فصل: الجزء التاسع عشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***


الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

الجزء التاسع عشر

كِتَابُ‏:‏ الْقَضَاءِ

فائدة‏:‏

الْقَضَاءُ وَاحِدُ الاقضية وَالْقَضَاءُ يُعَبَّرُ بِهِ عن مَعَانٍ كَثِيرَةٍ والاصل فيه الْحَتْمُ وَالْفَرَاغُ من الامر وَيَجْرِي على هذا جَمِيعُ ما في القران من لَفْظِ الْقَضَاءِ وَالْمُرَادُ بِهِ في الشَّرْعِ الالزام وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَنَصْبَةٌ شَرْعِيَّةٌ قولة وهو فَرْضُ كِفَايَةٍ هذا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بة في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ في الْمُذَهَّبِ والخلاصة وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ سُنَّةٌ نصرة الْقَاضِي وأصحابه وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَعَنْهُ لَا يُسَنُّ دخولة فيه نَقَلَ عبد اللَّهِ لَا يُعْجِبُنِي هو اسلم فائده نَصْبُ الامام فَرْضٌ على الْكِفَايَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأصحاب بِشُرُوطِهِ المتقدمه في اول بَابِ قِتَالِ اهل البغى وَذُكِرَ في الْفُرُوعِ رِوَايَةُ انه ليس فَرْضَ كِفَايَةٍ وهو ضَعِيفٌ جِدًّا ولم أَرَهُ لغيرة‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَيَجِبُ يعنى على الْقَوْلِ بانه فَرْضُ كِفَايَةٍ على الامام ان يَنْصِبَ في كل اقليم قَاضِيًا وقال في الرِّعَايَةِ يَلْزَمُهُ على الاصح وَالظَّاهِرُ انه مبنى على الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ قولة وَيَخْتَارُ لِذَلِكَ أفضل من يَجِدُ واورعهم قَالَهُ الأصحاب وفي مُنْتَخَبِ الادمى البغدادى على الامام نَصْبُ من يُكْتَفَى بِهِ قال في الرِّعَايَةِ يَلْزَمُهُ ان يولى قَاضِيًا من أفضل وَأَصْلَحِ من يَجِدُ عِلْمًا وَدِينًا وَعَنْهُ وَوَرَعًا ونزاهه وصيانه وامانه‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَجِبُ على من يَصْلُحُ له اذا طُلِبَ ولم يُوجَدْ غيرة مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ الدُّخُولُ فيه يعنى على الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمُرَادُهُ اذا لم يَشْغَلْهُ عَمَّا هو اهم منه وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأصحاب وَصَحَّحَهُ في الْمَذْهَبِ والخلاصة وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ انه سُئِلَ هل يَأْثَمُ الْقَاضِي بِالِامْتِنَاعِ اذا لم يُوجَدْ غيرة مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ قال لَا يَأْثَمُ وَهَذَا يَدُلُّ على انه ليس بِوَاجِبٍ قال في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ لَا يُسَنُّ دخولة فيه نَقَلَ عبد اللَّهِ لَا يُعْجِبُنِي هو اسلم وَذَكَرَ ما رَوَاهُ عن عائشه رضي اللَّهُ عنها مَرْفُوعًا‏:‏ «لَيَأْتِيَنَّ على الْقَاضِي الْعَدْلِ ساعة يَتَمَنَّى أنه لم يَقْضِ بين اثْنَيْنِ في تَمْرَةٍ» قال في الحاوى عن الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هذه الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ على من لَا يَأْمَنُ على نفسه الضَّعْفَ فيه أو على ان ذلك الزَّمَانَ كان الْحُكَّامُ يَحْمِلُونَ فيه الْقُضَاةَ على ما لَا يَحِلُّ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ انتهى‏.‏

تنبية ظَاهِرُ قولة وَيَجِبُ على من يَصْلُحُ له اذا طُلِبَ انه لَا يَجِبُ عليه الطَّلَبُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَقِيلَ يَحْرُمُ الطَّلَبُ لِخَوْفِهِ مَيْلًا فائده قال في الْفُرُوعِ وان وَثِقَ بِغَيْرِهِ فَيُتَوَجَّهُ انه كَالشَّهَادَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فان وُجِدَ غَيْرُهُ كُرِهَ له طَلَبُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ في الْمَذْهَبِ يعنى فِيمَا اذا اطَّلَعَ عليه وهو الْمَذْهَبُ وعلية الأصحاب وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا يكرة له طَلَبُهُ لِقَصْدِ الْحَقِّ وَدَفْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَقِيلَ يكرة مع وُجُودِ اصلح منه أو غناة عنه أو شُهْرَتِهِ ذكرة في الرِّعَايَةِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ بَلْ يُسْتَحَبُّ طلبة لِقَصْدِ الْحَقِّ وَدَفْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ قال الماوردى وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ يَحْرُمُ بِدُونِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وان طُلِبَ فالأفضل ان لَا يُجِيبَ إلَيْهِ فى ظَاهِرِ كَلَامِ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ يعنى اذا وُجِدَ غَيْرُهُ وَطُلِبَ هو وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وقال ابن حَامِدٍ‏:‏ الأفضل الإجابة اذا امن من نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وأطلقهما في الْمُحَرَّرِ وَقِيلَ الأفضل الإجابة الية مع خُمُولِهِ قال ‏[‏قاله‏]‏ الْمُصَنِّفُ في المغنى ‏[‏المذهب‏]‏ وَالْكَافِي وَالشَّارِحِ وقال ابن حَامِدٍ ان كان رَجُلًا خَامِلًا لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ في الاحكام فَالْأَوْلَى له التَّوْلِيَةُ لِيُرْجَعَ الية في ذلك وَيَقُومَ الْحَقُّ بِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وان كان مَشْهُورًا في الناس بِالْعِلْمِ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ في تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى له اشْتِغَالٌ بِذَلِكَ انْتَهَيَا فَلَعَل ابن حَامِدٍ له قَوْلَانِ وقد حَكَاهُمَا في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَوْلَيْنِ وَقِيلَ الإجابة أفضل مع خُمُولِهِ وَفَقْرِهِ

فائدتان‏:‏

احداهما يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ في ذلك وَيَحْرُمُ اخذه وَطَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ اهل له قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمْ الكراهه بِالطَّلَبِ انه لَا يُكْرَهُ توليه الْحَرِيصِ وَلَا ينفى ان غيرة اولى قال وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ قُلْت هذا التَّوْجِيهُ هو الصَّوَابُ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ مع وُجُودِ الأفضل على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ الا لمصلحه‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا معرفه المولى كَوْنَ الْمُوَلَّى على صفه تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَتَعْيِينُ ما يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فية من الاعمال وَالْبُلْدَانِ وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ أو مُكَاتَبَتُهُ بها وَاسْتِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ على تَوْلِيَتِهِ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ انه يُشْتَرَطُ في وِلَايَتِهِ اما بِالْمُكَاتَبَةِ واما المشافهه وَاسْتِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ على ذلك فَقَطْ وَهَذَا احد الْوَجْهَيْنِ قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وقال الْقَاضِي تَثْبُتُ بالاستفاضه اذا كان بلدة قَرِيبًا فَتَسْتَفِيضُ فيه اخبار بَلَدِ الامام وَهَذَا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ والاصح تَثْبُتُ بالاستفاضه وَجُزِمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَنِهَايَةِ ابن رزين وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الادمى وَالْوَجِيزِ وَالشَّرْحِ وهو عَجِيبٌ منه الا ان تَكُونَ النسخه مغلوطه وَجَزَمَ بة الْمُصَنِّفُ في أول كِتَابِ الشَّهَادَاتِ‏.‏

تَنْبِيهَانِ‏:‏

أحدهما‏:‏ حَدَّ الْأصحاب الْبَلَدَ الْقَرِيبَ بِخَمْسَةِ ايام فما دُونَ وأطلق الادمى الاستفاضه وظاهرة مع الْبُعْدِ قال في الْفُرُوعِ وهو مُتَّجَهٌ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَالْعَمَلُ عليه في الْغَالِبِ وهو قَوْلُ أصحاب أبي حنيفة‏.‏

الثَّانِي‏:‏ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوِلَايَةُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ إلَيْهِ بِذَلِكَ من غَيْرِ اشهاد وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الأصحاب وقال في الْفُرُوعِ وَتُتَوَجَّهُ صِحَّتُهَا بِنَاءً على صحه الاقرار بِالْخَطِّ وهو احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي في التَّعْلِيقِ ذَكَرَهُ في بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَهَلْ تُشْتَرَطُ عداله المولى بِكَسْرِ اللام ‏[‏اللازم‏]‏ اسْمُ فَاعِلٍ على رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والمغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ في نَائِبِ الامام قال في الرِّعَايَتَيْنِ والحاوى بَعْدَ ان أطلقوا الْخِلَافَ وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ في نَائِبِ الامام دُونَهُ احداهما لَا تُشْتَرَطُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وغيرة وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الادمى وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ في الامام وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَالرِّوَايَةُ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ لَا تُشْتَرَطُ وَعَنْهُ تُشْتَرَطُ العداله في سِوَى الامام وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في الرِّعَايَتَيْنِ والحاوى ثُمَّ قال في الرِّعَايَةِ ان قُلْنَا الْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ صَحَّتْ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَلَا قُلْت في الامام وَجْهَانِ هل تَصَرُّفُهُ بِطَرِيقِ الوكاله أو الْوِلَايَةِ اخْتَارَ الْقَاضِي الاول وقال في الْوَجِيزِ واذا كان المولى نَائِبَ الامام لم تُشْتَرَطْ عَدَالَتُهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ والفاظ التَّوْلِيَةِ الصريحه سبعه وَلَّيْتُك الْحُكْمَ وقلدتك واستنبتك ‏[‏قلدتك‏]‏ واستخلفتك ورددت ‏[‏استنبتك‏]‏ اليك وفوضت اليك وجعلت اليك الْحُكْمَ زَادَ في الرِّعَايَتَيْنِ والحاوى واستكفيتك وَذَكَرَهَا في الخلاصة ولم يذكر اسْتَنَبْتُكَ وَقِيلَ رَدَدْته فَوَّضْته وَجَعَلْته اليك كنايه‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فاذا وُجِدَ لَفْظٌ منها وَالْقَبُولُ من الْمُوَلَّى انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ وَكَذَا قال في الْوَجِيزِ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والمغنى فاذا وُجِدَ احد هذه الالفاظ وَجَوَابُهَا من الْمُوَلَّى بِالْقَبُولِ انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ وهو قَرِيبٌ من الاول وفي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ فاذا وُجِدَ لَفْظٌ منها وَقَبُولُ الْمُوَلَّى في الْمَجْلِسِ ان كان حَاضِرًا أو فِيمَا بَعْدَهُ ان كان غَائِبًا انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ وفي الْكَافِي وَالشَّرْحِ فاذا اتى بِوَاحِدٍ منها وَاتَّصَلَ الْقَبُولُ انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ زَادَ في الشَّرْحِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِ ذلك وفي مُنْتَخَبِ الادمى يُشْتَرَطُ فَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ مع الْحُضُورِ وفي الْمُنَوِّرِ وَفَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ هذه عِبَارَاتُهُمْ فَيُحْتَمَلُ ان يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ ما قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ انه يُشْتَرَطُ لِلْحَاضِرِ الْقَبُولُ في الْمَجْلِسِ وَأَنَّ مُرَادَهُ في الكافى وَالشَّرْحِ بِالِاتِّصَالِ الْمَجْلِسُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ واما الْمُنْتَخَبُ وَالْمُنَوِّرُ فَمُخَالِفٌ لهم وَكَلَامُهُ في الكافى وَالشَّرْحِ يَقْرَبُ من ذلك وَيُحْتَمَلُ ان يَكُونَ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ على ظاهرة وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَبُولِ الْمَجْلِسُ ولم نَرَهُ صَرِيحًا فَيَكُونُ في المسأله وَجْهَانِ وَكَلَامُهُ في الْمُنْتَخَبِ وَالْمُنَوِّرِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وقد قال كَثِيرٌ من الأصحاب هل الْقُضَاةُ نُوَّابُ الامام أو نُوَّابُ الْمُسْلِمِينَ فيه وَجْهَانِ وقد قال الْقَاضِي عَزْلُ الْقَاضِي نَفْسَهُ يَتَخَرَّجُ على رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً على انه هل هو وَكِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ ام لَا فيه رِوَايَتَانِ وقال كَثِيرٌ من الأصحاب هل يَنْعَزِلُ قبل عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ على وَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْوَكِيلِ وقد قال الأصحاب لَا يُشْتَرَطُ لِلْوَكِيلِ الْقَبُولُ في الْمَجْلِسِ وَاَللَّهُ اعلم‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ وَالْقَبُولُ من الْمُوَلَّى ان قَبِلَ بِاللَّفْظِ فَلَا نِزَاعَ في انْعِقَادِهَا وان قَبِلَ بِالشُّرُوعِ في الْعَمَلِ وان كان غَائِبًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ انْعِقَادُ الْوِلَايَةِ بِذَلِكَ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَصَحُّ أو شَرَعَ غَائِبٌ في الْعَمَلِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت وان قُلْنَا هو نَائِبُ الشَّرْعِ كَفَى الشُّرُوعُ في الْعَمَلِ وان قُلْنَا هو نَائِبُ من وَلَّاهُ فَلَا وَحَكَى الْقَاضِي في الاحكام السُّلْطَانِيَّةِ في ذلك احْتِمَالَيْنِ وَجَعَلَ مَأْخَذَهُمَا هل يجرى الْفِعْلُ مَجْرَى النُّطْقِ لِدَلَالَتِهِ عليه قال في القاعده الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُمَا على ان وِلَايَةَ الْقَضَاءِ عَقْدٌ جَائِزٌ أو لَازِمٌ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَالْكِنَايَةُ نحو اعْتَمَدْت عَلَيْك وعولت ووكلت ‏[‏عولت‏]‏ اليك واسندت اليك الْحُكْمَ فَلَا يَنْعَقِدُ بها حتى يَقْتَرِنَ بها قرينه نحو فَاحْكُمْ أو فَتَوَلَّ ما عَوَّلْت عَلَيْك وما اشبهه وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ ان في رَدَدْته وفوضته وجعلته ‏[‏فوضته‏]‏ اليك كِنَايَةً فَلَا بُدَّ ايضا من القرينه على هذا الْقَوْلِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ واذا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ وَكَانَتْ عامه اسْتَفَادَ بها النَّظَرَ في عَشَرَةِ اشياء فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِمَّنْ هو عليه وَدَفْعُهُ إلَى رَبِّهِ وَالنَّظَرُ في اموال الْيَتَامَى وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ وَالْحَجْرُ على من يَرَى الْحَجْرَ عليه لِسَفَهٍ أو فَلَسٍ وَالنَّظَرُ في الْوُقُوفِ في عَمَلِهِ باجرائها على شَرْطِ الْوَاقِفِ وَتَنْفِيذُ الْوَصَايَا وَتَزْوِيجُ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا وَلِيَّ لَهُنَّ واقامه الْحُدُدِ واقامه الجمعه وَكَذَا اقامه الْعِيدِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الأصحاب وَقَطَعُوا بِهِ في الجمله وقال النَّاظِمُ‏:‏

وَقَبْضُ خَرَاجٍ وَالزَّكَاةُ أجرة *** وان يَلِيَ جمعه وَالْعِيدَ في الْمُتَجَوَّدِ

فظاهرة اجراء الْخِلَافِ في الجمعه وَالْعِيدِ ولم أره لِغَيْرِهِ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ عَائِدٌ إلَى قَبْضِ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ‏.‏

تَنْبِيهَانِ‏:‏

أحدهما‏:‏ مَحَلُّ ذلك اذا لم يُخَصَّا بإمام‏.‏

الثَّانِي‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ واقامه الجمعه وَتَبِعَهُ على ذلك ابن منجا في شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الاحمد وَمُنْتَخَبُ الادمى وَالْمُنَوِّرُ وقال الْقَاضِي وامامه الجمعه بِالْمِيمِ بَدَلُ الْقَافِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والمغنى وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ عِبَارَةُ النَّاظِمِ قال الْحَارِثِيُّ قال الشَّيْخُ واقامه الجمعه بِالْقَافِ وَعُلِّلَ بان الْأَئِمَّةَ كَانُوا يُقِيمُونَهَا وَالْقَاضِي يَنُوبُ عَنْهُمْ والاقامه قد يُرَادُ بها ولايه الاذن في اقامتها وَمُبَاشَرَةُ الامامة فيها وقد يُرَادُ بها نَصْبُ الأئمه مع عَدَمِ ولايه أَصْلِ الْإِذْنِ وقال في المغنى امامه بِالْمِيمِ كَقَوْلِ ابي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الْقَاضِي فَيُحْتَمَلُ ارادة نَصْبِ الأئمه وَهَذَا اظهر وَفِيهِ جَمْعٌ بين الْعِبَارَتَيْنِ فان النَّصْبَ فِيهِمَا اقامه لَهُمَا وَعَلَى هذا نَصْبُ ائمه الْمَسَاجِدِ وَيُحْتَمَلُ ارادة فِعْلِ الامامه كما صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا في مُصَنَّفِهِ قال وان يَؤُمَّ في الجمعه وَالْعِيدِ مع عَدَمِ امام خَاصٍّ لَهُمَا الا ان الْحَمْلَ على هذا يَلْزَمُ منه ان يَكُونَ له الاقامه أَوَالْإِمَامَة الا في بقعه من عَمَلِهِ لَا في جَمِيعِ عَمَلِهِ اذ لَا يُمْكِنُ منه الْفِعْلُ الا في بقعه واحده منه وهو خِلَافُ الظَّاهِرِ من اطلاق ان له فِعْلَ ذلك في عَمَلِهِ انتهى‏.‏

