فصل: جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْحُكْمِ فِي رِقَابِ أَهْلِ الْعَنْوَةِ مِنَ الْأُسَارَى أَوِ الْفِدَاءِ أَوِ الْقَتْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ بَيْعِ الرَّقِيقِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ السَّبْيِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِمْ، مِنْهُمْ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُبَاعُونَ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ إِذَا كَانُوا مَعَ آبَائِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَرَوْنَ بِبَيْعِ السَّبْيِ مِنْهُمْ بَأْسًا، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ بَيْعَ الرِّجَالِ إِلَّا أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي رَقِيقِ الْعَجَمِ: إِنْ شَاءَ الْمُسْلِمُ بَاعَهُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، لَا يَبِيعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُبَاعُونَ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا كَانَ السَّبْيُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً، فَأُخْرِجُوا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُبَايَعُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيَتَقَوَّى أَهْلُ الْحَرْبِ بِهِمْ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، وَلَا صَبِيُّ، وَلَا امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: الَّذِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ هَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَارَى يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْفِدْيَةَ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، ثُمَّ أُسِرَ بَعْدَهُمْ بِدَهْرٍ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ قَالَ: فَمَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ، وَمَنَّ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَوَهَبَ الزُّبَيْرَ بْنَ بَاطَا لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ؛ لِيَمُنَّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فِيهِمُ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَبَعَثَ بِثُلُثٍ إِلَى نَجْدٍ، وَبِثُلُثٍ إِلَى تِهَامَةَ، وَبِثُلُثٍ قِبَلَ الشَّامِ، فَبِيعُوا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَفَدَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ.
6603- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: أَمَّا الصِّبْيَانَةُ إِذَا صَارُوا إِلَيْنَا لَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَاحِدٌ مِنْ وَالِدَيْهِ، فَلَا نَبِيعُهُمْ مِنْهُمْ، وَلَا يُفَادَى بِهِمْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ مَا كَانُوا مَعَهُمْ، فَإِذَا تَحَوَّلُوا إِلَيْنَا، وَلَا وَالِدَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَالِكِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: رُدَّ إِلَيْهِمْ صَغِيرًا بِمُسْلِمٍ فَيَرُدَّهُ اللهُ عَلَيْنَا كَبِيرًا فَيُضْرَبَ عُنُقُهُ، قَالَ الرَّاوِي: ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، فَأُسِرَ الْغُلَامُ فِي وِلَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ السَّبْيُ إِذَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُبَاعُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ.

.جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْحُكْمِ فِي رِقَابِ أَهْلِ الْعَنْوَةِ مِنَ الْأُسَارَى أَوِ الْفِدَاءِ أَوِ الْقَتْلِ:

.ذِكْرُ إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ قَتْلِ الْبَالِغِينَ مِنْ رِجَالِ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ الْمَنِّ، أَوِ الْفِدَاءِ بِهِمْ:

قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] الْآيَةَ.
6604- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَمَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ». فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبِهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبِّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] الْآيَةَ، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتُ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاء الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ: صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، وَعَلِيُّ، وَعُمَرُ، مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُول اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ، وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمُ الْإِسْلَامَ، قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟». قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُول اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنُ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنُنِي مِنْ فُلَانٍ، نَسِيبٌ لِعُمَرَ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهُمْ، فَهَوَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، جِئْتُ فَإِذَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً لَتَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَبْدُ اللهِ لِي أَصْحَابَكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ». شَجَرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] الْآيَةَ، فَأَحَلَّ اللهُ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ.
6605- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي الْأُسَارَى، إِنْ شَاءُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاءُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَلَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ عِدَّتُهُمْ مِنْهُمْ، قَالُوا: الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ.

.ذِكْرُ خَبَرٍ ثَابِتٍ احْتَجَّ بِهِ مَنِ اسْتَدَّلَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى إِثْبَاتِ الرِّقِّ عَلَى الْعَرَبِ إِذَا سُبُوا وَاخْتَارَ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُمْ:

6606- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ، رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا فِيهِمْ، قَالَ: «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الرِّجَالِ»، وَكَانَتْ مِنْهُمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ». قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ: «هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا».
6607- وَحَدَّثُونَا عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ثَلَاثٌ سَمِعْتُهُنَّ لِبَنِي تَمِيمٍ مِنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا أُبْغِضُ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَهُنَّ أَبَدًا، كَانَ عَلَى عَائِشَةَ نَذْرُ مُحْرَزٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، فَسُبِيَ سَبْيٌ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ، فَقَالَ لَهَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَفِي بِنَذْرِكِ، فَأَعْتِقِي مُحَرَّرًا مِنْ هَؤُلَاءِ». فَجَعَلَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.

.ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِ عَلَى إِبَاحَةِ إِطْلَاقِ الْأُسَارَى وَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَخْذِ مَالٍ:

قَالَ اللهُ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] الْآيَةَ.
6608- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».
6609- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا، كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، فَافْعَلُوا»، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُول اللهِ، فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، وَكَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ، أَوْ وَعَدَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسَلَّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي إِطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا مِنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَعْلَمْ مَا هُوَ إِلَّا إِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّةَ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، بَعَثَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ، فَقَالَ: كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَانِهَا حَتَّى تَأْتِيَانِي بِهَا، فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ، أَوْ شَيْعِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ أَمَرَهَا بِاللُّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَجَعَلَتْ تُجَهِّزُ.

.ذِكْرُ إِبَاحَةِ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى إِطْلَاقِ الْأُسَارَى:

6610- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ ثُمَّ قَالُوا: لَا تَفْعَلُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَيَشْمَتُوا بِكُمْ وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ، لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنَا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ، وَكَأَنَّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَكُمْ فِي فِدَاءِ أَبِيهِ». فَإِنَّمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَا تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أَسْرَاكُمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَاهُ: صَدَقْتُمْ فَلَا تَعْجَلُوا، ثُمَّ انْسَلَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ:
6611- نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ قُرَيْشًا، نَاحَتْ قَتْلَاهُمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
6612- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رِجَالًا، مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: يَا رَسُول اللهِ، ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، قَالَ: «لَا وَاللهِ، لَا تَذَرُونَ لَهُ دِرْهَمًا».
6613- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلَيَّةِ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ.

.ذِكْرُ إِبَاحَةِ إِطْلَاقِ الْأَسِيرِ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ يَعْمَلُهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ:

6614- وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ لَيْسَ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ، قَالَ: فَجَاءَ غُلَامٌ مَنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهِ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟، قَالَ: ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي، قَالَ: الْخَبِيثُ يَطْلُبُ بِذَحْلِ بَدْرٍ، وَاللهِ لَا تَأْتِيهِ أَبَدًا.

.ذِكْرُ خَبَرٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَسْرَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَرْهًا إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ:

6615- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ يَوْمَ بَدْرٍ: «اَنْظِرُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَأْسِرُوا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّمَا أُخْرِجُوا كَرْهًا».

.ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَرْهًا إِلَى الْقِتَالِ حُكْمُ مَنْ خَرَجَ طَائِعًا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنَ الْفِدَاءِ:

6616- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأُمَوِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا، وَاجْتَوَيْنَاهَا، وَأَصَابَنَا بِهَا وَعَكٌ، وَكَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَيَّرُ عَنْ بَدْرٍ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، وَبَدْرٌ بِئْرٌ، وَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا، فَوَجَدْنَا فِيهِ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ: رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَةَ فَأَخَذْنَاهُ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ، كَمِ الْقَوْمُ؟ قَالَ: هُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَعَلُوا إِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كَمِ الْقَوْمُ؟»، هُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَهَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ؟ فَأَبَى، ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ: «كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجُزُرِ؟» قَالَ: عَشَرَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقَوْمُ أَلْفٌ»، قَالَ: ثُمَّ أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: «اللهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، نَادَى بِالصَّلَاةِ، فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، فَصَلَّى بِهِمْ، وَحَضَّ عَلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذَا الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ، إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَادِ حَمْزَةُ»، وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنْ يَكُ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ»، فَقَالُوا: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ: يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى قَوْمًا لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا: جَبُنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ، فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا؟، وَاللهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا عَضَضْتُهُ، قَدْ مُلِئَتْ رِئَتَاكَ وَجَوْفُكَ رُعْبًا، فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ؟، سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا أَجْبَنُ؟، فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ، فَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ سِتَّةٌ، فَقَالَ عُتْبَةُ: لَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ». فَقَتَلَ اللهُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنِي رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَصِيرٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسِيرًا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُول اللهِ إِنَّ هَذَا وَاللهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ، مَا أَرَاهُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُول اللهِ، فَقَالَ «اسْكُتْ، فَقَدْ أَرَزَّكَ اللهُ بِمَلَكٍ كَرِيمٍ». فَقَالَ عَلِيُّ: وَأَسَرْنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْعَبَّاسَ، وَعَقِيلًا، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ.