجة في حديث ذي اليدين لأنه لم يحكم بشهادتهم ممكن محتمل أن يكون النبي -عليه السلام- لما قال له أصحابه إن ما ذكر ذو اليدين حق تيقن ذلك فرجع من شكه إلى يقين وهذا مجتمع عليه في أصل الدين لأنه محال ألا يصدقهم ثم يعمل بخبرهم وبالله التوفيق وفيه إثبات سجود السهو على من سها في صلاته وفيه أن السجود يكون بعد السلام إذا كان زاد الإنسان في صلاته شيئا سهوا وبه استدل أصحابنا على أن السجود بعد السلام فيما كان زيادة أبدا وفيه أن سجدتي السهو يكبر في كل خفض ورفع منهما ويسلم على حديث عمران بن حصين واختلف المتأخرون من أصحابنا في رجوع المسلم ساهيا في صلاته إلى تمام ما بقي عليه منها هل يحتاج في ذلك إلى إحرام أم لا فقال بعضهم لا بد أن يحدث إحراما يجدده لرجوعه إلى تمام صلاته وإن لم يفعل لم يجزه وقال آخرون ليس ذلك عليه وإنما عليه أن ينوي الرجوع إلى تمام صلاته فإن كبر في رجوعه فحسن لأن التكبير إشعار حركات المصلي وإن لم يكبر فلا شيء عليه لأن أصل التكبير في غير الإحرام إنمغا كان للإمام ثم صار سنة بمواظبة رسول الله حتى لقي الله مع قوله ‏(‏‏(‏فإذا كبر فكبروا‏)‏‏)‏ يعني يكبرون بتكبيره وتكبير الصلوات محصور عدده فلا وجه للزيادة فيه ألا ترى أن الذي يحسبه الإمام لا يكبر إذا قام إلى قضاء ما عليه لأن تلك التكبيرة لو كبرها كانت زائدة على تكبير الصلاة والله أعلم وإنما قلنا إنه إذا نوى الرجوع إلى صلاته ليتمها فلا شيء عليه وإن لم يكبر لإحرام ولا غيره لأن سلامه ساهيا لا يخرجه من صلاته عندنا وعند جمهور العلماء ولا يفسدها عليه وإذا كان في صلاته بنى عليها فلا معنى للإحرام لأنه غير مستأنف لصلاة بل هو متمم لها بان فيها وإنما يؤمر بتكبيرة الإحرام من ابتدأ صلاته وافتتحها وبالله التوفيق‏.‏

وأما قول مالك كل سهو كان نقصانا في الصلاة فإن سجوده قبل السلام وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام - فهذا مذهبه لا خلاف عنه فيه وقوله إنه إذا اجتمع سهوان زيادة ونقصان فالسجود لهما قبل السلام لا خلاف عنه في ذلك أيضا هذا هو الاختيار عنده لحديث ذي اليدين في الزيادة وحديث بن بحينة في النقصان ولو سجد عنده أحد بخلاف ذلك فجعل السجود كله بعد السلام أو كله قبل السلام لم يكن عليه شيء لأنه عنده من باب قضاء القاضي بالاجتهاد للآثار المرفوعة والسلف من هذه الأمة في ذلك سنذكر اختلافهم في الباب بعد هذا إن شاء الله عز وجل‏.‏