قُلْت عِبَارَتُهُ في الرِّعَايَتَيْنِ والحاوى وَأَنْ يَؤُمَّ في الجمعه وَالْعِيدِ كما في نقله ‏[‏نقل‏]‏ الْحَارِثِيِّ عن بَعْضِ مَشَايِخِهِ فائده من جمله ما نَسْتَفِيدُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا النَّظَرُ في عَمَلِ مَصَالِحِ عَمَلِهِ بِكَفِّ الاذى عن طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ واقليتهم وَتَصَفُّحِ حَالِ شُهُودِهِ وامنائه وَالِاسْتِبْدَالِ مِمَّنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ منهم وَيَنْظُرُ ايضا في اقوال الْغَائِبِينَ على ما ياتي في اواخر بَابِ اداب الْقَاضِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فاما جِبَايَةُ الْخَرَاجِ واخذ الصدقه فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَمَحَلُّهُمَا اذا لم يَخْتَصَّا بِعَامِلٍ وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والمغنى وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ احدهما يُسْتَفَادَانِ بالولايه وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ كما تَقَدَّمَ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُسْتَفَادَانِ بها وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الادمى وَقِيلَ لَا يُسْتَفَادُ الْخَرَاجُ فَقَطْ‏.‏

تنبيه‏:‏

مَفْهُومُ قَوْلِهِ اسْتَفَادَ بها النَّظَرَ في عَشَرَةِ اشياء انه لَا يَسْتَفِيدُ غَيْرَهَا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأصحاب وقال في التَّبْصِرَةِ وَيَسْتَفِيدُ ايضا الِاحْتِسَابَ على الباعه وَالْمُشْتَرِينَ والزامهم بِاتِّبَاعِ الشَّرْعِ وقال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَسْتَفِيدُهُ بالولايه لَا حَدَّ له شَرْعًا بَلْ يُتَلَقَّى من الالفاظ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ وَنَقَلَ ابو طَالِبٍ امير الْبَلَدِ إنَّمَا هو مُسَلَّطٌ على الادب وَلَيْسَ له الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالْحُدُودُ انما يَكُونُ هذا إلَى الْقَاضِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَهُ طَلَبُ الرِّزْقِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ مع الحاجه هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والهادى والكافى وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ والحاوى وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَجُوزُ مع الحاجه بِقَدْرِ عَمَلِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَأَمَّا مع عَدَمِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والهادى والكافى وَالْمُحَرَّرِ احدهما له ذلك وَلَهُ اخذه وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ واختارة ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ قال في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ جماعه وَبِدُونِ حاجه وَالْوَجْهُ الثَّانِي ليس له ذلك وَلَا له اخذه وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَقِيلَ له الاخذ ان لم يَتَعَيَّنْ عليه وَعَنْهُ لَا ياخذ اجرة على اعمال الْبِرِّ

فائدتان‏:‏

احداهما اذا لم يَكُنْ له ما يَكْفِيهِ فَفِي جَوَازِ اخذه من الْخَصْمَيْنِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى والحاوى الصَّغِيرِ احدهما يَجُوزُ قال في الكافى وإذا قُلْنَا بِجَوَازِ اخذ الرِّزْقِ فلم يُجْعَلْ له شَيْءٌ فقال لَا اقضى بَيْنَكُمَا الا بِجُعْلٍ جَازَ وقال في المغنى وَالشَّرْحِ فان لم يَكُنْ لِلْقَاضِي رِزْقٌ فقال لِلْخَصْمَيْنِ لَا اقضى بَيْنَكُمَا حتى تَجْعَلَا لي عليه جُعْلًا جَازَ وَيُحْتَمَلُ ان لَا يَجُوزَ انْتَهَيَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ اختارة في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ قُلْت وهو الصَّوَابُ وياتي حُكْمُ الْهَدِيَّةِ في الْبَابِ الذي يَلِيهِ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ لو تَعَيَّنَ علية ان يفتى وَلَهُ كِفَايَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ له الاخذ فيه وَجْهَانِ وأطلقهما في اداب المفتى وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى واصول ابن مُفْلِحٍ وَفُرُوعِهِ وَاخْتَارَ بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في اعلام الْمُوَقِّعِينَ عَدَمَ الْجَوَازِ وَمَنْ اخذ رِزْقًا من بَيْتِ الْمَالِ لم ياخذ اجرة لفتياة وفي اجره خَطِّهِ وَجْهَانِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ احدهما لَا يَجُوزُ قَدَّمَه ابن مُفْلِحٍ في اصوله وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ بن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في اعلام الْمُوَقِّعِينَ الثَّانِي لَا يَجُوزُ وَنَقَلَ المروذى فِيمَنْ يسال عن الْعِلْمِ فَرُبَّمَا اهدى له قال لَا يَقْبَلُ الا ان يكافئ ‏[‏يكافأ‏]‏ وياتي ايضا حُكْمُ هَدِيَّةِ المفتى عِنْدَ ذِكْرِ هَدِيَّةِ الْقَاضِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ له ان يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ في عُمُومِ الْعَمَلِ وَيَجُوزُ ان يُوَلِّيَهُ خَاصًّا في احدهما أو فِيهِمَا فَيُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ في بَلَدٍ أو محله خاصه بِلَا نِزَاعٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَيَنْفُذُ قضاءه ‏[‏قضاؤه‏]‏ في اهله وَمَنْ طَرَأَ إلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ ايضا لَكِنْ لَا يَسْمَعُ بينه في غَيْرِ عَمَلِهِ وهو مَحَلُّ حُكْمِهِ وَيَجِبُ اعادة الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا لِتَعْدِيلِهَا قَالَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَيَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ الذي يَلِيهِ اخبار الْحَاكِمِ لِحَاكِمٍ آخَرَ بِحُكْمٍ أو ثُبُوتٍ في عَمَلِهِمَا أو في غيرة‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَجُوزُ ان يولى قَاضِيَيْنِ أو اكثر في بَلَدٍ وَاحِدٍ وَيَجْعَلُ إلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَلًا فَيَجْعَلُ إلَى احدهما الْحُكْمَ بين الناس والى الْآخَرِ عُقُودَ الانكحه دُونَ غَيْرِهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأصحاب وَقَطَعَ بِهِ اكثرهم وَقِيلَ ان اتَّحَدَ الزَّمَنُ أو الْمَحَلُّ لم يَجُزْ توليه قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ وَإِلَّا جَازَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ جَعَلَ اليهما عَمَلًا وَاحِدًا جَازَ هذا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال ابو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وَالْأَقْوَى عِنْدِي انه لَا يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ في الخلاصة وأطلقهما في الْمُذْهَبِ وَقِيلَ ان اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا أو الزَّمَنُ أو الْمَحَلُّ لم يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وأطلقهما في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

فوائد‏:‏ ‏[‏في مسألة تنصيب القاضي‏]‏

الأولى‏:‏ حَيْثُ جَوَّزْنَا جَعْلَ قَاضِيَيْنِ فاكثر في عَمَلٍ وَاحِدٍ لو تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ في الْحُكْمِ عِنْدَ أحدهم قُدِّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الْحَقِّ وهو الطَّالِبُ وَلَوْ طَلَبَ حُكْمَ النَّائِبِ اجيب فَلَوْ كَانَا مُدَّعِيَيْنِ اخْتَلَفَا في ثَمَنِ مَبِيعٍ بَاقٍ اُعْتُبِرَ اقرب الْحُكْمَيْنِ ثُمَّ القرعه وَقِيلَ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا وقال في الرِّعَايَةِ يُقَدَّمُ مِنْهُمَا من طَلَبَ حُكْمَ الْمُسْتَنِيبِ وقال في التَّرْغِيبِ ان تَنَازَعَا اقرع قال في القاعده الاخيرة لو اخْتَلَفَ خَصْمَانِ فِيمَنْ يَحْتَكِمَانِ إلَيْهِ قُدِّمَ المدعى فان تَسَاوَيَا في الدَّعْوَى اُعْتُبِرَ اقرب الْحَاكِمَيْنِ إليهما فإن اسْتَوَيَا اقرع بينهما ‏[‏بينها‏]‏ وَقِيلَ يُمْنَعَانِ من التَّخَاصُمِ حتى يَتَّفِقَانِ على احدهما قال الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ اشبه بِقَوْلِنَا الثانيه قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيَجُوزُ لِكُلِّ ذِي مَذْهَبٍ ان يولى من غَيْرِ مذهبة ذكرة في مَكَانَيْنِ من هذا الْبَابِ وقال فان نَهَاهُ عن الْحُكْمِ في مسأله احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ انتهى‏.‏

قُلْت الصَّوَابُ الْجَوَازُ وقال ذلك في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى ايضا والحاوى الصَّغِيرِ قال النَّاظِمُ‏:‏

وتوليه الْمَرْءِ الْمُخَالِفِ مَذْهَبَ المولى *** اجز من غَيْرِ شَرْطٍ مُقَيَّدٍ

وقال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَتَى اسْتَنَابَ الْحَاكِمُ من غَيْرِ اهل مَذْهَبِهِ ان كان لِكَوْنِهِ ارجح فَقَدْ احسن مع صحه ذلك والا لم يَصِحَّ قال في الْفُرُوعِ في بَابِ الوكاله وَيُتَوَجَّهُ جَوَازُهَا اذا جَازَ له الْحُكْمُ ولم يَمْنَعْ منه مَانِعٌ وَذَلِكَ مبنى على جَوَازِ تَقْلِيدِ غَيْرِ امامه وَإِلَّا انْبَنَى على انه هل يَسْتَنِيبُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ كَتَوْكِيلِ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا في شِرَاءِ خَمْرٍ ونحوة انتهى‏.‏

وقال الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ الْمِرْدَاوِيُّ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ في الحديث في الرَّدِّ على من جَوَّزَ المناقله لَا يَجُوزُ ان يَسْتَنِيبَ من غَيْرِ اهل مَذْهَبِهِ قال ولم يَقُلْ بِجَوَازِ ذلك من الأصحاب الا بن حَمْدَانَ في رِعَايَتَيْهِ انتهى‏.‏

الثالثة‏:‏ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجُوزُ ان يُقَلِّدَ الْقَضَاءَ لِوَاحِدٍ على ان يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ قَالَا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ من اوجب تَقْلِيدَ امام بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ قال وان قال يَنْبَغِي كان جَاهِلًا ضَالًّا قال وَمَنْ كان مُتَّبِعًا لامام فَخَالَفَهُ في بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أو لِكَوْنِ احدهما اعلم وَأَتْقَى فَقَدْ احسن ولم يُقْدَحْ في عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ قال وَهَذِهِ الْحَالُ تَجُوزُ عِنْدَ ائمة الاسلام وقال ايضا بَلْ تَجِبُ وان الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَّ عليه انتهى‏.‏

ويأتي قَرِيبًا في احكام الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فان مَاتَ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللام ‏[‏اللازم‏]‏ أو عُزِلَ المولي بِفَتْحِهَا مع صَلَاحِيَتِهِ لم تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ في احد الْوَجْهَيْنِ اذا مَاتَ المولى بِكَسْرِ اللام ‏[‏اللازم‏]‏ فَهَلْ يَنْعَزِلُ الْمُوَلَّى فيه وَجْهَانِ أطلقهما الْمُصَنِّفُ هُنَا وأطلقهما ابن منجا في شَرْحِهِ احدهما لَا يَنْعَزِلُ وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّرْغِيبِ وَالنَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الادمى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قال الشَّارِحُ والاولى ان شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انه لَا يَنْعَزِلُ قَوْلًا وَاحِدًا انتهى‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ في بَابِ نِكَاحِ أهل الشِّرْكِ في مساله نِكَاحِ الْمَحْرَمِ الْمَشْهُورُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَنْعَزِلُ كما لو كان الْمَيِّتُ أو الْعَازِلُ قَاضِيًا وقال في الرِّعَايَةِ ان قُلْنَا الْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ لم يَنْعَزِلْ وان قُلْنَا هو نَائِبُ من ولاة انْعَزَلَ واما اذا عَزَلَ الامام أو نَائِبُهُ الْقَاضِيَ الْمُوَلَّى مع صَلَاحِيَتِهِ فَهَلْ يَنْعَزِلُ وَتَبْطُلُ وِلَايَتُهُ فيه وَجْهَانِ وأطلقهما في الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا احدهما لَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الادمى في مُنْتَخَبِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ وَيَنْعَزِلُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ واليه مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ قال في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ جماعه قال الْمُصَنِّفُ في المغنى كالولى قال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَعَقْدِ وصى وَنَاظِرٍ عَقْدًا جَائِزًا كوكاله وشركه ومضاربه انتهى‏.‏

وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ ان الْقُضَاةَ هل هُمْ نُوَّابُ الامام أو المسلمين فيه وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ ذَكَرَهُمَا في الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَغَيْرِهِ احدهما هُمْ نُوَّابُ الْمُسْلِمِينَ فعلية لَا يَنْعَزِلُونَ بِالْعَزْلِ وَاخْتَارَهُ ابن عقِيلٍ وَالثَّانِي هُمْ نُوَّابُ الامام فَيَنْعَزِلُونَ بِالْعَزْلِ‏.‏

فوائد‏:‏

الاولى مِثْلُ ذلك في الْحُكْمِ كُلُّ عَقْدٍ لمصلحه الْمُسْلِمِينَ كَوَالٍ وَمَنْ يُنْصَبُ لجبايه مَالٍ وَصَرْفِهِ وَأَمِيرِ الْجِهَادِ وَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُحْتَسِبِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ وقال ايضا في الْكُلِّ لَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِ الْمُسْتَنِيبِ وَمَوْتِهِ حتى يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وقال في الرِّعَايَةِ في نَائِبِهِ في الْحَكَمِ وَقَيِّمِ الايتام وَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِمْ اوجه ثَالِثُهَا ان اسْتَخْلَفَهُمْ بِإِذْنِ من ولاة وَقِيلَ وقال اُسْتُخْلِفَ عَنْك انْعَزِلُوا انتهى‏.‏

وَلَا يَبْطُلُ ما فَرَضَهُ فَارِضٌ في الْمُسْتَقْبَلِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ لو كان الْمُسْتَنِيبُ قَاضِيًا فَزَالَتْ وِلَايَتُهُ بِمَوْتٍ أو عَزْلٍ أو غَيْرِهِ كما لو اخْتَلَّ فيه بَعْضُ شُرُوطِهِ انْعَزَلَ نَائِبُهُ وان لم يَنْعَزِلْ في الْمَسَائِلِ التي قَبْلَهَا هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ اكثر الأصحاب وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى والحاوى الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَكُلُّ قَاضٍ مَاتَ أو عَزَلَ نَفْسَهُ وَصَحَّ عَزْلُهُ في الاصح أو عَزْلُ من ولاة وَصَحَّ عَزْلُهُ أو انْعَزَلَ بِفِسْقٍ أو غيرة انْعَزَلَ نائبة في شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَسَمَاعِ بينه خاصه وَبَيْعِ تركه مَيِّتٍ خاصه وقال وفي خُلَفَائِهِ وَنَائِبِهِ في الْحُكْمِ في كل نَاحِيَةٍ وَبَلَدٍ وقريه وَقَيِّمِ الايتام وَنَاظِرِ الْوُقُوفِ وَنَحْوِهِمْ اوجه الْعَزْلُ وَعَدَمُهُ وهو بَعِيدٌ وَالثَّالِثُ إنْ اسْتَخْلَفَهُمْ بِإِذْنِ من وَلَّاهُ انْعَزِلُوا وَالرَّابِعُ إنْ قال للمولى اُسْتُخْلِفَ عَنْك انْعَزَلُوا وَإِنْ قال اُسْتُخْلِفَ عَنِّي فَلَا كما تَقَدَّمَ انتهى‏.‏

وَحَكَى ابن عقِيلٍ عن الْأصحاب يَنْعَزِلُ نُوَّابُ الْقَاضِي لِأَنَّهُمْ نُوَّابُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ الْقُضَاةُ لِأَنَّهُمْ نُوَّابُ الْمُسْلِمِينَ وفي الاحكام السُّلْطَانِيَّةِ لَا يَنْعَزِلُ نُوَّابُ الْقُضَاةِ واختارة في التَّرْغِيبِ وَجَزَمَ في التَّرْغِيبِ ايضا انه يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ في امر مُعَيَّنٍ من سَمَاعِ شَهَادَةٍ معينه واحضار مُسْتَعْدًى علية وَقَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَعَلَى هذا الْوَجْهِ لو عَزَلَهُ في حَيَاتِهِ لم يَنْعَزِلْ قَالَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ لو عَزَلَ نَفْسَهُ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى من عِنْدِهِ وَمَنْ لَزِمَهُ قَبُولُ توليه الْقَضَاءِ ليس له عَزْلُ نَفْسِهِ قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال في الرِّعَايَةِ أَيْضًا له عَزْلُ نَائِبِهِ بِأَفْضَلَ منه وَقِيلَ بمثله وَقِيلَ بِدُونِهِ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ وقال الْقَاضِي عَزْلُ نَفْسِهِ يَتَخَرَّجُ على رِوَايَتَيْنِ بِنَاءً على أَنَّهُ هل هو وَكِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا فيه رِوَايَتَانِ نُصَّ عَلَيْهِمَا في خَطَأِ الْإِمَامِ فَإِنْ قِيلَ في بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ وَكِيلٌ فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ وَإِنْ قُلْنَا على عَاقِلَتِهِ فَلَا وَذَكَرَ الْقَاضِي هل لِمَنْ وَلَّاهُ عَزْلُهُ فيه الْخِلَافُ السَّالِفُ وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ الْعَاقِلَةِ وَخَطَأُ إمَامٍ وَحَاكِمٍ في حُكْمِ بَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهَا لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ انتهى‏.‏

وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْخِلَافُ في تَصَرُّفِ الْإِمَامِ على الناس هل هو بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ أو الْوِلَايَةِ فَلْيُعَاوَدْ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَهَلْ يَنْعَزِلُ قبل عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ على وَجْهَيْنِ بِنَاءً على الْوَكِيلِ وَبِنَاءُ الْخِلَافِ هُنَا على رِوَايَتَيْ عَزْلِ الْوَكِيلِ قبل عِلْمِهِ بِانْعِزَالِهِ قَالَهُ الْقَاضِي وَقَالَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ فَيَكُونُ الْمُرَجَّحُ على قَوْلِ هَؤُلَاءِ عَزْلَهُ على ما تَقَدَّمَ في بَابِ الْوَكَالَةِ وَذَكَرَهُمَا من غَيْرِ بِنَاءٍ في الْمَذْهَبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ في الْمُذَهَّبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا يَنْعَزِلُ قبل عِلْمِهِ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وهو الْمَذْهَبُ على الْمُصْطَلَحِ عليه في الْخُطْبَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ قبل عِلْمِهِ صَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ وهو الصَّوَابُ الذي لَا يَسَعُ الناس غَيْرُهُ وقال في التَّلْخِيصِ لَا يَنْعَزِلُ قبل الْعِلْمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنْ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال هو الْمَنْصُوصُ عن الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ قال لان في وِلَايَتِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وان قِيلَ انه وَكِيلٌ فَهُوَ شَبِيهٌ بِنَسْخِ الاحكام لَا يَثْبُتُ قبل بُلُوغِ النَّاسِخِ على الصَّحِيحِ بخلاف ‏[‏خلاف‏]‏ الوكاله المحضه وَأَيْضًا فإن وِلَايَةَ الْقَاضِي الْعُقُودُ وَالْفُسُوخُ فَتَعْظُمُ الْبَلْوَى بِإِبْطَالِهَا قبل الْعِلْمِ بِخِلَافِ الوكاله قُلْت وَهَذَا الصَّوَابُ قال في الرعايه بَعْدَ ان أطلق الْوَجْهَيْنِ اصحهما بَقَاؤُهُ حتى يَعْلَمَ بِهِ فائده لو اخبر بِمَوْتِ قَاضِي بَلَدٍ فَوَلَّى غَيْرُهُ حَيًّا لم يَنْعَزِلْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ قوله وإذا قال الْمُوَلِّي من نَظَرَ في الْحُكْمِ في الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ من فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَهُوَ خَلِيفَتِي أو قد وَلَّيْته لم تَنْعَقِدْ الولايه لِمَنْ يَنْظُرُ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الأصحاب وَذَلِكَ لِجَهَالَةِ الْمُوَلَّى مِنْهُمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوِلَايَةَ بِشَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِالْجَوَازِ لِلْخَبَرِ اميركم زَيْدٌ قال في الْفُرُوعِ وَالْمَعْرُوفُ صِحَّةُ الولايه بِشَرْطٍ وهو كما قال وَعَلَيْهِ الأصحاب قال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِالشَّرْطِ واما اذا وُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَسَبَقَ ذلك في بَابِ الموصي إلَيْهِ‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ وان قال وَلَّيْت فُلَانًا وَفُلَانًا فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي انْعَقَدَتْ الولايه لانه وَلَّاهُمَا ثُمَّ عَيَّنَ من سَبَقَ فَتَعَيَّنَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيُشْتَرَطُ في الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ ان يَكُونَ بَالِغًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأصحاب وَقَطَعَ بِهِ اكثرهم وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ ولم يذكر ابو الْفَرَجِ الشيرازى في كُتُبِهِ بَالِغًا وَظَاهِرُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ حُرًّا هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأصحاب وَجَزَمَ بِهِ اكثرهم وَقِيلَ لَا تُشْتَرَطُ الحريه فَيَجُوزُ ان يَكُونَ عَبْدًا قَالَهُ ابن عقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ وقال ايضا يَجُوزُ باذن السَّيِّدِ فائده يَصِحُّ ولايه الْعَبْدِ امارة السَّرَايَا وَقَسْمَ الصَّدَقَاتِ وَالْفَيْءِ وامامه الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ مُسْلِمًا هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الأصحاب وَقَطَعُوا بِهِ وقال في الِانْتِصَارِ في صحه اسلامه لَا نَعْرِفُ فيه رِوَايَةً وان سَلِمَ وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ يُحْتَمَلُ الْمَنْعُ وان سَلِمَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ عَدْلًا هذا الْمَذْهَبُ وَلَوْ كان تَائِبًا من قَذْفٍ نُصَّ عليه وَعَلَيْهِ اكثر الأصحاب وَجُزِمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ ان فُسِّقَ بشبهه فَوَجْهَانِ وياتي بَيَانُ العداله في بَابِ شُرُوطِ من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وقد قال الزركشى العداله المشترطه هُنَا هل هِيَ العداله ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كما في الْحُدُودِ أو ظَاهِرًا فَقَطْ كما في امامه الصَّلَاةِ وَالْحَاضِنِ وولى الْيَتِيمِ وَنَحْوِ ذلك وَفِيهَا الْخِلَافُ كما في العداله في الاموال ظَاهِرُ اطلاقات الأصحاب انها كَاَلَّتِي في الاموال وقد يُقَالُ انها ‏[‏إنه‏]‏ كَاَلَّتِي في الْحُدُودِ انتهى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ سَمِيعًا بَصِيرًا هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطَانِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ مُجْتَهِدًا هذا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال ابن حَزْمٍ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا اجماعا وقال اجمعوا انه لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ فَلَا يَحْكُمُ وَلَا يُفْتِي الا بِقَوْلِهِ وقال في الافصاح الاجماع انْعَقَدَ على تَقْلِيدِ كُلٍّ من الْمَذَاهِبِ الاربعه وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ قال الْمُصَنِّفُ في خُطْبَةِ الْمُغْنِي النِّسْبَةُ إلَى إمَامٍ في الْفُرُوعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَتْ بمذمومه فإن اخْتِلَافَهُمْ رحمه وَاتِّفَاقَهُمْ حجه قاطعه قال بَعْضُ الحنفيه وَفِيهِ نَظَرٌ فان الاجماع ليس عباره عن الأئمه الأربعه وَأصحابهِمْ قال في الْفُرُوعِ وَلَيْسَ في كَلَامِ الشَّيْخِ ما فَهِمَهُ هذا الْحَنَفِيُّ انتهى‏.‏

وَاخْتَارَ في التَّرْغِيبِ وَمُجْتَهِدًا في مَذْهَبِ امامه للضروره وَاخْتَارَ في الافصاح والرعايه أو مُقَلِّدًا قُلْت وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ من مُدَّةٍ طويله والا تَعَطَّلَتْ احكام الناس وَقِيلَ في الْمُقَلِّدِ يفتى ضروره وَذَكَرَ الْقَاضِي ان بن شَاقِلَا اعْتَرَضَ عليه بِقَوْلِ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَكُونُ فَقِيهًا حتى يَحْفَظَ اربعمائه الف حَدِيثٍ فقال ان كُنْت لَا أَحْفَظُهُ فَإِنِّي أُفْتِي بِقَوْلِ من يَحْفَظُ اكثر منه قال الْقَاضِي لَا يَقْتَضِي هذا انه كان يُقَلِّدُ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَنْعِهِ الْفُتْيَا بِلَا عِلْمٍ قال بَعْضُ الأصحاب ظَاهِرُهُ تَقْلِيدُهُ الا ان يُحْمَلَ على اخذه طُرُقَ الْعِلْمِ عنه وقال ابن بَشَّارٍ من الأصحاب ما اعيب على من يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ للامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ يفتى بها قال الْقَاضِي هذا منه مُبَالَغَةٌ في فَضْلِهِ وَظَاهِرُ نَقْلِ عبد اللَّهِ يفتى غَيْرُ مُجْتَهِدٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ على الْحَاجَةِ فَعَلَى هذا يراعى الفاظ امامه ومتاخرها وَيُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ في ذلك قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ انه يَحْكُمُ وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ لانه مُقَلِّدٌ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عن الظَّاهِرِ عنه فَيُتَوَجَّهُ مع الِاسْتِوَاءِ الْخِلَافُ في مجتهدانتهى وقال في اصوله قال بَعْضُ أصحابنا مُخَالَفَةُ الْمُفْتِي نَصَّ امامه الذي قَلَّدَهُ كَمُخَالَفَةِ الْمُفْتِي نَصَّ الشَّارِعِ فائده يَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِالْهَوَى اجماعا وَبِقَوْلٍ أو وَجْهٍ من غَيْرِ نَظَرٍ في التَّرْجِيحِ اجماعا وَيَجِبُ ان يَعْمَلَ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا له أو عليه اجماعا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وياتي قَرِيبًا شَيْءٌ من احكام المفتى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا على وَجْهَيْنِ وأطلقهما في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابن منجا وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ احدهما لَا يُشْتَرَطُ ذلك وهو الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ والحاوى الصَّغِيرِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الادمي لِكَوْنِهِمْ لم يَذْكُرُوهُ في الشُّرُوطِ قال ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالْكَاتِبُ اولى وَقَدَّمَهُ في المغنى والكافى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن رزين وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُشْتَرَطُ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ لَكِنْ صَحَّحَ الاول‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انه لَا يُشْتَرَطُ فيه غَيْرُ ما تَقَدَّمَ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ اكثر الأصحاب وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ والرعايه الْكُبْرَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الأصحاب لِكَوْنِهِمْ لم يُنْكِرُوهُ وقال الخرقى وَصَاحِبُ الروضه وَالْحَلْوَانِيُّ وابن رَزِينٍ وَالشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَرِعًا وهو الصَّوَابُ قال الزركشى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ على ما حكاة ابو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَرِعًا زَاهِدًا وأطلق في التَّرْغِيبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ وقال ابن عَقِيلٍ لَا مُغَفَّلًا قال بَعْضُ مَشَايِخِنَا الذي يَظْهَرُ الْجَزْمُ بِهِ وهو كما قال وَاَلَّذِي يَظْهَرُ انه مُرَادُ الأصحاب وانه يَخْرُجُ من كَلَامِهِمْ وقال الْقَاضِي في مَوْضِعٍ لابليدا قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال الْقَاضِي ايضا لَا نَافِيًا لِلْقِيَاسِ وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوِلَايَةُ لها رُكْنَانِ الْقُوَّةُ وَالْأَمَانَةُ فَالْقُوَّةُ في الْحُكْمِ تَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ وَتَنْفِيذِ الْحُكْمِ والامانة تَرْجِعُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ عز وجل قال وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ حَسْبَ الامكان وَيَجِبُ توليه الامثل فالامثل قال وَعَلَى هذا يَدُلُّ كَلَامُ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرِهِ فيولى لِلْعَدَمِ انفع الْفَاسِقِينَ واقلهما شَرًّا واعدل الْمُقَلِّدِينَ واعرفهما بِالتَّقْلِيدِ قال في الْفُرُوعِ وهو كما قال فان المروذى نَقَلَ فِيمَنْ قال لَا أَسْتَطِيعُ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ يَصِيرُ الْحُكْمُ إلَى اعدل منه قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ اذا لم يُوجَدْ الا فَاسِقٌ عَالِمٌ أو جَاهِلُ دِينٍ قُدِّمَ ما الحاجه إلَيْهِ اكثر اذن انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ما تَقَدَّمَ وَلَا كراهه فيه فَالشَّابُّ الْمُتَّصِفُ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ كغيرة لَكِنَّ الاسن اولى مع التَّسَاوِي وَيُرَجَّحُ ايضا بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَغَيْرِ ذلك وَمَنْ كان اكمل في الصِّفَاتِ وَيُوَلَّى الْمُوَلَّى مع اهليته

فائدتان‏:‏

احداهما كُلُّ ما يَمْنَعُ من توليه الْقَضَاءِ ابْتِدَاءً يَمْنَعُهَا دَوَامًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فَيَنْعَزِلُ اذا طرا ذلك عليه مُطْلَقًا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الرعايه وَغَيْرِهِ وقال في الْمُحَرَّرِ والزركشى وَالْوَجِيزِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ ما فُقِدَ من الشُّرُوطِ في الدَّوَامِ ازال الْوِلَايَةَ الا فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ ولم يُحْكَمْ بِهِ فان ولايه حُكْمِهِ باقيه فيه وقال في الِانْتِصَارِ في فَقْدِ الْبَصَرِ فَقَطْ وَقِيلَ ان تَابَ فَاسِقٌ أو افاق من جُنَّ أو اغمى عليه وَقُلْنَا يَنْعَزِلُ بالاغماء فَوِلَايَتُهُ باقيه وقال في التَّرْغِيبِ ان جُنَّ ثُمَّ افاق احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وقال في الْمُعْتَمَدِ ان طَرَأَ جُنُونٌ فَقِيلَ ان لم يَكُنْ مُطْبَقًا لم يُعْزَلْ كالاغماء وان اطبق بِهِ وَجَبَ عَزْلُهُ وقال الاشبه بِقَوْلِنَا يُعْزَلُ ان اطبق شَهْرًا لان الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اجاز شَهَادَةَ من يُخْنَقُ في الاحيان وقال في الشَّهْرِ مَرَّةً قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ لو مَرِضَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ تَعَيَّنَ عَزْلُهُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ يَنْعَزِلُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَالْمُجْتَهِدُ من يَعْرِفُ من كِتَابِ اللَّهِ وسنه رَسُولِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الحقيقه وَالْمَجَازَ والامر وَالنَّهْيَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَالْمُسْتَثْنَى والمستثني منه وَيَعْرِفُ من السنه صَحِيحَهَا من سَقِيمِهَا وَمُتَوَاتِرَهَا من آحَادِهَا وَمُرْسَلَهَا وَمُتَّصِلَهَا وَمُسْنَدَهَا وَمُنْقَطِعَهَا مِمَّا له تَعَلُّقٌ بالاحكام خاصه وَيَعْرِفُ ما اجمع عليه مِمَّا اُخْتُلِفَ فيه وَالْقِيَاسَ وحدودة وَشُرُوطَهُ وكيفيه اسْتِنْبَاطِهِ والعربيه المتداوله بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وما يُوَالِيهِمْ وَكُلُّ ذلك مَذْكُورٌ في اصول الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ فَمَنْ وُقِفَ عليه وَرُزِقَ فَهْمَهُ صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَكَذَا قال كَثِيرٌ من الأصحاب وقال في الْفُرُوعِ فَمَنْ عَرَفَ اكثرة صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ قال في الْوَجِيزِ فَمَنْ وَقَفَ على اكثر ذلك وَفَهِمَهُ صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وقال في الْمُحَرَّرِ فَمَنْ وَقَفَ عليه أو على أَكْثَرِهِ وَرُزِقَ فَهْمَهُ صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ انتهى‏.‏

وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ان يَعْرِفَ اكثر فُرُوعِ الْفِقْهِ وقال في الْوَاضِحِ يَجِبُ معرفه جَمِيعِ اصول الْفِقْهِ وادله الاحكام وقال ابو مُحَمَّدٍ الجوزى من حَصَّلَ اصول الْفِقْهِ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ انتهى‏.‏

وقال ابن مُفْلِحٍ في اصوله والمفتى الْعَالِمُ باصول الْفِقْهِ وما يُسْتَمَدُّ منه والادله السمعيه مفصله وَاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا غَالِبًا وَاعْتَبَرَ بَعْضُ أصحابنا معرفه اكثر الْفِقْهِ والاشهر لَا انتهى‏.‏

وقال في اداب المفتى لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِبَعْضِ ذلك لشبهه أو اشكال لَكِنْ يَكْفِيهِ معرفه وجوة دلاله الادله وَيَكْفِيهِ اخذ الاحكام من لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا زَادَ ابن عقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وَيَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ وَاسْتِصْحَابَ الْحَالِ وَالْقُدْرَةَ على ابطال شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ واقامه الدَّلَائِلِ على مَذْهَبِهِ انتهى‏.‏

وقال في آدَابِ المفتى ايضا وَهَلْ يُشْتَرَطُ معرفه الْحِسَابِ ونحوة من الْمَسَائِلِ المتوقفه عليه فيه خِلَافٌ وَيَأْتِي بَعْدَ فَرَاغِ الْكِتَابِ اقسام الْمُجْتَهِدِينَ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ مُجْتَهِدٌ انه لَا يُفْتِي إلَّا مُجْتَهِدٌ على الصَّحِيحِ‏.‏

فوائد‏:‏ ‏[‏اجتهاد القاضي‏]‏

منها لو أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ لم يَجُزْ له تَقْلِيدُ غَيْرِهِ اجماعا وياتي هذا في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في اول الْبَابِ الذي يَلِيهِ في قَوْلِهِ وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وان كان اعلم منه وان لم يَجْتَهِدْ لم يَجُزْ ان يُقَلِّدَ غَيْرَهُ ايضا مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأصحاب وَنُصَّ عليه في رِوَايَةِ الْفَضْل ابن زِيَادٍ قال ابن مُفْلِحٍ في اصوله قَالَهُ احمد واكثر أصحابه وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَجُوزُ اختارة الشِّيرَازِيُّ وقال مَذْهَبُنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ قال ابو الْخَطَّابِ وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ عن أصحابنا نَقَلَهُ في الحاوى الْكَبِيرِ في الْخُطْبَةِ وَعَنْهُ يَجُوزُ مع ضِيقِ الْوَقْتِ وَقِيلَ يَجُوزُ لاعلم منه وَذَكَرَ ابو المعالى عن الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ يُقَلِّدُ صَحَابِيًّا وَيُخَيَّرُ فِيهِمْ وَمِنْ التَّابِعِينَ رضي الله عنه عُمَرُ ابن عبد الْعَزِيزِ فَقَطْ وفي هذه المسأله لِلْعُلَمَاءِ عِدَّةُ اقوال غَيْرُ ذلك وَتَقَدَّمَ نظيرها ‏[‏نظيرهما‏]‏ في بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وقال في الرعايه يَجُوزُ له التَّقْلِيدُ لِخَوْفِهِ على خُصُومٍ مُسَافِرِينَ فَوْتَ رُفْقَتِهِمْ في الاصح وَمِنْهَا يُتَحَرَّى الِاجْتِهَادُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأصحاب وقال ابن مُفْلِحٍ في اصوله قَالَهُ أصحابنا وَصَحَّحَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ في الروضه وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَتَحَرَّى وَقِيلَ يَتَحَرَّى في بَابٍ لَا في مسأله وَمِنْهَا وَيَشْتَمِلُ على مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ في احكام المفتى والمستفتى تَقَدَّمَ قَرِيبًا تَحْرِيمُ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا بِالْهَوَى وَبِقَوْلٍ أو وَجْهٍ من غَيْرِ نَظَرٍ في التَّرْجِيحِ اجماعا واعْلَمْ ان السَّلَفَ الصَّالِحَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ كَانُوا يَهَابُونَ الْفُتْيَا وَيُشَدِّدُونَ فيها وَيَتَدَافَعُونَهَا وانكر الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ على من تَهَجَّمَ في الْجَوَابِ وقال لَا يَنْبَغِي ان يُجِيبَ في كل ما يُسْتَفْتَى وقال اذا هَابَ الرَّجُلُ شيئا لَا يَنْبَغِي ان يُحْمَلَ على ان يَقُولَ اذا عَلِمْت ذلك فَفِي وُجُوبِ تَقْدِيمِ مَعْرِفَةِ فُرُوعِ الْفِقْهِ على أُصُولِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ احدهما يَجِبُ تَقْدِيمُ مَعْرِفَةِ فُرُوعِ الْفِقْهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال في اداب الْمُفْتِي وهو اولى وَالثَّانِي يَجِبُ تَقْدِيمُ مَعْرِفَةِ اصول الْفِقْهِ اخْتَارَهُ ابن عقِيلٍ وابن الْبَنَّا وَغَيْرُهُمَا قال في اداب الْمُفْتِي وقد اوجب ابن عقِيلٍ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمَ مَعْرِفَةِ اصول الْفِقْهِ على فُرُوعِهِ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ ابو بَكْرٍ وابن ابي مُوسَى وَالْقَاضِي وابن الْبَنَّا في اوائل كُتُبِهِمْ الفروعيه وقال ابو الْبَقَاءِ العكبرى ابلغ ما يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى احكام الاحكام اتقان اصول الْفِقْهِ وَطَرَفٍ من اصول الدِّينِ انتهى‏.‏

