فصل: ذِكْرُ مَوْتِ الرَّجُلِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ أَوْ بَعْدَهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الْفَرَسَيْنِ يَكُونَانِ مَعَ الْفَارِسِ الْوَاحِدِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ:

أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَ مَعَهُ بِأَفْرَاسٍ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَأَنَّ سَهْمَهُ وَسَهْمَ فَرَسٍ وَاحِدٍ يَجِبُ وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْطَاءِ الْفَارِسَيْنِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَهْمِ فَرَسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، لَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسٍ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالنُّعْمَانُ، وَيَعْقُوبُ، وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُسْهَمُ لِلْفَرَسيْنِ لَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ فِيمَا مَضَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ: أُسْهِمَ لِي وَلِهَانِئِ بْنِ هَانِئٍ فِي إِمَارَةِ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ لِفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلِهَانِئِ بْنِ هَانِئٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: لَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ يَقُولُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ سَهْمَ فَرَسٍ وَاحِدٍ يَجِبُ مَعَ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ.
وَجَبَ اتِّبَاعُ ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ بِهِ، إِذْ مَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ سُنَّةٌ وَإِجْمَاعٌ وَيَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَى أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقَاتِلًا أَبَدًا فِي حَالٍ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ، جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، وَصَارَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُسْهَمَ لِمَنْ مَعَهُ الْخَيْلُ الْكَثِيرَةُ عَلَى قَدْرِ خَيْلِهِ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ. وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ رَأَى أَنْ يُسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ تُكِلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ.
6548- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الزُّبَيْرَ، حَضَرَ بِأَفْرَاسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِفَرَسَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْخَبَرِ.
6549- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الزُّبَيْرَ، وَافَى، بِأَفْرَاسٍ فَلَمْ يُسْهِمْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ مُعَارِضٌ لِلْخَبَرِ قَبْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي هَذَا لَمْ يَقُمْ بِالْحَدِيثِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ تُكِلَّمَ فِي حِفْظِهِ.
6550- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُهُ.
6551- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الْعُمَرِيِّ، كَيْفَ حَدِيثُهُ؟ فَضَعَّفَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ خَبَرٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَجَبَ الْقَوْلُ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: إِنْ أَدْرَبَ الرَّجُلُ بِأَفْرَاسٍ كَانَ لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَانِ، قُلْتُ: وَإِنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَفْرَاسٌ: فُرْسَانِ، فَهُوَ كَقَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ قَوْلٌ شَاذُّ، لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ.

.ذِكْرُ إِبَاحَةِ جَمْعِ الْإِمَامِ لِلرَّاجِلِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ إِذَا وَصَلَ إِلَى فَتْحٍ بِفَنَائِهِ وَقُوَّتِهِ:

6552- حَدَّثَنَا الصَّائِغٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ صَدْرًا مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، حَتَّى أَحْرَزْتُ الظَّهْرَ الَّذِي أَخَذُوا، وَأَحْرَزْتُ مِنْ سَلَبِهِمْ سِوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا، وَثَلَاثِينَ بُرْدَةً قَالَ: رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ جَمِيعًا.

.ذِكْرُ الْهُجْنِ وَالْبَرَاذِينِ وَالْإِسْهَامِ لَهَا:

أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَ أَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ عَلَى الْعِرَابِ مِنَ الْخَيْلِ، أَنَّ سَهْمَ فَارِسٍ يَجِبُ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يُقَاتِلُ عَلَى الْهُجْنِ وَالْبَرَاذِينِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْبَرَاذِينُ وَالْمَقَارِيفُ يُسْهَمُ لَهَا سُهْمَانَ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّهَا تُغْنِي غِنَاءَهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ، وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لَهَا، قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] الْآيَةَ وَقَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، فَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الْخَيْلَ وَالْبَرَاذِينَ سَوَاءٌ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْبَرَاذِينَ أَنَّهَا مِنَ الْخَيْلِ، فَاسْهِمْ لَهَا، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] الْآيَةَ وَأَنَّهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَلَعَمْرِي مَا صَاحِبُ الْعَرَبِيِّ بِأَعْفَا مِنْ صَاحِبِ الْمُقْرِفِ، فِيمَا كَانَ مِنْ مُسَلَّحَةٍ، أَوْ حَرَسٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْبَرَاذِينَ وَالْهُجْنِ: مَا أَرَاهَا إِلَّا مِنَ الْخَيْلِ، إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْبَرَاذِينُ وَالْهُجْنُ سَوَاءٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَحَبُّ الْأَقَاوِيلِ إِلَيَّ: أَنَّ الْبَرَاذِينَ، وَالْمَقَارِيفَ يُسْهَمُ لَهَا سُهْمَانَ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّهُ تُغْنِي غِنَاءَهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ، وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لَهَا، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِي الْهَجِينِ كَذَلِكَ، وَقَالَ النُّعْمَانُ: سَهْمُ الْفَارِسِ وَالْبِرْذَوْنِ سَوَاءٌ، وَقَالَ يَعْقُوبُ فِي الْهَجِينِ كَذَلِكَ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ، فَلَا يُدْخِلُ إِلَّا شَدِيدًا، وَلَا يُدْخِلُ حَطِمًا، وَلَا قَحْمًا ضَعِيفًا، وَلَا ضَرَعًا، وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا، فَإِنْ غَفَلَ فَشَهِدَ رَجُلًا عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ، فَقَدْ قِيلَ: لَا يُسْهِمُ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا مِنَ الْخَيْلِ الَّتِي أَسْهَمَ لَهَا، وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ فِيمَا مَضَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ كَمَا أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلَمْ يُقَاتِلْ كَانَتْ شُبْهَةً، وَلَكِنْ فِي الْحَاضِرِ غَيْرُ الْمُقَاتِلِ الْعَوْنُ فِي الرَّأْيِ وَالدُّعَاءِ، وَأَنَّ الْجَيْشَ قَدْ يُنْصَرُونَ بِأَضْعَفِهِمْ، وَأَنَّهُ قَدْ لَا يُقَاتِلُ ثُمَّ يُقَاتِلُ وَفِيهِمْ مَرَضٌ، فَأَعْطَى سَهْمَهُ سُنَّةً، وَلَيْسَتْ فِي فَرَسٍ ضَرَعٌ، وَلَا قَحْمٌ وَاحِدٌ مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يُسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِلْبِرْذَوْنِ سَهْمٌ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ سَهْمِ الْبِرْذَوْنِ؟ قَالَ: سَهْمٌ وَاحِدٌ، قِيلَ: مَعَهُ الْبِرْذَوْنُ؟ قَالَ: يُسْهَمُ لِلْاثْنَيْنِ.
6553- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ، إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ قَالَ: عَنِ ابْنِ الْأَقْمَرِ، قَالَ: أَغَارَتِ الْخَيْلُ بِالشَّامِ، فَأَدْرَكَتِ الْعِرَابَ فِي يَوْمِهَا، وَأَدْرَكَتِ الْكَوَادِنَ مِنْ ضُحَى الْغَدِ، وَعَلَى الْخَيْلِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ: الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حِمْصَةَ، فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمَا مِثْلَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ، فَفَضَّلَ الْخَيْلَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: هَبَلَتِ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ، لَقَدْ أَذْكَتْ بِهِ، أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يُسْهِمَ لِلْبَرَاذِينَ كَذَلِكَ، قَالَ مَكْحُولٌ قَالَ: لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِلْمُقْرِفِ سَهْمٌ، وَلَيْسَ لِلْبِغَالِ وَالْبَرَاذِينَ شَيْءٌ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ بِإِسْهَامِ الْخَيْلِ سَهْمَانِ سِوَى سَهْمِ صَاحِبِهِ، وَيُسْهِمُ مَا شُبِّهَ بِالْعِرَابِ مِنَ الْهُجْنِ سَهْمَيْنِ، وَمَا شُبِّهَ بِالْهُجْنِ مِنَ الْمَقَارِيفِ سَهْمًا، وَيَتْرُكُ الْبَرَاذِينَ وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ غَزَا عَلَى بَغْلٍ، أَوْ حِمَارٍ، أَوْ بَعِيرٍ فَلَهُ سَهْمُ الرَّاجِلِ، وَمِمَّنْ نَحْفَظُ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ.

.ذِكْرُ غُزَاةِ الْبَحْرِ يَكُونُ مَعَهُمُ الْخَيْلُ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِسْهَامِ لِلْخَيْلِ فِي فَتْحِ الْحُصُونِ الَّتِي لَا تُقَاتِلُ عَلَيْهَا إِلَّا رَاجِلٌ وَفِي غُزَاةِ الْبَحْرِ يَكُونُ مَعَ بَعْضِهِمُ الْخَيْلُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي غُزَاةِ الْبَحْرِ: إِذَا كَانَ مَعَ بَعْضِهِمُ الْخَيْلُ أُسْهِمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمَ الرَّاجِلِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو، عَنْ إِسهامِ الْخَيْلِ مِنْ غَنَائِمِ الْحُصُونِ؟ فَقَالَ: كَانَتِ الْوُلَاةُ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْوَلِيدُ، وَسُلَيْمَانُ لَا يُسْهِمُونَ الْخَيْلَ مِنَ الْحُصُونِ، وَيَجْعَلُونَ النَّاسَ كُلَّهُمْ رَجَّالَةً، حَتَّى وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِإِسْهَامِهَا مِنْ فَتْحِ الْحُصُونِ وَالْمَدَائِنِ.

