فصل: ذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ مِنَ السَّبْيِ يَصِيرُونَ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ مَا يَجِبُ مِنْ حِيَاطَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمِنْهُمْ مِمَّا يَجِبُ مِنْهُ مَنْعُ الْمُسْلِمِينَ:

6642- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ كَانَ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا وَكَذَا، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ. وَذِمَّةِ رَسُولِهِ خَيْرًا، وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ وَقَالَ عَوَّامٌ: أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ: يُسْبَوْنَ، ثُمَّ يُصِيبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ، إِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ وَيُرَدُّونَ إِلَى ذِمَّتِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنْ يُفْدَى أَسْرَاهُمْ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: هُمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ إِنْ أَدْرَكُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ كَانُوا أَوْلَى بِهَا، وَإِنْ أَدْرَكُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالثَّمَنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ غَيْرَ ذَلِكَ، رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، سَبَاهُمُ الْعَدُوُّ فَبَاعُوهُمْ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ، ثُمَّ بَاعَهُمْ أَهْلُ قُبْرُسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا خَاصَمُوهُمْ، فَكَتَبَ هِشَامٌ: أَنَّ أَجْرَ بَيْعِهِمْ لِمَنِ اشْتَرَاهُمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ أَصَابَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ شَيْئًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ رُدَّ إِلَى ذِمَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهُنَّ بَيِّنَةٌ، كَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ سَائِرِ الرِّجَالِ الَّذِينَ الْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى.

.ذِكْرُ الْحُكْمِ فِي الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَرِي أَسِيرًا مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَدُوِّ بِإِذْنِ الْأَسِيرِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ:

أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ اشْتَرَى أَسِيرًا مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَدُوِّ بِأَمْرِهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَدَفَعَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِنِ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، كَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَشَرِيكٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ قَتَادَةَ، وَأَبُو هَاشِمٍ: يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْقَسِيمَةَ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْأَسِيرُ وَالْمُشْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ الْغَارِمِ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ يَشْرِيهِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْعَدُوِّ: إِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ دُفِعَا إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُمَا بِهِ مَا اشْتَرَاهُمَا، وَيُرَدُّ الذِّمِّيُّ إِلَى أَهْلِ دِينِهِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، يُعْطَاهُ الَّذِي اشْتَرَاهُمَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ ذَلِكَ السُّلْطَانُ، رَأَيْتُ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرِيَا بِهِ دَيْنًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّذِي اشْتَرَى بِهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجِبُ عَلَى الْأَسِيرِ شَيْءٌ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْأَسِيرِ لَزِمَهُ، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ لِلثَّوْرِيِّ: فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ إِذَا أَقَرَّ الْأَسِيرُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ الثَّمَنَ؟ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا قَالَ الْأَسِيرُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَشْتَرِيَنِي بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَمَرْتَنِي بِكَذَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لِيَلِيَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ الْآمِرُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الْحُرِّ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ مِنَ الْعَدُوِّ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالُوا فِي التَّاجِرِ يَشْتَرِي مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ: هُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِي الْعَدُوِّ مِنْهُمْ، أَنَّهُ يَصِيرُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ، فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِنْ شَاءَ بِالثَّمَنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِقَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ أَقُولُ، لَا يَرْجِعُ بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ، وَإِذَا تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَ الْأَسِيرَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ حُجَّةً تُوجِبُ لِمُشْتَرٍ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَسِيرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَالْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ التَّاجِرُ مِنَ الْعَدُوِّ، فِيمَا أَخَذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَالْجَوَابِ فِي الْحُرِّ يَأْخُذُهُ مَوْلَاهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي، كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً.