وقال ابن قَاضِي الْجَبَلِ في اصوله تَبَعًا لِمُسَوَّدَةِ بني تيميه وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى تَقْدِيمُ مَعْرِفَتِهَا اولى من الْفُرُوعِ عِنْدَ ابن عقِيلٍ وَغَيْرِهِ قُلْت في غَيْرِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَعِنْدَ الْقَاضِي عَكْسُهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ان الْخِلَافَ في الاولوية وَلَعَلَّهُ اولى وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ في الْوُجُوبِ وَتَقَدَّمَ هل لِلْمُفْتِي الاخذ من المستفتى اذا كان له كِفَايَةٌ ام لَا وَيَأْتِي هل له أَخْذُ الْهَدِيَّةِ أَمْ لَا عِنْدَ أَحْكَامِ هَدِيَّةِ الْحَاكِمِ والمفتى من يُبَيِّنُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَيُخْبِرُ بِهِ من غَيْرِ إلْزَامٍ وَالْحَاكِمُ من يُبَيِّنُهُ وَيُلْزِمُ بِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَلَا يفتى في حَالٍ لَا يُحْكَمُ فيها كَغَضَبٍ وَنَحْوِهِ على ما ياتى في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قال ابن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ فَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ كَالْحُكْمِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَا يفتى في هذه الْحَالِ فَإِنْ أَفْتَى واصاب صَحَّ وَكُرِهَ وَقِيلَ لايصح ويأتى نَظِيرُهُ في قَضَاءِ الْغَضْبَانِ وَنَحْوِهِ وَتَصِحُّ فَتْوَى الْعَبْدِ والمرأه وَالْقَرِيبِ والامى والاخرس الْمَفْهُومِ الاشارة أو الْكِتَابَةُ وَتَصِحُّ مع جَرِّ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَتَصِحُّ من الْعَدُوِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ واداب المفتى وَالْفُرُوعِ في بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي وَقِيلَ لَا تَصِحُّ كَالْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ وَلَا تَصِحُّ من فَاسِقٍ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كان مُجْتَهِدًا لَكِنْ يفتى نَفْسَهُ وَلَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ وقال الطُّوفِيُّ في مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرِهِ لَا نشترط ‏[‏تشترط‏]‏ عَدَالَتُهُ في اجْتِهَادِهِ بَلْ في قَبُولِ فُتْيَاهُ وَخَبَرِهِ وقال ابن الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في اعلام الْمُوَقِّعِينَ قُلْت الصَّوَابُ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْفَاسِقِ الا ان يَكُونَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ دَاعِيًا إلَى بِدْعَتِهِ فَحُكْمُ اسْتِفْتَائِهِ حُكْمُ امامته وَشَهَادَتِهِ وَلَا تَصِحُّ من مَسْتُورِ الْحَالِ ايضا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ من الاصوليين وَقِيلَ تَصِحُّ قَدَّمَهُ في اداب المفتى وَعَمِلَ الناس عليه وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ بن الْقَيِّمِ في اعلام الْمُوَقِّعِينَ وَقِيلَ تَصِحُّ ان اكْتَفَيْنَا بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ والا فَلَا وَالْحَاكِمُ كَغَيْرِهِ في الْفُتْيَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ له مُطْلَقًا وَقِيلَ يُكْرَهُ في مَسَائِلِ الاحكام الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ دُونَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَيَحْرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ وَتَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ الا من يفتى بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ وَنَقَلَ المروذى لَا يَنْبَغِي ان يُجِيبَ في كل ما يُسْتَفْتَى فيه وياتى هل له قَبُولُ الْهَدِيَّةِ ام لَا وَلَيْسَ لِمَنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبِ امام في مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ أو وَجْهَيْنِ ان يَتَخَيَّرَ فَيَعْمَلَ أو يفتى بِأَيِّهِمَا شَاءَ بَلْ ان عَلِمَ تَارِيخَ الْقَوْلَيْنِ عَمِلَ بِالْمُتَأَخِّرِ ان صَرَّحَ بِرُجُوعِهِ عن الاول وَكَذَا ان أطلق على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فِيهِمَا وَهَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ باحدهما اذا تَرَجَّحَ انه مَذْهَبٌ لِقَائِلِهِمَا وقال في اداب المفتى اذا وَجَدَ من ليس اهلا لِلتَّخْرِيجِ وَالتَّرْجِيحِ بِالدَّلِيلِ اخْتِلَافًا بين ائمة الْمَذَاهِبِ في الاصح من الْقَوْلَيْنِ أو الوجهين فَيَنْبَغِي ان يَرْجِعَ في التَّرْجِيحِ إلَى صِفَاتِهِمْ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بارائهم فَيَعْمَلَ بِقَوْلِ الاكثر والاعلم والاورع فان اخْتَصَّ احدهما بِصِفَةٍ منها وَالْآخَرُ بِصِفَةٍ اخرى قُدِّمَ الذي هو احرى مِنْهُمَا بِالصَّوَابِ فالاعلم الاورع مُقَدَّمٌ على الاورع الْعَالِمِ وَكَذَلِكَ اذا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أو وَجْهَيْنِ ولم يَبْلُغْهُ عن احد من ائمته بَيَانُ الاصح مِنْهُمَا اعْتَبَرَ اوصاف نَاقِلَيْهِمَا وَقَابِلَيْهِمَا وَيُرَجِّحُ ما وَافَقَ مِنْهُمَا ائمة اكثر الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ أو اكثر الْعُلَمَاءِ انتهى‏.‏

قُلْت وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَتَقَدَّمَ في آخِرِ الْخُطْبَةِ تَحْرِيرُ ذلك واذا اعْتَدَلَ عِنْدَهُ قَوْلَانِ وَقُلْنَا يَجُوزُ افتى بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَالَهُ الْقَاضِي في الْكِفَايَةِ وابن حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ كما يَجُوزُ للمفتى ان يَعْمَلَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَاءَ وَقِيلَ يُخَيَّرُ المستفتى والا تَعَيَّنَ الاحوط وَيَلْزَمُ المفتى تَكْرِيرَ النَّظَرِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْوَاقِعَةِ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وقال والا كان مُقَلِّدًا لِنَفْسِهِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ وَقَدَّمَه ابن مُفْلِحٍ في اصوله وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ لان الاصل بَقَاءُ ما اطَّلَعَ عليه وَعَدَمُ غَيْرِهِ وَلُزُومُ السُّؤَالِ ثَانِيًا فيه الْخِلَافُ وَعِنْدَ ابى الْخَطَّابِ والآمدى ان ذَكَرَ المفتى طَرِيقَ الِاجْتِهَادِ لم يَلْزَمْهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ قُلْت وهو الصَّوَابُ وان حَدَثَ ما لَا قَوْلَ فيه تَكَلَّمَ فيه حَاكِمٌ وَمُجْتَهِدٌ وَمُفْتٍ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ في اصول الدِّينِ قال في آدَابِ المفتى ليس له ان يفتى في شَيْءٍ من مَسَائِلِ الْكَلَامِ مُفَصَّلًا بَلْ يُمْنَعَ السَّائِلُ وَسَائِرُ العامه من الْخَوْضِ في ذلك اصلا وَقَدَّمَهُ في مُقْنِعِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَ بن مُفْلِحٍ في اصوله ان مَحَلَّ الْخِلَافِ في الْأَفْضَلِيَّةِ لَا في الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وأطلق الْخِلَافُ وقال في خُطْبَةِ الارشاد لَا بُدَّ من الْجَوَابِ وقال في اعلام الْمُوَقِّعِينَ بَعْدَ ان حَكَى الاقوال وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ وَأَنَّ ذلك يَجُوزُ بَلْ يُسْتَحَبُّ أو يَجِبُ عِنْدَ الْحَاجَةِ واهلية المفتى وَالْحَاكِمِ فان عُدِمَ الامران لم يَجُزْ وان وُجِدَ احدهما اُحْتُمِلَ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالْجَوَابُ عِنْدَ الْحَاجَةِ دُونَ عَدَمِهَا انتهى‏.‏

وَلَهُ تَخْيِيرُ من اسْتَفْتَاهُ بين قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ روى ذلك عن الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ ياخذ بِهِ ان لم يَجِدْ غَيْرَهُ أو كان ارجح وَسَأَلَهُ ابو دَاوُد الرَّجُلُ يَسْأَلُ عن المسأله ادله على انسان يَسْأَلُهُ قال اذا كان الذي ارشد إلَيْهِ يَتْبَعُ ويفتى بالسنه فَقِيلَ له انه يُرِيدُ الِاتِّبَاعَ وَلَيْسَ كُلُّ قَوْلِهِ يُصِيبُ قال وَمَنْ يُصِيبُ في كل شَيْءٍ وَتَقَدَّمَ في اخر الْخُلْعِ التَّنْبِيهُ على ذلك وَلَا يَلْزَمُ جَوَابٌ ما لم يَقَعْ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اجابته وَقِيلَ يكرة قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجِبُ جَوَابُ ما لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ السَّائِلِ وَلَا ما لَا نَفْعَ فيه وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا في بَلَدِهِ وغيرة فَحُكْمُهُ حُكْمُ ما قبل الشَّرْعِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ‏[‏وقدمه‏]‏ في اداب المفتى وهو اقيس وَقِيلَ مَتَى خَلَتْ البلده من مُفْتٍ حَرُمَتْ السُّكْنَى فيها ذكرة في الاداء ‏[‏آداب‏]‏ المفتى وَلَهُ رَدُّ الْفُتْيَا ان كان في الْبَلَدِ من يَقُومُ مَقَامَهُ والا لم يَجُزْ ذَكَرَهُ ابو الْخَطَّابِ وابن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ من بَعْدَهُمْ وَإِنْ كان مَعْرُوفًا عِنْدَ العامه بِفُتْيَا وهو جَاهِلٌ تَعَيَّنَ الْجَوَابُ على الْعَالِمِ قال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الاظهر لَا يَجُوزُ في التي قَبْلَهَا كَسُؤَالِ عَامِّيٍّ عَمَّا لم يَقَعْ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَاكِمٌ في الْبَلَدِ غيرة لَا يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ والا لَزِمَهُ وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ في شهاده الْعَبْدِ الْحُكْمُ يَتَعَيَّنُ بِوِلَايَتِهِ حتى لَا يُمْكِنَهُ رَدُّ مُحْتَكِمِينَ إلَيْهِ وَيُمْكِنُهُ رَدُّ من يَسْتَشْهِدُهُ وان كان مُتَحَمِّلًا لشهاده فَنَادِرٌ ان لَا يَكُونَ سواة وفي الْحُكْمِ لَا يَنُوبُ الْبَعْضُ عن الْبَعْضِ وَلَا يقول لِمَنْ ارْتَفَعَ إلَيْهِ امْضِ إلَى غَيْرِي من الْحُكَّامِ انتهى‏.‏

قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ من الْوَجْهِ في اثم من دعى لشهاده قالوا لانه تَعَيَّنَ عليه بِدُعَائِهِ لَكِنْ يَلْزَمُ عليه اثم من عَيَّنَ في كل فَرْضِ كِفَايَةٍ فَامْتَنَعَ قال وَكَلَامُهُمْ في الْحَاكِمِ وَدَعْوَةِ الوليمه وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ خِلَافُهُ انتهى‏.‏

وَمَنْ قوى عِنْدَهُ مَذْهَبُ غَيْرِ امامه افتى بِهِ واعلم السَّائِلَ وَمَنْ اراد كتابه على فُتْيَا أو شهاده لم يَجُزْ ان يُكَبِّرَ خَطَّهُ لِتَصَرُّفِهِ في مِلْكِ غيرة بِلَا اذنه وَلَا حاجه كما لو اباحه قَمِيصَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا يُخْرِجُهُ عن العاده بِلَا حاجه ذَكَرَهُ ابن عقِيلٍ في الْفُنُونِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا قال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ اذا اراد ان يفتى أو يَكْتُبَ شهاده لم يَجُزْ ان يُوَسِّعَ له الاسطر وَلَا يُكْثِرُ اذا امكن الِاخْتِصَارُ لانه تَصَرُّفٌ في مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا اذنه ولم تَدْعُ الحاجه إلَيْهِ وَاقْتَصَرَ على ذلك في الْفُرُوعِ وقال في اصوله وَيُتَوَجَّهُ مع قرينه خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ اطلاقه في الْفُتْيَا في اسْمٍ مُشْتَرَكٍ اجماعا بَلْ عليه التَّفْصِيلُ فَلَوْ سُئِلَ هل له الاكل بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا بُدَّ ان يَقُولَ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ الاول لَا الثَّانِي ومسأله ابي حنيفه مع ابي يُوسُفَ وابي الطَّيِّبِ مع قَوْمٍ مَعْلُومِينَ‏.‏

وَاعْلَمْ انه قد تَقَدَّمَ انه لَا يفتى الا مُجْتَهِدٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ فيراعى الفاظ امامه ومتاخرها وَيُقَلِّدُ كِبَارَ أئمه مَذْهَبِهِ والعامى يُخَيَّرُ في فَتْوَاهُ فَقَطْ فيقول مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا ذكرة ابن عقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَكَذَا قال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ النَّاظِرُ الْمُجَرَّدُ يَكُونُ حَاكِيًا لَا مُفْتِيًا وقال في آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ ان كان الْفَقِيهُ مُجْتَهِدًا يَعْرِفُ صحه الدَّلِيلِ كَتَبَ الْجَوَابَ عن نَفْسِهِ وان كان مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الدَّلِيلَ قال مَذْهَبُ الامام احمد كَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا فَيَكُونُ مُخْبِرًا لَا مُفْتِيًا وَيُقَلِّدُ العامى من عَرَفَهُ عَالِمًا عَدْلًا أو رَآهُ مُنْتَصِبًا مُعَظَّمًا وَلَا يُقَلِّدُ من عَرَفَهُ جَاهِلًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ قال الْمُصَنِّفُ في الروضه وَغَيْرِهَا يَكْفِيهِ قَوْلُ عَدْلٍ وَمُرَادُهُ خَبِيرٌ وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الأصحاب الاستفاضه بِكَوْنِهِ عَالِمًا لَا مُجَرَّدَ اعْتِزَائِهِ إلَى الْعِلْمِ وَلَوْ بِمَنْصِبِ تَدْرِيسٍ قُلْت وهو الصَّوَابُ وقال ابن عَقِيلٍ يَجِبُ سُؤَالُ اهل الثقه وَالْخَيْرِ قال الطوفى في مختصرة يُقَلِّدُ من عَلِمَهُ أو ظَنَّهُ اهلا بِطَرِيقِ ما اتِّفَاقًا فَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ فَفِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِ وَجْهَانِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ احدهما عَدَمُ الْجَوَازِ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ نصرة الْمُصَنِّفُ في الروضه وَقَدَّمَه ابن مُفْلِحٍ في اصوله والطوفى في مختصرة وَغَيْرُهُمَا وَالثَّانِي الْجَوَازُ قَدَّمَهُ في آدَابِ المفتى وَتَقَدَّمَ هل تصلح ‏[‏يصح‏]‏ فُتْيَا فَاسِقٍ أو مَسْتُورِ الْحَالِ ام لَا وَيُقَلِّدُ مَيِّتًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأصحاب وهو كالاجماع في هذه الاعصار وَقِيلَ لَا يُقَلِّدُ مَيِّتًا وهو ضَعِيفٌ واختارة في التَّمْهِيدِ في ان عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه لم يُشْتَرَطْ عليه تَقْلِيدُ ابي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما لِمَوْتِهِمَا وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي ان يَحْفَظَ الادب مع المفتى وَيُجِلَّهُ فَلَا يقول أو يَفْعَلُ ما جَرَتْ عاده الْعَوَّامِ بِهِ كايماء بيده في وَجْهِهِ وما مَذْهَبُ امامك في كَذَا وما تَحْفَظُ في كَذَا أو افتاني غَيْرُك أو فُلَانٌ بِكَذَا أو كَذَا قُلْت انا أو وَقِّعْ لى أو ان كان جَوَابُك مُوَافِقًا فَاكْتُبْ لَكِنْ ان عَلِمَ غَرَضَ السَّائِلِ في شَيْءٍ لم يَجُزْ ان يَكْتُبَ بِغَيْرِهِ أو يَسْأَلَهُ في حَالِ ضَجَرٍ أو هَمٍّ أو قِيَامِهِ ونحوة وَلَا يُطَالِبُهُ بالحجه وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ من الْمُجْتَهِدِينَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال ابن مُفْلِحٍ في اصوله قَالَهُ اكثر أصحابنا الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الروضه وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ هو وَغَيْرُهُ قال في فُرُوعِهِ في اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَا يَجِبُ عليه تَقْلِيدُ الاوثق على الاصح قال في الرعايه على الاقيس وَعَنْهُ يَجِبُ عليه قال ابن عَقِيلٍ يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا فَيُقَدِّمُ الارجح وَمَعْنَاهُ قَوْلُ الخرقى كالقبله في الاعمى والعامى قال ابن مُفْلِحٍ في اصوله اما لو بَانَ للعامى الارجح مِنْهُمَا لَزِمَهُ تَقْلِيدُهُ زَادَ بَعْضُ أصحابنا في الاظهر قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ من الأصحاب مُخَالِفٌ لِذَلِكَ وقال في التَّمْهِيدِ ان رَجَحَ دِينُ وَاحِدٍ قَدَّمَهُ في احد الْوَجْهَيْنِ وفي الْآخَرِ لَا لان الْعُلَمَاءَ لَا تُنْكِرُ على العامى تَرْكَهُ وقال ايضا في تَقْدِيمِ الادين على الاعلم وَعَكْسُهُ وَجْهَانِ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَقْدِيمُ الادين حَيْثُ قِيلَ له من نَسْأَلُ بَعْدَك قال عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ فانه صَالِحٌ مِثْلُهُ يُوَفَّقُ لِلْحَقِّ قال في الرعايه وَلَا يَكْفِيهِ من لم تَسْكُنْ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَقُدِّمَ الْأَعْلَمُ علي الْأَوْرَعِ انتهى‏.‏