.ذِكْرُ الدَّابَّةِ تَمُوتُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَيْشِ أَرْضَ الْعَدُوِّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ:

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى يَغْنَمَ النَّاسُ وَيَحُوزُوا الْغَنَائِمَ، ثُمَّ تَمُوتُ الدَّابَّةُ، أَنَّ صَاحِبَهَا مُسْتَحِقٌّ لِسَهْمِ الْفَارِسِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَاتَتْ دَابَّتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ أَرْضَ الْعَدُوِّ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا يُسْهَمُ لِلرَّجُلِ سَهْمَ الْفَارِسِ إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ فَارِسًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ، فَأَمَّا إِذَا دَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَارِسًا، فَمَاتَتْ قَبْلَ الْقِتَالِ، وَقَبْلَ الْغَنَائِمِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ سَهْمَ فَارِسٍ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: فِيمَنْ جَاوَزَ الدَّرْبَ، ثُمَّ مَاتَ فَرَسهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ، الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، قَالَ إِسْحَاقُ: كُلَّمَا لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ، فَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُقَاتِلُ فِيهِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي رَجُلٍ جَاوَزَ الدَّرْبَ، وَبَاعَ فَرَسهُ مِنْ رَاجِلٍ، ثُمَّ غَنِمَ الْقَوْمُ أَنَّ سَهْمَ الْفَارِسِ لِمَنِ اشْتَرَى الْفَرَسَ، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، إِنَّمَا أَخْطَأَ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا: إِذَا جَاوَزَ الدَّرْبَ فَبَاعَ فَرَسهُ، أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ يَكُونُ لَهُ، وَهُوَ جَهْلٌ بَيِّنٌ، وَحَكَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو فِي رَجُلٍ دَخَلَ دَارِ الْحَرْبِ بِفَرَسٍ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا، وَقَدْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ قَبْلَ شِرَائِهِ وَبَعْدَهُ قَالَ: سَهْمُ الْفَرَسِ مِمَّا غَنِمُوا قَبْلَ الشِّرَاءِ لِلْبَائِعِ، وَمِمَّا غَنِمُوا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَسَهْمُهُ لِلْمُشْتَرِي، قِيلَ لِأَبِي عَمْرٍو: فَإِنْ ذَلِكَ أُشْبِهَ عَلَى صَاحِبِ الْمُقْسِمِ؟ قَالَ: يُقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا أَجَابَ بِهِ أَبُو عَمْرٍو فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، إِلَّا قَوْلَهُ: إِذَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْمُقْسِمِ، فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ، أَنْ يُوَقِّتَ مَا أَشْبَهَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، حَتَّى يَصْطَلِحَا وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الدِّيوَانِ رَاجِلًا، أَوْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ غَازِيًا رَاجِلًا، ثُمَّ ابْتَاعَ فَرَسًا، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ وَأُحْرِزَتِ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ فَارِسٌ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ لَهُ إِلَّا سَهْمُ رَاجِلٍ وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ فِيمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِفَرَسٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَقَدْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ قَبْلَ شِرَائِهِ وَبَعْدَهُ، كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ.

.ذِكْرُ مَوْتِ الرَّجُلِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ أَوْ بَعْدَهَا:

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ بِلَادِ الْعَدُوِّ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ الْقِسْمَةُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ وَمَاتَ بَعْدَ أَنْ تُحَازَ الْغَنِيمَةُ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، وَأُعْطِيَ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَفِي قَوْلِهِمَا: إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ لَهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِتَالِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُقَاتِلُ فِي الْغَزْوِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ، أَتَرَى أَنْ يُعْطَى سَهْمَهُ مِمَّا غَنِمُوا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: فَلَوْ لَمْ يَفْتَحُوا إِلَّا بَعْدَ يَوْمٍ، أَتَرَى أَنْ يُعْطَى؟ قَالَ: نَعَمْ، وَحَكَى الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ فِي الْغَزْوِ فَيَمُوتُ أَيُقْسَمُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: لَا أَرَى الْقَسْمَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا يُدَرَّبُ فَاضِلًا فِي سَبِيلِ اللهِ أُسْهِمَ لَهُ، هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ عَلَى الْكُوفِيِّ قَوْلَهُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الدِّيوَانِ رَاجِلًا، أَوْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ غَازِيًا رَاجِلًا ثُمَّ ابْتَاعَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمِ رَاجِلٍ، وَدَخَلَ فِي مِثْلِهِ، حَيْثُ جَعَلَ لِلْمَيِّتِ الَّذِي مَاتَ، أَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا يُدَرَّبُ فَاضِلًا فِي سَبِيلِ اللهِ سَهْمَهُ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَقْتِ الْقِتَالِ فَيَحْكُمَ بِالسَّهْمِ لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَلَيْسَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِتَالِ شَيْءٌ، أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا يُدَرَّبُ فَاضِلًا فِي سَبِيلِ اللهِ يُسْهَمُ لَهُ، فَلْيَقُلْ مِثْلَهُ فِيمَنْ أَدْرَبَ رَاجِلًا، وَاشْتَرَى فَرَسًا، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، أَنْ يُعْطَى سَهْمَ رَاجِلٍ، لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ حَيْثُ أَوْجَبَ لِمَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ أُدْرِبَ سَهْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ غَزَا رَجُلٌ بِفَرَسٍ، فَمَاتَ بَعْدَمَا قُطِعَ الدَّرْبُ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ غَنِيمَةً قَالَ: سَهْمُ نَفْسِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يُسْهَمُ فَرَسهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا لَا يَنْقَاسُ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ مَنْ حَضَرَ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى سَهْمَ فَارِسٍ، أَوْ يَكُونَ فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ، فَلَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ، وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: هُوَ فِي مَعْنَى مَنْ حَضَرَ حَيْثُ يُعْطَى سَهْمَ رَاجِلٍ، وَفِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى سَهْمَ فَارِسٍ فَهَذَا عِنْدِي الِاخْتِلَافُ مِنَ الْقَوْلِ، وَلَا أَعْلَمُ مَعَ قَائِلِهِ حُجَّةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْ مَاتَ بَعْدَمَا أَصَابُوا الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَ الْمُسْلِمُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُسْهَمْ لَهُ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَحْرَزَ الْمُسْلِمُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لِوَرَثَتِهِ سَهْمُهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقُولُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ مَلَّكَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ غَنَائِمَ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَأَجَلَّهُ لَهُمْ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]، الْآيَةَ، فَإِذَا غَنِمَ قَوْمٌ غَنِيمَةً، فَقَدْ مَلَكُوا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا، وَالْخُمُسُ لِمَنْ ذَكَرَ اللهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَلَيْسَ بِتَأْخِيرِهِمْ أَنْ يَقْسِمُوا مَا قَدْ مَلَكُوهُ عَلَى الْعَدُوِّ مِمَّا يَجِبُ إِنْ زَالَ بِهِ مِلْكُ مَالِكٍ عَمَّا مَلَكَهُ، وَلَمَّا قَالَ مُخَالِفُنَا: إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقَسْمَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَهُمْ، أَنْ يُؤَخَّرَ ذَلِكَ، حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ قَبَضَ سَهْمَهُ مِمَّا غَنِمَ، فَإِنَّمَا قَبَضَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ، لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، مَعَ أَنَّ أَحْكَامَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ جَارِيَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَدَارِ الْإِسْلَامِ، دَارُ الْحَرْبِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمًا عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ، وَلَا يُزِيلُ أَمْلَاكَ النَّاسِ.

.مَسْأَلَةٌ:

قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: إِذَا أَدْخُلَ فَرَسًا كَسِيرًا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُرْكَبُ، أَوْ يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَلَا يُسْهَمُ لِصَاحِبِهِ سَهْمَ فَارِسٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ، وَلَا يُدْخِلُ إِلَّا شَدِيدًا، وَلَا يُدْخِلُ حَطِمًا، وَلَا قَحْمًا ضَعِيفًا، وَأَعْجَفًا رَازِحًا، فَإِنْ غَفَلَ فَشَهِدَ رَجُلٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ، فَقَدْ قِيلَ لَا سَهْمَ لَهُ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ كَانَتْ شُبْهَةً.

.مَسْأَلَةٌ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مَرِيضًا، أَوْ كَانَ صَحِيحًا مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ، أَوْ مِمَّنْ يُقَاتِلُ فَلَمْ يُقَاتِلْ، فَلَهُ سَهْمُ الْمُقَاتِلِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُلُّ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يُسْهَمُ لَهُ.