.ذِكْرُ الْأَسِيرِ يُرْسِلُهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَنْ يَجِيئَهُمْ بِمَالٍ أَوْ يَبْعَثَ بِهِ إِلَيْهِمْ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسِيرِ يَشْتَرِي نَفْسَهُ مِنَ الْعَدُوِّ، عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِالثَّمَنِ إِلَيْهِمْ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَفِي لَهُمْ كَذَلِكَ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي هَذَا: يَفِي لَهُمْ، وَكَذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَوْ يَبْعَثُ فِيمَا قَالَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا خَلَّوْهُ عَلَى فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِمْ إِلَى وَقْتٍ، وَأَخَذُوا عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَدْفَعِ الْفِدَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فِي إِسَارِهِمْ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعُودَ فِي إِسَارِهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَدَعُهُ إِنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ، فَإِنْ كَانُوا امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إِلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمُوهُ، فَلَا يُعْطِهِمْ مِنْهُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا عَلَى شَيْءٍ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهِمْ، إِنَّمَا اطَّرَحَ عَنْهُ مَا اسْتَكْرَهَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي نَاسٍ مِنَ الْعَدُوِّ اسْتَأْمَنُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِالْأُسَارَى فَيُفَادُوهُمْ، فَأَمَّنَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَدَخَلُوا لَهُمْ، وَأَسْقَطُوا عَلَيْهِمْ فِي الْفِدَاءِ، وَقَالُوا: يُفَادَى كُلُّ رَجُلٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ تَرُدُّونَهُمْ مَعَنَا إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ يُفَادُوهُمْ بِمَا يُفَادَى بِهِ مِثْلُهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا، مَنَعَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا مِنَّا فِدَاءَ مِثْلِهِمْ، وَإِلَّا فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ، إِلَّا أَنْ يَعْقُوبَ قَالَ: إِذَا اسْتَطَاعُوا فِي الْفِدَاءِ فَادَى الْإِمَامُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِدِيَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ، أَوْ مُدَبَّرِينَ، أَوْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ، أَوْ عُبَيْدٍ مُسْلِمِينَ، فَادَاهُمْ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا، لَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَدَعْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِنْ أَرْسَلُوهُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِفِدَاءٍ، أَوْ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِنْ وَجَدَ فَدَاهُ، وَإِلَّا رَجَعَ إِلَيْهِمْ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ: يَفِي لَهُمْ بِالْعَهْدِ، وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الْعَدُوِّ يُخَلُّونَ سَبِيلَ الْأَسِيرِ وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ عَلَى أَنَّهُ يَهْرَبُ، وَلَا يُقَاتِلُ، وَيَبْغِيهِمْ شَرًّا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ عَلَى هَذَا، هَلْ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ؟ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ جَعَلَ لَهُمْ عَهْدًا فَلْيَفِ بِعَهْدِهِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَيْهِ عَهْدًا، فَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَهْرُبَ فَلْيَفْعَلْ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِذَا خَلَّوْهُ عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ، لَا أَرَى أَنْ يُفَارِقَهُمْ، فَإِنْ هُوَ فَعَلَ كَانَ قَدْ خَتَرَ بِالْعَهْدِ وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ قَدَرَ عَلَى فِدَاءٍ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ هُوَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفِدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى كُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ، فَلَا يَبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بِقِيمَتِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِيمَا مَضَى.
6643- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَخَذَنِي وَأَبِي الْمُشْرِكُونَ أَيَّامَ بَدْرٍ، فَأَخَذُوا عَلَيْنَا عَهْدًا أَنْ لَا نُعِينَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «فَوَلِّهِمْ، وَلَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ».
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمَنْ حُجَّتُهُمْ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةُ أَبِي بَصِيرٍ فِي أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُمْ بَعْدَ الصُّلْحِ مُسْلِمًا، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ فَرَدَّهُ إِلَى أَبِيهِ، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَرَدَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يُؤْسَرُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، يَأْسِرُهُ الرُّومُ يُوثِقُوهُ ثُمَّ يُحِلُّونَهُ بَعْدُ، فَيَهْرَبُ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا لَا أَرَاهُ أَعْطَاهُمْ عَهْدًا وَلَا مِيثَاقًا، وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ: إِذَا ائْتَمَنُوهُ عَلَى شَيْءٍ لَهُمْ فَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ، وَيَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ، فَلْيَفْعَلْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَمَّنُوهُ، فَأَمْنُهُمْ إِيَّاهُ أَمَانٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ، فَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ، وَإِنْ أُدْرِكَ لِيُؤْخَذَ، فَلَهُ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَتَلَ الَّذِي أَدْرَكَهُ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِيُؤْخَذَ إِحْدَاثٌ مِنَ الطَّالِبِ غَيْرَ الْأَمَانِ، فَيَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْ طَلَبِهِ.

.ذِكْرُ رَقِيقِ أَهْلِ الْحَرْبِ يَخْرُجُونَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ:

6644- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَعْتَقَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ.
6645- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ، بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6646- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الْأَصْبَغِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: خَرَجَ عِبْدَانٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَوَالِيهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُمْ، وَقَالَ: «هُمْ عُتَقَاءُ اللهِ» وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْعَبْدُ يَجِيءُ فَيُسْلِمُ، ثُمَّ يَجِيءُ سَيِّدَهُ بَعْدُ، فَيُسَلِّمُ، قَالَ: لَا يُرَدُّ إِلَيْهِ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ جَاءَ السَّيِّدُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ جَاءَ الْعَبْدُ فَأَسْلَمَ، رُدَّ إِلَى سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا، قَالَ: هُوَ حُرٌّ وَهُوَ أَخُوهُمْ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الْعَبْدِ مِنْ عَبِيدِ الْعَدُوِّ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُسْلِمُ، قَالَ اللَّيْثُ هُوَ حُرٌّ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَرَضِيَ بِالْخَيْرِيَّةِ، فَذَلِكَ لَهُ، وَيُتْرَكُ مَا أَرَادَ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إِنْ أَسْلَمُوا أَنَّ بَيْعَهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَمِمَّنْ حَفِظْنَا ذَلِكَ عَنْهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، يَقُولَانِ: إِذَا أَسَرَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَيَشْتَرِي عَبْدًا مُسْلِمًا ثُمَّ يُدْخِلُهُ مَعَهُ دَارَ الْحَرْبِ، قَالَ: يَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَعْتِقُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا لَا يَعْتِقُ، وَلَكِنَّهُ إِذَا صَارَ إِلَيْنَا بِأَمَانِ أَوْ غَيْرِهِ بِيعَ عَلَيْهِ.

.ذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ مِنَ السَّبْيِ يَصِيرُونَ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ:

جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
6647- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنِ الْوَلَدِ وَبَيْنَ أُمِّهِ، وَالْوَلَدُ طِفْلٌ لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ أُمِّهِ، غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ بِجُمْلَةِ هَذَا الْقَوْلِ: وَإِنِ اخْتَلَفَ أَلْفَاظٌ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْأَوْزَعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

.ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِّينَا عَنِ الْأَوَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ:

6648- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عِقَالٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، كَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: «لَا تُفَرِّقْ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ»، يَعْنِي فِي الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ.
6649- حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ حَمَّادٍ.
6650- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عِقَالٍ، أَنَّ عُمَرَ، كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ مِائَةً مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ مِنْهُمْ أَحَدًا تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ.
6651- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، قَدِمَ بِسَبْيٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَصُفُّوا، فَقَامَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: بِيعَ ابْنِي فِي بَنِي عَبْسٍ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي أُسَيْدٍ: «لَتَرْكَبَنَّ فَلَتَجِيئَنَّ بِهِ كَمَا بِعْتَهُ بِالْيَمَنِ» فَرَكِبَ أَبُو أُسَيْدٍ فَجَاءَ بِهِ.
6652- وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَنْ، سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، قَالَ سَالِمٌ: وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلِ الْقَسْمُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلِ الْقَسْمُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: حَدُّ ذَلِكَ ثَغْرٌ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ حَدَّ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَعَ نَفْسَهُ، وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ فَوْقَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الصِّغَرِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَصِيرَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالرَّبِيعُ عَنْهُ. وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَلْبَسُ وَحْدَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ، وَيَأْكُلُ وَحْدَهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا تُولَهُ امْرَأَةٌ عَنْ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يُرْفَعَ عَنْهُ اسْمُ الْيَتِيمِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى فِي السَّبْيِ أَنْ لَا يُولَهُ وَلَدٌ عَنْ وَالِدَتِهِ.
6653- ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنِي عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ وَحِكَايَةُ سَعِيدٍ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلٌ خَامِسٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَوْلًا سَادِسًا، قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَنِ الَّذِي يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ مِنَ السَّبَايَا؟ قَالَ: السَّبْيُ خَاصَّةً لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، قَالَ: وَقَدْ تَرَخَّصَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْوَلَدَيْنِ مِنْهُمْ، فَأَمَّا السَّبْيُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ، قَالَ: فَالْمُحْتَلِمَيْنِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ: بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا وَالْأَخَوَيْنِ، قَالَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنَ السَّبْيِ، قُلْتُ لَهُ: وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ عُثْمَانُ حِينَ قَالَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَهْلِ الْبَيْتِ: بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ كِبَارٌ، وَقَالَ النُّعْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا إِذَا كَانُوا صِغَارًا، وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا أَوْ نِسَاءً أَوْ غِلْمَانًا قَدِ احْتَلَمُوا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إِلَّا مَا رُوِّينَاهُ، عَنْ عُمَرَ هُوَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَوَالِدَتِهِ فِي الْبَيْعِ، وَأَحْسَبُ أَنَّ الْحَدِيثَ هُوَ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَكِنَّ الَّذِي حَدَّثَنِي، قَالَ: عَنْ عُمَرَ فَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَالِدِهِ فَإِنَّ مَالِكًا قِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ الْوَالِدَ وَوَلَدَهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَبَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَمَّا الْأَبُ وَالْأَخُ وَالْوَلَدُ فَهُوَ أَبْيَنُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُشْتَرَى لَهُ مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنَ السَّبْيِ، وَفِي قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ كُلِّ مَنْ يَرَى أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ. وَيُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، وَلَمْ تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ، قِيلَ: السُّنَّةُ فِي الْوَلَدِ وَأُمِّهِ، وَوَجَدْتُ حَالَ الْوَلَدِ مِنَ الْوَالِدِ مُخَالِفًا حَالَ الْأَخِ مِنْ أَخِيهِ، وَوَجَدْتُنِي أَجْبُرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَالِدِ، وَالْوَالِدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَذَكَرَ كَلَامًا تَرَكْتُ ذِكْرَهُ هَاهُنَا.