فَإِنْ اسْتَوَى مُجْتَهِدَانِ تَخَيَّرَ ذَكَرَهُ ابو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ من الأصحاب وقال ابن مُفْلِحٍ في اصوله وقال بَعْضُ الأصحاب هل يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ والاخذ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ فيه وَجْهَانِ قُلْت قال في الْفُرُوعِ في اثناء بَابِ شُرُوطِ من تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَمَّا لُزُومُ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غيرة في مسأله فَفِيهِ وَجْهَانِ وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَدَمُهُ اشهر انتهى‏.‏

قال في اعلام الْمُوَقِّعِينَ وهو الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وقال في اصوله عَدَمُ اللُّزُومِ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَيَتَخَيَّرُ وقال في الرعايه الْكُبْرَى يَلْزَمُ كُلَّ مُقَلِّدٍ ان يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ في الاشهر فَلَا يُقَلِّدُ غير اهله وَقِيلَ بَلَى وَقِيلَ ضَرُورَةً فان الْتَزَمَ فِيمَا يُفْتَى بِهِ أو عَمِلَ بِهِ أو ظَنَّهُ حَقًّا أو لم يَجِدْ مُفْتِيًا اخر لَزِمَ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ والا فَلَا انتهى‏.‏

وَاخْتَارَ الامدى مَنْعَ الِانْتِقَالِ فِيمَا عَمِلَ بِهِ وَعِنْدَ بَعْضِ الأصحاب يَجْتَهِدُ في أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ فَيَتْبَعُهُ وقال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الاخذ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ طاعه غَيْرِ الرَّسُولِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في كل أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وهو خِلَافُ الاجماع وَتَوَقَّفَ ايضا في جَوَازِهِ وقال ايضا ان خَالَفَهُ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ أو زياده عِلْمٍ أو تَقْوَى فَقَدْ احسن وَلَا يُقْدَحُ في عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ وقال ايضا بَلْ يَجِبُ في هذه الْحَالِ وانه نَصُّ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن هُبَيْرَةَ وقال في آدَابِ المفتى هل للعامى ان يَتَخَيَّرَ وَيُقَلِّدَ أَيَّ مَذْهَبٍ شَاءَ ام لَا فَإِنْ كان مُنْتَسِبًا إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَنَيْنَا ذلك على ان العامى هل له مَذْهَبٌ ام لَا وَفِيهِ مَذْهَبَانِ احدهما لَا مَذْهَبَ له فَلَهُ ان يستفتى من شَاءَ من ارباب الْمَذَاهِبِ سِيَّمَا ان قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي له مَذْهَبٌ لانه اعْتَقَدَ ان الْمَذْهَبَ الذي انْتَسَبَ إلَيْهِ هو الْحَقُّ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ فَلَا يستفتى من يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ وان لم يَكُنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ انْبَنَى على ان العامى هل يَلْزَمُهُ ان يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ ياخذ بِرُخْصِهِ وَعَزَائِمِهِ وَفِيهِ مَذْهَبَانِ احدهما لَا يَلْزَمُهُ كما لم يَلْزَمْ في عَصْرِ اوائل الامه ان يَخُصَّ الامى العامى عَالِمًا مُعَيَّنًا يُقَلِّدُهُ سِيَّمَا ان قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَعَلَى هذا هل له ان يستفتى على أَيِّ مَذْهَبٍ شَاءَ ام يَلْزَمَهُ ان يَبْحَثَ حتى يَعْلَمَ عِلْمَ مِثْلِهِ اسد الْمَذَاهِبِ واصحها اصلا فيه مَذْهَبَانِ الثَّانِي يَلْزَمُهُ ذلك وهو جَارٍ في كل من لم يَبْلُغْ درجه الِاجْتِهَادِ من الْفُقَهَاءِ وارباب سَائِرِ الْعُلُومِ فَعَلَى هذا الْوَجْهِ يَلْزَمُهُ ان يَجْتَهِدَ في اخْتِيَارِ مَذْهَبٍ يُقَلِّدُهُ على التَّعْيِينِ وَهَذَا اولى بالحاق الِاجْتِهَادِ فيه على العامى مِمَّا سَبَقَ في الِاسْتِفْتَاءِ انتهى‏.‏

وَلَا يَجُوزُ للعامى تَتَبُّعُ الرُّخَصِ ذَكَرَهُ ابن عبد الْبَرِّ اجماعا وَيَفْسُقُ عِنْدَ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وغيرة وَحَمَلَهُ الْقَاضِي على مُتَأَوِّلٍ أو متقلد ‏[‏مقلد‏]‏ وقال ابن مُفْلِحٍ في اصوله وَفِيهِ نَظَرٌ قال وَذَكَرَ بَعْضُ أصحابنا في فِسْقِ من اخذ بِالرُّخَصِ رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ قوى دَلِيلٌ أو كان عَامِّيًّا فَلَا كَذَا قال انتهى‏.‏

وإذا اسْتَفْتَى وَاحِدًا اخذ بِقَوْلِهِ ذَكَرَه ابن الْبَنَّا وغيرة وَقَدَّمَه ابن مُفْلِحٍ في اصوله وقال والاشهر يَلْزَمُ بِالْتِزَامِهِ وَقِيلَ وَبِظَنِّهِ حَقًّا وَقِيلَ وبعمل ‏[‏ويعمل‏]‏ بِهِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ ان ظَنَّهُ حَقًّا وَإِنْ لم يَجِدْ مُفْتِيًا اخر لَزِمَهُ كما لو حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ وقال بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا الا مع عَدَمِ غَيْرِهِ وَلَوْ سَأَلَ مُفْتِيَيْنِ وَاخْتَلَفَا عليه تَخَيَّرَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ اختارة الْقَاضِي وأبو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ قال ابو الْخَطَّابِ هو ظَاهِرُ كَلَامِ الامام احمد رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَ بن الْبَنَّا وَجْهًا انه ياخذ بِقَوْلِ الارجح وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الأصحاب وَقُدِّمَ في الروضه انه يَلْزَمُهُ الاخذ بِقَوْلِ الأفضل في عِلْمِهِ وَدِينِهِ قال الطوفى في مختصرة وهو الظَّاهِرُ وَذَكَرَ بن الْبَنَّا ايضا وَجْهًا آخَرَ يَأْخُذُ باغلظهما وَقِيلَ ياخذ بالاخف وَقِيلَ يسال مُفْتِيًا اخر وَقِيلَ يَأْخُذُ بِأَرْجَحِهِمَا دَلِيلًا وقال في الْفُرُوعِ في بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَوْ سال مُفْتِيَيْنِ فَاخْتَلَفَا فَهَلْ يَأْخُذُ بالارجح أو الاخف أو الاشد أو يُخَيَّرُ فيه اوجه في الْمَذْهَبِ وأطلقهن وان سال فلم تَسْكُنْ نَفْسُهُ فَفِي تَكْرَارِهِ وَجْهَانِ وأطلقهما في الْفُرُوعِ في بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وقال ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ اظهرهما لَا يَلْزَمُ فَهَذِهِ جمله صالحه نافعه ان شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قوله وان تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ فَحَكَّمَاهُ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ في الْمَالِ وَيَنْفُذُ في الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وَالنِّكَاحِ وَاللِّعَانِ في ظَاهِرِ كَلَامِهِ ذكرة ابو الْخَطَّابِ في الْهِدَايَةِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الخلاصة وَالرِّعَايَتَيْنِ والحاوى الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وقال الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ الا في الاموال خاصه وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَقَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ في قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَلِعَانٍ وَنِكَاحٍ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ في الْمُحَرَّرِ وأطلق الْخِلَافَ في الكافى وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَنْفُذُ في غَيْرِ فَرَجٍ كَتَصَرُّفِهِ ضَرُورَةً في تركه مَيِّتٍ في غَيْرِ فَرَجٍ ذكرة ابن عقِيلٍ في عُمَدِ الادله وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ نُفُوذَ حُكْمِهِ بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمٍ لَا إمَامٍ وقال ان حَكَّمَ احدهما خَصْمَهُ أو حَكَّمَا مُفْتِيًا في مساله اجْتِهَادِيَّةٍ جَازَ وقال يكفى وَصْفُ القصه له قال في الْفُرُوعِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابي طَالِبٍ نَازَعَنِي ابن عمى الاذان فَتَحَاكَمْنَا إلَى ابي عبد اللَّهِ فقال اقْتَرِعَا وقال الشَّيْخُ تقى الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ خَصُّوا اللِّعَانَ لان فيه دَعْوَى وإنكار ‏[‏وإنكارا‏]‏ وبقيه الْفُسُوخِ كاعسار وقد يَتَصَادَقَانِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ انشاء لَا ابْتِدَاءً وَنَظِيرُهُ لو حَكَّمَاهُ في التَّدَاعِي بِدَيْنٍ وَأَقَرَّ بِهِ الْوَرَثَةُ انتهى‏.‏

فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَلْزَمُ من يُكْتَبُ إلَيْهِ بِحُكْمِهِ الْقَبُولُ وَتَنْفِيذُهُ كَحَاكِمِ الامام وَلَيْسَ له حَبْسٌ في عُقُوبَةٍ وَلَا اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ وَلَا ضَرْبُ دِيَةِ الْخَطَأِ على عَاقِلَةِ من وصى بِحُكْمِهِ قَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وزاد في الصُّغْرَى وَلَيْسَ له ان يَحُدَّ

فائدتان‏:‏

احداهما لو رَجَعَ احد الْخَصْمَيْنِ قبل شُرُوعِهِ في الْحُكْمِ فَلَهُ ذلك وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَقَبْلَ تَمَامِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ وأطلقهما في المغنى وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى احدهما له ذلك الثَّانِي ليس له ذلك انتهى‏.‏

قُلْت وهو الصَّوَابُ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَاخْتَارَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ان اشهدا عَلَيْهِمَا بِالرِّضَا بِحُكْمِهِ قبل الدُّخُولِ في الْحُكْمِ فَلَيْسَ لاحدهما الرُّجُوعُ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ قال في عُمَدِ الادلة بَعْدَ ذِكْرِ التَّحْكِيمِ وَكَذَا يَجُوزُ ان يَتَوَلَّى مُتَقَدِّمُو الاسواق وَالْمَسَاجِدِ الْوَسَاطَاتِ وَالصُّلْحَ عِنْدَ الْفَوْرَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَتَفْوِيضَ الاموال إلَى الاوصياء وَتَفْرِقَةَ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ واقامة الْحُدُودِ على رَقِيقِهِ وَخُرُوجَ طَائِفَةٍ إلَى الْجِهَادِ تَلَصُّصًا وَبَيَاتًا وَعِمَارَةَ الْمَسَاجِدِ والامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عن الْمُنْكَرِ وَالتَّعْزِيرَ لِعَبِيدٍ واماء واشباه ذلك انتهى‏.‏

بَابُ‏:‏ أَدَبِ الْقَاضِي

قَوْلُهُ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا من غَيْرِ عُنْفٍ لينا ‏[‏ولينا‏]‏ من غَيْرِ ضَعْفٍ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأصحاب قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْفُصُولِ يَجِبُ ذلك‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ وَفَطِنَةٍ قد تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاضِيَ قال في مَوْضِعٍ من كَلَامِهِ إنَّهُ يُشْتَرَطُ في الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَكُونَ بَلِيدًا وهو الصَّوَابُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ بِلَا نِزَاعٍ وَقَوْلُهُ وَرِعًا عَفِيفًا فَهَذَا منه بِنَاءً على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ من أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ في الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ وَرِعًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذلك فيه وَتَقَدَّمَ أَنَّ الخرقى وَجَمَاعَةً من الْأصحاب اشْتَرَطُوا ذلك فيه وهو الصَّوَابُ

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا‏:‏ لو افْتَاتَ عليه خَصْمٌ فقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ له تَأْدِيبُهُ وَالْعَفْوُ عنه وقال في الْفُصُولِ يَزْجُرُهُ فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ وَاعْتَبَرَهُ بِدَفْعِ الصَّائِلِ وَالنُّشُوزِ وقال في الرِّعَايَةِ وَيَنْتَهِرُهُ وَيَصِيحُ عليه قبل ذلك قال في الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذلك وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لم يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ لَكِنَّ هل ظَاهِرُهُ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحَكَمِ فيه نَظَرٌ كَالْإِقْرَارِ فيه وفي غَيْرِهِ أو لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذلك لِكَثْرَةِ الْمُتَظَلِّمِينَ على الْحُكَّامِ وَأَعْدَائِهِمْ فَجَازَ فيه وفي غَيْرِهِ وَلِهَذَا شَقَّ رَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَدَّبَهُ بِنَفْسِهِ حتى إنَّهُ حَقٌّ له قُلْت فيعايي بها وقد ذَكَرَ ابن عقِيلٍ في أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ عن أصحابنَا إنْ شَقَّ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لَا يَرْفَعُ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا له أَنْ يَنْتَهِرَ الْخَصْمَ إذَا الْتَوَى وَيَصِيحَ عليه وَإِنْ اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِهِ من يُعْلِمُهُمْ يوم دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ هذا الْمَذْهَبُ أعنى أَنَّهُ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ يُعْلِمُهُمْ بِدُخُولِهِ من غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَلَقِّيه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال جَمَاعَةٌ من الْأصحاب يَأْمُرُهُمْ بِتَلَقِّيه قُلْت منهم صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبُ وَالْخُلَاصَةُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يوم الِاثْنَيْنِ أو الْخَمِيسِ أو السَّبْتِ وهو الْمَذْهَبُ يعنى أَنَّهُ بِالْخِيرَةِ في الدُّخُولِ في هذه الْأَيَّامِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأصحاب يَدْخُلُ يوم الِاثْنَيْنِ فَإِنْ لم يَقْدِرْ فَيَوْمَ الْخَمِيسِ منهم صَاحِبُ الْمُذَهَّبِ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ لم يَقْدِرْ أَنْ يَدْخُلَ يوم الإثنين فَيَوْمَ الْخَمِيسِ أو السَّبْتِ قال في التَّبْصِرَةِ يَدْخُلُ ضَحْوَةً لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ قال في الْفُرُوعِ وَكَأَنَّ اسْتِقْبَالَ الشَّهْرِ تَفَاؤُلًا كَأَوَّلِ النَّهَارِ ولم ينكرهما ‏[‏ينكرها‏]‏ الْأصحاب‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ قال في التَّبْصِرَةِ وَكَذَا أصحابهُ وقال أَيْضًا تَكُونُ ثِيَابُهُمْ كُلُّهَا سُودٌ وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ غَيْرُ السَّوَادِ أَوْلَى لِلْأَخْبَارِ‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى‏:‏ لَا يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فإذا اجْتَمَعَ الناس أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عليهم بِلَا نِزَاعٍ وقال في التَّبْصِرَةِ وَلْيَقُلْ من كلامة إلَّا لِحَاجَةٍ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيُنَفَّذُ فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ من الذي كان قَبْلَهُ بِلَا نِزَاعٍ قال في التَّبْصِرَةِ وَلْيَأْمُرْ كَاتِبَ ثِقَةٍ يُثْبِتُ ما تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ‏.‏

الرَّابِعَةُ‏:‏ دِيوَانُ الْحُكْمِ هو ما فيه مَحَاضِرُ وَسِجِلَّاتٌ وَحِجَجٌ وَكُتُبُ وَقْفٍ وَنَحْوُ ذلك مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَيُسَلِّمُ على من يَمُرُّ بِهِ وَلَوْ كَانُوا صِبْيَانًا وهو صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأصحاب

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ويصلى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ كان في مَسْجِدٍ بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ كان في غَيْرِهِ خُيِّرَ وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ في الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وهو صَحِيحٌ وَلَا يُكْرَهُ قَالَهُ الْأصحاب قوله ‏[‏قول‏]‏ وَيَجْلِسُ على بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ وَيَجْلِسُ على بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا على بِسَاطٍ وقال في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ على بِسَاطٍ أو لُبَدٍ أو حَصِيرٍ‏.‏

فائدة‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ في مَكَان فَسِيحٍ كَالْجَامِعِ وَالْفَضَاءِ وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَكِنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُكْرَهُ فيه ذَكَرَهُ في الْوَجِيزِ وهو كما قال‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا إلَّا في غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ شَاءَ مُرَادُهُ إذَا لم يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كان ثَمَّ عُذْرٌ جَازَ اتِّخَاذُهُمَا إذَا عَلِمْت ذلك فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَّخِذُهُمَا في مَجْلِسِ الْحُكْمِ من غَيْرِ عُذْرٍ قال ابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذَهَّبِ يَتْرُكُهُمَا نَدْبًا وقال في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ليس له تَأْخِيرُ الْحُضُورِ إذَا تَنَازَعُوا إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ وَلَا له أَنْ يَحْتَجِبَ إلَّا في أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ وَيَعْرِضُ الْقَصَصَ فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ على رَأْسِهِ من يُرَتِّبُ الناس‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُقَدِّمُ السَّابِقَ في أَكْثَرِ من حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيمَ السَّابِقِ على غَيْرِهِ وَاجِبٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِتَقْدِيمِ من له بَيِّنَةٌ لِئَلَّا تَضَجَّرَ بَيِّنَتُهُ وَجَعَلَهُ في الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا وقال في الرِّعَايَةِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ مُتَأَخِّرٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ حَضَرُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا قَدَّمَ أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأصحاب يُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ الْمُرْتَحِلُ قُلْت منهم صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وقال ذلك في الْكَافِي مع قِلَّتِهِمْ زَادَ في الرِّعَايَةِ وَالْمَرْأَةَ لِمَصْلَحَةٍ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَعْدِلُ بين الْخَصْمَيْنِ في لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عليه يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ ذلك وَاجِبٌ عليه وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَيَلْزَمُهُ في الْأَصَحِّ الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا في لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عليه وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا فَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمَ في الدُّخُولِ وَيَرْفَعُهُ في الْجُلُوسِ هذا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْأَشْهَرُ يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ على كَافِرٍ دُخُولًا وَجُلُوسًا قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وتذكره ابن عبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ في الدُّخُولِ وَجَزَمَ بِهِ في الْخُلَاصَةِ في الْمَجْلِسِ وَصَحَّحَهُ في الرَّفْعِ وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا في الشَّرْحِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ في الدُّخُولِ فَقَطْ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقِيلَ يسوى ‏[‏يستوى‏]‏ بَيْنَهُمَا في ذلك أَيْضًا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ في الْجُلُوسِ وَأَطْلَقَهُمَا في رَفْعِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وقال في الْمُغْنِي يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُسْلِمِ على الْكَافِرِ في الْجُلُوسِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يسوى بَيْنَهُمَا في الدُّخُولِ وفي الرِّعَايَةِ قَوْلُ عَكْسِهِ قال ابن رَزِينٍ في مُخْتَصَرِهِ يسوى بين الْخَصْمَيْنِ في مَجْلِسِهِ وَلَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَلَوْ دمى ‏[‏ذميا‏]‏ في وَجْهٍ فَظَاهِرُهُ دُخُولُ اللَّحْظِ وَاللَّفْظِ في الْخِلَافِ فَتَخْلُصُ لنا في الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا وَمَنْعُهُ مُطْلَقًا وَالتَّقْدِيمُ في الدُّخُولِ دُونَ الرَّفْعِ وَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي قَوْلٌ رَابِعٌ وهو التَّقْدِيمُ في الرَّفْعِ دُونَ الدُّخُولِ‏.‏

فائدة‏:‏

لو سَلَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ على الْقَاضِي رَدَّ عليه وقال في التَّرْغِيبِ يَصْبِرُ حتى يُسَلِّمَ الْآخِرُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا إلَّا أَنْ يَتَمَادَى عُرْفًا وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ سَلَّمَا مَعًا رَدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا قبل دُخُولِ خَصْمِهِ أو معه فَهَلْ يَرُدُّ عليه قَبْلَهُ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ انتهى‏.‏

وَلَهُ الْقِيَامُ السَّائِغُ وَتَرْكُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُكْرَهُ الْقِيَامُ لَهُمَا فَإِنْ قام لِأَحَدِهِمَا قام لِلْآخِرِ أو اعْتَذَرَ إلَيْهِ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُسَارَّ أَحَدُهُمَا وَلَا يُلَقِّنُهُ حَجَّتَهُ وَلَا يُضِيفُهُ يعنى يَحْرُمُ عليه ذلك قَالَهُ الْأصحاب‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِي في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي وفي الْآخِرِ يَجُوزُ له تَحْرِيرُ الدَّعْوَى إذَا لم يُحِسَّهَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابن منجا‏.‏

تنبيه‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لم يَلْزَمْ ذِكْرُهُ فَأَمَّا إنْ لَزِمَ ذِكْرُهُ في الدَّعَاوَى كَشَرْطِ عَقْدٍ أو سَبَبٍ وَنَحْوِهِ ولم يَذْكُرْهُ المدعى فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ عنه لِيَحْتَرِزَ عنه‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إلَى خَصْمِهِ لِيُنْظِرَهُ أو يَضَعَ عنه وَيَزِنَ عنه ويجوز ‏[‏ويحوز‏]‏ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْفَعَ إلَى خَصْمِ الْمُدَّعَى عليه لِيَنْظُرَهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَيَجُوزُ له أَنْ يَشْفَعَ لِيَضَعَ عنه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال في الْفُرُوعِ له ذلك على الْأَصَحِّ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ له ذلك على الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَعَنْهُ ليس له ذلك وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْكَافِي وَيَجُوزُ له أَنْ يَزِنَ عنه أَيْضًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأصحاب وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَا يَجُوزُ ذلك وما هو ببعيد ‏[‏تبعيد‏]‏‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءَ من كل مَذْهَبٍ إنْ أَمْكَنَ وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عليه من اسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ وَتَعَرُّفِ الْحَقِّ بِالِاجْتِهَادِ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ما أَحْسَنَهُ لو فَعَلَهُ الْحُكَّامُ يُشَاوِرُونَ وَيَنْتَظِرُونَ فَإِنْ اتَّضَحَ له حُكْمٌ وَإِلَّا أَخَّرَهُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ كان أَعْلَمَ منه وَيَحْرُمُ عليه أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَإِنْ كان أَعْلَمَ منه نَقَل ابن الْحَكَمِ عليه أَنْ يَجْتَهِدَ وَنَقَلَ أبو الْحَارِثِ لَا تُقَلِّدْ أَمْرَك أَحَدًا وَعَلَيْك بِالْأَثَرِ وقال لِلْفَضْل ابن زِيَادٍ لَا تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَالَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا أَنْ يُغَلِّطُوا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَجُوزُ قال أبو الْخَطَّابِ وَحَكَى أبو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ قال وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ عن أصحابنَا وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ إنْ كانت الْعِبَادَةُ مِمَّا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا كَالصَّلَاةِ فَعَلَهَا بِحَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْلِيدِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ كان الْخَصْمُ مُسَافِرًا يَخَافُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَتَقَدَّمَ ذلك في أَوَائِلِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي في الْبَابِ الذي قَبْلَهُ‏.‏

فائدة‏:‏

لو حَكَمَ ولم يَجْتَهِدْ ثُمَّ بَانَ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْحَقِّ لم يَصِحَّ ذَكَرَهُ ابن عقِيلٍ في الْقَصْرِ من الْفُصُولِ قُلْت لو خَرَّجَ الصِّحَّةَ على قَوْلِ الْقَاضِي أبي الْحُسَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالطَّهُورِ وَتَوَضَّأَ من وَاحِدٍ فَقَطْ فَظَهَرَ أَنَّهُ الطَّهُورُ لَكَانَ له وَجْهٌ‏.‏

تنبيه‏:‏

قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي وهو غَضْبَانُ وَلَا حَاقِنٌ وَكَذَا أو حَاقِبٌ وَلَا في شِدَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْهَمِّ وَالْوَجَعِ وَالنُّعَاسِ وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ وَكَذَا في شِدَّةِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ وَالْفَرَحِ الْغَالِبِ وَالْمَلَلِ وَالْكَسَلِ وَمُرَادُهُ بِالْغَضَبِ الْغَضَبُ الْكَثِيرُ وَكَلَامُ الْأصحاب في ذلك مُحْتَمَلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَصَرَّحَ أبو الْخَطَّابِ في انْتِصَارِهِ بِالتَّحْرِيمِ قُلْت وَالدَّلِيلُ في ذلك يَقْتَضِيهِ وَكَلَامُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبُ وقال الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى وَعَامَّةِ الْأصحاب أَنَّ الْمَنْعَ من ذلك على سَبِيلِ التَّحْرِيمِ وَذَكَرَ بن الْبَنَّا في الْخِصَالِ الْكَرَاهَةَ فقال إنْ كان غَضْبَانَا أو جَائِعًا كُرِهَ له الْقَضَاءُ وقال في الْمُغْنِي لَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْبَغِي له أَنْ يقضى وهو غَضْبَانُ‏.‏

فائدة‏:‏

كان لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يَقْضِيَ في حَالِ الْغَضَبِ دُونَ غَيْرِهِ ذَكَرَه ابن نَصْرِ اللَّهِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ فَوَافَقَ الْحَقَّ نَفَذَ حُكْمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ نَفَذَ في الْأَصَحِّ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ نَفَذَ في الْأَظْهَرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْهِدَايَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وقال الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ وَقِيلَ إنْ عَرَضَ له بَعْدَ أَنْ فَهِمَ الْحُكْمَ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذلك في الْمُفْتِي في الْبَابِ الذي قَبْلَهُ في أَوَائِلِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِمَّنْ كان يُهْدَى إلَيْهِ قبل وِلَايَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ له حُكُومَةٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب قال في الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ مَنَعَ الْأصحاب من قَبُولِ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ له أَنْ يَقْبَلَهَا مِمَّنْ كان يُهْدِي إلَيْهِ قبل وِلَايَتِهِ وَلَوْ كان له حُكُومَةٌ قُلْت وهو بَعِيدٌ جِدًّا وقال أبو بَكْرٍ في التَّنْبِيهِ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَأَطْلَقَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأصحاب لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِمَّنْ كان يُهْدِي إلَيْهِ قبل وِلَايَتِهِ إذَا أَحَسَّ أَنَّ له حُكُومَةً وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قُلْت وهو الصَّوَابُ قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا من ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه وما هو بِبَعِيدٍ وقال الْقَاضِي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَدِيَّةً إلَّا من صَدِيقٍ كان يُلَاطِفُهُ قبل وِلَايَتِهِ أو ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ له خَصْمٌ انتهى‏.‏

وَعِبَارَتُهُ في الْمُسْتَوْعِبِ قَرِيبَةٌ من هذه وَذَكَرَ في الْفُصُولِ احْتِمَالًا أَنَّ الْقَاضِيَ في غَيْرِ عَمَلِهِ كَالْعَادَةِ‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى‏:‏ حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ قَبُولِهَا فَرَدُّهَا أَوْلَى بَلْ يُسْتَحَبُّ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قال في الْفُرُوعِ رَدُّهَا أَوْلَى وقال ابن حَمْدَانَ يُكْرَهُ أَخْذُهَا‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ لَا يَحْرُمُ على الْمُفْتِي أَخْذُ الْهَدِيَّةِ جَزَمَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال ‏[‏وقيل‏]‏ في آدَابِ الْمُفْتِي وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فَلَهُ قَبُولُهَا وَقِيلَ يَحْرُمُ إذَا كانت رِشْوَةً على أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ قُلْت أو يَكُونُ له فيه نَفْعٌ من جَاهٍ أو مَالٍ فَيُفْتِيهِ لِذَلِكَ بِمَا لَا يفتي بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ كَنَفْعِ الْأَوَّلِ انتهى‏.‏

وقال ابن مُفْلِحٍ في أُصُولِهِ وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ وَالْمُرَادُ لَا لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ وَإِلَّا حَرُمَتْ زَادَ بَعْضُهُمْ أو لِنَفْعِهِ بِجَاهِهِ أو مَالِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا أَنْ يُكَافِئَ وقال لو جَعَلَ لِلْمُفْتِي أَهْلُ بَلَدٍ رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لهم جَازَ وقال في الرِّعَايَةِ هو بَعِيدٌ وَلَهُ أَخْذُ الرِّزْقِ من بَيْتِ الْمَالِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ طَلَبَ الرِّزْقِ له وَلِأُمَنَائِهِ وَهَلْ يَجُوزُ له الْأَخْذُ إذَا لم يَكُنْ له ما يَكْفِيهِ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي في أَوَائِلِ بَابِ الْقَضَاءِ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ الرِّشْوَةُ ما يُعْطَى بَعْدَ طَلَبِهِ والهدية الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً قَالَهُ في التَّرْغِيبِ ذَكَرَهُ عنه في الْفُرُوعِ في بَابِ حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ‏.‏

الرَّابِعَةُ‏:‏ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَخَالَفَ وَفَعَلَ أُخِذَتْ منه لِبَيْتِ الْمَالِ على قَوْلٍ لِخَبَرِ بن اللُّتْبِيَّةِ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقِيلَ تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وهو الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهَا إنَّ عَجَّلَ مُكَافَأَتَهَا وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ هَدِيَّةُ الْعَامِلِ لِلصَّدَقَاتِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ وقال فَدَلَّ على أَنَّ في انْتِقَالِ الْمَلِكِ في الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَجْهَيْنِ قال وَيُتَوَجَّهُ إنَّمَا في الرِّعَايَةِ أَنَّ السَّاعِيَ يَعْتَدُّ لِرَبِّ الْمَالِ بِمَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ نَصَّ عليه وَعَنْهُ لَا مَأْخَذُهُ ذلك وَنَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ اشْتَرَى من وَكِيلٍ فَوَهَبَهُ شيئا أَنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا يَدُلُّ لِكَلَامِ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ وَيُتَوَجَّهُ فيه في نَقْلِ الْمَلِكِ الْخِلَافُ وَجَزَمَ بِه ابن تَمِيمٍ في عَامِلِ الزَّكَاةِ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ بِرِشْوَةٍ أو هَدِيَّةٍ أَخَذَهَا الْإِمَامُ لَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ وَتَبِعَهُ في الرِّعَايَةِ ثُمَّ قال قُلْت إنْ عُرِفُوا رُدَّ إلَيْهِمْ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ وَلِيَ شيئا من أَمْرِ السُّلْطَانِ لَا أُحِبُّ له أَنْ يَقْبَلَ شيئا يُرْوَى هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ وَالْحَاكِمُ خَاصَّةً لَا أُحِبُّهُ له إلَّا مِمَّنْ كان له بِهِ خِلْطَةٌ وَوَصْلَةٌ وَمُكَافَأَةٌ قبل أَنْ يَلِيَ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ كَسَبَ مَالًا مُحَرَّمًا بِرِضَى الدَّافِعِ ثُمَّ تَابَ كَثَمَنِ خَمْرٍ وَمَهْرِ بَغْيٍ وَحُلْوَانِ كَاهِنٍ أَنَّ له ما سَلَفَ وقال أَيْضًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ لِقَبْضِهِ عِوَضَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ كما نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في حَامِلِ الْخَمْرِ وقال في مَالٍ مُكْتَسِبٍ من خَمْرٍ وَنَحْوِهِ يَتَصَدَّقُ بِهِ فإذا تَصَدَّقَ بِهِ فَلِلْفَقِيرِ أَكْلُهُ وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِأَعْوَانِهِ وقال أَيْضًا فِيمَنْ تَابَ أن عَلِمَ صَاحِبُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِلَّا دَفَعَهُ في مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ مع حَاجَتِهِ أَخْذُ كِفَايَتِهِ وقال في الرَّدِّ على الرَّافِضِيِّ في بَيْعِ سِلَاحٍ في فِتْنَةٍ وَعِنَبٍ لِخَمْرٍ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وقال هو قَوْلُ مُحَقِّقِي الْفُقَهَاءِ وقال في الْفُرُوعِ كَذَا قال وَقَوْلُهُ مع الْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَتَقَدَّمَ ما يَقْرُبُ من ذلك في بَابِ الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ بَقِيَتْ في يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا الْخَامِسَةُ لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْهَدِيَّةِ لِمَنْ يَشْفَعُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَنَحْوَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وأمأ ‏[‏وأومأ‏]‏ إلَيْهِ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ وَالشَّفَاعَةِ من الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عليها وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ في السُّنَنِ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَدَّاهَا فَأُهْدِيَتْ إلَيْهِ هَدِيَّةٌ أَنَّهُ لَا يَقْبَلَهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ وَحُكْمُ الْهَدِيَّةِ عِنْدَ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ كَحُكْمِ الْوَدِيعَةِ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَكِّلَ في ذلك من لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ من الْأصحاب وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَجَعَلَهَا الشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ كَالْهَدِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ كَالْوَالِي وَسَأَلَهُ حَرْبٌ هل لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يَتَّجِرَ قال لَا إلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ في الْوَالِي‏.‏

فائدة‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيُسْتَحَبُّ له عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ ما لم تَشْغَلُهُ عن الْحُكْمِ وَذَكَرَ في التَّرْغِيبِ وَيُوَدِّعُ الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ قَالَهُ في الرِّعَايَةِ وزاد وَلَهُ زِيَارَةُ أَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ الصُّلَحَاءِ ما لم يَشْتَغِلُ عن الْحُكْمِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَهُ حُضُورُ الْوَلَائِمِ يَعْنِي من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وهو في الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ وقال أبو الْخَطَّابِ تُكْرَهُ له الْمُسَارَعَةُ إلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ عُرْسٍ وَيَجُوزُ له ذلك وقال في التَّرْغِيبِ يُكْرَهُ قال في الرِّعَايَةِ كما لو قَصَدَ رِيَاءً أو كانت لِخَصْمٍ وَقَدَّمَ في التَّرْغِيبِ لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ كَثُرَتْ تَرَكَهَا كُلَّهَا ولم يُجِبْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ قال الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَا يُجِيبُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِلَا عُذْرٍ وهو صَحِيحٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّف وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَجَمَاعَةٌ إنْ كَثُرَتْ الْوَلَائِمُ صَانَ نَفْسَهُ وَتَرَكَهَا قال في الْفُرُوعِ ولم يَذْكُرُوا لو تَضَيَّفَ رَجُلًا قال وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ يَجُوزُ وَيُتَوَجَّهُ كَالْمُقْرِضِ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حَافِظًا عَالِمًا ولم يذكر في الْفُرُوعِ مُكَلَّفًا وقال وَيُتَوَجَّهُ فيه ما في عَامِلِ الزَّكَاةِ وقال في الْكَافِي عَارِفًا قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَافِرَ الْعَقْلِ وَرِعًا نَزِهًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا جَيِّدَ الْخَطِّ حُرًّا وَإِنْ كان عَبْدًا جَازَ‏.‏

فائدة‏:‏

اتِّخَاذُ الْكَاتِبِ على سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَنَّ ذلك مُسْتَحَبٌّ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ له وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ وَحُكْمُهُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ له لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَلَا يَنْفُذُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وحكاه ‏[‏وحكمه‏]‏ الْقَاضِي عِيَاضٌ إجْمَاعًا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال أبو بَكْرٍ يَجُوزُ له ذلك وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهَا في الْمُبْهِجِ وَقِيلَ يَجُوزُ بين وَالِدِيهِ وَوَلَدَيْهِ وما هو بِبَعِيدٍ وَأَطْلَقَ في الْمُحَرَّرِ جَوَازَ حُكْمِهِ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ له وَجْهَيْنِ‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى‏:‏ يَحْكُمُ لِيَتِيمِهِ على قَوْلِ أبي بَكْرٍ قَالَهُ في التَّرْغِيبِ وَقِيلَ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ أَيْضًا قال في الرِّعَايَةِ فَإِنْ صَارَ وصى الْيَتِيمِ حَاكِمًا حَكَمَ له بِشُرُوطِهِ وَقِيلَ لَا‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ كَحُكْمِهِ لِغَيْرِهِ بِشَهَادَتِهِمَا ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وابن الزَّاغُونِيِّ وأبو الْوَفَاءِ وزاد إذَا لم يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِمَا من ذلك تُهْمَةٌ ولم يُوجِبْ لَهُمَا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا رِيبَةٌ ولم يَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّزْكِيَةِ وَقِيلَ ليس له اسْتِخْلَافُهُمَا قال في الرِّعَايَةِ قُلْت إنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُمَا وَتَزْكِيَتُهُمَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ ليس له الْحُكْمُ على عَدُوِّهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ أَنْ يفتي عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ ليس له ذلك كما تَقَدَّمَ في أَحْكَامِ الْمُفْتِي‏.‏

الرَّابِعَةُ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ حَضَرَ خَصْمُهُ نَظَرَ بَيْنَهُمَا بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ كان حُبِسَ لِتُعَدَّلَ الْبَيِّنَةُ فَإِعَادَتُهُ مَبْنِيَّةٌ على حَبْسِهِ في ذلك قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ إعَادَتُهُ وقال في الرِّعَايَةِ تُعَادُ إنْ كان الْأَوَّلُ حَكَمَ بِهِ مع أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَحْبُوسِ حُكْمٌ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَفِعْلِهِ وَأَنَّ مثله تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ وَنَحْوِهِ قال وَالْمُرَادُ إذَا لم يَأْمُرْ ولم يَأْذَنْ بِحَبْسِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَأَمْرُهُ وَإِذْنُهُ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ كما يَأْتِي‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ كان حُبِسَ في تُهْمَةٍ أو افْتِيَاتٍ على الْقَاضِي قَبْلَهُ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابن منجا وَغَيْرِهِمْ قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِحَبْسِهِ التَّأْدِيبُ وقد حَصَلَ وقال ابن مُنَجَّا لِأَنَّ بَقَاءَهُ في الْحَبْسِ ظُلْمٌ قُلْت في هذا نَظَرٌ وقال في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حَبَسَهُ تعذيرا ‏[‏تعزيرا‏]‏ أو تُهْمَةً خَلَّاهُ أو بَقَّاهُ بِقَدْرِ ما يَرَى وَكَذَا قال في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قُلْت وهو الصَّوَابُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ من أَطْلَقَ وَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ يَدُلُّ عليه‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ لم يَحْضُرْ له خَصْمٌ وقال حُبِسَتْ ظُلْمًا وَلَا حَقَّ عَلَيَّ وَلَا خَصْمَ لي نَادَى بِذَلِكَ ثَلَاثًا فَإِنْ حَضَرَ له خَصْمٌ وَإِلَّا أَحَلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَكَذَا قال في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ وابن مُنَجَّا على ذلك وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ نُودِيَ بِذَلِكَ ولم يَذْكُرُوا ثَلَاثًا قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ من قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ يَشْتَهِرُ بِذَلِكَ وَيَظْهَرُ له غَرِيمٌ إنْ كان في الْغَالِبِ وَمُرَادُ من لم يُقَيِّدْ أَنَّهُ يُنَادِي عليه حتى يَغْلِبَ على الظَّنِّ أَنَّهُ ليس له غَرِيمٌ وَيَحْصُلُ ذلك في الْغَالِبِ في ثَلَاثٍ فَيَكُونُ الْمَعْنَى في الْحَقِيقَةِ وَاحِدًا وَكَلَامُهُمْ مُتَّفِقٌ لَكِنْ حُكِيَ في الرِّعَايَتَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَقَدَّمَ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثِ فَظَاهِرُهُ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى‏:‏ لو كان خَصْمُهُ غَائِبًا أَبْقَاهُ حتى يَبْعَثَ إلَيْهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ يُخَلِّي سَبِيلَهُ كما لو جَهِلَ مَكَانَهُ أو تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ قُلْت وهو ضَعِيفٌ وقال في الْفُرُوعِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُطْلِقَهُ إلَّا بِكَفِيلٍ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت وهو عَيْنُ الصَّوَابِ إذَا قُلْنَا يُطْلِقُ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ لو حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ أو خَمْرِ ذِمِّيٍّ فَقِيلَ يخلى سَبِيلَهُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وقال إنَّ صَدَّقَهُ غَرِيمُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَقِيلَ يَبْقَى وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَقِيلَ يَقِفُ لِيَصْطَلِحَا على شَيْءٍ وَجَزَمَ في الْفُصُولِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ الْجَدِيدِ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ إطْلَاقُ الْحَاكِمِ الْمَحْبُوسَ من الْحَبْسِ أو غَيْرِهِ حُكْمٌ جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَكَذَا أَمَرَهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ ذَكَرَهُ في الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ في الْمُحْتَسِبِ وَتَقَدَّمَ في بَابِ الصُّلْحِ أَنَّ إذْنَهُ في مِيزَابٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ يَمْنَعُ الضَّمَانَ لِأَنَّهُ كَإِذْنِ الْجَمِيعِ وَمَنْ مَنَعَ فَلِأَنَّهُ ليس له عِنْدَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَا لِأَنَّ إذْنَهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِإِذْنِهِ في قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِ ذلك وَلَا يَضْمَنُ بِإِذْنِهِ في النَّفَقَةِ على لَقِيطٍ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ ضَمِنَ لِعَدَمِهَا وَلِهَذَا إذْنُ الْحَاكِمِ في أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فيه كَافٍ بِلَا خِلَافٍ وَسَبَقَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْحَاكِمَ ليس هو الْفَاسِخُ وَإِنَّمَا يَأْذَنُ له وَيْحُكُمْ له فَمَتَى أَذِنَ أو حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أو فَسْخٍ فَعَقَدَ أو فَسَخَ لم يَحْتَجْ بَعْدَ ذلك إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لو عَقَدَ هو أو فسخ ‏[‏فسح‏]‏ فَهُوَ فِعْلُهُ وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ فيه الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ انتهى‏.‏

وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ ثَبَتَ عليه قَوْدٌ لِزَيْدٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ولم يَقُلْ حَكَمْت بِهِ أو أَمَرَ رَبُّ الدِّينِ الثَّابِتِ أَنْ يَأْخُذَهُ من مَالِ الْمَدْيُونِ ولم يَقُلْ حَكَمْت بِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَكَذَا حَبْسُهُ وَإِذْنُهُ في الْقَتْلِ وَأَخْذِ الدَّيْنِ انتهى‏.‏

الرَّابِعَةُ فِعْلُهُ حُكْمٌ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقد ذَكَرَ الْأصحاب في حمي الْأَئِمَّةِ أَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كما لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ وَذَكَرُوا خِلَافَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمِيزَابَ وَنَحْوَهُ يَجُوزُ بأذن وَاحْتَجُّوا بِنَصْبِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِيزَابَ الْعَبَّاسِ رضى اللَّهُ عنه وقال الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ في بَيْعِ ما فُتِحَ عَنْوَةً إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا صَحَّ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ وقال في الْمُغْنِي أَيْضًا لَا شُفْعَةَ فيها إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ أو يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ وقال في الْمُغْنِي أَيْضًا إنَّ تَرْكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لها وَأَنَّ ما فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ ليس لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ وقال إنَّمَا مَنَعَهُ منه بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ تَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ انتهى‏.‏

وَفِعْلُهُ حُكْمٌ كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ فلم يُصَدِّقْهُ وَقُلْنَا يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لم يَصِحَّ لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عنه وَذَكَرَ الْأصحاب في الْقِسْمَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمَنْسِيَّةِ أَنَّ قُرْعَةَ الْحَاكِمِ كَحُكْمِهِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَالْمَجْدُ في الْمُحَرَّرِ فِعْلُهُ حُكْمٌ إنْ حَكَمَ بِهِ هو أو غَيْرُهُ وِفَاقًا كَفُتْيَاهُ فإذا قال حَكَمْت بِصِحَّتِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال ابن الْقَيِّمِ في أَعْلَامِ الْمَوْقِعَيْنِ فُتْيَا الْحَاكِمِ لَيْسَتْ حُكْمًا منه فَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ ما أَفْتَى لم يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ وَلَا هِيَ كَالْحُكْمِ وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يفتي لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ له وَمَنْ لَا يَجُوزُ انتهى‏.‏

وقال في الْمُسْتَوْعِبِ حُكْمُهُ يَلْزَمُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ أَلْزَمْتُك أو قَضَيْت له عَلَيْك أو أَخْرِجْ إلَيْهِ منه وَإِقْرَارُهُ ليس كَحُكْمِهِ‏.‏

الْخَامِسَةُ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يَنْظُرُ في أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا الْوَصَايَا فَلَوْ نَفَّذَ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ لم يَعُدْ له لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَةُ أَهْلِيَّتِهِ لَكِنْ يُرَاعِيهِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجُرْحٍ وَأَهْلِيَّةِ وصية وَغَيْرِهَا حُكْمٌ خِلَافًا لِمَالِكِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَنَّ له إثْبَاتَ خِلَافِهِ وقد ذَكَرَ الْأصحاب أَنَّهُ إذَا بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ في عَدَالَتِهِ أو يَحْكُمُ وقال في الرِّعَايَتَيْنِ هُنَا وَيَنْظُرُ في أَمْوَالِ الْغِيَابِ زَادَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَكُلُّ ضَالَّةٍ وَلُقَطَةٍ حتى الْإِبِلُ وَنَحْوُهَا انتهى‏.‏

وقد ذَكَرَ الْأصحاب منهم الْمُصَنِّفُ في هذا الْكِتَابِ في أَوَاخِرِ الْبَابِ الذي بَعْدَ هذا إذَا ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عنه وَعَنْ أَخٍ له غَائِبٌ وَلَهُ مَالٌ في ذِمَّةِ فُلَانٍ أو دَيْنٌ عليه وَثَبَتَ ذلك أَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَ الْغَائِبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَيَدْفَعُ إلَى الْأَخِ الْحَاضِرِ نَصِيبَهُ وَتَقَدَّمَ في بَابِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قال إذَا حَصَلَ لِأَسِيرٍ من وَقْفِ شَيْءٍ تَسَلَّمَهُ وَحَفِظَهُ وَكِيلُهُ وَمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ جَمِيعُهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ‏.‏

السَّادِسَةُ‏:‏ من كان من أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ لِلْأَطْفَالِ أو الْوَصَايَا التي لَا وَصِيَّ لها وَنَحْوَهُ بِحَالِهِ أَقَرَّهُ لِأَنَّ الذي قَبْلَهُ وَلَّاهُ وَمَنْ فَسَقَ عَزَلَهُ وَيَضُمُّ إلَى الضَّعِيفِ أَمِينًا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ أنها مَسْأَلَةُ النَّائِبِ وَجَعَلَ في التَّرْغِيبِ أُمَنَاءَ الْأَطْفَالِ كَنَائِبِهِ في الْخِلَافِ وَأَنَّهُ يُضَمُّ إلَى وَصِيٍّ فَاسِقٍ أو ضَعِيفٍ أَمِينًا وَلَهُ إبْدَالُهُ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظَاهِرُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَنْظُرُ في حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ وُجُوبُ النَّظَرِ في أَحْكَامِ من قَبْلَهُ لِأَنَّهُ عَطْفَهُ على النَّظَرِ في أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ وَتَابَعَ في ذلك صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فيها وَغَيْرَهُ وهو ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ له النَّظَرُ في ذلك من غَيْرِ وُجُوبٍ وهو الْمَذْهَبُ قال في الْفُرُوعِ وَلَهُ في الْأَصَحِّ النَّظَرُ في حَالِ من قَبْلَهُ قال الزَّرْكَشِيُّ وَقُوَّةُ كَلَامِ الخرقى تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عليه تَتَبُّعُ قَضَايَا من قَبْلَهُ وهو ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَقِيلَ ليس له النَّظَرُ في حَالِ من قَبْلَهُ ألبته‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ كان مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لم يَنْقُضْ من أَحْكَامِهِ إلَّا ما خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ نَصَّ عليه فَيَلْزَمُهُ نَقْضُهُ نَصَّ عليه إذَا عَلِمْت ذلك فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً سَوَاءٌ كانت مُتَوَاتِرَةً أو آحَادًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً غير مُتَوَاتِرَةٍ قَوْله أو إجْمَاعًا الْإِجْمَاعُ إجْمَاعَانِ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ وَإِجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ فإذا خَالَفَ حُكْمُهُ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا نُقِضَ حُكْمُهُ قَطْعًا وأن لم يَكُنْ قَطْعِيًّا لم يُنْقَضْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ يُنْقَضُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَكَلَامِ الْوَجِيزِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ من الْأصحاب‏.‏

تنبيه‏:‏

صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ قِيَاسًا جَلِيًّا وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاخْتَارَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وقال أو خَالَفَ حُكْمَ غَيْرِهِ قَبْلَهُ قال وَكَذَا يُنْقَضُ من حُكِمَ بِفِسْقِهِ وَحَاكِمٌ مُتَوَلٍّ غَيْرَهُ وَقِيلَ أن خَالَفَ قِيَاسًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا في حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ نَقَضَهُ وَإِنْ كان في حَقِّ آدَمِيٍّ لم يَنْقُضْهُ إلَّا بِطَلَبِ رَبِّهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ‏.‏

فائدة‏:‏

لو حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لم يُنْقَضْ وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ إجْمَاعًا وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمَا لم يَعْتَقِدْهُ وِفَاقًا للإئمة الْأَرْبَعَةِ وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا إجْمَاعًا وقال في الْإِرْشَادِ وَهَلْ يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ قَوْلِ صَاحِبٍ يُتَوَجَّهُ نَقْضُهُ إنْ جُعِلَ حُجَّةً كَالنَّصِّ وَإِلَّا فَلَا قال في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ لو حَكَمَ في مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفِ فيها بِمَا يَرَى أَنَّ الْحَقَّ في غَيْرِهِ أَثِمَ وَعَصَى بِذَلِكَ ولم يُنْقَضْ حُكْمُهُ ألا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِنَصٍّ صَرِيحٍ ذَكَرَه ابن أبي مُوسَى وقال السَّامِرِيُّ يُنْقَضُ حُكْمُهُ نَقَل ابن الْحَكَمِ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ وَأَخَذَ آخَرُ بِقَوْلِ تَابِعِيٍّ فَهَذَا يُرَدُّ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَجَوُّزِ وَتَأَوُّلِ الْخَطَأِ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ فَأَمَّا إذَا أَخْطَأَ بِلَا تَأْوِيلٍ فَلْيَرُدَّهُ وَيَطْلُبُ صَاحِبَهُ حتى يَرُدَّهُ فَيَقْضِي بِحَقٍّ قوله وَإِنْ كان مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ نَقْضَ أَحْكَامِهِ هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأصحاب نَقَلَ عبد اللَّهِ إنْ لم يَكُنْ عَدْلًا لم يَجُزْ حُكْمُهُ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هذا الْأَشْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُنْقَضُ الصَّوَابُ منها وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في التَّرْغِيبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى وَأَبِي بَكْرٍ وابن عَقِيلٍ وابن الْبَنَّا حَيْثُ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ من الْحُكْمِ إلَّا ما خَالَفَ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْمَاعًا قُلْت وهو الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الناس من مُدَدٍ وَلَا يَسَعُ الناس غَيْرُهُ وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا إذَا خَالَفَتْ الصَّوَابَ فَإِنَّهَا تُنْقَضُ بِلَا نِزَاعٍ قال في الرِّعَايَةِ وَلَوْ سَاغَ فيها الِاجْتِهَادَ

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا‏:‏ حُكْمُهُ بِالشَّيْءِ حُكْمٌ يُلَازِمُهُ ذَكَرَهُ الْأصحاب في الْمَفْقُودِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِلَازِمِهِ وقال في الِانْتِصَارِ في لِعَانِ عَبْدٍ في إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ رَدَّهُ لها حُكْمٌ بِالرَّدِّ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ له فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ رَدِّ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا وقال في الِانْتِصَارِ أَيْضًا في شَهَادَةٍ في نِكَاحٍ لو قُبِلَتْ لم يَكُنْ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ فإن سَبَبَ الْأَوَّلِ الْفِسْقُ وَزَالَ ظَاهِرًا لِقَبُولِ سَائِرِ شَهَادَاتِهِ وإذا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْوَاقِعَةِ فَتَغَيَّرَ الْقَضَاءُ بها لم يَكُنْ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ الْأَوَّلِ بَلْ رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فيه فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ أولوليه وقال في الْمُغْنِي رَدُّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بِاجْتِهَادِهِ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ له وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ في رَدِّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ قد مَضَى وَالْمُخَالَفَةَ في قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مع الْعِلْمِ وَإِنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ أو جَهِلَ عِلْمَهُ بَيِّنَةَ دَاخِلٍ لم يُنْقَضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَرْيُهُ على الْعَدْلِ وَالصِّحَّةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي في آخِرِ فُصُولِ من ادَّعَى شيئا في يَدِ غَيْرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ يَعْنِي بِنَقْضِهِ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ ثُبُوتُ الشَّيْءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ليس حُكْمًا بِهِ على ما ذَكَرُوهُ في صِفَةِ السِّجِلِّ وفي كِتَابِ الْقَاضِي على ما يَأْتِي وَكَلَامُ الْقَاضِي هُنَاكَ يُخَالِفُهُ قال ذلك في الْفُرُوعِ وقد دَلَّ كَلَامُهُ في الْفُرُوعِ في بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّ في الثُّبُوتِ خِلَافًا هل هو حُكْمٌ أَمْ لَا بِقَوْلِهِ في أَوَائِلِ الْبَابِ فَإِنْ حَكَمَ الْمَالِكِيُّ لِلْخِلَافِ في الْعَمَلِ بِالْخَطِّ فَلِحَنْبَلِيٍّ تَنْفِيذُهُ وَإِنْ لم يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ بَلْ قال ثَبَتَ كَذَا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ ثُمَّ إنْ رأي الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ وَيَأْتِي في آخِرِ الْبَابِ الذي يَلِيه هل تَنْفِيذُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ أَمْ لَا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وإذا اسْتَعْدَاهُ أَحَدٌ على خَصْمٍ له أَحْضَرَهُ يَعْنِي يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب قال في الْهِدَايَةِ هذا اخْتِيَارُ عَامَّةِ شُيُوخِنَا قال في الْخُلَاصَةِ وهو الْأَصَحُّ قال النَّاظِمُ وهو الْأَقْوَى قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وهو الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا يُحْضِرُهُ حتى يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا وَقَدَّمَهُ في الْحَاوِي وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُحَرَّرِ فَلَوْ كان لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا بِأَنْ كان بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً أَحْضَرَهُ وفي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ قبل إحْضَارِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قال في الْفُرُوعِ وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ على خَصْمٍ في الْبَلَدِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ وَقِيلَ إنْ حَرَّرَ دَعْوَاهُ وقال في الْمُحَرَّرِ وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ على خَصْمٍ حَاضِرٍ في الْبَلَدِ أَحْضَرَهُ لَكِنْ في اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَجْهَانِ فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَجَعَلَا الْخِلَافَ فيها وَجْهَيْنِ وَحَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ هل يُشْتَرَطُ في حُضُورِ الْخَصْمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ الشَّاكِي أَصْلًا أَمْ لَا ولم يَذْكُرُوا تَحْرِيرَ الدَّعْوَى فَالظَّاهِرُ أَنَّ هذه مَسْأَلَةٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا يُحْضِرُهُ لَكِنْ في اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى قبل إحْضَارِهِ الْوَجْهَيْنِ وَذَكَرَهُمَا في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مَسْأَلَتَيْنِ فقال وَإِنْ ادَّعَى على حَاضِرٍ في الْبَلَدِ فَهَلْ له أَنْ يُحْضِرَهُ قبل أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً فِيمَا ادَّعَاهُ على رِوَايَتَيْنِ وَإِنْ كان بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ أَحْضَرَهُ أو وَكِيلَهُ وفي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ قبل إحْضَارِهِ وَجْهَانِ انتهى‏.‏

وهو الصَّوَابُ وَذَكَرَ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ طَرِيقَةً

فائدتان‏:‏

إحْدَاهُمَا‏:‏ لَا يعدي حَاكِمٌ في مِثْلِ ما لَا تَتْبَعُهُ الْهِبَةُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شَكِيَّةَ أَحَدٍ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ هَكَذَا وَرَدَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ مَتَى لم يُحْضِرْهُ لم يُرَخَّصْ له في تَخَلُّفِهِ وَإِلَّا أَعْلَمَ بِهِ الْوَالِيَ وَمَتَى حَضَرَ فَلَهُ تَأْدِيبُهُ بِمَا يَرَاهُ‏.‏

تنبيه‏:‏

مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرُهُ إذَا اسْتَعْدَاهُ على حَاضِرٍ في الْبَلَدِ أَمَّا إنْ كان الْمُدَّعَى عليه غَائِبًا فَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ من الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ هذا وكذا إذَا كان غَائِبًا عن الْمَجْلِسِ وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ اسْتَعْدَاهُ على الْقَاضِي قَبْلَهُ سَأَلَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ فَإِنْ قال لي عليه دَيْنٌ من مُعَامَلَةٍ أو رِشْوَةٍ رَاسَلَهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ منه وَإِنْ أَنْكَرَهُ وقال إنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَبْذِيلِي فَإِنْ عَرَفَ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَهَلْ يُحْضِرُهُ على رِوَايَتَيْنِ يَعْنِي وَإِنْ لم يَعْرِفْ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى على الْقَاضِي الْمَعْزُولِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى في حَقِّهِ جَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَتَيْنِ قال في الْفُرُوعِ وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا في حَاكِمٍ مَعْزُولٍ في الْأَصَحِّ وَقِيلَ هو كَغَيْرِهِ قال في الشَّرْحِ وَإِنْ ادَّعَى عليه الْجَوْرَ في الْحَكَمِ وكان للمدعى بَيِّنَةٌ أَحْضَرَهُ وَحَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ معه بَيِّنَةٌ فَفِي إحْضَارِهِ وَجْهَانِ انتهى‏.‏

وَعَنْهُ مَتَى بَعُدَتْ الدَّعْوَى عُرْفًا لم يُحْضِرْهُ حتى يُحَرِّرَهَا وَيُبَيِّنَ أَصْلَهَا وزاد في الْمُحَرَّرِ في هذه الرِّوَايَةِ فقال وَعَنْهُ كُلٌّ من يُخْشَى بِإِحْضَارِهِ ابْتِذَالُهُ إذَا بَعُدَتْ الدَّعْوَى عليه في الْعُرْفِ لم يُحْضِرْهُ حتى يُحَرِّرْ وَيُبَيِّنَ أَصْلَهَا وَعَنْهُ مَتَى تَبَيَّنَ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

تنبيه‏:‏

لَا بُدَّ من مُرَاسِلَتِهِ قبل إحْضَارِهِ على كل قَوْلٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ في تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ قال في الْفُرُوعِ وَيُرَاسِلُهُ في الْأَصَحِّ قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَمُرَاسَلَتُهُ أَظْهَرُ قال النَّاظِمِ وَرَاسَلَ في الْأَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ من الْأصحاب منهم صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُحْضِرُهُ من غَيْرِ مُرَاسَلَةٍ وهو رِوَايَةٌ في الرِّعَايَةِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي فإنه لم يذكر الْمُرَاسَلَةَ بَلْ قال إنْ ذَكَرَ الْمُسْتَعْدِيُّ أَنَّهُ يَدَّعِي عليه حَقًّا من دَيْنٍ أو غَصْبٍ أَعْدَاهُ عليه كَغَيْرِ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ فَإِنْ قال حَكَمَ على بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ بِغَيْرِ يَمِينٍ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ إلَّا بِيَمِينِهِ‏.‏

فائدة‏:‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَخْصِيصُ الْحَاكِمِ الْمَعْزُولِ بِتَحْرِيرِ الدَّعْوَى في حَقِّهِ لَا مَعْنَى له فإن الْخَلِيفَةَ وَنَحْوَهُ في مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ الْكَبِيرُ وَالشَّيْخُ الْمَتْبُوعُ قُلْت وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ وَكَلَامُهُمْ لَا يُخَالِفُ ذلك وَالتَّعْلِيلُ يَدُلُّ على ذلك وقد قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ في كل من خِيفَ تَبْذِيلُهُ وَنَقَصَ حُرْمَتِهِ بِإِحْضَارِهِ إذَا بَعُدَتْ الدَّعْوَى عليه عُرْفًا قال كَسُوقِيٍّ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ سُلْطَانٍ كَبِيرٍ أو اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَتِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ ذلك رِوَايَةً عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ قال في الْخُلَاصَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ وَكَذَلِكَ ذَوُو الْأَقْدَارِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ قال الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ كُنْت حَكَمْت في وِلَايَتِي لِفُلَانٍ بِحَقٍّ قُبِلَ هذا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ ذَكَرَ مُسْتَنَدَهُ أو لَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في جَامِعِهِ وأبو الْخَطَّابِ في خلافية الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ الخرقى وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قال في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَكَذَا يُقْبَلُ بَعْدَ عَزْلِهِ في الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقَيَّدَهُ في الْفُرُوعِ بِالْعَدْلِ وهو أَوْلَى وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ وهو لِأَبِي الْخَطَّابِ قال الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الْقَاضِي في فُرُوعِ هذه الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ قَوْلَهُ هُنَا فَعَلَى هذا الِاحْتِمَالِ هو كَالشَّاهِدِ قال في الْمُحَرَّرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا على وَجْهِ الشَّهَادَةِ إذَا كان عن إقْرَارٍ وقال في الرِّعَايَةِ وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُ إلَّا إذَا اسْتَشْهَدَ مع عَدْلٍ آخَرَ عِنْدَ حَاكِمٍ غَيْرَهُ أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِهِ أو أَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ ولم يذكر نَفْسَهُ ثُمَّ حكى احْتِمَالُ الْمُحَرَّرِ قَوْلًا انتهى‏.‏

وَقِيلَ ليس هو كَشَاهِدٍ وَجَزَمَ بِهِ في الرَّوْضَةِ فَلَا بُدَّ من شَاهِدَيْنِ سِوَاهُ وَيَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا أَخْبَرَ الْحَاكِمُ في حَالِ وِلَايَتِهِ أَنَّهُ حَكَمَ لِفُلَانٍ بِكَذَا في آخِرِ الْبَابِ الأتي بَعْدَ هذا وهو قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ له فَصَدَّقَهُ قبل قَوْلِ الْحَاكِمِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ من شَرْطِ قَبُولِ قَوْلِهِ أَنْ لَا يُتَّهَمَ ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

تنبيه‏:‏

قال الْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ قَبُولُ قَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لم يَشْتَمِلْ على إبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ على نَفْسِهِ فَأَخْبَرَ حَاكِمٌ حَنْبَلِيٌّ أَنَّهُ كان حَكَمَ قبل حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ لم يُقْبَلْ نَقَلَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ في حَوَاشِي الْفُرُوعِ وقال هذا تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ وقال الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ قَبُولُ قَوْلِهِ فَلَوْ كانت الْعَادَةُ تَسْجِيلَ أَحْكَامِهِ وَضَبْطَهَا بِشُهُودٍ وَلَوْ قَيَّدَ ذلك بِمَا إذَا لم يَكُنْ عَادَةً كان مُتَّجَهًا لِوُقُوعِ الرِّيبَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ انتهى‏.‏

قُلْت ليس الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ الْحَاكِمِ وَيَدُلُّ عليه ما قَالَهُ أبو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ على ما تَقَدَّمَ‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى‏:‏ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابُهُ في غَيْرِ عَمَلِهِ أو بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ إخْبَارِ الْحَاكِمِ في حَالِ الْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ أَمِيرُ الْجِهَادِ وَأَمِينُ الصَّدَقَةِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاقْتَصَرَ عليه في الْفُرُوعِ قال في الِانْتِصَارِ كُلُّ من صَحَّ منه إنْشَاءُ أَمْرٍ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ لو أخبره حَاكِمٌ آخَرَ بِحُكْمٍ أو ثُبُوتٍ في عَمَلِهِمَا عَمِلَ بِهِ في غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ عَمِلَ بِهِ مع غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ عن الْمَجْلِسِ‏.‏

الرَّابِعَةُ‏:‏ يُقْبَلُ خَبَرُ الْحَاكِمِ لِحَاكِمٍ آخَرَ في غَيْرِ عَمَلِهِمَا وفي عَمَلِ أَحَدِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى وَاخْتَارَه ابن حَمْدَانَ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ قال الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أبي مُحَمَّدٍ وَقَدَّمَهُ في الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وابن رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ في ذلك كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ في عَمَلِهِ حَاكِمًا في غَيْرِ عَمَلِهِ فَيَعْمَلُ بِهِ إذَا بَلَغَ عَمَلُهُ وَجَازَ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّرْغِيبِ ثُمَّ قال وَإِنْ كَانَا في وِلَايَةِ الْمُخْبِرِ فَوَجْهَانِ وَفِيهِ أَيْضًا إذَا قال سَمِعْت الْبَيِّنَةَ فَاحْكُمْ لَا فَائِدَةَ له مع حَيَاةِ الْبَيِّنَةِ بَلْ عِنْدَ الْعَجْزِ عنها فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ تابعة يُفَرَّقُ بين هذه الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ ما إذَا قال الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ كُنْت حَكَمْت في وِلَايَتِي لِفُلَانٍ بِكَذَا أَنَّهُ يُقْبَلُ هُنَاكَ وَلَا يُقْبَلُ هُنَا فقال الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ ما يَحْصُلُ من الضَّرَرِ بِتَرْكِ قَبُولِ قَوْلِ الْمَعْزُولِ بِخِلَافِ هذا‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَإِنْ ادَّعَى على امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ لم يُحْضِرْهَا وَأَمَرَهَا بِالتَّوْكِيلِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأصحاب وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَأَطْلَقَ بن شِهَابٍ وَغَيْرُهُ إحْضَارَهَا لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنَاهُ على الشُّحِّ وَالضِّيقِ وَلِأَنَّ مَعَهَا أَمِينَ الْحَاكِمِ فَلَا يَحْصُلُ معه خِيفَةُ الْفُجُورِ وَالْمُدَّةُ يَسِيرَةٌ كَسَفَرِهَا من مَحَلَّةٍ إلى مَحَلَّةٍ وَلِأَنَّهَا لم تُنْشِئْ هِيَ إنَّمَا أُنْشِئَ بها وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ إنْ تَعَذَّرَ حُصُولُ الْحَقِّ بِدُونِ إحْضَارِهَا أَحْضَرَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي إن الْحَاكِمَ يَبْعَثُ من يَقْضِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا‏.‏

فوائد‏:‏

الْأُولَى‏:‏ لَا يُعْتَبَرُ لِامْرَأَةٍ بَرْزَةٍ في حُضُورِهَا مَحْرَمٌ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ الْأصحاب وَغَيْرُهَا تُوَكِّلُ كما تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَ في الِانْتِصَارِ النَّصَّ في الْمَرْأَةِ وَاخْتَارَهُ إنْ تَعَذَّرَ الْحَقُّ بِدُونِ حُضُورِهَا كما تَقَدَّمَ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ الْبَرْزَةُ هِيَ التي تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وقال في الْمَطْلَعِ هِيَ الْكَهْلَةُ التي لَا تَحْتَجِبُ احْتِجَابَ الشَّوَابِّ والمخدرة بِخِلَافِهَا وقال في التَّرْغِيبِ إنْ خَرَجَتْ لِلْعَزَاءِ وَالزِّيَارَاتِ ولم تُكْثِرْ فَهِيَ مُخَدَّرَةٌ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ الْمَرِيضُ يُوَكِّلُ المخدرة ‏[‏كالمخدرة‏]‏ قوله وَإِنْ ادَّعَى على غَائِبٍ عن الْبَلَدِ في مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فيه كَتَبَ إلَى ثِقَاتٍ من أَهْلِ ذلك الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ لم يَقْبَلُوا قِيلَ لِلْخَصْمِ حَقِّقْ ما تَدَّعِيهِ ثُمَّ يُحْضِرُهُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الآدمي وَشَرْحِ ابن منجا وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يُحْضِرُهُ من مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَقَلَّ وَقِيلَ لَا يُحْضِرُهُ إلَّا إذَا كان لِدُونِ مَسَافَةِ العنصر ‏[‏القصر‏]‏ وَعَنْهُ لِدُونِ يَوْمٍ جَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ وزاد بِلَا مُؤْنَةٍ ولامشقة قال الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ إنْ جاء وَعَادَ في يَوْمٍ أُحْضِرَ وَلَوْ قبل تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وقال في التَّرْغِيبِ لَا يُحْضِرُهُ مع الْبُعْدِ حتى تَتَحَرَّرَ دَعْوَاهُ وفي التَّرْغِيبِ أَيْضًا يَتَوَقَّفُ إحْضَارُهُ على سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ إذَا كانت مِمَّا لَا يَقْضِي فيه بِالنُّكُولِ قال وَذَكَرَ بَعْضُ أصحابنا لَا يُحْضِرُهُ مع الْبُعْدِ حتى يَصِحَّ عِنْدَهُ ما ادَّعَاهُ وَجَزَمَ بِهِ في التَّبْصِرَةِ‏.‏

تنبيه‏:‏

مَحَلُّ هذا إذَا كان الْغَائِبُ في مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إحْدَاهُمَا‏:‏ لو ادَّعَى قَبْلَهُ شَهَادَةً لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ ولم يُعْدَ عليه ولم يَحْلِفْ عِنْدَ الْأصحاب خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في ذلك قال وهو ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ وقال لو قال أنا أَعْلَمُهَا وَلَا أُؤَدِّيهَا فَظَاهِرٌ وَلَوْ نَكَلَ لَزِمَهُ ما ادَّعَى بِهِ إنْ قِيلَ كِتْمَانُهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِ ما تَلِفَ وَلَا يَبْعُدُ كما يَضْمَنُ في تَرْكِ الْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ لو طَلَبَهُ خَصْمُهُ أو حَاكِمٌ لِيُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ حَيْثُ يَلْزَم إحْضَارُهُ بِطَلَبِهِ منه‏.‏